23 ديسمبر، 2024 12:20 م

“فتاة عادية” .. حينما يكون جمال الوجه معياراً وحيداً يصبح “العمى” مكتشفاً لجمال الروح !

“فتاة عادية” .. حينما يكون جمال الوجه معياراً وحيداً يصبح “العمى” مكتشفاً لجمال الروح !

خاص : عرض – سماح عادل :

رواية (فتاة عادية)؛ للكاتب الأميركي، “آرثر ميللر”، ترجمة “طلعت الشايب”، إصدار دار “دال”.. تتناول حياة فتاة عادية في الفترة ما بين الثلاثينيات وحتى السبعينيات في أميركا، كيف عاشت حياتها وكيف كانت اختياراتها في الحياة، وسط عالم من الحروب والصراعات ؟.

الشخصيات..

“غانيس”: البطلة.. فتاة تنتمي لعائلة يهودية بولندية غنية، تعيش في أميركا.

“سام”: شاب أميركي يهودي.. مثقف، يعمل في بيع الكتب، شيوعي يدافع عن الاتحاد السوفياتي، رغم أخطاؤه، تزوج من “غانيس” لكنها تركته.

“تشارلز”: رجل في منتصف العمر.. كفيف، عازف بيانو يعمل في المحال، تزوجته “غانيس” حين كانت في منتصف الثلاثينات من عمرها.

“هيمتون”: أخو “غانيس”، رجل يهودي سمين.. لا هم له سوى الربح، يستغل فرصة الكساد الكبير في الثلاثينيات؛ ثم فرصة الحرب ليشتري عقارات رخيصة لكي يربح فيما بعد أموالاً طائلة حين ينهض اقتصاد أميركا مرة أخرى، يظل يقنع أخته “غانيس” بمشاركته في أعماله، لكنها ترفض التربح على حساب طرد الناس من بيوتهم ورفع الإيجارات عليهم.

الراوي..

الراوي عليم.. لكنه لا يهتم سوى بالحكي عن “غانيس” البطلة.. فالحكي بضمير الغائب، ويتناول الراوي باقي الشخصيات من خلال وجهة نظر “غانيس” حولهم ومن خلال علاقتها بهم.

السرد..

إيقاع السرد هادئ، يهتم بأفكار ومشاعر “غانيس” أكثر من عرض أحداث، حتى حين تناول الكساد الاقتصاد في الثلاثينيات والحرب العالمية الثانية؛ تناولها من خلال تأثيرها على “غانيس”.

الجمال معيار التميز..

تشعر “غانيس” منذ صغرها بالدونية، لأنها ليست جميلة، لها رقبة طويلة، ورأس كبيرة، وفك بارز قليلاً عن الوجه، مما جعل أمها تقنعها دوماً أنها غير جميلة، وإنها لابد أن تعيش في هذه الحياة على هذا الأساس وتحذرها ألا تتزوج رجل وسيم أبداً، تنجذب “غانيس” في شبابها لفتى مثقف يدعى “سام” تراه وسيماً، رغم أنه فقير وهي تنتمي لعائلة غنية، تتزوج منه وتعيش معه وتقتنع بأفكاره الشيوعية، لكنها مع الوقت تشعر بالفتور نحوه، وتظل تناقش سبب فتورها، فهي فخورة به لكونه مثقف واسع الإطلاع، وكونه مؤمن بمبادئ ومتمسك بها، حتى حين تحالف “ستالين” مع “هتلر”، مما أصابها هي بزعزعة لمبادئها وأصبحت تخجل من مناصرتها للاتحاد السوفياتي، الذي تحول زعيمه “ستالين” في نظرها “من إله إلى بشر يخطيء”، وكانت تندهش من تمسك “سام” بانتمائه للاتحاد السوفياتي ودفاعه المستميت عنه، وكانت تتمنى أن يعبر لها عن جرحه وعن أزمته، لكنه ظل مدعياً القوة وأن الاتحاد السوفياتي على حق حين تحالف مع الشيطان لمصلحة البلاد، وحين فض “هتلر” التحالف وهاجم الاتحاد السوفياتي أصبح الأمر مقبولاً وعاد الاتحاد السوفياتي في مواجهة الفاشية مرة أخرى، لكن شيئاً ما كان قد شرخ في علاقتها بـ”سام”؛ فقدت حبها له، لكنها لم تستطع تركه بسهولة بسبب انضمامه للحرب العالمية، ظلت منتظرة عودته تشغل نفسها بتعلم النسخ على الآلة الكاتبة ودراسة الفنون، وحين عاد كان حبها له قد إختفى وأصبحت مقتنعة أكثر أنها لم تختاره، وإنما كانت علاقتها به شيء حدث لها، كما أنه لم يجهد نفسه في التعرف عليها أو الإقتراب منها، فقد اعترف أنه كان يتعامل معها كشريكة في الثورة لا كحبيبة، وتطلقت منه وعاشت بمفردها في غرفة في أحد الفنادق ورفضت عرض أخيها بمشاركتها له.

الفكرة التي تؤرق “غانيس” دوماً أنها فتاة عادية؛ ولست متميزة، لأن الجمال في ذلك الوقت كان معيار التميز لأية فتاة، أمها تراها كذلك وحتى زوجها “سام” يراها كذلك وحتى حين قررت الانفصال عنه ألمح لها أنها لن تجد رجلاً غيره.

وبعد عدة سنوات قضتها في الوحدة تقابلت بالمصادفة مع “تشارلز”، في المصعد، حيث كان يسكن في إحدى الغرف في الفندق الذي تسكن هي فيه، أعجبها كونه لا يرى، (كفيف البصر)، أعطاها هذا حرية أكبر ربما لأن عقدة حياتها أنها ليست جميلة.

التحرر من الأب..

حين مات والدها شعرت “غانيس” بالتحرر، ربما لأنه كان متغطرساً معها، ذهبت إلى جنازته وأخذوا علبة كرتونية فيها رماده وذهبت هي وأخيها وزوجته لإحتساء مشروب في أحد البارات، وللمفارقة نسيت العلبة الكرونية التي فيها رماد والدها، وأخيها لم يهتم بها هو أيضاً، شعرت بالذنب الكبير لذلك وبالتحرر في نفس الوقت، لكنها عادت إلى البار للبحث عن رماد أبيها، وأدهشها تأثر النادل الأيرلندي الكاثوليكي لفقدان رماد والدها أكثر منها ولم تجد ذلك الرماد أبداً.

الحب المتأخر..

بدأت الرواية بموت “تشارلز” الهادئ في سريره وهو نائم، وكانت “غانيس” وقتها قد تخطت الستين من عمرها، ثم بدأت في تذكر حياتها من البداية، وتقر “غانيس” أن السنوات التي قضتها مع “تشارلز” هي أفضل سنوات عمرها، لأنها كانت محبوبة، لم تكن تشغل بالها بأي شيء وكانت قريبة منه، هي عينه التي يرى بها، كما أنه كان يعتقد أنها جميلة لأنه إقترب منها بشكل مغاير عن إقتراب باقي الناس، عرفها عن قرب وتحسس وجهها وعرفها من الداخل دون الاهتمام بالشكل الخارجي. ولذا ظلت تتذكر “تشارلز” حتى بعد موته وتحن إليه، وحين تهدم الفندق الذي تقابلت معه فيه لأول مرة ذهبت لتنظر إلى الغرف التي عاشا فيها، كان ذلك في السبعينيات، حيث أشارت بشكل سريع إلى أن كل جيل يأتي ليحطم ما بني من قبله.

الرواية هادئة تتناول إحساس “غانيس” بالعالم من حولها كأنثى عادية لا تشعر أنها مميزة، رغم كونها غنية إلا أنها آمنت بالأفكار الشيوعية وعملت بعد ذلك متطوعة في الجمعيات الخيرية، ووجدت أخيراً ذاتها حين أحبت رجلاً يعرفها على حقيقتها عن قرب لا من خلال شكلها الخارجي.

الكاتب..

اشتهر الكاتب “آرثر ميللر” ككاتب مسرحي، منذ أن قدمت أولى مسرحياته (الرجل الذي أوتي الحظ كله)، في “برودواي” سنة 1944، بعد ذلك شق طريقه بهدوء وثقة نحو المسرح الأميركي مع “يوغين اونيل” و”تينسي وليامز”، والثلاثة هم أبرز الكٌتاب الذين ظهروا على خريطة المسرح الأميركي بعد الحرب العالمية الثانية.

وتوالت أعمال “ميللر” المسرحية المعروفة، مثل (البوتقة) 1953، و(مشهد من فوق الجسر) 1955، و(بعد السقوط ) 1963، و(الثمن) 1968، و(الزمن الأميركي)، و(الزجاج المكسور) 1990.

وفي 1945؛ كتب رواية بعنوان (البؤرة)، وفي 1967 مجموعة قصصية بعنوان (لم أعد في حاجة إليك)، كما كتب الشعر في مطلع حياته، وعمل بالإخراج وكتابة السيناريو وأدب الأطفال، ونشر سيرة ذاتية ضخمة في 600 صفحة في عام 1987؛ بعنوان: (إنعطافات الزمن).

مثل “آرثر ميللر” أمام، لجنة “مكارثي”، للتحقيق معه وإستجوابه عن الكٌتاب والفنانين المتهمين بمزاولة نشاط معادي لأميركا، ورفض ذكر اسم أحد، واضطر إلى الخروج من أميركا والإقامة في منفاه الإختياري، “بريطانيا”، كما تزوج من الممثلة الشهيرة “مارلين مونرو”، ثم طلقا، كما كانت له مواقف معارضة قوية لحرب فيتنام.

في 1992 أصدر “ميللر” رواية (فتاة عادية)، يعتقد المترجم أنها تصوير لأفكاره هو الشخصية، وكان “غانيس” هي مثيل لشخصيته وحياته خاصة في فترة الثلاثينيات والأربعينيات التي كانت حافلة بالاضطرابات الاقتصادية والسياسية.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة