23 ديسمبر، 2024 11:22 م

“فرنسا العجوز” .. حينما ينخرها “فقر” الثلاثينيات ويفسد نفسية أهلها !

“فرنسا العجوز” .. حينما ينخرها “فقر” الثلاثينيات ويفسد نفسية أهلها !

خاص : عرض – سماح عادل :

رواية (فرنسا العجوز)؛ للكاتب الفرنسي، “روغيه مارتين دو غار”، ترجمة “محمود قاسم”، إصدار الدار المصرية اللبنانية، الرواية من سلسلة روايات “جائزة نوبل”، كتبت في ثلاثينيات القرن الفائت، تتناول إحدى القرى الفرنسية بعد الحرب العالمية الأولى، وحال السكان فيها بعد أن ساءت أحوالهم بسبب الحرب والأزمة الاقتصادية.

الشخصيات..

“غوانيو”: البطل.. ساعي بريد عجوز، يلف أنحاء القرية ليعطيهم بريدهم، يعيش هو وزوجته في مكتب البريد، يعاني من قلة الراتب ومن العوز المادي.

“لاميلي”: زوجة ساعي البريد.. تعيش معه عمر طويل، تخلت عن حلم الإنجاب وأستعاضت عن ذلك بتربية الحيوانات.

“باكو”: رجل عجوز.. قتل ولديه في الحرب وتوفت زوجته، وتبقى لديه ابن وابنة، قررا إحتجازه في قبو منزله حتى يتسنى لهم إدارة البيت والأرض التي تحيط به دون تدخل منه.

“ارنالدون”: عمدة القرية.. لا يهمه سوى البقاء في وظيفته.

“فلامار”: ذهب إلى  الحرب؛ وبعد عودته وجد زوجته وقد عاشت مع رجل ألماني يدير لها أرضها وزراعتها، وأجبر على العيش معهما، لكنه يشك طوال الوقت في أن زوجته ستطرده، لذا يتجسس على بريدها.

السيدة “فلامار”: سيدة قوية.. تعيش مع رجلين وتسيطر هي على المنزل؛ وهما يعملان تحت إمرتها.

“لوتر”: الرجل الألماني.. الذي يعيش مع الزوجان، “فلامار”، ويقوم بأعمال الزراعة وبيع الخضروات.

“انبرغ”: مدرس القرية.. يعيش مع أخته التي تدرس معه في مدرسة الأطفال، وزوجته وثلاثة أبناء، يحلم أن تتحسن أحواله ويزيد راتبه بدلاً من الوظيفة المنهكة قليلة العائد.

الرواية بها شخصيات كثيرة؛ هم أهل القرية الذين يذهب إليهم ساعي البريد في منازلهم ليعطيهم بريدهم، ومعظمهم من العجائز، الذين يعانون من الفقر وآثار الحرب.

الراوي..

الراوي عليم.. يحكي في حياد تام عن الشخصيات من الخارج، لا يهتم بالحكي عن دواخلهم وأفكارهم ومشاعرهم، إنما يهتم أكثر بسرد معلومات عنهم.

السرد..

السرد هادئ الإيقاع بطيء.. الرواية تقع في حوالي (190) صفحة من القطع المتوسط، وتدور في يوم واحد من حياة ساعي البريد وباقي القرية، يقسم الكاتب الرواية لفصول معنونة بأسماء الشخصيات.

الحرب والأزمة الاقتصادية..

تحكي الرواية عن إحدى القرى الصغيرة في فرنسا، تبدأ منذ الفجر حين يستيقظ ساعي البريد لكي يذهب إلى عمله، يذهب إلى القطار لتسلم البريد الذي سيوزعه على أهالي القرية، أثناء ذلك يكتشف القارئ حياة الشخصيات.. السيد “فلامار”، الذي يتلصص على بريد زوجته ويكره وجود الرجل الألماني الذي يعيش معهما.. العمدة الذي كل ما يهمه أن يظل في منصبه، وابنتيه اللتين تعلمتا جيداً، لكنهما واجهتا خطر العنوسة.. العجوز “باكو”، الذي يحتجزه أبناءه في القبو، وهو لا يعترض على ذلك، العجوزان البلجيكيان الذي يعيشان وحدهما، يعانيان من الآلام الجسدية المبرحة وتساعد الزوجة زوجها على النهوض من السرير والجلوس على المقعد في الحديقة، وتخاف من أن تموت وتتركه وحده دون مساعدة، وتحكي لساعي البريد عن مخاوفها؛ معلنة ندمها أنها لم تتبنى فتاة لتخدمهما وترث المنزل والمزرعة، فيطمع ساعي البريد في ذلك ويسعى لإقناع إحدى المراهقات بالعيش مع العجوزين البلجيكيين مقابل أن يحصل هو على المزرعة بعد موتهما.

ثلاث سيدات ترملن بسبب الحرب، وأصبحن يجتمعن سوياً كل يوم، يعملن في خياطة الحقائب التي تدر عليهن أموالاً ضئيلة، ويربين أبنائهن الذين كبروا وفكروا في الهرب من القرية وفقرها. وعجوز آخر يعيش وحده مع قطته، ينتظر كل يوم زجاجة من الحليب يقتسمها مع قطته، ويردد دوماً لساعي البريد أنه بعد عمله في الحكومة أكثر من ثلاثين عاماً لا ينتظر منها سوى زجاجة الحليب تلك، كما يردد أن النقود شر ولابد أن تختفي من الوجود.

ساعي البريد يتلصص على خطابات أهل القرية، ويحاول أن يكتسب من وراء ذلك أموالاً ليسد نفقاته التي لا يسدها الراتب الضئيل، وشباب القرية الذين يرددون دوماً أمام العجائز أنهم يريدون ترك تلك القرية والسفر بعيداً نحو العاصمة.

الرواية تصور آثار الحرب على هؤلاء الناس، وآثار الأزمة الاقتصادية؛ التي كانت عالمية وقت الثلاثينيات، حيث إنتشر الفقر والكساد في العالم، آنذاك، وحياة الناس مع هذا الفقر من خلال حكي محايد يخلو من الإنفعالات.. وتنحصر الرواية في يوم واحد منذ بدايته فجراً وحتى الليل متتبعة ساعي البريد في تجواله على المنازل.

يصف الكاتب، بالتتابع، كل الشخصيات التي يمر عليها ساعي البريد.. يحكي عن خلفيتهم وماضيهم ووضعهم وأزماتهم بحياد، يصل إلى حد الجفاف، لتنتهي الرواية بنوم الناس في القرية وبكابوس تذكرته أخت “انبرغ”؛ حلمت به في الليلة السابقة، رأت فيه أخيها يخنق زوجته بحبل غسيل.

الرواية تبتعد عن المباشرة، فهي تنقل مظاهر الفقر والبؤس والإحساس باللاجدوى بعد الحرب العالمية الأولى، من خلال رصد حياة الشخصيات بشكل سريع ونقل بعض أقوالهم عن الدولة والحكومة.

الكاتب..

“روغيه مارتن دوغار”، نال جائزة “نوبل” في العام 1937، من مواليد مدينة “نويللي” عام 1881، في أسرة ريفية، كان الأب يتمتع بثراء ملحوظ، مما سمح له أن يكتب الأدب دون الإضطرار إلى ممارسة مهنة أخرى، حصل على البكالوريا في 1900 ودخل مدرسة “الميثاق” الدينية من أجل الهروب من الخدمة العسكرية، تزوج في 1906 من فتاة ثرية وتفرغ للكتابة.

نشر رواية تناولت سيرته الذاتي بعنوان: (أصبح)، تناول فيها أفكار أبناء جيله.. أرتبط “دوغار” بصداقة مع الكتاب من أبناء جيله مثل: “أندريه غيد” و”كوكتو” و”شلومبرغر”، وأثناء سنوات الحرب العالمية الأولى توقف عن الكتابة، وكرس كل وقته لتأليف روايته (التيبو)؛ التي استمر يكتبها طوال عشرين عاماً، نال أثنائها “جائزة نوبل في الأدب”. أثناء الحرب العالمية الثانية كان عضواً نشطاً في المقاومة، وآخر رواية له هي: (الملازم الكولونيل مومور) نشرت بعد موته.

يقول الناقد الفرنسي، “رينيه غارغيلو”: “أن دوغار أكتشف حلاوة الأدب في سن التاسعة؛ حينما أعطاه أحد زملائه كراساً بها قصص من تأليفه، وقد أهتم بقراءة الشعر في هذا السن ثم هجره حين قرأ رواية الحرب والسلام وهو في السادسة عشر”، وفي خطبة ألقاها “دوغار” أمام “أكاديمية استكهولم”، عام 1937، أعترف بفضل “تولستوي” عليه.

كان “دوغار” دقيقاً في عمله، حيث جمع الوثائق والمراجع الخاصة بروايته (غان باروا)، طوال ثلاث سنوات قبل أن يبدأ في كتابتها، ويعتبر النقاد أن روايته تلك أهم الروايات النضالية في القرن العشرين، وقد أثار الشكل الروائي كثيراً، “مارتن دوغار”، فراح يستخدم صياغات متعددة وجديدة أستفاد منها من فنون التصوير والسينما، وصنع ما يسمى بروايات الحوار التي تجمع بين الحوار الداخلي أو الحوار المتبادل.. توفي “دوغار” في 1958 .

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة