“عِرق الصِّبا”.. قصة قصيرة

“عِرق الصِّبا”.. قصة قصيرة

يكتبها: محمد فيض خالد

كل شيء ينبئ بالغرابة، يدعوك لتطلق عنان خيالك، رأس كبير مفلطح، عينان كعيني جمل، أنف معقوف كالكأس المقلوب، شفتان غليظتان، شعر مفلفل ككرة السلك، أما هيكله الضخم،  فعملاق بذراعين طوال كفرعي شجرة متين، ركبت فيه كف عريضة، حوت خمسة أصابع  كحبات البطاطا، يحمل كل هذا فوق ساقين كعمود الجرانيت.

أما صوته  باستطاعته اقتحام أذنيك عنوة في شراسة، يتباهى بقوته، يستعرضها كمصارع عتيد، حتى والدته لا تكف عن التغني به: “إن ابني غليظ القلب، خنق وهو ابن الخامسة عنزة، تجرأت فاختطفت كسرة خبز من أمامه”، ومع شراسة طبعه، فإن “لمرعي الحلاق” رأيا: “هو طيب برئ، تستطيع كسبه بكلمة”، تسامع أهل الزمام بصلابة عوده ، وذراعه اليابسة، تستذكر أمه ذلك اليوم المشؤوم، كانت الشمس فيه لينة على غير عادتها، تغالب برودة الصباح المتسلطة، و”ربيع” قابض على رقبة “زينهم ” زوج أخته، يتراءى الموت في وجه الضحية يولول كالنساء، وصاحبنها يهدر كجمل غاضب،  ينتظر الليلة الكبيرة بفارغ  الصبر، ليصارع “عويس” فتوة الغجر المشهور.

تعود منازلته وسحقه، يشرف مهندس الري بنفسه على نزالهما، تخشى “سنية العايقة” زعيمة الغجر على فتاها، تنبعث آلامها انبعاث الشياطين، يرسب في أجفانها الحزن، تتزايد نظرات “ربيع” مهتاجة، يتلمظ كثعبان، وقد برز “عِرق الصِّبا” يتوسط ذراعه منتفخا، تعود في كل عام أن تكون له الغلبة، ووليمة تقام في بيت العمدة ابتهاجا لكسر شوكة الغجري .

يشيع “ربيع” الطريق بابتسامة هزيلة، وكأنه يجمعها من بئر بعيدة، تدق في ذاكرته طبول الماضي بعنف، تورق بين جنبيه شجرة اليأس، هكذا يقضي سحابة نهاره، وقبيل المغيب، تقف أمامه ابنته، تقول على استحياء: “العشا يا بويا”، ينفحها بابتسامة مشرقة، منذ أربع سنوات أصيب بداء الكبد، انتفخ بطنه، تهدل جسده، تلاشت قوة ساعده، ولم يعد لعرق الصبا أثر.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة