كتب: مؤيد عليوي
نعلم جميعا أن الاشتغال الفلسفي عملية إنتاج العقل الإنساني، فالسؤال الذي يشغل ذهنية المفكّر اليوم في عالَم سقطت من حساباته الفيزيائية المسافة لتحصيل المعلومة كنتيجة للسبب العلمي بتقدم تكنولوجيا الإلكترونيات الذي يعدّ طفرة غير مسبوقة من قبلُ، هل لنا أن ندرك مدى التغيير الذي حصل على أرض اليوميات للفرد في العالم ومجتمعاته، ومدى تأثيرها على بنية الإنسان العقلية الجوانية والبرانية وجوانبه الروحية والثقافية وتداعياتها التي تظهر في السلوك اليومي.
السؤال هل هذا التغيير يستحق منّا جميعاً أن نفكّر في فلسفة مناسبة لعصرنا هذا وللقادم من الأيام والسنين مع بقاء الثوابت العلمية التي أنتجتْ ما جعل العالم متواصلا فيما بينه بزمن مقداره ثانية أو أقل، إذ لن يقف هذا التقدم العلمي لوسائل الاتصالات عند حدود معينة تماما كما اخترع الإنسان التلغراف الذي يعدّ وسيلة اتصال بدائية الآن، وكما اخترع توظيف قوة البخار لسير البواخر والسفن، فالعلم مستمر إلى ما لا نهاية ولا نهاية للعلم، فمن اخترع الهاتف الجوال لن يقف علمه عند حدودٍ بل يستمر مستقبلا .
السؤال ما الفلسفة التي تأتي مناسبة لجميع البشر في هذا اليوم، قبل الإجابة عن هذا في تفاصيلها الكثيرة، لابد من المرور على شيء من الفلسفة التي غدت اليوم قديمة وربما السؤال كيف غدت قديمة من مثل فلسفة هيغل وماركس وسورين كيركغور وساتر وغيرهم، الجواب: عندما كتب هيغل فلسفته المثالية كيف كانت ظروف المعيشة اليومية للبشر على الأرض، هل كان عندهم (إنترنت)، هل أدرك هيغل اكتشاف ملايين المسافات في الأجرام السماوية البعيدة بواسطة علوم اليوم من الالكترونيات وعلم صناعة الصواريخ التي تعبر الغلاف الجوي للأرض وتجوب المجرات وتصورُ النجوم.
هل أدرك أن العالم اليوم أصبح بضغطة زر واحدة في أقل من ثانية يحصل جميع البشر على المعلومة المتاحة، حتى عمليات البيع والشراء للسلع والمنتجات تحصل في ثانية واحدة عبر الاتصالات وهذا يختص بماركس أكثر من غيره، ومثلهما جميع فلاسفة العصر الحديث في أوربا، وما قبلهم من أبناء البشرية الذين صاروا قدماء بالنسبة لهيغل وغيره في وقتهم الحديث في عالمنا المعاصر صار هيغل وماركس وسورين كيركغور وسارتر وغيرهم وقدماء اليوم هذا منطق العقل الخاضع للوقائع وللتقدم العملي، فالتطور الفلسفي متصل بالتطور العلمي وكذلك النقد الأدبي والثقافي متصل بالاثنين معا لذا هنا أكتب من وجهة نظر إنسانية واضحة وبحتة.
أعلم جيداً أن جميع المشارب الفلسفية المختلفة الموجودة اليوم لها جذور تفكير انحدرتْ منها وتطوّرتْ مع مرور الوقت وبعضها يتصل ببعضها، لكن ما المانع أن نفكر معا أنا وأنت والجميع أقصد من يقرأ هذه الفكرة ويمتلك خبرات عقلية في النظر ليوميات أبناء جنسه البشر، الذي نعيش جميعا على كوكب واحد، هنا يكون أول الأمر الفلسفي الجديد حيث كانت الفلسفة القديمة اقصد جميع ما مر من فلسفة، عن عالم اليوم ينتجها الفيلسوف وهو بنية فوقية أو منزلة عليا فوق المجتمع وهو أمر مفروغ منه قديما.
اليوم من الممكن التواصلي في العالم أن ننتج فلسفة خاصة بعالمنا من الموروث العربي حكمة ولغة، قول الإمام علي ع: (مَنْ شاورَ الرجال شاركها عقولها)، إلا وهي “فلسفة الاختيار” المبنية على المعرفة والعلم والخبرات العقلية للإنسان في التحليل الفلسفي، فينقسم البشر إلى مستويات مختلفة على وفق الشرط العلمي والمعرفي في عالم اليوم، مع ضرورة امتلاك الخبرات العقلية المدربة على التحليل الفلسفي وليس على حفظ المعلومة مع الصدق اليومي في التعامل مع الآخر:
أولا: فلاسفة إنتاج “فلسفة الاختيار” .
عوامل مساعدة ومشاركة في إنتاج “فلسفة الاختيار” يساهمون بتقديم البحوث العلمية الرصينة والجديدة في كافة الحقول العلمية وتطورها في العالم أولا.
