خاص: إعداد- سماح عادل
أكيتو هو رأس السنة الآشورية البابلية، عيد قديم في تاريخ الإنسانية، ويتم الاحتفال به في الوقت الحاضر في أول شهر أبريل/ نيسان كل عام. هذا العام احتفل الأشوريون بالعيد، بملابسهم ورقصاتهم التقليدية في بلدة القحطانية في محافظة الحسكة، شمال شرقي سوريا، لبداية سنة 6771 بحسب التقويم القديم لحضارات ما بين النهرين.
يحتفل بهذا العيد الأشوريون والكلدان والسريان في العراق وسوريا ، رغم أن دينهم لم يعد ينتمي لأديان الحضارات القديمة التي سادت في بلادهم قبل آلاف السنين. حيث اصبحوا يعتنقون الديانة المسيحية، لكنهم يحافظون علي تقاليد الأجداد القدماء، ولم يتركوها تندثر.
في هذا العيد يحفظ الأشوريون والكلدان والسريان تقاليد الحضارات البابلية والسومرية والأكادية والكلدانية القديمة. وكانت الشعوب القديمة في منطقة بلاد الرافدين وسوريا، تحتفل بحسب دورة الطبيعة، بأعياد الحصاد والزرع.
معني الكلمة..
تنوعت آراء المؤرخين حول معنى كلمة أكيتو، فسرها الباحث العراقي، خزعل الماجدي، بأنها تعني تقريب الماء من الأرض، فيما يعتقد آخرون بأنها تعني بذر القمح. وفق أسطورة بلاد بين النهرين، عودة الربيع تتضمن صعود الإله دموزي من عالم الأموات، وعودته إلى الحياة، كما تعود البذور إلى الحياة من جديد بحلول الربيع وتجدد الطبيعة. وعيد أكيتو في الحضارة البابلية، كان عيداً للزرع وتحضير التربة للبذور والسقي.
دورة الطبيعة..
تناول “فراس السواح” الباحث والأكاديمي السوري، فصولاً من كتبه للتوضيح وذكر طقوس الاحتفاء بدورة الطبيعة في الحضارات العراقية والسورية القديمة. وقد اهتم بنص طويل يحتوي على شرح طقسي كامل لكلّ ما يجب القيام به خلال فترة العيد التي تستمر 12 يوماً.
وفي اليوم الرابع، كان الملك يدخل إلى المعبد بكل خضوع، فيجلسه الكهنة أمام تمثال الإله مردوخ، ويجردونه من حليه وصولجانه، ويصفعونه، ويرغمونه على الخضوع لإله الخصب ومجدد الطبيعة، بحسب الأسطورة القديمة.
وبحسب الأسطورة البابلية، كان موت مردوخ، قبل عودته إلى الحياة في الربيع، يعني اختلال نظام العالم. ذلك كانت تعم قبل العيد حالة الفوضى، وكان يؤتى بأحد المجرمين المحكوم عليهم بالإعدام، فيلبس ثياب الملك ويجلس على عرشه.
يقول “حنا صومي” مسؤول الجمعية الثقافية السريانية في سوريات، عن طقوس العيد قديما: “كان الملك يركب على عربة، ويشد الشعب أذنه، في دلالة على ضرورة أن يصغي الملك للشعب، وأن تكون كلمة الشعب مسموعة وأن الشعب هو الفيصل، ويصغي الملك للشعب ويقول للشعب اجلسوا مكاني.
بعد أن يجلس الشعب في مكان الملك، يختفي الملك بين عامة الشعب، تحدث فوضى عارمةً في بابل، وفي 1 نيسان يتم العثور على الملك، وتعم الأفراح في المنطقة، وكذبة نيسان الشهيرة جاءت من هنا، أي مفادها إن الملك لم يختف اختفاءً حقيقيًا بل كان هناك تمثيلية”.
ويكرر المحتفلون بالعيد ما كان يفعله القدماء، من رقص وفرح، وارتداء أزياء شعبية مزركشة تحتوي على تطريز، وريش، ويؤدون مشاهد درامية فلكلورية تشبه أسطورة انبعاث الحياة من الأرض بعد الشتاء.
تعريف..
أكيتو (بالسومرية: أكيتي سنونم) (ريش شاتين بالأكادية) (بالأشورية: ܪܫܐ ܕܫܢܿܬܐ ܐܫܘܪܝܬܐ)، هو عيد رأس السنة لدى الحضارة السومرية والبابلية والأكادية وصولا للحضارة الآشورية، يبدأ عيد رأس السنة الجديدة في اليوم الأول من شهر نيسان ويستمر لمدة اثنا عشر يوماً. ويعود الاحتفال برأس السنة الآشورية في الأول من نيسان إلى السلالة البابلية الأولى، أي إلى مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، إذ تم على عهد هذه السلالة العمورية ترتيب حلقات الحياة بشكلها شبه النهائي في حياة سكان بلاد ما بين النهرين في العراق وسوريا سواء من الناحية الدينية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.
تأريخ يوم السومريون اعتمد على عناصر طبيعية أهمها القمر، شهر «نيسانو» (نيسان) يبدأ بحسب التقويم الآشوري العراقي بليلة الاعتدال الربيعي، وترتبط جذور المناسبة بأصل زراعي يتعلق بموسم حصاد الشعير، ويعتقد بأن اتفاقا حصل قديما بين شعوب بلاد ما بين النهرين على أن يكون الاحتفال في الربيع، إذ يمثل تفتح الحياة وموسم الحصاد.
عيد شعبي..
أكيتو كان في فترات أقدم من الزمن عيدا دينيا شعبيا تشارك فيه الآلهة والملوك وسكان المدن، و بدايته كانت على شكل احتفالات صغيرة تقام في مصلى صغير، وبمرور الزمن تحوّل إلى احتفال كبير يقام في المعبد البابلي.
مازال الكلدان العراقيين يمارسون الطقوس الدينية وتقديم الذبائح والصلوات وقراءة القصص البابلية للخلق، والتي تحكي عن «اتحاد الآلهة»، رغم أنه احتفال قومي.
الشهر القمري عند الشعوب القديمة كان يبدأ مع القمر الجديد. طول هذه الفترة كان حوالي 29 يوم و12 ساعة و44 دقيقة و3 ثواني يتوسطها اكتمال القمر مرّة واحدة شهريا، مما يعني بأنه لا يمكن تحديد تاريخ مرقـم لرأس السنة الجديدة لأن القمر الجديد سيتغيّر تاريخه الرقمي كل سنة بالتقويم الحديث.
يستمر العيد اثني عشر يوماً يتم خلالها الاحتفال بالآلهة مردوخ ونابو وكذلك مدينة بابل. تصل إلى ذروتها في اليوم الثامن، أثناء الموكب الذي يجمع بين ملك بابل وملك الآلهة مردوخ. يقام هذا الحفل على شارع الموكب ويمر تحت بوابة عشتار الشهيرة، لينتهي خارج الأسوار في معبد أكيتو حيث يتم أداء الطقوس خلال الأيام الأخيرة من المهرجان.
هو احتفال زراعي كان يقام في الربيع والخريف، ثم اتخذ بعدا جديدا من خلال ارتباطه بالعام الجديد، عرفنا عنه من خلال كتابات الألف الأول للفترة الآشورية الحديثة والبابلية الجديدة. العيد في بابل يشتمل على الطقوس والتضحيات والمواكب التي تنطوي على الحكام وتماثيل الآلهة، وتلاوة أسطورة ملحمة الخلق واستقراء الوحي للسنة القادمة، خاصة تثبيت قدرملك بابل.
مع أن كهنة معبد مردوخ ومن بينهم كاهنهم الأعلى كان لهم مكاناً بارزاً في الاحتفالات، فإن لهذا العيد أيضاً أهمية سياسية عميقة، فمع تجدد السنة تتجدد شرعية الملك. لذلك فإن عيد أكيتو هو أحد أسس شرعية الملك وآلهته الرئيسية وكذلك بابل عاصمته الدينية والسياسية.
وبحسب المصادر التاريخية، فإن بدايات الاحتفال بهذا العيد تعود إلى ما بين 4000 إلى 5000 عام قبل الميلاد، فيما يشير عدد من المؤرخين إلى أن السومريين والساميين احتفلوا به منذ عصر (أريدو -5300 ق. م) وبالذات في جنوب بلاد ما بين النهرين، وكان يطلق عليه زاكموك (Zag-mug) ويُحتفل به مرتين كل عام، في الربيع والخريف.
“الاحتفال بعيد أكيتو استمر حتى القرن الثاني الميلادي ولكن بعد انتشار المسيحية في العالم تم حظر الاحتفال به، وتم التعامل معه كعيد وثني، ولكن استمرت الاحتفالات من خلال بعض العادات والتقاليد الشعبية.
ومن ضمن الطقوس المتداولة في ذلك العيد، أن يخرج الناس في فجر الأول من أبريل/ نيسان ويلمسون العشب ويجمعون الطل أو الندى لمسح وجوههم للتبرك، كما يرتدي الأطفال الصغار لباس العرس ويجوبون بيوت القرية.
واستناداً لبحوث تاريخية فان ذلك العيد كان معروفاً منذ الأزمنة العتيقة في بلاد ما بين النهرين بمدن مثل (أريدو، أور، لجش، كيش، أوروك) وكان أحد عيدين رئيسيين هما: (زاكموك وأكيتو)
وزاكموك هو عيد الاحتفال بحصاد الشعير، وكذلك هو عيد الاعتدال الخريفي المتزامن مع موسم قطف التمور، وكان الاحتفال به يجري في الخامس عشر من شهر سبتمبر/ أيلول من كل عام.
ويرمز هذا العيد لقدسية نخلة بلاد الرافدين ولتجدد وخصب الأرض المتمثلة بشعائر الجنس في (الزواج المقدس) ورمزه الإله السومري (دموزي) وزوجته (أنانا) واللذين تم اقتباسهما في شخصية الإله (تموز) وزوجته (عشتار) عند البابليين، ولاحقاً تمت الاستعاضة عنهما بشخصية الإله (مردوخ) وزوجته (صربانيتوم) أثناء الاحتفال بعيد أكيتو في بابل.