خاص: كتبت- سماح عادل
هي “فدوى عبد الفتاح آغا طوقان”، ولدت في1917 في “نابلس” بفلسطين، ذهبت إلى المدرسة بضع سنوات ثم منعها أخوها من الخروج من المنزل بتعسف، ثم علمها أخوها الشاعر” ابراهيم طوقان”اللغة ونظم الشعر وشجعها على نشر قصائدها في الصحف العربية، وأطلق عليها اسم “أم تمّام”، ثم أسماها محمود درويش فيما بعد “أم الشعر الفلسطيني”.
توفي والدها ثم أخوها إبراهيم، وتلا ذلك احتلال فلسطين 1948، أثرت تلك الأحداث عليها وظهرت في قصائدها، وقد اقتحمت” فدوى طوقان” الحياة السياسية خلال الخمسينيات من القرن الفائت، وفي بداية الستينيات سافرت إلى لندن، وعاشت هناك سنتين، وقد سهل لها ذلك الاطلاع على الثقافة الغربية، وبعد هزيمة يونيو 1967، بدأت تفاعلها في الحياة العامة في “نابلس”، فبدأت بحضور اللقاءات التي كان يعقدها الشعراء الفلسطينيون من أمثال محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وسالم جبران وإميل حبيبي وغيرهم.
مراحل شعرها..
كانت “فدوى طوقان” من أشهر الشعراء في عهد الانتداب وكذلك الشاعر “أبو سلمى” الذي استقر في دمشق، وقد تطورت فأغنت الشعر العربي بالشعر المميز الذي يعبر عن اكتشاف الأنثى لذاتها
المرحلة الأولى: كتبت” فدوى طوقان شعرا على غرار الشعر العمودي وكان ذا نزعة الرومانسية، ويظهر ذلك في ديوان “وجدتها”، و”وحدي مع الأيام”.
المرحلة الثانية: تحول شعرها إلى الرمزية و الواقعية، وكان في معظمه على نمط الشعر الحر، وذلك في ديوان “الليل والفرسان”، و”أمام الباب المغلق”.
المرحلة الثالثة: عادت لنمط القصيدة العمودية.
الشعر لأجل الوطن..
كانت “فدوى طوقان” في 1967 شاعرة محرضة لشعبها في مواجهة الهزيمة، كان شعرها رافضا لها وقصائدها مشتعلة بالنضال والبطولة والتحدي، وكانت تسرب قصائدها سرا من “نابلس” في الضفة الغربية إلى القاهرة وبيروت، ومنهما إلى الصحف والإذاعات، كانت كلماتها ملهمة لأبناء شعبها من بين ثنايا هذه القصائد كان جمال جديد يتألق هو جمال الصدق والعنفوان والثورة، شيء مغاير لجمال البلاغة وروعة الصور.
فقد تأثرت “فدوى طوقان” باحتلال فلسطين 1948 وزاد غضبها بعد احتلال “نابلس” خلال حرب 1967 فذاقت طعم الاحتلال وطعم الظلم والقهر وانعدام الحرية، لكنها قاومت بالكلمة، بالقصيدة والتي خلدتها وخلدت قضية شعبها.
قضية المرأة..
لم يقتصر شعر “فدوى طوقان” على الحماس والنضال وعلى قضية وطنها بل كانت ترثي أخيها الشاعر ابراهيم طوقان، كما أنها عبرت عن همومها كامرأة ففي قصائدها صورت معاناة الفتاة التي تعيش في مجتمع مغلق به تقاليد وعادات مجحفة، ودعت في قصائدها إلى تحرر المرأة وإعطائها حقوقها واحترام مواهبها وإبداعاتها، فتقول عنها “وداد السكاكيني”: ” لقد حملت فدوى طوقان رسالة الشعر النسوي في جيلنا المعاصر يمكنها من ذلك تضلعها في الفصحى وتمرسها بالبيان وهي لا تردد شعرا مصنوعا تفوح منه رائحة الترجمة والاقتباس وإن لها لأمدا بعيدا هي منطلقة نحوه وقد انشق أمامها الطريق”.
سنديانة فلسطين..
يقول عنها الكاتب علي الخليلي “يليق بفدوى طوقان أن تحمل لقب “سنديانة فلسطين”، و”أم الشعراء”، و”الجبل الثالث في نابلس”. ويليق بها أن تحمل اسم “شاعرة العرب” في هذا العصر. ويليق بها أن تكون الشاعرة العربية في مختلف العصور. ليس ثمة في الذاكرة الشعرية العربية، من ألف سنة إلى الآن، شاعرة بحجم فدوى طوقان. تمتلئ هذه الذاكرة الخصبة بأسماء وألقاب عشرات، وربما مئات الشعراء الذين يتربع على رأسهم “المتنبي”، إلا أن القائمة الطويلة لهؤلاء الشعراء، من الماضي البعيد، إلى الحاضر الراهن، لا تشتمل على امرأة عربية شاعرة في أي عصر، استطاعت أن تخترق الصفوف، وأن تذلل الصعاب الكثيرة، لتتبوأ القمة العالية، سوى فدوى طوقان، في هذا العصر. على مدار ثلاثة أجيال، في زمن العتمة والخوف والنكبات، واصلت فدوى طوقان رحلتها “الجبلية الصعبة”، ثم رحلتها “الأصعب”، قصيدة بعد قصيدة، ومعاناة إثر معاناة، على الطريق نحو القمة التي هي قمة شعبها وأمتها وقضيتها الفلسطينية. ولعلها قمة الإنسانية بشكل عام القمة في الشعر، والقمة في الإصرار على الوصول إلى الفيض المتوهج في قلب الأرض، وفي قلب الإنسان. والقمة في الانتصار على العتمة والخوف والنكبات”.
الشاعر مقاتل..
في حوار لها في إحدى الصحف العربية تقول “فدوى طوقان”: ” في اعتقادي أن دور الشاعر والأديب لا يقل أهمية عن دور المقاتل في ساحة المعركة, فالشاعر الوطني الذي ينظم الشعر الحماسي يكون دافعا قويا لهؤلاء المقاتلين للصمود والاستبسال في المعركة, وأذكر في هذا السياق أنه في خلال حرب 67 قرأت قصيدة في الإذاعة بعنوان ” لن أبكي” وكانت هذه القصيدة حماسية لدرجة أن مجموعة من المقاتلين سمعوها وعندما انتهت القصيدة قام أحدهم وأحضر مصحفا وأخذوا يحلفون عليه واحدا تلو الآخر, أن يقاوموا حتى النهاية وأن لا يستسلموا أبدا”.
وعن شعراء المقاومة تقول “فدوى”: ” محمود درويش, سميح القاسم, توفيق زياد, من أبرز شعراء المقاومة الفلسطينية, كتبوا أشعارا ساعدت كثيرا على دفع المقاومة إلى الإمام ودعم الثورات والانتفاضات السابقة, وأنا ضد من يقول أن شعر المقاومة ذهبت مناسبته لأنه شعر حقيقي وصادق ويصلح لكل ثورة فلسطينية في أي زمان كان, لأنه حالة فريدة من الشعر تخص مقاومة الشعب الفلسطيني ذاته”.
وعن اتهامها بأنها شاعرة ذاتية تصرح: “هذا صحيح, فقد كان يتهموني بأني شاعرة ذاتية أكتب شعرا عن تجربتي الذاتية في الحياة, لكن القارئ لسيرتي الذاتية يعرف لماذا كان ذلك, فطريقة نشأتي وتجربتي الشخصية وهي أن الإنسان خلق وحيدا ويتعذب وحيدا ويموت وحيدا وأنا أنظر إلى معاناتي فأجد أن لا أحد يتعذب معي فأنا لوحدي, وهذا كله جعلني أكره وحدتي خاصة أن الإنسان والشاعر بالذات لا يتكامل إلا مع الجماعة. وهذا الشعور لم يعد لي إلا بعد حرب حزيران حيث عدت لها, فالاحتلال الإسرائيلي أرجع إلى الإحساس بنفسي ككائن اجتماعي, فقد كنت بسببه التقي بالجماهير الشعبية, عرفت القيمة والمعنى الحقيقي الذي يتحمر في دنان الشعب”.
عذاب الضمير..
وفي حوار ل”فدوى طوقان” مع الشاعر الفلسطیني “محمد حلمي الریشة” أجراه معها في 1998 ونشره مؤخرا، تقول عن الذكرى الخمسون لنكبة الشعب الفلسطیني العربي: “كل ما یؤلمني ویزید من معاناتي، ھو المستقبل الآتي، مستقبل أطفالنا. نحن ابتلعنا الطعم، ولم تزل شوكة الصنارة في حلقنا ماذا سیقول أطفالنا في الأیام القادمة، إن لم یتغیر المشھد لصالحنا نوعا ما؟ صحیح أننا قد لا نكون أمام سؤالھم، ولكنة عذاب الضمیر”.
وعن رؤيتها للمستقبل الفلسطیني تقول: ” كأني أراه الآن وقد طمسه ظلام أشد. لقد طال زمن مشوار المعاناة كثیرا، وما من بارقة أمل في ھذه العتمة الكبیرة، لدرجة تشعرني بأننا قد دخلنا إلى حالتنا التي نرى ونعیش بمواعید كاذبة وإجراءات خادعة. ھكذا نصبح غیر قادرین على رؤیة أنفسنا أیضا، وأرجو ألا یحدث ذلك. لقد سعى ویسعى ما یطلق علیه “النظام العالمي الجدید”، الذي یعني أمریكا فقط، لحل القضیة الفلسطینیة لصالح (إسرائیل). لقد تعاملنا معھم بحسن نوایا لنحصل على جزء من ھواء أرضنا المحتلة على الأقل، ولكن الله في عوننا، إذ إن علینا كل یوم أن نكتشف القبیح المغلف بھالات الأمل الخادعة”.
وعن الشعر وماذا يمثل لها تقول “فدوى طوقان”: “الشعر في حیاتي ھو كل حیاتي، وھو رفیق مخلص لي، ولكن مرت علي فترات توقف طویلة كنت أشعر فیھا أن نھر الشعر قد توقف عن الجریان أو غادره ماؤه، فجف، واكتشف أن ھذه الفترات لم تكن سوى فترات تخزین وتحضیر للقصیدة أو القصائد التالیة، منحني الشعر كثیرا من تقدیر الآخرین واحترامھم في الوطن وخارجه، أضف إلى ھذا أنني كرمت كثیًرا بل أكثر مما استحق، وھذا یشعرني بأنني قدّمت شیئا ما لھذا الوطن العربي الكبیر، وأن حیاتي التي كرستھا للشعر كانت ذات قیمة ومعنى”.
الشعر العربي..
وحول المشھد الشعري العربي تقول: “إن الشعر العربي تطور كثیرا جدا، ودخل مراحل إبداعیة متمیزة، وذلك من خلال الكثیر من الرموز التي ساھمت في تجویده والرقي به، وأعتقد أن ھناك ضرورة للاھتمام بترجمته لیصل إلى درجات العالمیة بشكل أوضح، فلدینا الكثیر من التجارب الإبداعیة، لیست شعریة فقط، یمكن أن نفخر بتقدیمھا للعالم، وذلك من خلال إنشاء ھیئة ترجمة عربیة موحدة من مختلف الدول العربیة، ولیس أن تنتظر أن یترجم لنا بعض المھتمین في الغرب بعضا من النصوص. إن الترجمة تساعد في فھم العالم لنا، وتغییر صورتنا في عیونه، تلك الصورة التي یلعب الإعلام المعادي متعمدا رسمھا بشكل سيء”.
زعن الجدل حول قصیدة النثر. كان رأي”فدوى طوقان”: ” ھذا الاصطلاح فیھ خطأ كبیر، كیف یمكن أن تكون القصیدة قصیدة ونثرا في الوقت نفسه؟ یجب أن توضع تحت مصطلح نص، ولیس قصیدة، لأن القصیدة في الأصل ھي وعاء الشعر، ولیست وعاء النثر. لقد أخذت معظم الفنون الكتابیة بخاصة، أسلوب الشعر في صیاغاتھا كالروایة والقصة القصیرة لأن لغة الشعر ھي اللغة الأعلى، وھذه الخاصیة تتكئ على الأوزان التي تبث موسیقاھا وإیقاعاتھا، وإذا فقدت القصیدة ھذه الخاصیة فُقدَ معظم الشعر منھا. وھنا أود القول إنني أتفق بشدة مع الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي حول رأیه الرافض لما یدعونه “قصیدة ً النثر”، حیث قال أیضا: إن طغت مثل ھذه الكتابة مستقبلا بشكل كبیر، فإنه لن یكون ھناك شعر عربي أبدا. كل شيء في الحیاة له إیقاعه الخاص حتى وإن لم نسمعه، لكن الأوزان الشعریة تجعل إیقاع الشعر إیقاعا جمالیا یساعد في انسیاب القصیدة وتغییبھا یعني تغییب حیاة القصیدة”.
وعن الشعر الفلسطیني تقول: “إن شعرنا الفلسطیني جزء أصیل من شعرنا العربي، ونحن جزء من الشعب العربي، ولسنا حالة خاصة أو استثنائیة بسبب وضعنا الخاص كما كانت النظرة، وربما لا تزال، وأصالته نابعة من اللغة المشتركة والھم العام والمصیر الواحد، فالآلام والتحدیات والطموحات واحدة على امتداد جغرافیا الوطن العربي، واختلاف مضموننا الفلسطیني شيء بديھي لأن المضمون یختلف من بلد إلى بلد، بل ومن شاعر إلى شاعر آخر، وھذا جید وحالة طبیعیة بلا شك، وشعرنا الفلسطیني ترسخ كثیرا في وجدان الوطن العربي، وبعضه في العالم، كما ترسخ في وجداننا كثیر من الشعر العربي والعالمي، وبالتالي فإن الصورة مطمئنة جدا كما أعتقد ویعتقد غیري. أما بالنسبة إلى شعراء الجیل الرابع، كما یصطلح، بسبب تنقلي الكثیر وسفري المتواصل بین الحین والآخر، فأنا أعترف بأنني لا أتابع كتاباتھم جیدا لیس الشعراء فقط، ولكن ما وصلني أو اطلعت علیه رأیت فیه الكثیر من التجدید شكلا ومضمونا. وبھذه المناسبة أدعوھم إلى التخفیف من حدة ضباب القصیدة، واللجوء إلى التأمل الحالم لإتقان تولید الدھشة. على كل حال، فإن ھذا الجیل یبشر بأن رایة الشعر الفلسطیني ستظل تخفق فوق أیدیھم كما تخفق رایة فلسطین”.
حركة النقد ضعيفة..
وعن حركة النقد الأدبي ترى “فدوى طوقان” أن: “حركة النقد الأدبي حركة ضعیفة جدا كما أعرف، ولا أدري لماذا؟ النقد حاجة ماسة لمواكبة الحركة الأدبیة، وفیه تواصل مع الأعمال الأدبیة وتقریبھا من عیون القارئ ومخیلته، فھو یضيء النص، ویمنحه ظلالا وألفة، بشرط ألا یكون مفسرا أو شارحا أو انطباعیا، لأنه یفسد لذة القارئ”.
أعمالها..
الشعر:
– ديوان وحدي مع الأيام، القاهرة ،1952.
– وجدتها، بيروت، 1957.
– أعطنا حباً، بيروت, 1960.
– أمام الباب المغلق، بيروت، 1967.
– الليل والفرسان، بيروت، 1969.
– على قمة الدنيا وحيداً، بيروت، 1973.
– تموز والشيء الآخر، عمان، 1989.
– اللحن الأخير، عمان، 2000م.
وقد ترجم شعرها إلى اللغات: الإنجليزية والألمانية والفرنسية والإيطالية والفارسية والعبرية.
النثر:
– أخي إبراهيم، يافا، 1946.
– رحلة صعبة- رحلة جبلية (سيرة ذاتية)، 1985. وترجم إلى الانجليزية والفرنسية واليابانية والعبرية.
– الرحلة الأصعب (سيرة ذاتية)، عمان، (1993) ترجم إلى الفرنسية.
والجوائز..
– جائزة الزيتونة الفضية الثقافية لحوض البحر الأبيض المتوسط، باليرمو، إيطاليا 1978.
– جائزة سلطان العويس، الإمارات، 1989.
– وسام القدس، منظمة التحرير الفلسطينية، 1990.
– جائزة المهرجان العالمي للكتابات المعاصرة، إيطاليا 1992.
– وسام الاستحقاق الثقافي، تونس، 1996.
– وسام أفضل شاعرة للعالم العربي، الخليل.