ثانيا: الخبرات العقلية التي تمتلك قدرة التحليل الفلسفي التي تكون من تجربة حياتية ويوميات لا نعلم عنها لكن صاحبها يعلم بها بعد أن ينتبه لهذه الفلسفة “فلسفة الاختيار” عند نشرها، وهذه تجربة هذا النوع لا تقضي المعرفة والعلم بل تقتضي الخبرات العقلية وقدرة التحليل الفلسفي التي قد تكون متوافرة عند بشر من غير المشتغلين في الحقل الفلسفي، وهي ضرورية جدا في رفد “فلسفة الاختيار”
ثالثا: المستلم ل “فلسفة الاختيار”.
رابعا: التفكير الدائم عند الجميع بأن الأمور متعلقة باختياراتنا من دواخلنا وتفكيرنا من الإنسان ككل لا يتجزأ .
ما معنى أن تختار وكل شيء متاح أمامك اليوم في سهولة لم تكن معهودة من قبلُ، ممكن أن تختار الخير والشر بحسب مفهوم “فلسفة الاختيار” لتوافر المعلومات بطريقة مقروءة ومسموعة ومرئية. فإذا تحرر الإنسان من خزين المعلومات في خلايا عقله والتي تؤثر في اختياراته سوف يختار بشكل صحيح، ولكي يكن الإنسان بنوعيه المؤنث والمذك ، كما يريد في هذا العالم اليوم الذي يسير بسرعة وبقوة، ولتكن قويا تستطيع المواصلة عليك الاختيار أن تكن قويا وتفرغ ذاكرتك السمعية والصورية من كل ما يحبط من عزيمتك لكي تختار بشكل صحيح وتتحمل مسؤولية اختيارك لوحدك.
بعدها هل تكون مع الخير أو الشر بحسب مفاهيم “فلسفة الاختيار” هذه الثنائية التي كانت موجودة مع آدم وحواء وذريتهم إلى الآن وباقية مستمرة مع بقاء الإنسان، ولكي لا تؤثر خصوصياتك على اختيارك تأكد من صمام الأمان إلا وهو النقاء الفطري حاولوا أن تجدوه في دواخلكم وتعملوا على استرجاعه لتكونوا الإنسان الأول آدم النقي، وهن يصيرن حواء الأولى النقية، اقصد النقاء الأول وهو موجود داخل كل إنسان لكن تؤثر عليه تراكمات الذاكرة وأكثرها تأثيرا ذاكرة العسف والظلم الذي تعرض له الإنسان بسبب شر الآخرين عليه، نأتي جميعا إلى مفاهيم “فلسفة الاختيار”.
أولا : مفهوم الخير في “فلسفة الاختيار” أن لا تظلم الناس، في داخلك النفسي ولا تفكر بعقلك أن تظلم الناس مهما كان الاختلاف بين البشر فطبيعة البشر أن يختلف وهي ميزة العقل، فلو كان بلا عقل لما حصل الاختلاف، لكن العقل ذاته هو مَن يحدد كيف نختار ثم ما العقل هي مجموعة معلومات تلقتها خلايا المخ في رأس الإنسان كوّنت مع مرور الوقت منظومة ذاتية للتفكير عالمه المثالي الخاص به واتخاذ القرار والاختيار، وهذا المفهوم للخير متصل بأنك سوف تختار الصحيح الذي يؤدي إلى خيرأكبر حجما وهو أن تنفع الآخرين، قدر استطاعتك وتدافع بقوة عن نفسك حين يقع الشر من الآخرين، وحاذر أن لا تبتعد عن منطقة الخير فيك ككل لا يتجزأ لكي لا تتحول إلى ظالم عند الإيغال في الدفاع عن نفسك .
ثانيا الشر: بالضد من مفهوم الخير تماما في أولا.
إلى هنا نحدد أنت وإياكم/ وإياكن بما يضاف لهذه الفلسفة، “فلسفة الاختيار” ماهية الاختيارات.
كيف نختار المواقف اليومية بعد تنظيم الداخل الإنساني كما تقدم.
أولا: الإنسان آدم وحواء، أو حواء وآدم، له وجود مادي محسوس يخضع لمعرفة الحواس الإنسانية، وهو واقع ملموس اليوم، هو الإنسان يشبه آدم وحواء من ناحية الوجود المادي والصفات الآدمية، إذن ما الذي تغيير فينا، الذي تغيير أن تطور العلوم المتوافرة بشكل غير مسبوق وأثرت في الجينات الحاملة للوارث فتغيير حجم الإنسان من آدم وحواء إلى الآن، وبقي محتفظ بصفته الآدمية اقصد في قانون مندل الأول والثاني، وهل آدم وحواء الآن وقبل اقصد آدم الأول وحواء الأولى كانا لهما اتصال بعالم الماوراء أو الميتافزيقيا، ربما في لحظات أو ساعات أو أيام كان ذلك.
والاتصال ذاته اليوم مع الإنسان الأكثر فطرة ونقاءا منها بشكل طبيعي عفوي غير مقصود وهذا هو الصحيح، ومنها بقصدية تداولية اليوم ما يعرف بالتخاطر عبر الأثير أو الهواء وهو زائف غير حقيقي ولعبة التافهين والفارغين علميا وفلسفيا، وربما لا يكون هذا الاتصال بعالم الماوراء وهذا الرأي يكون أو لا يكون خاضع لنظرية الاحتمالات من علم الإحصاء فلا توجد تجربة مكتوبة مدونة مكشوفة للاتصال بعالم الماوراء، وإن وجدت فأنها فيها أسرارها غير المسموح بكشفها، وقد تكون موجودة فعلا ولا نعلم كل شيء عنها.
ولكن ما المانع أن يكون هنالك اتصال بعالم بعيد عنا عالم المطلق الماورائي النقي والخير المطلق، إذا كانّا نعترف به ونطلق تسمية تدل عليه إذن هو موجود فالأسماء تدل على الموجودات، لكنه غير مدرك بحواس البشر لا تراه بعيونك ولا تسمعه مباشرة بأذنك ولا تلمسه بيدك، وقد تحدث حوادث خارقة للمألوف فمثلا ترفع امرأة عجوز في الصين حجرا يزن طنا، ما أريد قوله في هذه النقطة أن الإنسان له وجود مادي بل إن المادة قبل تفكير الإنسان فالتراب والماء والهواء والنار مادة قبل وجود الإنسان، ومنها خلق الإنسان هذه بديهية فلسفية ولا تختلف عن عموم النظرة الدينية لكافة الديانات السماوية في خلق آدم وحواء من التراب.
إذن “فلسفة الاختيار” قائمة بين مادية الإنسان وجوده وحركته في الواقع اليومي، وعالمه المثالي الخاص به، فلكل إنسان عالمه الخاص، عقله الخاص، منظومته المعرفية الخاصة به، لذلك قدمت هذه السطور أن يتحرر الإنسان من معلومات تؤثر في قدرته على اختيار الخير بحسب “فلسفة الاختيار”، أن قدرة خلايا عقل الإنسان على هذا الانجاز أو ذاك الانجاز لا يأتي من فراغ بل هي عوامل الوراثة من الأب والأم حسب قوانين مندل الوراثية، وكذلك تأثير الأم في مدة الحمل بل منذ المضاجعة وكذلك حالة الأب فيها، ممكن الرجوع بهذا إلى بحوث الاختصاص، وكذلك عوامل البيئة والمكان والتعليم تؤثر في قدرة خلايا عقل الإنسان وهي الأداة المهمة لكل فعل في اختيارات الإنسان، فالإنسان يحقق ذاته باختياراته ضمن “فلسفة الاختيار” .
ثانيا: لا ضرورة للالتزام بفلسفة قديمة اليوم اقصد كل ما سبق برمته، ستعرف لماذا لا ضرورة عندما تنظر إلى العالم من زاوية حرة بعيدا عن البراغماتية، دول تقودها شركات مالية وصناعية منها ما تلتزم بفلسفة مثالية فوقية تظلم شعوب ودول العالم الضعيف إذا ما قورنت بها، ودول تتعجز على بقايا فلسفة مثالية فوقية أيضا، ودول تتعجز على موروث مادي وتحلم بعصر قوتها المادي وهي تناطح المثالية الدولية اليوم، وجميعها يعاني مواطنيها من الظلم إذا توفر الخبز تغادر الحريات، وإذا توفرت الحريات غاب الخبز وأحيانا في الظروف غير العادية يكون الاثنين في خبر كان غيابا.
أما على مستوى الأفراد والمجتمعات فأين هي الفلسفة المثالية والفلسفة المادية والفلسفة الوجودية وغيرها فالأفراد يخضعون للظروف المحيطة بهم، ثم الكثير من البشر يقرأ ويثقف نفسه ويغذي عقله بمعلومات مختلفة منها الفلسفة التي يريد ويتفاعل مع الآخرين على أساسها والجميع متصل بمصالح مع هذه الفلسفة أو تلك، والإنسان حتما خاضع إلى “فلسفة الاختيار” إذا رجعنا إلى النقاط والسطور السابقة سيجد الإنسان أنه صار يتبنى كذا فلسفة لأن خلايا عقله تم تغذيتها بها وكهذا غيره.
ثالثا في”فلسفة الاختيار” ممكن أن تبني مجتمعا رصينا يحترم حقوق الإنسان والحقوق الفكرية والدينية والاجتماعية والثقافية والقومية وحقوق الفرد الشخصية إذا كان الفرد أحسن الاختيار كما تقدم في أن يكون نقيا فبحسب مفهوم الخير المتقدم من “فلسفة الاختيار”، وهي سهلة جدا تختص بالفرد بمعنى آدم هو آدم الأول النقي وحواء هي حواء الأولى النقية فهي للفرد قبل المجتمع المتكون من أفراد، وهي اختياره الواقعي اليومي، إذا أراد الإنسان أن يقرأ ويفكر ب”فلسفة الاختيار” أو أن يختار غيرها وهنا أيضا سيكون ضمن “فلسفة الاختيار” فهو يختار إذن، لذا صارت” فلسفة الاختيار” ضرورة أن نفكر بها ونضيف لها جميعا مع تقادم الأيام .