“فرج ياسين”.. قصصه تقرأ الحياة الواقعية كما يجب أن تكون

“فرج ياسين”.. قصصه تقرأ الحياة الواقعية كما يجب أن تكون

خاص: إعداد- سماح عادل

“فرج ياسين محمد” هو كاتب وشاعر وقاص عراقي معروف.

حياته..

مواليد 1945 في مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين، كتب الشعر والقصة القصيرة والنقد الأدبي، درس في قسم اللغة العربية بكلية الآداب – جامعة بغداد، ونال درجة الماجستير في القصة القصيرة، ودرجة الدكتوراه في الأدب الحديث والنقد.

نشأ لا يحب المدرسة، لكنه كان يلتقط الورقة الملقاة في الطريق ويقرأ ما فيها، وفي الصف الرابع الابتدائي انتزع من مرسم المدرسة ورقتين تحتويان على قصة وقصيدة من مجلة أهل النفط التي أصبحت تسمى بعد ذلك العاملون في النفط . وبعد سنين طويلة اعتذر من معلم الرسم، فأطرى تلك السرقة حيث كانت الأولى والأخيرة.

توفى والده وهو في سن الخامسة عشرة، كانت أول أبيات شعرية نشرت له، وهو طالب في الصف الرابع الثانوي.

منذ أواسط الستينيات ثم السبعينيات اهتم بالقراءة في مجالات (الماركسية والوجودية وأدب المقاومة و بزوغ صفحة ما بعد الحداثة) راصدا التطورات في فنون الشعر والرواية والقصة والفن التشكيلي والمسرح والسينما، وكان أحد الشعراء الذين قدمتهم مجلة “الكلمة” في عددين من أعدادها بوصفهم شعراء ما بعد الستينيات والسبعينيات، وحين انتقل من بغداد للعمل في سلك التعليم الثانوي في إحدى قرى تكريت منذ عام 1975 بدأت علاقته مع القصة.

عمل أستاذ مساعد في كلية التربية للبنات / جامعة تكريت، وكان عضو اتحاد الأدباء العراقيين، وعضو مؤسس لاتحاد الأدباء فرع صلاح الدين، وأول رئيس له، عضو اتحاد الأدباء والكتاب العرب، عضو الهيئة الاستشارية للتأليف والترجمة والنشر في وزارة الثقافة العراقية. عضو الهيئة الاستشارية لمجلة إمضاء الفصلية. رئيس الهيئة الاستشارية لقصر الثقافة والفنون في محافظة صلاح الدين.

أعماله..

قصص قصيرة:

  • حوار آخر (1981)، دار الرشيد للطباعة والنشر، بغداد، العراق.
  • عربة بطيئة (1986) ، دار الشؤون الثقافية، بغداد، العراق.
  • واجهات براقة (1995)، دار الشؤون الثقافية، بغداد، العراق.
  • رماد الأقاويل (2006)، دار الشؤون الثقافية، بغداد، العراق.
  • ذهاب الجعل إلى بيته (2010)، ثلاث قصص طويلة (ذهاب الجعل إلى بيته، هو الذي خسر كل شيء، الصبي 56)، دار تموز، دمشق، سوريا.
  • بريد الأب (2013)، دار الروسم، بغداد، العراق.
  • قصص الخميس (2016)، دار إمضاء، بغداد، العراق.
  • الأعمال القصصية الكاملة (2022)، عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق.

النقد:

  • توظيف الأسطورة في القصة العراقية الحديثة (2000)، ط1، دار الشؤون الثقافية، بغداد العراق.
  • أنماط الشخصية المؤسطرة في القصة العراقية (2006)، ط1، دار الشؤون الثقافية، بغداد العراق.
  • توظيف الأسطورة في القصة العراقية الحديثة (2020)، ط2، دار كفاءة المعرفة، عمان، الأردن.

طفولة..

في حوار معه أجراه “سلام كاظم فرج” يقول “فرج ياسين” عن نفسه: “فرج ياسين: هذا هو اسم الشهرة الذي اتخذته منذ أول أبيات شعرية نشرت لي، وأنا طالب في الصف الرابع الثانوي، منزها نفسي عن أي انحياز يميل بي عن الصفة الإنسانية، كالانحياز إلى المدينة أو لقب العائلة أو العشيرة . ولدت في لحظة تاريخية هي نهاية الحرب العالمية الثانية، وبدء صفحة الرعب جراء إلقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناكازاكي، وكان والدي قد منحني هذا الاسم قبل ولادتي بيوم واحد حين سجل اسمي في قائمة العائلة  وكان وكيل تموين، مستشرفا حالة يكتنفها التشوف والرجاء والتفاؤل، لأن الأسرة رزقت بأربع إناث قبلي، وكانت هذه التسمية تشكل تماهيا عادلا مع حلمه الأبوي .

نشأت فتى حالما مدلّلا خجولا عليلا، لا أحب المدرسة. توفى والدي وأنا في سن الخامسة عشرة، فنعمت برعاية ثلاثة أعمام وأخت كبرى أصبحت معلمة منذ عام  1959 وفي تلك الفترة أورقت بوادر التشكل النفسي الأول، إذ جعل صدى ارتطامي بالعالم في النمو . وقوف شخص على درابزين نادي الموظفين في تكريت وهو يرفع يده بقطعة لحم آدمي وينادي هذا لحم الوصي عبد الآله من يريد أن (يشيش ويشوي) جعلني أرتد إلى منطقة السلام والحب والفضيلة في أعماقي، فما احتقرت شيئا  كاحتقاري للعنف وتدمير الروح الإنساني، ثم انسحب ذلك على السياسة فلم اشتغل بها ولم أنتم  إلى حزب، ولم أستجب لوعد ما، وصدق حدسي إذ كان الساسة العراقيون أحد فئتين، أما هواة أنصاف متعلمين محمولين على غواية السلطة والوجاهة، وأما مناضلين حقيقيين عصاميين واعدين ولكن من دون جماهير حقيقية .

نظرية نقدية عراقية..

ويجيبب “فرج ياسين” عن سؤال هل ما زلنا نسعى لتأسيس نظرية نقدية عراقية، أم أن هذا الهدف قد تحقق: “من الخطير جدا طرح هذا السؤال ولاسيما وأنه ينصب على استجلاء نظرية نقدية عراقية وليس عربية، وأخي العزيز يعلم أن كل ما وصلنا من مقدمات ومبادئ ومرجعيات أسلوبية حديثة جاء عن طريق الغرب، وها نحن نتبنى المناهج السياقية كما تبلورت عندهم، أقصد المنهج التاريخي والاجتماعي والنفسي والانطباعي والأسطوري، وكذلك المناهج النصية بأنواعها البنيوية والتفكيكية ومنهج القراءة والتلقي … الخ .

وقد بذلت جهود لايستهان بها لإيجاد مقتربات تعامل المعطى المصدر بروح لا تضيع جهود تلك المفاتيح التي ابتكرها نقادنا القدماء وأضاعتها حقب التخلف والنكوص، وأنموذج هذه الرؤية هي نظرية النظم للجرجاني ورؤيتها الرائدة، لكن المشكلة في التراث النقدي العربي أنه لم يكن يشكّل حلقات مترابطة تؤدي إحداها إلى الأخرى، بل أن كل ناقد سجل جهده باسمه ورحل.

أما في الوقت الحاضر فمن الخطير جدا القول بأن هناك مناهج عربية واضحة الحدود والسبب يعود إلى أن العرب لم يسجلوا منجزات فكرية خاصة بهم، ولم يطرحوا فلسفات ولم ينتجوا أدبا يستطيع اجتراح رؤية منهجية كما حصل  على سبيل المثال  في أدب أمريكا اللاتينية، إذ أضاف إلى المدرسة الواقعية اتجاهين جديدين هما الواقعية السحرية والواقعية الخيالية، والمنهج في هذه الحالة يولد من خلال سيرورة المنطلقات العلمية والمنجزات الأدبية .

الواقعية الاجتماعية..

وعن توجه قصصه نحو الواقعية الاجتماعية وهل هو انحياز للاجتماعي والالتزام على حساب التفكير بأنماط سردية جديدة يقول “فرج ياسين”: “دعني اتفق معك إلى حد ما، على أن قصصي أرادت أن تقرأ الحياة الواقعية ليس كما هي ولكن كما يجب أن تكون، وعلى وفق هذه الدعامة الأرسطية، وجدت أننا مازلنا بحاجة إلى الموجه الانتقادي لأن التجديد الذي حصل منذ أواسط الثمانينيات أشتغل على الموجهات الفنية، وفي غمرة ذلك تم تناسي مايجد ويتغير ويتحول في الحياة الاجتماعية، لكنني لم أكن في منأى عن كل ذلك . جربت أشكالا سردية كثيرة، ولعل مقالات وبحوث الملف سوف تجيب على كل ذلك .

الشعر..

وعن البدايات في الكتابة والنشر والنص الأول والأصداء التي لقيها لدى الأصدقاء والنقاد يقول: “البداية كانت مع الشعر ومنذ المرحلة الابتدائية،  أما مع النشر فقد بدأت مع ملحق جريدة الجمهورية الأدبي 1967 – 1968، إذ كانوا ينشرون لي قطعا شعرية في بريد القراء (وقد أشار سامي مهدي في كتابه الموجة الصاخبة إلى أن بعض الذين كانت تظهر أسماؤهم في بريد القراء أصبحوا من أدباء العراق المعروفين)، وحين كنت طالبا في كلية الآداب أرسلت قصيدتين إلى مجلة ألف باء وبعد قرابة شهر ذهبت إلى المجلة فاستقبلني رئيس القسم الثقافي الذي عرفت بعد ذلك أنه فاضل العزاوي وقال لي أن قصيدتي (وجه القوة) ستنشر في الأسبوع القادم أما الأخرى فأني لا أعرف معنى كلمة فيها وهي (السعوط) فشرحتها له قائلا أنه (النشوق)، وهو مسحوق التبغ الذي يوضع في الأنف، فضحك وأكد لي أنها ستنشر لاحقا أيضا .

حين شاهدت قصيدة وجه القوة على صفحة مجلة ألف باء، أخذني الزهو وخيل إلي أن كل الناس قد قرؤا قصيدتي وتعرفوا علي . ثم نشرت لي بعدها مجلة الإذاعة والتلفزيون وصوت الطلبة وألف باء لعدة مرات ومجلة الكلمة في عددين ومجلة الأقلام ضمن ملف الشعراء السبعينين وجريدة الجمهورية والطليعة الأدبية وكتاب شعراء الطليعة العربية الذي أعده الشاعر علي جعفر العلاق .

وفي عام 1974 اشتركت مع صديقي غالب المطلّبي في كتابة مسرحية عنوانها المسد نشرتها مجلة الأديب المعاصر، ومن بوابتها دخلت حوزة السرد، بعد عامين كتبت  قصتي الأولى الصرّة وأرسلتها بالبريد إلى غالب فقدمها إلى مجلة الأديب المعاصر ونشرتها في عددها الجاهز للطبع، فلقيت استحسانا كبيرا من مجموعة أصدقاء ومعارف مقهى البرلمان . وبعد شهرين نشرت مجلة ألف باء ومجلة الإذاعة والتلفزيون قصتي (الحبل والرجل )، وما أن حل عام 1981 حتى أصدرت دار الشؤون الثقافية العامة مجموعتي القصصية البكر (حوار آخر)، وقد اخترت منذ ذلك الحين أن أتفرغ لكتابة القصة من دون أن أفرّط بقوة الشعر الحيوية في لغتي أو حياتي.

رماد الأقاويل..

في مقالة بعنوان “الأسطورة والواقع في المجموعة القصصية رماد الأقاويل لـ فرج ياسين” كتب “فيصل عبد الوهاب: “القاص فرج ياسين نوع نادر من الأدباء الذين دأبوا على ارتياد مناهل الحقيقة وكرسوا حياتهم لخدمة قضية الفن الكبرى كالمتصوفة الزاهدين الذين لا يرون من الحياة قشورها ولا يقتنصون منها إلا لباب الجوهر .

صدرت له الكتب التالية: وآخر ما صدر له المجموعة القصصية (رماد الأقاويل 2006) . تطالعنا قصة (حافات السنين المدببة) حيث يخيل للمرء عندما يقرأ بداياتها أنه في الطريق إلى تسجيل قصة وفاء أسطورية على نمط ملحمة الاوديسا عندما تنتظر بنيلوبة زوجها المغامر اوديسيوس حفنة من السنين ريثما يعود وربما لا يعود ولكن القاص هنا يصدمنا بالنهاية التي تنزلنا من عالم الأساطير إلى عالم الواقع لأن المرأة العجوز (روفة) التي صبرت على ذكرى خطيبها الغريق كل هذه السنين فجرت صبرها بنزوة كان يمكن أن ترتكبها مع الصبي الذي تخيلته خطيبها المعشش في ذاكرتها. إن القاص هنا يتعمد كسر الأسطورة بطريقة تخبرنا بضرورة الانصياع لمتطلبات الجسد أو أنه لا مفر من ذلك وفق الفلسفة الحتمية”.

البيت..

في مقالة بعنوان (بيت فرج ياسين) كتب “محمد صابر عبيد”: “تدلف إلى بيت فرج ياسين في مدينة تكريت “حيّ الأربعين” من الباب الخارجي فتستقبلك الحديقة على يسارك، مربعة الشكل تقريبا، تحيط بها أشجار البرتقال والليمون والنارنج وكأنها تحرس النجيل الأخضر المهيمن عليها، هذه الحديقة هي وطن الضيوف في المساءات الصيفيّة الجميلة الرائقة.

تعلّمَ في بيت فرج ياسين معنى جديداً للكرم لطالما فكّرَ فيه وبحث عنه وحارَ في معناه، فالكرم عنده إحساسٌ لطيفٌ وكاملٌ وآنيٌّ بالآخر، وليس موائد باذخة ذات طبيعة احتفاليّة تُعنى بالسُمعة والدعاية والإشهار أكثر من عنايتها بإسعاد الضيف وفهمه، ثمّة روحيّة بالغة الخصوصيّة إذا ما توفّرت في صاحب البيت حضر الكرمُ بأعلى تمثيلاته الحيّة والغزيرة والخصبة، وكان هذا البيت، بيت فرج ياسين، كامل الروحيّة، بحيث لا تغيب ولو لحظة واحدة عن الحال حتّى وإن كانت الظروف أحياناً غير مواتية، وما زال هذا البيت مع بُعدِ المسافة وصعوبة الظَرف حاملاً لهذه الروحيّة في الوجدان والذاكرة والحلم”.

وفاته..

توفي يوم  23 أبريل 2025.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة