خاص : كتبت – هانم التمساح :
شهدت السنوات الأخيرة من القرن الحالي تغيرات متسارعة في المنطقة العربية، ومع ظهور ثورات “الربيع العربي”، التي لاحقتها القوى الرأسمالية لتشوه نضالات الشعوب من أجل العدالة والحرية، وبالرغم من أن تلك الثورات قامت بالأساس ضد حكام خاضعين لهذه القوى العالمية؛ إلا إنها أقحمت نفسها في الثورات بدعوى حماية الديموقراطية، لتستطيع بتلك الذريعة أن توجه الثورات بعيدًا عن أهدافها الحقيقية، فهناك أشياء كثيرة تعرضت للتشويه ورموز أكثر تعرضت لتفريغ المضمون؛ ليصبحوا “لوجوهات” أو “تي شيرتات” أو “ميداليات” في خدمة من كانوا يحاربونهم في الماضي.. فالرأسمالية حولت عدوها الأول، “غيفارا”، إلى سلعة تُباع وتُشترى وفرغت أفكاره الثورية من مضمونها الحقيقي ليصبح رمزًا للتمرد فقط، وليس رمزًا للنضال.
أما “الحركة الصهيونية”؛ فظلت هي الأذكى بعد نجاحها في أن تُمحي ذكرى “آنا ليندا”؛ وتضع مكانها أفكار ترويجية عن التطبيع والعيش المشترك وحوار الحضارات.. وتضع اسم سيدة ذات مواقف محترمة؛ على مؤسسة ذات أهداف مشبوهة.
“غيفارا” في العراق أيضًا..
وتُعد صورة الشاب صاحب العينين الواسعتين العميقتين والشارب الخفيف مع لحية غير متناسقة وملابس بسيطة، لـ”تشي غيفارا”، هي الأكثر انتشارًا وشعبية في الوطن العربي، خلال القرن العشرين، ولا نبالغ أن قولنا فى العالم أيضًا، وشهد “العراق” مؤخرًا انتشار صور الثائر “غيفارا”؛ كملصقات على السيارات ومطبوعات حملتها بعض الملابس الشبابية، خاصة في محافظة “الديوانية”، حتى أن بعض من يحملون صورة “غيفارا” لا يعرفون عنه سوى أنه رجل قوي متمرد، ولا يدرون ما هي قصة نضاله ولا قضيته !
وقال صاحب محل كماليات سيارات بـ”الديوانية”: “جاي أشوف إقبال من قِبل أصحاب السيارات التاكسي والسيارات الخصوصي الستوتات؛ يعني دائمًا جاي يجيني على رسم مال غيفارا، قبل فترة أجوني جماعة كالولي سويلنه فد طبقة كاملة للرسم مال غيفارا، يعني فد عشرين قطعة ثلاثين قطعة جاي يلزكوهه على السيارة”.
ولاحظنا في الآونة الأخيرة انتشار كثيف لصور “غيفارا” موضوعة على السيارات، خاصة في المركبات الصغيرة والتاكسي.
وعلى الرغم من كثرة الرموز الثورية التي يفخر بها الموروث العراقي، إلا ان هؤلاء الشباب اختاروا الثائر الأرغنتيني، “تشي غيفارا”، رمزًا للتعبير عن مطالبهم بالتغيير الحقيقي والإصلاح الشامل في مؤسسات الدولة.
ويقول مواطن: “اليوم أحنه محتاجين إلى رموز كغيفارا نحاول خلق هذه الرموز من خلال أنفسنه الإقتداء مثلًا بي يعني بوادر الثورات التي يقوم بها الشعب العراقي”.
ولعل ما أثاره الحراك الشعبي من سلوكيات للشباب رافقت أجواء التظاهرات والاحتجاجات، وصلت حد إحياء رموز عالمية أشتركت معها في مواجهة الظلم والخروج لاسترداد الحقوق.
الأمر ذاته تكرر في كافة البلدان العربية، منذ اندلاع الثورات من “تونس” و”مصر” وما تلاهما من ثورات عربية، واستغلت الرأسمالية مكانة “غيفارا”. في قلوب ملايين المقهورين الذين يعتبرونه مصدر إلهام للثورة على الظلم، لتُحوله إلى علامة مميزة لسلع تجارية تُباع وتُشترى ورمز للتمرد المُفرغ من معاني العدالة الاجتماعية.
من هي “آنا ليندا” وقصة عداء الصهيونية ورفض غزو العراق ؟
“آنا ليندا”؛ كانت وزيرة الخارجية السويدية، في الفترة من عام 1998 إلى عام 2003، وعضو في (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) السويدي، منذ توليها هذا المنصب؛ وكانت مواقفها مختلفة عن نظرائها في العالم كله، ففى عام 2003، انتقدت وبشدة الغزو الأميركي لـ”العراق”، وطالبت بالحفاظ على حقوق الإنسان واحترام القرارات والقانون الدولي في الصراع “الفلسطيني-الإسرائيلي”، وانتقدت بقوة حكومة “آرييل شارون”، وفي خطاب لها، يوم 30 كانون ثان/يناير 2003، طالبت “إسرائيل” بإنهاء احتلالها وحل مستوطناتها وإيجاد حل لمشكلة “القدس”.
وفي يوم 19 أيلول/سبتمبر 2003، تم طعن “آنا ليندا” عدة طعنات على يد شاب صربي، بدون أي دوافع، مما جعل الشبهات تحوم حول “الموساد”، الذي كان يرى في “ليندا” صوت ينادي في البرية بالحق.
و”السويد” تتبع سياسة مستقلة تقوم على القيم. ولا تعبأ أن تجاهر بما يغضب “أميركا” و”إسرائيل”. وقد دأبت “إسرائيل” على اغتيال الشخصيات السويدية البارزة العاملة في السياسة الدولية؛ من أمثال: “الكونت برنادوت”، عام 1948، و”أولف بالمه”، رئيس الوزراء عام 1986، وأخيرًا “آنا ليندا”، وزيرة الخارجية في 19/9/2003.
“آنا ليندا”؛ كانت تصف وبملء فمها، “جورج بوش” و”آرييل شارون”، بـ”الخنازير”. وقالت إن هجمات أيلول/سبتمبر سيعقبها حملة على الإسلام، فاختارت أفضل كتاب يدافع عن الإسلام ووزعت منه 300000 نسخة على الطلاب السويديين.
وفي 10 أيلول/سبتمبر 2003، ظهرت وزيرة خارجية السويد، “آنا ليندا”، على التليفزيون، وانتقدت بشدة العلاقة بين “الولايات المتحدة” و”إسرائيل”، وقالت إنها ستباشر بشكل شخصي مقاطعة المنتجات الإسرائيلية في “السويد”. وقالت: “كيف نستسيغ الاحتجاج على قتل الدب الأبيض في القطب الشمالي لصناعة الفراء، ولا نُحرك ساكنًا إذا قتلت الدبابات الإسرائيلية أسرة فلسطينية بأكملها ؟!”.. هذه هي “آنا ليندا”، التي كانت في 19 أيلول/سبتمبر 2003، تقوم بالتسوق في متجر “نورديسكا كومبانيات”، في وسط “أستوكهولم”، فقام الشاب “ميخائيل ميغائيلوفيتش”، (32 سنة)، السويدي من أصل صربي بطعنها في الذراع والبطن والصدر وطعنات نافذة في الكبد والمعدة، وتوفيت على إثرها بعد يوم؛ وقبل ثلاثة أيام من الانتخابات العامة، حيث كان يُطرح اسمها باستمرار بين المرشحين المحتملين لرئاسة الحزب والحكومة.
وتقول سيرتها إنها ولدت، في عام 1957، وكانت أول سياسية في عائلتها وزاولت السياسة منذ كانت في الثانية عشرة، وأصبحت رئيسة للجنة الطلابية في مدرستها، وبعد عام انتخبت لعضوية قيادة “الشبيبة الاشتراكية الديمقراطية”، وشاركت في تظاهرات (الحزب الاشتراكي) ضد الحرب الأميركية على “فيتنام”، في عام 1969.
وفي 1982؛ تخرجت من كليّة الحقوق، وفي نفس العام؛ انتخبت وهي ابنة 22 سنة لعضوية “البرلمان السويدي”، وترأست في 1984 “اتحاد الشبيبة الاشتراكية”؛ وأشتهرت بدفاعها عن البيئة وتصدت للشركات التي تضر بالبيئة، وفى 1994 اختيرت لـ”وزارة البيئة”، وفي عام 1998 اختيرت لـ”وزارة الخارجية”، ولما كانت تحظى به، “آنا ليندا”، من احترام أوروبي، حتى من معارضيها، فقد كان لمقتلها وقع الصدمة في الأوساط السياسية الأوروبية، كما أقام مسلمو “السويد” أكبر تأبين إسلامي لامرأة غير مسلمة، ودعا “مجلس الأئمة” إلى تخصيص خطبة الجمعة في المساجد للحديث عن مناقبها والصلاة على روحها.
ضد العنصرية..
وأشاد الخطباء بتسامحها ومواقفها ضد العنصرية؛ ودفاعها عن حقوق الإنسان وحق إندماج المهاجرين في المجتمع السويدي، ودفاعها عن الفلسطينيين وقضيتهم، وبعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر، أصدرت كتابًا مدرسيًا للدفاع عن سماحة الإسلام وبراءته من العنف، ووزعته مجانًا وحملت نسخًا منه لمسجد “أستوكهولم” المركزي.
وقد طالب كثيرون بـ”السويد” بضرورة فتح ملف اغتيالها الذي رأوا فيه عملًا سياسيًا، خاصة لمهاجمتها المستمرة للسياسات الأميركية والإسرائيلية، وإنتهى سير القضية بالتأكد من قوى القاتل العقلية وحكم عليه بالمؤبد.
“مؤسسة آنا ليندا” المشبوهة.. من يقف خلفها ؟
ننتقل للمرحلة التالية؛ وهي “مؤسسة آنا ليندا”، التي تأسست بشكل رسمي، في عام 2005، بين حكومات الدول والكيانات الآتية: “مصر، إسرائيل، فلسطين، لبنان، سوريا، تركيا، الأردن، تونس، الجزائر، المغرب” ودول “الاتحاد الأوروبي الـ 27؛ وهم: “النمسا، بلجيكا، بلغاريا، قبرص، التشيك، الدنمارك، أستونيا، فنلندا، ألمانيا، فرنسا، اليونان، المغر، إيرلندا، إيطاليا، لاتفيا، ليتونيا، لوكسمبورغ، مالطا، هولندا، بولندا، البرتغال، رومانيا، سلوفاكيا، سلوفينيا، إسبانيا، السويد، إنكلترا”. ثم تطورت المؤسسة لتنضم إليها في توسعها، “مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط”، التي تمت في “فرنسا” عام 2008.
المؤسسة هي نتاج لإعلان “برشلونة”، الذي يهدف إلى خلق شراكة أورومتوسطية كاملة لجعل منطقة “حوض المتوسط” منطقة للعيش المشترك والسلام والاستقرار عن طريق تعزيز الحوار السياسي والحضاري عن طريق الشراكة الاقتصادية والشراكة الثقافية والاجتماعية.
لذا فإن أهداف “مؤسسة آنا ليندا” المعلنة؛ هي: “التعددية، التنوع الثقافي، الاحترام المتبادل بين المجتمعات والأديان والمعتقدات، واحترام القانون والحريات الأساسية…”. وكلمات مثل “التعددية” و”الاحترام المتبادل للمعتقدات”، على الرغم من أنها أهداف لكل شخص مؤمن بالإنسانية، إلا إنها أصبحت الاسم الكودي لـ”التطبيع”.
يقع المقر الرئيس للمنظمة في مدينة “الإسكندرية” بـ”مصر”، ويرأسها، “أندريه عزولي”، (مغربي الجنسية)، والمدير التنفيذي هو، “أندرو كارليت”، (إسباني الجنسية)، ويتكون المجلس الاستشاري من :
1 – بسنيك مستفاغ – ألبانيا
2 – عائشة كسئول – الجزائر
3 – نيفين حليم – مصر
4 – رون باراكي – إسرائيل
5 – رويدا المعيطاة – الأردن
6 – أنطوان نصري – لبنان
7 – طالب عمران – سوريا
8 – محمود محجوب – الجزائر
9 – أيس سومورا نويان – تركيا
10 – هايدي دورمايتشر – النمسا
11 – إدوارد غومبارد – التشيك
12 – تأمو ميلاسو – فنلندا
13 – كارولين فورسية – فرنسا
14 – أليكي موساش جوغيت – اليونان
15 – لوتشيو غيراتو – إيطاليا
16 – كارينا بيترسون – لاتفيا
17 – نيفنكا كوبرسيفك – سلوفينيا
18 – سارة سيلفستري – إنكلترا
وبالتعمق أكثر في العلاقة بين المنظمة و”إسرائيل”، نجد المؤسسة الوكيلة لـ”مؤسسة آنا ليندا” في “إسرائيل” هي “مؤسسة فان لير القدس”، وهي منظمة يعود تاريخها إلى عام 1959، وتعمل على قضايا التعليم والديمقراطية وحقوق الإنسان والعيش المشترك، عدد الإسرائيلين العاملين بالمنظمة، 127 إسرائيلي، وقامت “آنا ليندا” بـ 13 نشاط وحدث بمشاركة إسرائيليين، كان منهم العديد في “مصر” وباقي الأنشطة كانت بالخارج، ولكن بمشاركة مصرية.
أما على الجانب المصري؛ فالمركز الحقيقي لـ”مؤسسة آنا ليندا” هو “الأليكس ميد”، بـ”مكتبة الإسكندرية”، وهناك 171 شاب مصري يعملون بشكل مباشر مع “آنا ليندا”، بالإضافة إلى عدة مئات في مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، الذين يتعاونون مع “آنا ليندا” دون أن يكونوا مرتبطين معها بشراكة مباشرة.
قامت المؤسسة برعاية مشروع سمي “حوار الـ 21″، تم في “مصر”، عام 2007، بتواجد إسرائيلي. كما تم تنظيم عدة رحلات للتبادل الثقافي في: “البرتغال، ألمانيا وبولندا”، وكان بها وفود إسرائيلية، يتواجد العديد من الإسرائيلين في أنشطة “آنا ليندا”، إما بجنسيتهم الإسرائيلية أو بجنسية مزدوجة.
وتقول الناشطة المصرية، “ماهينور المصري”: “لن أنسى في أيام حرب لبنان؛ كنت أتناقش مع أحد المعارف حول الحرب، وكان موقفه ضد حزب الله تمامًا، ولكني لم أتعجب فذلك كان الموقف الرسمي للدولة؛ وتخيلت أنه متبني هذا الموقف بسبب عدم وعيه السياسي، ولكن في نهاية حديثنا قال لي أنه خائف على صديق عزيز عليه جدًا ويريد أن يطمئن عليه؛ وعندما سألته إذا كان صديقه من الجنوب أم من بيروت قال لي أنه ليس من بيروت ولا الجنوب بل من تل أبيب”.
وتضيف: “أعلم أن العديد من الأفراد الذين يتعاملون مع (آنا ليندا) إما لا يعلمون بأنشتطتها التطبيعية أو يعلمون، ولكنهم يرون أنهم يجب أن يشتركوا كي يبينوا وجهات نظرهم … أقول لهؤلاء أنكم أنتم من تعطون الشرعية للمطبعين للاستمرار في خططهم”.
متابعة: “أما المطبعون الذين يلهثون خلف الأموال؛ فسيتم كشفهم وفضحهم حتي تتطهر الساحة الثقافية والفنية منهم”.