27 أبريل، 2024 10:28 م
Search
Close this search box.

“فتحي البحيري”..  كتب بقلمه الشجاع عن معاناة شعبه

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: إعداد- سماح عادل

“فتحي البحيري” كاتب شاعر سوداني.

أصدر الكاتب والصحفي فتحي البحيري بالعاصمة اليوغندية كمبالا روايته الأولى (اكفهرار) التي تعالج أحوال مهندسة دارفورية تقرر فجأة العودة من استراليا بعد تفجر الأزمة الإنسانية في الإقليم لتباغتها السلطات بشنق زوجها متهمة إياه بالتخابر مع المحكمة الجنائية الدولة، وتتصاعد أحوال نفيسة كباشي وتتوارى عن الأنظار نهائيا بأحد الأحياء الطرفية بعاصمة البلاد لتمارس المقاومة بطريقتها الخاصة .. تمتليء أجواء الرواية بعبق حياة سودانية تمتزج فيها التفاصيل اليومية بفانتازيا التصوف وأشواق الانعتاق. تقع في حوالي 124 صفحة من القطع المتوسط لوحات الغلاف بريشة المبدع الدارفوري التشكيلي والكاتب فضيل عبد الرحمن. ولفتحي البحيري عدة مخطوطات تنتظر الطبع (حياة السر مديح – رواية) (على خطى موتي الجميل – شعر) (زيدان الكسلان – مجموعة قصصية ).

اكفهرار..

في مقالة عن روايته “اكفهرار” كتب فيها: “مُنذُ الانفجار الروائي الأعظم في السودان والذي أطلقنا عليه في مقال سابق “زمنُ الروايةِ السودانية”، مستعيرين تعبير الناقد المصري الشهير جابر عصفور، تهاطلتْ علينا العديد من الأعمالِ الروائية لكُتّابٍ شبابٍ أغنَوْا حياتنا الثقافية بأعمالٍ إبداعية سرديةٍ عالية الجودة، أفادوا فيها من فتوحات الرواية الحديثة، مغرباً ومشرقاً، إلى جانب الإفادة من الموروث السردي الشعبي الثاوي في تاريخنا السوداني الغنىّ بالسرديات، ولعل كتاب الطبقات لود ضيف الله ينتصبُ هنا كمثالٍ ساطعٍ على ثراءِ تاريخنا السردي.

خلال هذه الفترة الممتدة ما بين بداية التسعينيات وحتى الآن، تدفقت علينا أعمالاً روائية (كماً و كيفاً) لروائيين سودانيين جديرةٌ بأن تُرشّحنا إلى احتلالِ موقع متميز في خارطة الكتابة الإبداعية، إقليميا وعالمياً، حتى لا يكون الطيب صالح نجماً أوحدا في سماء إبداعنا الروائي. وليس بركة ساكن ومحسن خالد وأبكر ادم إسماعيل واحمد حمد الملك والحسن بكرى وأمير تاج السر وطارق الطيب وليلى أبى العلا ومروان حامد الرشيد وعباس على عبود وعماد براكة وبثينة خضر مكى وحبيب نورة وبابكر على ديومة ورانية مأمون وعبد الغنى كرم الله إلا مجرد نماذج لقائمة طويلة تُرصّعها أسماء روائيات وروائيين أحالوا ويحيلون قُبح واقعنا الراهن إلى جمالٍ يدفعُ بنا إلى ضفاف الأمل بأن ظلامنا الحالي لن يطولَ أمد انجلائه”.

وتضيف المقالة: “في هذا السياق السردي الثر تجئُ رواية الكاتب فتحي البحيري (اكفهرار) ويبدو أنها الأولى له، على الأقل على مستوى النشر لتدفع بالرواية السودانية إلى آفاق جديدة، إنها روايةٌ تمتازُ بثراءِ لغتها وحيادية سردها وغِناءِ شخوصِها المُصاغةِ من نسيجٍ نفسىٍّ معقّد، تُجْهد القارئ لاستكناه عمق دَلالاتها الرمزية. فاللغةُ السردية هنا منسوجةٌ بعنايةٍ تُشي بقدرةِ الروائي على امتلاك خامته الإبداعية وتمكّنه من إدارة العملية الجمالية ببراعةٍ لا تُخطئُها العين. إنها لغةٌ تجمع ما بين الشاعرية/ الغنائية والحوارية/ المنولوجية، إلى جانب التداعي الحر الذي يتيح لشخوص الرواية البوح الحميم عمّا يعتملُ بدواخلها لتكشف لنا عن مكنون ذواتٍ بعيدة العمق إنسانيا ومعقدة التركيب نفسياً.

تحتشد الرواية باللغة المحكية/ الدارجة منضفرةً في لحمة الفصحى، وهي لغةٌ موشاةٌ بالأشعار والأغانى، إلى جانب احتشادها ببلاغة الجناس اللغوي التي برع الكاتب في زرعها في جسد النص الروائي لتمنحه عذوبةً وجمالاً.. فنقرأ:”لم ترحمنى من هذه الانت ما بتفهم و لم تحرمنى منها” (ص 5) أو “و بقى منهم بعض إرشادهم وكل صلاتهم ورشادهم”(ص 9) أو” السياق الذي لا نتؤات فيه ولا تعرجات،لا دقداق ولا رقراق” (ص 14) أو” لا اعرف الحرية والمسؤولية إلا لحظتين غير متتاليتين .متطابقتين. متمارتين ومرتين” (ص 11)..و كأن الروائي وهو يلعب بتلك الثنائيات يسعى إلى بث نفَس إيقاعي يحقق حالة من التطريب اللغوى كي لا يقع النص الروائي في وحل الخمول والرتابة، وليتسنى له الدفع بالعملية الإبداعية إلى آفاق جمالية أوسع”.

وعن رواية “اكفهرار” تفصل الرواية: “تمتازُ الرواية بحيادٍ سردي يشُفُ فيه الراوي لدرجة الإمحاء.. فلا نكاد نلمس أثرا قوياً لحضور الراوي/ السارد..مما يجعل الأحداث هنا تترى والشخوص تتحرك في فضاء الرواية بحرية كاملة وكأن لا علاقة للروائي بها، إذ أن كل شئٍ في الرواية يمضى وفق مشيئته الخاصة.هذه الديمقراطية في السرد تندُرُ عادةً في الأعمال الروائية الأولى لمعظم الكتاب، إذ تأتى التجربة الأولى للروائي- في الغالب- محتشدةً بحضوره الكثيف كروائي وراوٍ في معظم الأحيان، لأن (أنا) الكاتب الروائي هي التي تسرد الأحداث، في معظم الأحايين، و هي التي توجهها توجيهاً مباشراً يُظهر تماهياً قوياً ما بين الراوي/ السارد للأحداث وبين الروائي المنتج للعمل الفني، الأمر الذي حدا ببعض النقاد إلى أن ينظروا لبعض الروايات الأولى لكُتّابها بوصفها نوعاً من أنواع السيرة الذاتية، وذلك لفرط اكتظاظها بذات الروائي/ الراوي..

يأتي السرد الروائي هنا مرويّاً بلسان أكثر من راوٍ مما يعتقه من أسر (الأنا) المسيطرة ..فالي جانب الراوي الرئيسي والشخصية المحورية (صلاح)، تُروى الأحداث بلسان أكثر من شخصية رئيسية أخرى ك(نفيسة كباشى) و(جلال) صديق الراوي. وحتى حينما يتدفق السرد على لسان الشخصية المحورية (صلاح) فانه يأتي محايداً وكأن ليس للراوي صلةً مباشرةً به، أو يأتى بطريقة يُوهمَنا من خلالها بأننا شركاء معه في عملية السرد، أو أننا شُهودٌ معه على الأحداث. إذ نلحظ تناثر عبارات مثل: ”كما تعلمون فأن …” أو “سوف لن تصدقوننى…. “أو “نسيت أن اقول لك ….” أو ” كما رأيتم بأنفسكم…..” وغيرها الكثير من الشواهد التي يسعى الكاتب من خلالها تأكيد ذلك الإيهام بأن لا يد له مباشرة فيما يجرى، أو أننا أيضا شركاء معه في هذه العملية السردية التي يحاول توريطنا فيها كفاعلين في وقائعها الدرامية وليس كمُنفْعلِين فقط.

وغالباً ما يتحققُ جمالِ السرد كلما شفّتْ ذاتِ الكاتب و ارتحل بعيداً عن نَصِه و كأن علاقته به كعلاقتنا به نحن القراء.. وهذه الديمقراطية السردية هى ما يجعلُ العمل الإبداعي يتخلّق في مناخٍ معافىً من سيطرة الروائي، فيتبدى أكثر إقناعا وإمتاعا..و لقد نجح (البحيرى) كثيراً في تحقيق هذه الغاية”.

المنفي..

وفي مقالة (اكفهرار.. رواية المنفى والخطاب السياسي) كتب الكاتب “محمد نجيب محمد علي”: “صدرت بالخرطوم رواية “اكفهرار” للكاتب والناشط السياسي فتحي البحيري، واستقبلت الأوساط الثقافية هذه الرواية بزوايا نظر متعددة، فقد عدها بعض الكتاب فريدة في تقديمها للواقع سرديا، وأن حركتها داخل النص الروائي اعتمدت على اللغة السلسة وسرد المعنى وحدوده القصوى للوعي الثقافي، إضافة إلى المقدرة على تطويع السرد لصالح البناء الروائي. فيما قرأها كتّاب ونقّاد على أنها محاولة شاعر للدخول في السرد بزاوية سياسية تأويلية للواقع المعيش، مع استخدام رموز وشخصيات معروفة تستنبط من خلال النص، وهو ما جعلها عرضة للتداعي السياسي.

استخدم الكاتب – المقيم في دولة أوغندا بالعاصمة كمبالا- رموزا سياسية لشخصية السياسي المتلاعب بالمشاعر مع حشد تواريخ لحوادث طلابية حدثت في جامعات سودانية إبان تسعينيات القرن المنصرم، كما احتوت الرواية على عناوين داخلية كثيرة (نجيمة، صفاء، انتباه، عبور، زيارة، اكفهرار، زمهرير) وهو حشد روائي داخل متن السرد مع تحول هامش الحكاية إلى تذكير للقارئ ولفت نظره، وهذه تقنية قصصية تحاول إنتاج دلالة خطاب من خلال بنية تنفتح على النص وتوحي بوجود رمزية مفتوحة الاحتمالات السياسية والاجتماعية وحيثيات حكائية تشير إلى دائرة تتداخل فيها الأزمنة والأمكنة”.

رحيل..

في مقالة بعنوان (البكاء المر في رحيل شيخ الخضر السودانيين فتحي البحيري) كتب “زهير عثمان حمد”: “بقلوب يعتصرها الألم والحزن، ننعى رحيل صديقنا وأخينا العزيز، فتحي البحيري، الذي وافته المنية تاركاً خلفه إرثاً من الإبداع والنضال والوطنية. كان فتحي رجلاً استثنائياً، جمع بين طياته صفاتٍ نادرة جعلته رمزاً ملهماً للكثيرين. فقد كان كاتباً مبدعاً، شاعراً فذاً، روائياً مرموقاً، صحفياً شجاعاً، ومناضلاً صلباً. لم يخشَ يوماً قول الحقيقة، ولم يتردد في الدفاع عن قضايا شعبه ووطنه ولد فتحي ونشأ في السودان، لكن حبه لوطنه جعله يعيش في المنفى لسنواتٍ قليلة . لكن حتى من بعيد، ظلّ صوته صدىً قوياً يدافع عن حقوق شعبه ويطالب بالعدالة والحرية.

كانت كتابات فتحي البحيري سلاحاً قوياً في وجه الظلم والقهر. فقد استخدم قلمه لفضح الفساد، ومقاومة الاستبداد، وإلهام الأمل في نفوس المظلومين. لقد ترك لنا إرثاً أدبياً غنياً سيبقى خالداً في ذاكرة الأجيال القادمة “.

ويضيف: “كان فتحي البحيري أستاذًا فاضلاً، ومبدعًا لامعًا، وصحفيًا مُخضرمًا، وناشطًا سياسيًا مُلهماً..”لقد كتب بقلمه الشجاع عن معاناة شعبه تحت نير أسوأ الأنظمة التي مرت على بلادنا. كان يقبل الرأي الآخر ويتحدث بصدق وشجاعة عن قضايا وطنه.

فتحي البحيري، الصحفي والأديب والشاعر والمناضل السوداني، وُلد في السودان وعاش في أوغندا. أسس حزب الخضر السوداني في العاصمة كمبالا.

روايته “اكفهرار” تناقش الواقع السياسي والاجتماعي من منظور روائي. استخدم فيها رموزًا سياسية وشخصيات معروفة لتسليط الضوء على الأحداث التي شهدتها الجامعات السودانية في التسعينيات.

فتحي البحيري كان رجلاً ملهمًا ومؤثرًا، وكلماته تظل تلهم الأجيال. نحن ننعي فقدانه بكل الحزن والأسى، ونسأل الله أن يرحمه ويجمعنا به في مقعد صدق عند مليك مقتدر بالفعل أثّر فتحي البحيري في أجيال من السودانيين، وترك بصمةً خالدةً في تاريخ بلادنا. وهو من مؤسسي لجان المقاومة في مدنية أمدرمان ضاحية الفتيحاب”.

ورثاه الكاتب: ”

رثاء فتحي البحيري

على قمم الحزن، يرقص قلمي، يرسم لوحةً من ألم الفراق،

في رحيلك يا فتحي، فاضت ينابيع الأسى، وتلاطمت أمواج الحزن.

كنا نراك نجماً ساطعاً، في سماء الوطن،

تُضيء دروبنا بِكلماتك، وتُلهمنا بِأفكارك.

كنتَ شاعراً مُبدعاً، وقاصاً مُلهماً، وصحفياً شجاعاً،

لم تخشَ الظلم يوماً ولم تُسكت صوت الحقيقة.

دافعتَ عن قضايا شعبك، ونَاضلتَ من أجل الحرية والعدالة،

فكنتَ رمزاً للمقاومة وصوتاً للمظلومين.

رحلتَ يا فتحي ، تاركاً خلفك فراغاً عظيماً، في قلوبنا، وفي ساحة النضال.

لكن ذكراك ستظل خالدة ، في ذاكرة الوطن،

وكلماتك ستبقى حيةً، تُلهب مشاعر الأجيال القادمة.

فليرحمك الله يا فتحي ، ويُنزلُك منازل الصالحين ،

ويجمعنا بك في جنات النعيم.

وداعاً يا صديقي  وداعاً يا رفيق درب،

ستبقى حياً في قلوبنا  إلى الأبد.

فترقد بسلام ونحن بعدك نرفع رايات النضال” .

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب