خاص: إعداد- سماح عادل
دائما ما يتم ذكر تنظيم “فرسان الهيكل” عند الحديث عن الماسونية والمؤامرات التي تجهزها للعالم، باعتبار هذا التنظيم هو البداية التي نشأت على غرارها فكرة تنظيم الماسونية السري، لذا كان من باب الدقة حين البحث في أمر الماسونية وسريتها أن نتعرف على تنظيم ” فرسان الهيكل” بدقة والتعرف على تفاصيله.
التنظيم الداخلي لفرسان الهيكل..
الكنيسة التابعة لتنظيم فرسان الهيكل في القرن الثاني عشر في ميتز في فرنسا. تبعت قديمًا قيادة التنظيم في ميتز، وتعد أقدم المؤسسات التابعة لتنظيم فرسان الهيكل في الإمبراطورية الرومانية المقدسة. فقد أُسس تنظيم فرسان الهيكل ليكون تنظيما رهبانيا، كتنظيم برنارد السسترسي، والذي يعد أول تنظيم دولي مؤثر عظيم الحضور في أوروبا. وامتاز التنظيم بقوة بنيته التنظيمية، وبخاصة من الناحية القيادية. واختصت البلاد التي تميزت بحضور واسع للتنظيم (مثل فرنسا وإنجلترا وبواتو وبوليا وآراغون وطرابلس وآنطاكية وأنجو والبرتغال والقدس والمجر وكرواتيا) بقائد عام في كل بلد لأعضاء التنظيم فيه.
يدين كل القادة بالولاء إلى القائد الأعلى للتنظيم، والذي يتولى المنصب مدى الحياة، ومهمته الإشراف وإدارة نشاط التنظيم العسكري في الشرق، والنشاط المالي والاقتصادي في الغرب. مارس القائد الأعلى سلطته من خلال سفراء التنظيم، وهم مجموعة من الفرسان يقوم بتنصيبهم بنفسه وبمشاورة مركز التنظيم في القدس، ويضطلعون بمهمة زيارة المناطق والمقاطعات المختلفة، وإصلاح وقائع الفساد بأنواعه، وتقديم القوانين والأحكام الجديدة، والبث في النزاعات ذات الأهمية. وامتلك سفراء التنظيم سلطة تسريح الفرسان من مناصبهم، وكذلك عزل القائد العام للمقاطعة المعنية.
الحفاظ على استمرارية التأثير..
في ظل المهام العسكرية والموارد المالية واسعة النطاق، استطاع تنظيم فرسان الهيكل تمويل عدد كبير من مشاريع البناء في جميع أنحاء أوروبا والأرض المقدسة. العديد من هذه المباني لا يزال قائما، والعديد من المواقع أيضا حافظت على اسم «معبد» نظرا لارتباطه على مدار القرون مع فرسان المعبد. على سبيل المثال؛ بعض الأراضي التابعة لهم في لندن في وقت لاحق تم تأجيرها إلى محامين والذين قاموا بمجهودات لكي يتم تسميتها باسم التنظيم مثل: بار المعبد، محطة قطار المعبد، المعبد الأوسط وغيرها. هناك العديد من المباني تتميز بمعالم لشخصيات فرسان الهيكل مثل صورة فارسين يركبان حصانا واحداً، وهي للتعبير عن حالة فقرهم. أيضا كانت المباني المحيطة تشتمل على تصميمات من كنيسة القيامة بالقدس القديمة.
الأساطير حول فرسان الهيكل..
على الرغم من أن هذا التنظيم قد اندثر تماما مع حرق جماعته ومنهم “دي مولاي” آخر قادته، إلا أن الأساطير لم تتوقف عن الحديث عنهم وعن ثروتهم الطائلة حيث يعتقد أن كنيسة روزلين تحوي كنز فرسان الهيكل. أصبح اسم فرسان الهيكل مرتبط بالأساطير نتيجة للأسرار التي نقلت عنهم منذ العصور القديمة. كثرت عنهم الشائعات حتى في زمن فرسان المعبد أنفسهم، منها رواية أن “جاك دي موليه” آخر رئيس للتنظيم قبل الفتك به قد حذر البابا كليمنس الخامس من اللعنة بسبب تقاعسه عن حماية التنظيم وبأنه سيقابله بعد شهر من موته في الدار الآخرة ليحاكم على جرمه في حق التنظيم، كما وعد الملك فيليپ بأنهما سيلتقيان في الدار الآخرة في نفس عام موته لكي يمثل أمام الله ليبرر جرمه هو أيضا في حق التنظيم. والغريب أن كلا اللعنتين قد تحققت بالفعل في عام 1314 وهو نفس عام إعدام دى موليه حيث مات البابا بعده بشهر فعلا ومات الملك فيليپ في نفس العام بعده بسبعة شهور.
وكان هناك شيء أسطوري آخر أعتُقد أنه ربما يكون تابعا لفرسان المعبد هو «كفن تورينو». ففي عام 1357، وكان أول عرض للكفن في العلن من قبل أرملة أحد النبلاء المعروفة باسم جيوفري دي تشارني، والتي وصفتها بعض المصادر كونها عضوا من عائلة حفيد جيوفري دي تشارني الذي أحرق في كفة الميزان مع دي مولاي، آثار الكفن لا تزال محط جدل، ولكن في عام 1988 تم عمل تحليل الكربون للكفن وتبين أن تاريخها يرجع للفترة ما بين 1260 و 1390، وهي فترة تتضمن النشاط الفعلي لفرسان الهيكل على مدار نصف قرن، وفيما بعد تم استدعاء صحة المنهجية التي يرجع تاريخها إلى التشكيك، ولكن عمر الكفن لا يزال محل جدل كبير.
القوة الاقتصادية الهائلة..
كان النبلاء المتجهون إلى الأرض المقدسة للمشاركة في الحروب يتغيبون سنوات طويلة، فيضعون ثروتهم كلها تحت سيطرة فرسان الهيكل لحمايتها، فإذا مات أو لم يعد نقلوها إلى ورثته أو إلى المنظمة إن رغب في ذلك، ويقال إن ملك فرنسا فيليب أوجست أودع ثروة التاج الفرنسي بمقر فرسان الهيكل في باريس وفوضه في إدارة الأملاك الملكية، وطوال فترة غيابه كانت عوائد إدارة هذه الثروة تذهب إليهم.
وأقام فرسان الهيكل شبكة بنكية داخل أوربا، وبينها وبين الأرض المقدسة وعبر الطرق الممتدة بينهما، فإذا أراد أوربي الحج ذهب إلى أقرب مقر لهم ليودع أموالا تغطي تكاليف الرحلة ويأخذ ما يشبه الصك ليقدمه عند كل مرحلة في رحلته إلى مقر لفرسان الهيكل فيمنحوه ما يشاء من مال، وقد أكسبت هذه التقنية فرسان الهيكل قوة سياسية ونفوذاً اقتصادياً حتى انخرطوا في تمويل التجارة ونقل البضائع، فأنشأوا أسطولاً حربياً تجارياً يتكون من ثماني عشر سفينة، ولم تكن أي دولة أوربية في حينه تملك أسطولاً بمثل سرعته وكفاءته.
صار الفرسان بمثابة شركات متعددة القوميات وعابرة للبحار تستثمر أموال الأمراء والنبلاء وتدير أراضي الإقطاعيين وتؤجر ما تمتلكه من أراض للمزارعين، وبعد خمسين عاماً من تكوينها صارت قوتها الاقتصادية تفوق قوة دول غرب أوربا مجتمعة. وكان من أبرز أنشطة فرسان الهيكل الإقراض بالربا، حيث التفّوا على حكم الكنيسة بتحريم الربا عبر تسميته بالأجرة بدلا من الفائدة، واضطرت الكنيسة للتغاضي عن الأمر لحاجتها إلى تمويل الجيوش، فمنذ النصف الثاني للقرن الثاني عشر أصبحت المنظمة هي الممول الأبرز للحملات الصليبية.
وفي عام 1200 زاد البابا إنوسنت الثالث من قوتهم بإصدار مرسوم ينص على عدم خضوع الأفراد والأموال والبضائع داخل مقرات فرسان الهيكل ومنازلهم للقوانين المحلية الأوروبية.
إحراق فرسان الهيكل..
أصدر البابا مرسوماً باعتقال فرسان الهيكل في كل أوربا ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم والتحفظ عليها، وفي عام 1310 أمر فيليب الرابع بإحراق أربعة وأربعين فارساً منهم أحياء وعلناً في باريس، وقرر البابا حل المنظمة وتحويل ممتلكاتها إلى منظمة فرسان مالطة. وفي السنة نفسها انتهت اللجنة التي كونها البابا لمتابعة قضية فرسان الهيكل وتقديم تقرير عن المنظمة وممارساتها، وكانت النتيجة هي الحكم على دي مولاي بالإعدام على الخازوق عام 1314.
وانتهت بذلك (ظاهريا) قصة الصعود الاستثنائي لأحد أكثر التنظيمات العسكرية نفوذاً، والتي نجحت خلال قرنين فقط من السيطرة على أكثر من 900 مستوطنة، وامتلاك عشرات القلاع والحصون، فضلا عن ابتكارها لأحدث أساليب التسليح والتخطيط العسكري والأعمال المصرفية والنقل والزراعة والتجارة، والتي كان لها فضل في تطور المجتمع الغربي لاحقاً.