16 نوفمبر، 2024 4:50 م
Search
Close this search box.

“فاضل عزيز فرمان” .. هندس الشعر وكتب بلاده في إبتهال كالصلاة

“فاضل عزيز فرمان” .. هندس الشعر وكتب بلاده في إبتهال كالصلاة

خاص : كتبت – سماح عادل : 

تم الحكم مؤخرا على الشاعر “فاضل عزيز فرمان”  في قضية كيدية ضده، وقد حكم عليه القاضي بهيئة النزاهة بستة أشهر سجن، بحجة أنه وقع على قطعة أرض عام 2004 لتكون مبنى لجمعية استهلاكية، رغم أنه أخبرهم أن هذه القطعة من مسـؤولية التخطيط العمراني، وبحسب آراء زملاء الشاعر والمحيطين به هذه التهمة ملفقة، حيث أنه مشهود له بالنزاهة فقد خدم وطنه ما يقرب من ثلاثين عاما في مهنته كمهندس وكان نزيها وشريفا، وقد يشكل سجنه ضربة لكل الشرفاء الذين تمسكوا بالوطن وظلوا فيه رغم نكباته وحروبه وويلاته.

“فاضل عزيز فرمان” شاعر عراقي.. من مواليد بغداد عام 1959، عضو إتحاد الأدباء العراقيين وإتحاد الأدباء العرب، نشر قصائده ومقالاته في الصحف والمجلات العراقية منذ النصف الثاني من السبعينيات، شارك في عشرات المهرجانات الشعرية وصدرت مجموعته الشعرية الأولى بعنوان: (بيت الشاعر) 1994، وصدرت مجموعته الشعرية الثانية (عزف منفرد على وتر الأربعين) في 2008، وصدرت له مجموعتان هما: (دموع الجمل) 2012 و(متى تتفتح الوردة) 2014، حاز على عدة جوائز، منها جائزة “وزارة الثقافة العراقية” عام 1997 في مسابقة القصيدة، وجائزة المسابقة الإبداعية الكبرى لدار الشؤون الثقافية عام 2011، وكتب الكثير من النقاد حول شعره.

الحب والألم..

في معرض الإحتفاء بـ”فاضل عزيز فرمان” أثناء “ملتقى الرافدين”، بمناسبة صدور مجموعته الشعرية (متى تتفتح الوردة)، وهي المجموعة الشعرية الرابعة له، يقول عنه الباحث، “حسن عبيد عيسى”: “فاضل عزيز فرمان إنسان مرهف لفرط إنسانيته تصبب شعراً صيّره في طليعة مبدعينا، إنه فنان تشكيلي رائع ومهندس مدني مرموق، لذا فإن مجاميعه الشعرية مترعة بالحب والألم، صار شعره نموذجاً يدرس في الكليات المختصة، فالصورة الشعرية التي يحفل بها شعره تفرض نفسها لتكون كذلك.. مجموعته الشعرية توهم المتلقي بأنها تحتوي على حزمة ورود وأزاهير واسمه يبعث على الأمل، لكنه كتاب طافح بالأسى والألم والحزن والكآبة.. إنه يحتوي على صرخات الوطن المستباح.. فأين الأمل وأين الورود والأزاهير واللون الوردي الجميل”.

ويقول عنه الشاعر، “علي الفتال”: “إن الشاعر فاضل عزيز فرمان هنا لم يتحدث عن الحب، كما في مجاميعه الشعرية الأخرى، وكما هو معروف عن فاضل، بل هنا كتب لأنه معنَي ببلده وهذه الحروب التي طال أمدها وتعددت مسبباتها، حتى أنه طرح السؤال لكي يبحث عن نهاية الحرب والإنتباه إلى الحياة”.

ويقول الروائي “علي لفته سعيد”: “إن الشاعر فاضل عزيز ربما يهتم للوزن في نصوصه الشعرية كونه حتى الآن يمارس كتابة التفعيلة، لكنه أيضاً معنَي بموسيقى المفردة، التي يمكن لها أن تعطي عنواناً آخر للتماهي مع نصه. فهو يحاول من خلال الأسلوب الذي يتبعه أن يجعل المتلقي قريباً من روحه الموسيقية وهذا يمكن أن يحتمل الصعوبة، فإن يقترب الملتقي من الموسيقى ويبتعد عن الفلسفة الشعرية التي يحاول الشاعر بثها في نصوصه”..

ويعلق الفنان “عبدالأمير طعمة” على شعره، يقول: “إن في شعر فرمان ثمة فناً تشكيلياً ولوحة داخل النص تعبر عن تراكم الألوان وقدرتها على شد المتلقي/المشاهد.. ويضيف أن النص الشعري هو لوحة أخرى مثلما اللوحة هي نص شعري من وجهة أخرى، ولهذا فإن الموسيقى هنا في قصائد فرمان تعد الإطار العام للألوان المبثوثة”..

ووصفه الشاعر “محمد عبد فيحان”: “فرمان واحداً من الشعراء العراقيين الذين تمكنوا من المحافظة على النص الشعري التفعيلي أو الشعر الحر، إن الشاعر فرمان ظل أميناً على لوحته الشعرية لم يغادر الجمال الذي يمنحه في روح النص، وبالتالي فإن قصائده دائماً ما تكون قريبة إلى ذائقة المتلقي من جهة ومتماسكة من جهة جوهرها المكنون بالجمال والطيبة والإبداع”..

ووصف الشاعر “مهدي النعيمي” المجموعة الشعرية بأنها: “تشكل علامة في الشعرية العراقية وعلى النقاد أن ينتبهوا إلى هذه المجموعة، فهي تحمل فلسفتها من جهة وموسيقاها الجميلة من جهة أخرى”.

وأهتم الشاعر “عودة ضاحي التميم”، بتقديم تحية للشاعر “فرمان”، يقول فيها: “بينه وبين النسيم الكثير من الألفة والسكون.. له من القمر طلته وبهاؤه ومن النجوم بريقها. ومن الشعر حميميته وتمرده، يتلبسه صدق البداوة ووضوح الصحراء.. يمتلك الكثير من أخلاق الفرسان.. الإبداع والشعر ورشاقة المعاني بعض من صفاته.. والوجع أنيسه في مسيرته الحياتية.. رافقته الجراح في حله وفي ترحاله، طاردته الغربة في الداخل فهرب منها إليها في الخارج.. له منجزه الإبداعي الكبير وله البصمات الواضحة”.

قصيدة النثر ليست من عائلة الشعر..

في حوار مع صحيفة (الزوراء)، يقول “فاضل عزيز فرمان” عن قصيدة النثر: “إن الحديث عن الموسيقى الداخلية في قصيدة النثر حديث عن وهم وسراب لا يختلف عن الحديث عن الملابس الجديدة للإمبراطور في القصة المعروفة، فالموسيقى الخارجية والداخلية موجودة فقط في القصيدة الموزونة، موجودة في الإيقاع الذي تحسه الأذن وتزداد إرتفاعاً كلما كان البحر أعلى غنائية وتكتسب حدةً مضافة إذا دعمتها القوافي التي تلم حواشي القصيدة وتتوج نهايات المقاطع أو الأبيات، أنا أكتب القصيدة الموزونة بشكليها المعرفين (العمود والتفعيلة) وأميل أكثر لقصيدة التفعيلة وأكتب قصيدة النثر أيضا، ولكني أعتبرها جنساً أدبيا مستقلا، ليس بديلا عن الشعر ولا من عائلته، ولكنه الجار الجميل الساكن في البيت الملاصق لبيته والأقرب إليه من كل الأجناس الأدبية الأخرى، أنا لست ضد قصيدة النثر كما يتصور البعض فأنا أحد كتابها ولكني ضد جبل القش الفارغ الكبير الذي يجاور بيدرها المدهش ويحجب عنه نور الشمس” .

القصيدة والسرد..

ويقول “فاضل عزيز فرمان” عن علاقة القصيدة بالسرد : ” قصائدي في أغلب الأحيان منفتحة على القص وأكثرها تحمل مضمونا قصصيا، في أغلبها يعيش بطل أو أبطال وأحداث ودراما وكأنها قصص قصيرة جدا مكتوبة بطريقة الشعر المختزل الذي ليس فيه ما يمكن شطبه. تنمو بشكل عمودي وتنهار لو حذفت شطرا أو أحيانا حتى كلمة منها، فهي اختزالات لتفاصيل يعرفها المتلقي، قصص مكتوبة بأدوات الشعر ومواصفاته المعروفة، وكأنها (قصص قابلة للحفظ)، وكلما كانت القصيدة تتحدث عن تجربة ومعاناة حقيقية لا يمكن لها غالبا إلا أن تقترب من القص مثلما تقترب من تجربة خاضها أو خاض ما يشابهها المتلقي” .

وعن الشعر العربي يقول “فاضل عزيز فرمان”: ” الشعر العربي الحقيقي لم يتراجع بل هو في تقدم وتطور مستمر، ولكن كثرة ازدحام الطارئين على بيت الشعر والمتعلقين كالنسانيس على أسيجته ونوافذه من المزيفين والطارئين وأصحاب المواهب الشديدة الضعف والمتزاحمين تحت بقعة الضوء الكاشف والمعتمدين في وجودهم في الوسط الثقافي والإعلامي على العلاقات الاجتماعية حجب الضوء عن الكثير من أصحاب المواهب الحقيقية، وعن الشعر المتميز الذي يجب أن يتصدر المشهد، وليس ببعيد عنا ما يظهر ويتكرر ظهوره من نماذج هزيلة أو مزيفة تأخذ حق غيرها من الظهور على منصات المهرجانات والأماسي جنبا إلى جنب مع المتميز والمتألق والحقيقي، وهذه الظاهرة لم نكن نراها إلا مصادفة وسهوا في الماضي القريب” .

النقد والشعر..

وعن النقد يقول” فاضل عزيز فرمان”: ” أغلب نقادنا الآن مشغولون باستعراض معلوماتهم عن المدارس النقدية ونظرياتها وكأنهم أساتذة لمادة النقد في كلية الآداب، قليل من النقاد من يدخل في النصوص ويشتغل عليها من الداخل كما كان يفعل نقاد رائعون مثل حاتم الصكر، فهم يحومون حول القصائد بمعارفهم النظرية وقال فلان وكما قال فلان من المنظرين الأجانب حتى أن بعضهم يفرد أكثر من نصف مقاله النقدي للعناوين ول(ثريا النص)، ناسين أن كل الشعر العربي بقصائده الخالدة ودواوين شعرائه العمالقة لم يكن فيه للقصائد عناوين ولا للدواوين ثريات، وأن آخر ما يشغل الشاعر الكبير هو عنوان القصيدة الذي يضطر لوضعه أحيانا لكتابة الفهرست”. ومثلما أتمنى أن تقوم الحكومة بصولة على الفساد المالي والإداري الذي خرب البلاد أتمنى على نقادنا الحقيقيين أن يأخذوا دورهم في فضح ومحاربة الطارئين والمزيفين وما أكثرهم الذين شوهوا المشهد الثقافي العراقي والشعري منه بالدرجة الأولى”.

الشعر العراقي واللصوص ..

يحلل ” فاضل عزيز فرمان” المشهد الشعري في العراقي يقول: “في المشهد الشعري نجوم تزداد توهجا كل يوم، وما أكثر الشعراء المبدعين من كل الأجيال الذين نرصد تألقهم في المهرجانات والإصدارات المتميزة، ولكنهم يعملون بهدوء في بيئة تلوثها أصوات الكثير من الطارئين والمزيفين والمتوهمين، والذين تسللوا إلى بيت الشعر ودخلوا من الشبابيك دخول اللصوص، معتمدين على سهولة النشر الورقي والإلكتروني تحت ذريعة قصيدة النثر (الهلامية المواصفات)، حتى أصبح عدد الحاملين لصفة شاعر بالآلاف وأصبحت الكتب التي تصدر بعناوين مبهرة وأغلفة مدهشة ومحتويات هزيلة لا تعد ولا تحصى، تصدر باسم الشعر ولا ناقة للشعر فيها ولا جمل، ننتظر صولة المنجل النقدي الشجاع ليزيح الأدغال ويبقي على الأشجار المثمرة والأزهار العطرة في حديقة الشعر قبل أن يتصور الناس أن عهد الشعر قد انتهى”.

هندسة الشعر..

يقول ” فاضل عزيز فرمان ” عن شعره: “الشكل بالنسبة لي هو العنصر الأهم في كتابة الشعر، والتميز وسط زحام الأصوات وتشابهها هو هدفي الذي أسعى إليه فالشاعر ليس بما يكتب فقط وإنما بما يشطب أيضاً، فما فائدة أن نعيد ما قيل وبذات الأسلوب وبذات الطراز، وربما علمتني هندسة البناء الموازنة بين الشكل والوظيفة والاقتصاد في التفاصيل والزوائد التي تحيل إلى التلويث البصري والتشتيت الذهني، وعلمني الرسم الذي كان أول مواهب صباي أن كتابة القصيدة هي رسم بالكلمات، وعلمني عشقي للموسيقى والغناء الراقي أن الإيقاع والغنائية خير جناحين يحلق بهما الشعر عاليا في سماوات الجمال، وهل الشعر في أول صفاته يا صديقي إلا أجمل الكلام” .

السبعينيات..

وفي حوار آخر مع”فاضل عزيز فرمان” مع صحيفة “العروبة” يقول عن بدايته: ” في السبعينات كانت بداية رحلتي مع القصيدة الشعرية، إلا أنها كانت بدايات صغيرة، وفي الثمانينات أحسست بالنضج فبدأت أنشر، و شاركت في مهرجانات شعرية كثيرة مثل”مربد” كما قرأت أشعاري في الأردن و في سورية”.

الحرب والشعر..

وعن تأثير الحروب والصراعات التي بليت بها بلده على شعره يقول “فاضل عزيز فرمان”: “نحن جيل ابتلي بالجراحات والحروب، وولدنا في زمن لا تصمت فيه البنادق, ولا تهدأ فيه الحرائق، والكتابة الشعرية التي أكتبها, والتي تحمل توجهاً كونياً وشفافاً بالتأكيد تقف موقف النّد من كل تلك الحروب, ولذلك أشعر وتشعر معي قصيدتي بالحزن والوجع في أي مكان لا أجد فيه مكاناً للسلام, أو مسكناً آوي إليه، في العراق الآن حالة يعجز عنها الوصف حيث لا يجد الإنسان مكاناً يسعد فيه, و يحلم فيه بسبب التقاطعات القائمة بين السياسيين, والحروب الطائفية التي غذتها أمريكا وحقنتها بالحقد.. ولذلك لم يكن لي ولمحبّي السلام والشفافية والهدوء إلا مغادرة بيوتهم بحثاً عن حضن آمن وبيت دافئ ولو بحجم راحة يد امرأة عاشقة يأويهم حتى ينتهي أزيز الرصاص ودخان الحرائق, وتفجيرات الأطراف المتقاتلة”.‏

انكسارات الأحلام..

وعن شعره وتصويره للخيبات والانكسارات يقول: “انكسار الأحلام يولد خيبة وعدم ثقة بالمستقبل, ولكن هذه الخيبات التي تحول الروح إلى يباس نحاول نحن الشعراء أن نعالجها ونلم انكساراتنا بأحلامنا, وبعيون قصائدنا التي لا تكف عن النظر إلى النجوم العالية, والأحلام الوردية، إلى البراعم الخضراء التي لا نشك في وجودها حتى في البساتين التي طالتها نيران الحرائق.‏ أصور العراق في شعري امرأة ثكلى لا تدري ماذا تفعل لأبنائها الذين يتقاتلون لأسباب لا يعرفونها ولا تعرفها هي، أبناؤها الذين كانوا بالأمس يعيشون في أمن ودعة وسرور لا يسأل واحد منهم الآخر إلا عن حنينه لصدر أمه التي أرضعته حليب الوفاء والطيبة والإخاء.. أما اليوم فقد استدرجتهم بعض الأيادي الغريبة إلى فتنة طائفية وعرقية لم يسبق لها وجود‏، العراقيون لا يريدون عراقاً مشتتاً مذبوحاً تبقر بطون أولاده وأبنائه سيوف وسكاكين النذالة والتعصب..هم يريدون العراق شامخاً بنخيله.. عصياً على الأزمات فواراً بالخير والعطاء”.‏

قصيدة صلاة عراقية

وجهتُ وجهي … إلى بلدي

وأقمتُ الصلاةَ

وكان يصلي

معي

كمدي

ولما وصلتُ إلى : (ربنا آتنا …)

قلت ياربُ

إن كان لابدّ

من أن تضيعَ حياتي

هباء وبلوى

فرحماك

يا ربُ

في

ولدي !!

………..

وجَهتُ وجهي

إلى

وطني

وتأملتُ ما فاتَ من زمني

وتمنيتُ

لو أنني

ما ولدتُ

بهذا الزمان

وهذا السراب

وهذا الدخان

وهذي البنادق

أنى توجهت

من خلف ظهريَ

تتبعني

…………

وجهتُ وجهي

لكل البلاد التي قد عرفتُ

وكل البلاد

التي

سوف أعرفُ

لكن روحي

كطفلٍ حزين

تشدّ ذراعيَ

أنى توجهتُ

كي أستدير

إلى

وطني !!

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة