خاص : كتبت – ابتهال مخلوف :
ساعات قليلة تفصلنا عن إعلان الفائز بأرفع جائزة أدبية في العالم وهي “نوبل للأدب”، بما تحمله من ضجيج المثقفين في أرجاء المعمورة، وليصبح الفائز هذا العام رقم (114) ممن نالوا شرف الحصول على “نوبل” للأدب على مدار تاريخ الجائزة الطويل التي بدأت عام 1901، منهم (14) شخصية أدبية من الجنس اللطيف.
ويتعين على أكثر من نصف أعضاء الأكاديمية السويدية، وهي جمعية مكونة من 18 سويديًا ينتخبون بالاقتراع السري بناءًا على أدوارهم وإنجازاتهم في المجتمع السويدي، لصالح الفائز الذى سيتم اختياره من حوالى 350 مرشحًا تم ترشحيهم من قبل دول وشخصيات ومؤسسات أدبية وأكاديمية من جميع أنحاء العالم – بحسب صحيفة “الغارديان” البريطانية. والعامل الجوهري في عملية اختيار الفائز هو ما جاء في ميثاق تأسيس الجائزة، التي اوقفها رجل الأعمال “ألفريد نوبل” – مخترع الديناميت – لمن ينتج أكثر الأعمال تميزًا نحو تحقيق المثالية في مجال الأدب.
وبعكس معظم الجوائز الأدبية الكبرى، مثل جائزة “البوكر”، لا تصدر لجنة جائزة “نوبل” قوائم طويلة أو قصيرة للمرشحين الذين ستختار منهم الفائز، ويظل الأمر في طي الكتمان حتى لحظة إعلانها.
ولذا قدمت صحيفة “الغارديان” توقعاتها بالفائز بجائز “نوبل” للأدب هذا العام، واعتبرت أن الروائي الكيني الشهير”ويل نغونغي وا ثيونغو” – الذي يقترب عمره من الثمانين – المرشح الأوفر حظًاً للفوز بالجائزة، ويليه الأديب الياباني الشهير “هاروكي مور اكامي”، والكاتبة الكندية “مارغريت أتوود”، وكذلك الأديب الكوري الجنوبي “هو كو أون”.
وتتردد معهم أسماء آخرى منها “أدونيس” (فرنسا/لبنان/سورية)، و”إسماعيل كاداري” (ألبانيا)، و”ميشال ويلبيك” (فرنسا)، و”خافيير مارياس” (إسبانيا).
لا للمفاجآت والعودة للكلاسيكية..
تتوقع الأوساط الأدبية أن تعود اللجنة إلى سالف عهدها التقليدي، وتبتعد عن الاختيارات المثيرة للجدل، مثل حصول نجم البوب الأميركي “بوب ديلان” على الجائزة العام الماضي، “لأنه قد أدخل تعبيرات شعرية جديدة إلى تراث الأغنية الأميركية العريق”، وهو ما أثار عاصفة من الانتقادات والجدال استمرت حتى اللحظة، خاصة مع رفض “ديلان” استلام الجائزة حتى شهر نيسان/أبريل من العام الجاري. ما دعا عضو الأكاديمية “بيير واستبرغ” إلى وصفه بأنه “غير مهذب ومتغطرس”.
ويذهب المحللون إلى أن اللجنة قد تعمد لاختيار اسم يربك الأميركيين، تترجم مؤلفاته بالكاد للإنكليزية، مثل الروائي الإسباني “خوان مارسيه”، أو المبدع الصومالي “نور الدين فرح” بروايته الآخاذة (الاختباء في موقع مكشوف)، والرومانى “ميرسيا كارتاريسكو”.
هل تذهب لإفريقيا ؟
تم طرح اسم الكاتب الكيني “نغونغي وا ثيونغو”، خلال دورات عديدة في تاريخ جائزة نوبل الحديث.. ولد في 5 كانون ثان/يناير 1938، وبدأت رحلته الإبداعية عام 1964 برواية: (لا تبك، أيها الطفل) التي صدرت باللغة الإنكليزية، ومنذ ذلك الحين، اتجه إلى كتابة مجموعة متنوعة من الأعمال الإبداعية تتضمن العديد من الروايات والمسرحيات والقصص القصيرة والمقالات. وقد ترجمت كتبه إلى 30 لغة.
ترددت في رواياته المبكرة أصداء عداوته الشديدة للاستعمار الغربي لقارة إفريقيا، خاصة أهوال الاحتلال البريطاني في كينيا وشرق القارة بوجه عام. ولطالما دعا “نغونغي وا ثيونغو” في كتاباته إلى تحرير العقل الإفريقي من رواسب الاستعمار.
ومع صدور روايته الثالثة: (حبوب الحنطة) عام 1967، تخلى تمامًا عن الكتابة باللغة الإنكليزية وبدأ في كتابة رواياته وقصصه بلغته المحلية “الغيكويو”.. أبدع روايته: (الشيطان على الصليب)، وهو قابع خلف أسوار السجن، على ورق التواليت وهو معتقلًاً من قبل سلطات بلاده دون محاكمة بسبب مناهضته للاستعمار الإنكليزي، وبعد إطلاق سراحه هاجر إلى الولايات المتحدة وكرس نفسه للكتابات السياسية، ويتوقف عشرين عامًا عن إصدار روايات جديدة، حتى عام 2006، حينما صدرت له رواية طال انتظارها وهي: “The Wizard of the Crow”، التي قام بترجمتها بنفسه للغة الإنكليزية.
إذا فاز “نغونغي وا ثيونغو” سوف يكون أول كاتب إفريقي أسود يحصل على “نوبل للأدب” منذ 30 عامًا. وبحسب صحيفة “الغارديان”، كان آخر كاتب أسود حصل على الجائزة هو الروائي الأميركي “توني موريسون” في عام 1993، وكان آخر فائز أسود من إفريقيا الروائي النيجيري الشهير “وول سوينكا” في عام 1986.
“هاروكى موراكامي” وسراب نوبل..
كالعادة يتصدر الروائي الياباني الشهير “هاروكي موراكامي” – الذي يبلغ من العمر 68 عامًا – قائمة المرشحين بعده، فهو يتمتع بشعبية طاغية لدى القراء في بلده “اليابان” ومختلف دول العالم، خاصة لدى الشباب، حيث تجتذبهم “تيمته” الأساسية في الكتابة التي تمزج بين العزلة والوحدة والحب والواقع والخيال، وكذلك تنعكس ثقافته الموسوعية على أعماله مثل عشقه للموسيقى والفنون التشكيلية، كما تمت ترجمت رواياته لأكثر من خمسين لغة. ومن أشهر رواياته: (IQ84) و(كافكا على الشاطئ) و(الغابة النرويجية) و(جنوب الحدود غرب الشمس) و(سبوتنك الحبيبة).
حصل “موراكامي” على عدة جوائز أدبية عالمية، منها جائزة “فرانك كافكا” عن روايته: (كافكا على الشاطئ) عام 2006، وجائزة “هانز كريستيان أندرسن” النرويجية للأدب عام 2015. كما اختارته مجلة (تايم) الأميركية في عام 2015 واحدًا من بين 100 شخصية مؤثرة في العالم.
واصيب كثير من عشاق أدب “موراكامي” منذ سنوات عدة بخيبة الأمل لتجاهله من قبل لجنة “نوبل”، ويعتقد بعض النقاد أن شعبيته الطاغية ومبيعات أعماله الفلكية، ليست مقياسًا لدى لجنة الجائزة لمنحه إياها، بل قد تكون سببًا رئيساً في تجاهله سنوات عدة.
“مارغريت أتوود”.. و”حكاية خادمة”..
رغم فوز القاصة الكندية “آليس مونرو” بالجائزة عام 2013، إلا أن حظوظ مواطنتها “مارغريت أتوود” في نيل “نوبل للآداب” ليست ضئيلة، إذ تشير صحيفة “لوموند” الفرنسية إلى أن الكاتبة الكندية “مارغريت أتوود” (77 عامًا) مرشحة بقوة لنيل “نوبل”، خاصة مع حصول المسلسل التليفزيوني الأميركي “حكاية الخادمة”، المأخوذ عن روايتها التي صدرت عام 1985 بنفس الأسم، على جائزة “إيمي” لأفضل مسلسل درامي لعام 2017.
إذا فازت “مارغريت أتوود” بنوبل للأدب هذا العام، فسوف تصبح الكاتبة الخامسة عشرة التي حصلت على الجائزة على مدار تاريخها الطويل. إلا أن النقاد الثقافيين يعتقدون أن كونها امرأة وكندية يضعف من فرص فوزها بالجائزة، إذ حصلت امرأتين على الجائزة في عامي 2013 و2015، وهما القاصة الكندية “آليس مونرو”، والكاتبة والصحافية “سيفتلانا ألكسيفيتش” من بلاروسيا على التوالي.
وتعتبر “أتوود” من أهم كتاب الرواية والقصص القصيرة في العصر الحديث. وهي روائية وشاعرة وكاتبة أدب أطفال، توجت أعمالها، التى تجاوزت خمسين كتابًا، بجوائز عدة أبرزها جائزة “بروكر”، التي وصلت للقائمة القصيرة لها خمس مرات.
تهتم “مارغريت أتوود” بحقوق النساء وقضايا البيئة في أعمالها والمستقبليات، وهو ما حدا بالنقاد إلى تصنيف إبداعها تحت مظلة “أدب الخيال العلمي”، لا سيما مع حصول روايتها: (حكاية الخادمة) على جائزة “آثر سي كلارك”، أرفع جائزة في أدب الخيال العلمي، وهو ما نفته في تصريحات لصحيفة “الغارديان” معتبرة أن روايتها تندرج تحت مسمى “الأدب التأملي”.
راهب الشعر الكوري “كو أون”..
تضفي الحياة الاستثنائية التي عاشها الشاعر والروائي الكوري “كو اون” (84 عامًا)، رصيدًا هائلًا من الاحترام والتقدير للشاعر مع إنجازاته الفكرية، التي تجاوزت 150 كتابًا، ما بين الشعر وقصص الأطفال والروايات والسيرة الذاتية، وإن فاز “كون أون” بالجائزة سيصبح أول شخصية كورية تحصل على الجائزة في تاريخها.
وتقول صحيفة “الغارديان” البريطانية أن “كو أون” ولد عام 1933 في كوريا الجنوبية لعائلة تعمل بالزراعة، وبدأ في الكتابة وهو في الثانية عشرة من عمره متأثرًا بالشاعر الكوري الرائد “هان ها – أون”.
واتسمت رحلة حياته بالمأساوية بسبب أهوال الحرب الكورية والانفصال بين شمال وجنوب البلاد ومقتل جميع أفراد عائلته في الحرب الكورية في خمسينيات القرن الماضي، ما دفعه إلى صب “الأحماض” في أذنه حتى لا يسمع أصوات القنابل وفظائع الحرب، كما حاول الانتحار في بداية السبعينيات من القرن العشرين، إلا أن النضال السياسي ضد الحكم العسكري في بلاده أعاده للحياة العامة مما عرضه للاعتقال عدة مرات. وانضم في فترة من حياته كراهب بوذي في طائفة “الزن”.
وجاءت حياته خلف أسوار السجن كنعمة له، إذ أبدع كتابه الملحمي: (ألف حياة وحياة)، تخليدًا لحياة كل شخص قابله خلف أسوار السجون بعد عهد قطعه على نفسه بذلك.