خاص: إعداد- سماح عادل
كان عيد الفطر في عهد الدولة الفاطمية مختلفا، حيث تميز بطقوس احتفالية مميزة، وانتشرت هذه الطقوس في مصر وبلاد الشام. وكان من العادة أن يجلس الخليفة يوم العيد في قاعة الذهب، ويجلس على يمينه الوزير ثم يجلس بعده الأمراء كل في المكان المخصص له ويتبعهم الرسل الواصلون من جميع الولايات وهم وقوف في آخر الإيوان.
يستعرض الخليفة الفرسان ويتلى القرآن بمجلسه، ثم يحمل فطوره الخاص المعطر بالمسك والعود والكافور والزعفران مع أنواع البلح الملونة التي يستخرج ما فيها وتحشى بالطيب وغيره، فيأخذ ثمرة يفطر عليها ويناول مثلها للوزير فيظهر الفطر عليها ويفعل ذلك مع بقية المدعوين فيجعلون في أكمامهم ما يناولهم إياه بعد تقبيله. ثم يأذن الوزير بناء على أمر الخليفة بافتتاح السماط والسماح للحاضرين بالأكل منه وأخذ ما يشتهون.
يخرج الخليفة بعد سماط الإفطار مع حاشيته إلى مصلى العيد خارج باب النصر وهي مصلى كبيرة قائمة على ربوة وجميعها مبني بالحجر ولها سور وفي صدرها قبة كبيرة بها محراب والمنبر إلى جانب القبة وسط المصلى مكشوفا تحت السماء. يخرج الخليفة من باب خاص بالقصر يسمى باب العيد ويستعرض الجند في طريقه إلى المصلى ويعود بعد الصلاة فيدخل من ذات الباب، وفي القصر يمد سماط الكعك ليأكل الجميع منه حتى قرب الظهر.
موكب العيد..
موكب العيد في العهد الفاطمي مليئا بتفاصيل فرح ومرح يراها الخليفة عند ذهابه وإيابه من المصلى، ويقوم عليها طائفة من أصحاب الرواتب تسمى بالبرقية أو صبيان الخف. يركب بعضهم على خيول فيركضون وهم يتقلبون عليها ويخرج الواحد منهم من تحت إبط الفرس وهو يركض ويعود ويركب من الجانب الآخر ويعود وهو على حاله لا يتوقف ولا يسقط منه شيء إلى الأرض. وبعضهم يقف على ظهر الحصان فيركض به وهو واقف. وعند عودة الخليفة من صلاة العيد وهو يمر بباب النصر يرى بعض هؤلاء البرقية قد مدوا حبلين مسطوحين من أعلى باب النصر إلى الأرض حبلا عن يمين الباب وحبلا عن شماله. وينزل على الحبلين طائفة من هؤلاء على أشكال خيل من خشب مدهون وفي أيديهم الرايات وخلف كل واحد منهم رديف وتحت رجليه آخر معلق بيديه ورجليه.
طقوس رمضان..
سعى الفاطميون إلى عمل احتفالات وطقوس لكي ينالوا رضا الشعوب التي حكموها، وفي رمضان كانت هناك طقوس خاصة ممتدة حتى الوقت الحاضر خاصة في مصر مثل فانوس رمضان، والمسحراتي وموائد ضيوف الرحمن.
ربما اهتم الفاطميون بشهر رمضان بسبب أن أحداث هامة جرت خلاله، فقد فتح الفاطميون مصر علي يد جوهر الصقلي قبيل حلول رمضان بأيام، ووضع حجر الأساس للجامع الأزهر في 14 رمضان 359هـ وأقيمت الصلاة فيه لأّول مرة 7 رمضان 361هـ، ووصول الخليفة المعز لدين الله الفاطمى مدينة الفسطاط مساء يوم 7 رمضان سنة 362هـ، كان حدثا هاما حيث استقبله العامة بالفوانيس، وربما يكون هذا بداية الارتباط بين رمضان والفانوس.
ومع بداية حكم الفاطميين لمصر هدموا دكة القضاة المقامة من الخشب بجوار جبل المقطم التي كان يقوم القضاة برؤية هلال شهر رمضان، وبنوا مسجدا صغيرا بديلا لها، وبطلت عادة استخدام القضاة للتحري عن رؤية الهلال منذ بداية عهد المعز لدين الله الفاطمي وحتى انتهاء عهد الدولة الفاطمية لأنهم اعتمدوا على الحسابات الفلكية في استطلاع رؤية هلال شهر رمضان.
كانت الاحتفالات تبدأ قبل قدوم شهر رمضان بثلاثة أيام، حيث يخرج قاضى القضاة في موكب مهيب إلى الجوامع والمدارس والمستشفيات والمدافن ليقوم بنفسه بالإشراف على نظافة هذه الأماكن وتهيئتها. تضاء القناديل وتنتشر مشاعل البخور لتمتلئ أجواء القاهرة الفاطمية بأجمل الروائح وتصرف الدولة كميات ضخمة من المواد الغذائية من “خزينة التوابل”. وعندما ثبوت الرؤية يذهب الوزير إلى مقطع الوزارة، وهو المكان المخصص له في القصر ويحرص على الوقوف بجوار فرس الخليفة حتى يخرج الخليفة من قاعة الذهب مرتديا أبهى ثيابه استعدادا للخروج إلى الشارع.
ويكون موكب الخليفة مهيب ينضم إليه الأمراء وجميع الوزراء ورؤساء الجنود ورجال الدين وما إن يطل الخليفة حتى ينفخ في الأبواق ويعلو صياح الناس والجنود لتحية الخليفة. ويصطف جميع الحضور في نظام من مناطق بين القصرين ومنطقة الغورية والصاغة والحسين والأزهر ويظهر الخليفة وتبدأ الجنود في توزيع آلاف الدنانير والدراهم على الشعب.
كان العلماء في موكب الخليفة يسمونهم الأساتذة ومسيرة الموكب كانت تبدأ من باب الفتوح لخارج أسوار القاهرة ثم تعود لتدخل من باب النصر. ويعود الخليفة إلى القصر ليجلس على كرسي العرش ويستمع إلى آيات الذكر الحكيم ثم يقوم بتوزيع الهدايا والصدقات على الفقراء والذي يفتح لهم أبواب القصر طوال شهر رمضان.
وقريبا من القصر ينشئوا “دار الفطرة” المعروفة بموائد الرحمن لإطعام الفقراء، كما أغلق الفاطميون الخمارات في شهر رمضان وكانوا ينذرون أصحاب الخمارات بمنع تداول الخمر نهائيا ومن يخالف ذلك المنع تصادر جميع أملاكه.
سماط رمضان..
“سماط رمضان” أو “دار الفطرة” المسماة في الوقت الحالي ب”موائد الرحمن”، كان يجتمع عليها الفقير والغني وذلك وفقا لما ذكره المقريزي في كتابه “خطط القاهرة”: “فكان السماط يمدّ في (قاعة الذهب) بالقصر الشرقي الكبير في ليالي رمضان وفي العيدين، وهذه القاعة كان بها جلوس الخلفاء في الموكب يومي الاثنين والخميس، وبها كان يعمل سماط رمضان للأمراء وسماط الطعام في العيدين”.
ويفصل المقريزي في وصف الولائم الفاطمية في رمضان: “ويهتم بذلك السماط اهتماما عظيما تاما، بحيث لا يفوته شيء من أصناف المأكولات الفائقة والأغذية الرائقة، وهو مبسوط في طول القاعة، ممتد من الرواق إلى ثلثي القاعة، والفراشون قيام لخدمة الحاضرين، فيحضرون الماء المبخر في كيزان الخزف إلى الحاضرين، ويستمر ذلك إلى العشاء الآخرة”.
وبالنسبة لفانوس رمضان فقد كان يوم دخول المعز لدين الله الفاطمي مدينة القاهرة أتيا من المغرب في يوم الخامس من رمضان عام 358 هجرية، وقد استقبله المصريون استقبالا مهيبا في موكب ممتد من الصحراء الغربية من ناحية الجيزة ليرحبوا به ولأنه وصل ليلا، حمل الناس الفوانيس الملونة والمزينة والمشاعل ولإضاءة الطريق، وظلت الفوانيس مضاءة طوال شهر رمضان، وأصبح الفانوس رمزا لشهر رمضان.
عهد الخلفاء الفاطميون بمهمة المسحراتي إلى طائفة من الجند، ثم أصبح يخصص فرد محدد للقيام بها، وكان المسحراتي يدق بعصاه الأبواب في كل ليلة وينادي “يا أهل الله قوموا تسحروا” ثم أصبح “اصحى يا نايم وحّد الدايم وقول نويت بكرة إن حييت الشهر صايم والفجر قايم ورمضان كريم”.
الأسواق..
أمر المعز لدين الله الفاطمي بتكثيف السلع خلال شهر رمضان وتوفير كل ما يحتاجه المصريين، فكانت الأسواق تمتلئ بالناس ومن أشهر الأسواق سوق الشماعين الذي يشتري منه الناس الشموع بكافة الأحجام والأشكال لإضاءة الفوانيس والمصابيح.
وسوق الحلاويين حيث صناعة السكر والحلويات التي تنتشر في شهر رمضان وكان من أبهج الأسواق، حيث أشكال خيول وسباع من السكر تسمي “العلاليق”، وكان يتم عرض العديد من أنواع الحلوى مثل “القطايف والكنافة” يقال إن الكنافة صنعت مخصوص للخليفة الأموي “سليمان بن عبدالملك”، كما قيل إنها صنعت للخليفة “معاوية بن أبي سفيان”، وكانت الكنافة والقطايف موضع مساجلات بين الشعراء، وهناك رسالة لجلال الدين السيوطي عنوانها: “منهل اللطايف في الكنافة والقطايف”.
وسوق باب الفتوح فكان مخصصا لبيع اللحوم والخضراوات، لأنه أول يجده تجار المواشي والخضروات الآتين من البلاد الأخرى، وأكثر الأسواق ازدحاما سوق السمكرية داخل بوابة المتولي بالغورية ويمتلئ بجميع أنواع الياميش وقمر الدين والمشروبات الرمضانية الشهيرة.
كعك العيد..
لكن يبقى السؤال هل ابتكر الفاطميون كل تلك الطقوس وابتدعوها، أم تأثروا بطقوس الشعب المصري في احتفالاته وأعياده، واستغلوا تلك الطقوس لصالحهم لينالوا محبة الشعب، لأنه معروف أن خبز الكعك في الأعياد عادة مصرية قديمة، وكذلك استقبال الملوك بالفوانيس المضاءة مثلما استقبلوا الملكة “اياح حتب” زوجة الملك “سكنن رع” وأم “أحمس” الذي استطاع أن يطرد الهكسوس من مصر بعد فترة احتلال طويلة.
لذا نجد في العهد الفاطمي عادة خبز الكعك في عيد الفطر، كما وجدت “العيدية” فكان الخليفة يوزع الأموال في الأعياد على الناس، واستمرت تلك العادة بين الناس وبعضها.
توسع الفاطميون في الاستعداد لكعك العيد حتى أنهم جعلوا إدارة حكومية خاصة عرفت بـ «بدار الفطرة» كانت تهتم بتجهيز الكميات اللازمة من الكعك والحلوى لتوزيعها وإعداد سماط العيد الذي يحضره الخليفة، وكان العمل في تجهيز هذه الكميات الهائلة يبدأ من شهر رجب وحتى منتصف رمضان، وقد بلغت ميزانية إعداد هذه الأصناف في بعض السنوات ما يقرب من 16 ألف دينار ذهبي لشراء الدقيق وقناطير السكر واللوز والجوز والفستق والسمسم والعسل وماء الورد والمسك والكافور.
عيد الفطر لدى العراقيين..
من أبرز الذكريات أيام العيد لدى الشعب العراقي هو التسوق قبيل حلول عيد الفطر بأيام، وتحضير النسوة العراقيات “الكليجة” وهو كعك محشو بالتمر، وعدد من الحلويات العراقية الأخرى مثل “كمن السما، الحلقوم، والمسقول”، والتي يتم وضعها على طاولات مزينة داخل صالات الجلوس في المنازل وتقديمها للضيوف. ومن أنواع الكليجة العراقية أيضاً إلى جانب تلك المحشوة بأنواع الحشوات المختلفة، نوع آخر غير محشو بأية حشوة يطلق عليه اسم حلوى الخفيفي، إذ تحتوي هذه الحلوى على نسبة قليلة من السكر، كما أنها تدهن عادة بصفار البيض. وكان الاهتمام بشراء الملابس الجديدة والحلي استعدادا لاستقبال العيد. حيث يفرح الطفل بملابسه الجديدة، ولا يسمح له بارتدائها إلا صباح يوم العيد، إذ يعتبر العراقيون القدامى أن ارتداءها قبل ذلك فألا سيئا.
وزيارة المقابر وهي عادة قديمة مازال الناس يحرصون عليها مهما كانت الظروف المحيطة. ومن أبرز مظاهر الاحتفال إقامة الألعاب المخصصة للأطفال، ومن أهم أنواع الألعاب المراجيح، والفرارات، والدواليب الهوائية، إلى جانب إقامة ألعاب الأطفال في الأماكن العامة.
يستذكر العراقيون بحنين مفرط ليالي العيد وطقوسه المتنوعة أيام زمان حيث كانت المتنزهات والسينمات المنتشرة في بغداد من أهم الوسائل الترفيهية التي تجمع العائلات العراقية كمتنزه سلمان باك ومتنزه أبو نؤاس وغيرها من المتنزهات التي تملأ العاصمة بغداد، والسينما التي كانت منتشرة في باب الشرجي والسعدون ومنطقة الأعظمية”.
عيد الفطر في الدول المغاربية..
في تونس وفي فجر يوم العيد يخرج قارع الطبل “بو طبيلة”، ويجوب الشوارع مهنئاً بحلول عيد الفطر، كما يدوي مدفع العيد بثلاث طلقات معلنا انتهاء شهر الصيام. ويرتدي التونسيون في صلاة العيد ملابسهم التقليدية، الرجال يرتدون “الجبة التونسية” وتتزين النساء بالجلابيب ذات النقوش التقليدية الأصيلة، كما يحتذي الأطفال بآبائهم وأجدادهم بلبس الجبة قبل تغيير الملابس لاحقا وارتداء الملابس التي اقتنوها خصيصا لهذه المناسبة.
حق الملح..
“حق الملح” عادة قديمة وتتمثل في هدية يقدّمها الزوج لزوجته بعد صلاة العيد تقديرا منه واعترافا بمجهوداتها في شهر رمضان لتلبية حاجيات أسرتها. وغالبا ما تكون الهدية قطعة من الذهب أو الفضة. تعود تسمية الهدية ب”حق الملح” إلى ما تعيشه الزوجة يوميا في شهر رمضان، من تذوّق الأطعمة دون ابتلاعها، حرصا على جودة المأكولات المطبوخة ولذّتها، تلبية لرغبات أفراد الأسرة. المؤرخين أكدوا أن هذه العادة مغاربية بامتياز، وتختلف تسمية هذه العادة باختلاف المناطق وحسب اللهجات بالبلدان المغاربية، ففي تونس يطلق عليها “حق الملح” وفي الجزائر “حق الطعام” وفي ليبيا “لكبيرة” وفي المغرب يطلق عليها اسم “التكبيرة”.
واختلفت التسمية واختلفت معها المبررات وفق المختصين، ففي تونس مثلا سميت حق الملح في إشارة لاضطرار الزوجة في بعض الحالات تذوق ملوحة الطعام وهي صائمة (التذوق يتم بطرف اللسان حتى لا يفسد الصيام)، وفي المغرب سميت بالتكبيرة لأن الزوجة تقدم طعاما شهيا طيلة شهر رمضان بملح معتدل دون أن تتذوق الطعام وهي صائمة معتمدة فقط على خبرتها ومقادير تقديرية حسب الإحساس ورؤية العين. والتعريف الأصح للملح في بلاد المغرب العربي هي “العِشرة”، سنين الحياة التي جمعتهم بحلوها ومرها، بمعنى أن هذه الهدية هي بمنزلة اعتراف بحق العِشرة.
ومن أشهر العادات التونسية “هزان الموسم” وهي عادة تونسية تتمثل في أن يزور الخاطب أهل خطيبته حاملًا معه هدية ثمينة ولهذه العادة طقوس وسنة خاصة بها وتكون الهدية في قطعة حلي أو أدوات منزلية تستحقها العروس المستقبلية في بيتها لاحقا.
ومن أشهر الأطباق المقدمة في عيد الفطر طبق “الشرمولة”، وهو عجينة من الزبيب والبصل المتبل تُطهى في زيت الزيتون وتؤكل مع الأسماك المملحة، هذا بالإضافة إلى أصناف الحلوى مثل المحكوكة والرخايمية والرفيسة.