8 أبريل، 2024 8:38 م
Search
Close this search box.

فنيّة النسق الثقافي لـ”قصيدة التفعيلة” عند الشاعر إياد ميران

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

كتب: مؤيد عليوي

يعود خروج الشعراء العرب عن عمود الشعر، بإبداعهم قصيدة التفعيلة، ليس خروجا على قيود الوزن والقافية من حيث الشكل فقط، بل خروجا على قيم موروث القبيلة وطريقة تفكيرها، منذ أن خرج أبو النواس على معانيها ومقدمتها الطللية، بل سخر في شعره من تلك المعاني ومنها الوقوف على الأطلال في زمان المدن الكبرى حاضرتها بغداد، ولحق به أبو تمام وابن الرومي والمتنبي، والمعري الذي أدخل الفكرة الفلسفية فيه وبسببها صار سجين المحبسين لما واجه من ضغوط مجتمعه أذاك. حتى تطور هذا التغيير في المعنى إلى تغيير جذري في الشكل والمضمون  لتكون قصيدة التفعيلة على يد رائدها بدر شاكر السيّاب سنة 1947، بعد محاولات عباس محمود العقاد منذ  1920، وغيره من الشعراء.

فالشكل والمضمون يكمل أحدهما الآخر في قصيدة التفعيلة العربية، مثل غيرها من أجناس الشعر والأدب، فقصيدة “إلى ما كينزي التي لا يعرفها أحد”، التي تناهض ذاك الموروث القبلي من أجل حرية المرأة وحفظ كرامتها الإنسانية، من اجل تحرير العقل العربي من النظرة الدونية إلى المرأة وجنسها، تلك العقلية التي ترى أن الحرب والغزو هو الحل الأمثل للحياة، تلك النظرة التي عززها الإسلام وجعل من المرأة جسدا لا عقل فيه مع استمرار فكرة الغزو والسبي لكن ليس باسم القبيلة بل باسم الإسلام، فجعل المرأة جسدا وقد حقق هذا المفهوم للنص الإسلامي على أرض الواقع، “دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام” /(داعش)، وكذلك مثله تعامل اغلب المسلمين في دولهم مع المرأة، بما يعزز نظرة القبيلة تلك، منه قبول الإسلام بزواج القاصرات والنظر لها جسدا لا عقل فيه،منها محاولة تمرير قانون زواج القاصرات في العراق الذي لقي رفضا مجتمعيا كبيرا ولم يمر، ولكنه في اغلب الواقع الريفي موجود مثلما موجود في صعيد مصر وغيره، وقد جسدت ذاك الواقع بعض المسلسلات والأفلام المصرية .

المهم أن شخصية “ماكينزي” لبنت صغيرة تم جلبها من لبنان وبيعها في أسواق النخاسة بمكة، ضمن رواية “دكة مكة ” بين مدة الحدث الروائي بين منتصف الخمسينات إلى منتصف السبعينات من القرن المنصرم، لتجسد تلك الشخصية مظلومية المرأة في الواقع العربي، لقد كان عنوان القصيدة لافتا للواقع اليومي الذي تعيشه المرأة العربية اليوم، تحت وطأة حروب داخلية في دول عربية باتت أراضيها ساحة للصراع بين الذين ينادوا أن يحكموا الناس باسم الله..، فيما يكون واقعها في دول وشعوب قصرت المرأة على الفراش منذ صغرها مثل زواج القاصرات في العراق ومصر والسعودية وغيرها، أضف إلى ذلك بيع النساء والبنات من بلد إلى بلد، في تجارة تشبه بيع الرقيق ويُسمى زواج أيضا كما عرضت بعض الأفلام المصرية إلى هذه الإشكالية التي جوهرها اقتصادي أثقل الأسرة العربية بسبب الأنظمة الحاكمة، أضف إلى انعدام فرصة العمل للرجل والمرأة مما يُزيد الأعباء الاقتصادية على الفرد والأسرة .

فالقصيدة تلفت الانتباه إلى المسكوت عنه في ضمائر أغلب المجتمع من الرجال والنساء كذلك بسبب الجماعات الإسلامية وما ينشروه من تحجيم دور المرأة في المجتمع وإخضاعها لقيم الذكورية، ليكون شكلها قصيدة التفعيلة المتحررة من قيود موروث الشعر العربي، منسجما ومضمونها المتحرر من مفاهيم القبيلة العربية وما أنتجته من ظواهر لغوية صوتية كالشعر وغيره، وقبل دراسة وبحث الجوانب الفنية في النص، نتذكر ما تختص به الثقافة العربية الإسلامية، والعقل العربي وما أنتجه ضمن تلك الثقافة الموروثة التي تؤثر بنمط الحياة والمرأة، ما أنتجه من نقد وأدب، إذ كتب الناقد د.كمال أبو ديب:( فقد تقصيتُ تطور المفاهيم التي بلورها عبد القاهر الجرجاني( ت 471 هـ) حلقة حلقة، عائدا إلى الصراع الذي دار ضمن الفكر الديني في القرن الأول الهجري، حول طبيعة اللغة الدينية،وحول طبيعة الخالق، وحول مفهوم الحرية الإنسانية  وكون الإنسان مخيرا أو مسيرا،وتطور المفاهيم المجازية من خلال هذه اللغة القرآنية)) ، وبما أن لغة النص نظام على حد قول مشيل فوكو، فأن موروث الثقافة العربية هو نظام ذكوري مرتكن إلى قيم القبيلة الممتد إلى زمان البنت الصغيرة “ماكينزي”، حيث أختار الشاعر أياد ميران إظهار القيم الذكورية على لسان احد أمراء السعودية، تجسيدا للقبيلة العربية وموروثها القيمي بما يتفق وواقع رواية ” دكة مكة “، أما النص فهو غير منشور بل مقروء في برنامج اتحاد أدباء النجف من صفحة الاتحاد في (الفيس بوك) لذا من الضروري نشرها هنا:

“إلى ماكينزي التي لا يعرفُها أحدْ”

لا تخافي يا صغيرة

لا تخافي يا أميرةْ

كلُّ ما في الأمرِ أصبحتِ مشاعَةْ

كلُّ ما في الأمرِ قدْ صرتِ بضاعَةْ

هيَ ساعاتٌ وأيدي

لكِ تمتدُّ كثيرةْ

لا لإنقاذِكِ ممَّا أنتِ فيهِ

بلْ لتقليبِكِ لا تصرخي

لا تحتجي

إيَّاكِ فذا أمرُ السماءْ

هيَ ساعاتٌ وتغدينَ بقصرٍ

مِنْ قصورِ الأمراءْ

أمةً

فلتشكري الربَّ على هذا السخاءْ

هيَ ساعاتٌ وتحظينَ بساعاتِ اغتصابْ

هيَ ساعاتٌ وهذا الدفترُ الأبيضُ كالثلجِ سيغدو

أسوداً مثلَ كتابْ

لاتخافي يا صغيرةْ

لا تخافي يا أميرةْ

إنَّ هذا العالمَ الطافحَ بالظلمِ وألوانِ العذابْ

إنْ أصبتِ

أنتِ بالإعياءِ

والإغماءِ

أثناءِ انتشاءْ

ذلكَ الخنزير

بالإحراجِ حتَّى لنْ يُصابْ

إنَّ هذا الظلمَ ما دامَ حلالاً يا صغيرةْ

إنَّ هذا الجرمَ ما دامَ حلالاً يا أميرةْ

فهْوَ لا بدَّ وأنْ يغدو صوابْ.

أما في الجوانب الفنية للقصيدة،فهي مِن بحر الرمل، وما يميزها اتصال القافية المتغيرة بالمعنى، حيث تكرر القافية تكرار فنيا في نهاية السطر، وهي متصلة بقافية من نوعها ومعنى سطرها، إذ نقرأ تكرار القافية والسطر في:(كلُّ ما في الأمرِ أصبحتِ مشاعَةْ / كلُّ ما في الأمرِ قدْ صرتِ بضاعَةْ)، ومثله :(هيَ ساعاتٌ وتغدينَ بقصرٍ/ مِنْ قصورِ الأمراءْ /أمَةً/فلتشكري الربَّ على هذا السخاءْ) بما يتصل لما تحوي قصور الأمراء مِن عذاب لصغرها: (إنْ أصبتِ / أنتِ بالإعياءِ /والإغماءِ / أثناءِ انتشاءْ)، ومثله كذلك القافية في :(هيَ ساعاتٌ وتحظينَ بساعاتِ اغتصابْ / هيَ ساعاتٌ وهذا الدفترُ الأبيضُ كالثلجِ سيغدو/ أسوداً مثلَ كتابْ ) بما يتصل باغتصاب سني عمرها الصغير أو طفولتها،في حليّة من الدين: (ذلكَ الخنزير/ بالإحراجِ حتَّى لنْ يُصابْ / إنَّ هذا الظلمَ ما دامَ حلالاً يا صغيرةْ/ إنَّ هذا الجرمَ ما دامَ حلالاً يا أميرةْ/ فهْوَ لا بدَّ وأنْ يغدو صوابْ).

وقد يشير الشاعر أياد ميران في أكثر من قصيدة إلى التناقض في داخل الرجل العربي، منها قصيدة التفعيلة الموسومة بـ” تضاد ” المُستلة من ديوانه ” دفتر أكذب فيه ” ، إذا نظرنا إلى الشاعر أنه صوت المجتمع، حيث نقرأ في قصيدة “تضاد”  الميزات ذاتها من انسجام المعنى والقافية.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب