خاص : ترجمة – محمد بناية :
حكومة “عبدالفتاح السيسي” تلجأ إلى الأخلاقيات واتهامات من مثل؛ “ترويح الفاحشة والإباحية”، لإجبار الكٌتاب والصحافيين العلمانيين على السكوت.
فقد حُكم على “أحمد ناجي”، مؤلف رواية (استخدام الحياة) بالسجن مدة عامين باعتباره أول كاتب مصري يُتهم بترويج الفاحشة. وهو الحكم الذي أثار اعتراضات أكثر من 120 مؤلف حول العالم، ما أدى إلى الإفراج عن “ناجي” بعد قضاء عام في السجن. وقد تُرجمت مؤخراً راوية هذا الكاتب المصري إلى اللغة الإنكليزية، كما تقرر نشر مجموعة قصصية أخرى لـ”أحمد ناجي” في مصر. وتستمر المقاومة والنضال.
فوز في منافسة انتخابية بلا منافس..
تشهد مصر حالياً ثالث الدورات الانتخابات لرئاسة الجمهورية بعد “الربيع العربي”؛ حيث فوز “عبدالفتاح السيسي” محتوم في منافسة بلا منافس. وقد قضت حكومة “السيسي”، باسم توفير الأمن وصيانة الأخلاق، على كل إنجازات “الربيع العربي”، كما يقول الموقع الإيراني المعارض (راديو زمان)؛ مع هذا لا يزال الكٌتاب والصحافيون يقاومون.
ويمثل ملف “أحمد ناجي”، مؤلف رواية (استخدام الحياة)؛ فصلاً جديداً من قمع حرية التعبير في مصر ويفضح حقيقة الأوضاع. والأفكار التي تروج لها رواية (استخدام الحياة) بسيطة؛ حيث يسأل المؤلف نفسه: “كيف تكون القاهرة بلد ؟”.. والإجابة واضحة: لو ضربت كارثة طبيعية مثل الزلازال مدينة القاهرة، فلن يبقى من القاهرة، (من منظور الاضطرابات)، إلا مكان للمدمنيين والمشردين والمتحولين جنسياً الذين يعيشون على هامش مدينة القاهرة. وراوي القصة هو أحد أولئك المطرودين. ثم تبدأ القصة بشكل منطقي بمعاشرته لأولئك المطرودين.
والاتهام الموجه لـ”أحمد ناجي”، مؤلف الرواية؛ ينبع من نفس المعني. وللوقوف على الأحداث يقول “أحمد ناجي”، في حوار إلى (قنطرة): “كانت مجلة (أخبار الأدب) قد نشرت فصلاً من الرواية. وفي مشهد من هذا الفصل كان راوي القصة سيدة باسم “سيدنا ملعقة” مدمنة مخدرات. واتهتم النائب العام رئيس تحرير (أخبار الأدب) بعلمه بطبيعة العلاقة غير المشروعة بين المؤلف، (أحمد ناجي)، والسيد ملعقة”.
وعليه وضعت الأجهزة القضائية المصرية “أحمد ناجي” أمام أحد خيارين: الاعتراف بترويج الفاحشة، أو محاكمة رئيس تحرير (أخبار الأدب) بتهمة نشر الأكاذيب. ورفع “ناجي”، عبر اتحاد الصحافيين؛ شكوى أمام مجلس الدولة المعني بالرقابة على أحكام القضاء في مصر. وأعلن مجلس الدولة أن الحكم غير عادل وغير قانوني، لكنه قال في الوقت نفسه أنه لا يمكن إبطال الحكم بسبب استقلال أجهزة القضاء في مصر. وأودع “أحمد ناجي” السجن عام 2015، قبل أن يُفرج عنه بعد قضاء 300 يوم بالسجن على خلفية دعم المجتمع الدولي واعتراض 120 كاتب مشهور حول العالم على الحكم.
ويقول “أحمد ناجي”، في حوار إلى صحيفة (الغارديان) البريطانية: “ليس الجنس والمخدرات موضوع الرواية، وإنما أردت أن أروي قصة القاهرة في (استخدام الحياة)، والأشياء التي تشكل هذه المدينة وشكل العلاقات الاجتماعية فيها؛ وكيف يمضي البشر لحظات سعادة في متاهات هذه المدينة”.
تهمة ترويج الفاحشة ونشر الإباحية..
في سبيل قضاءه على حرية التعبير في مصر، باعتبارها أبسط إنجازات “الربيع العربي”، استخدم “عبدالفتاح السيسي” أسلوباً معروفاً لنا نحن الإيرانيين؛ هو الاتهام بترويج الفاحشة ونشر الإباحية كبديل عن التهم السياسية.
ويعتقد “إيهاب حسن” أن مجموعة من كٌتاب الحداثة يسعون للقضاء على الفجوة بين الحياة والأدب. فالكلمة في نظر أولئك يجب أن تُستخدم بنفس الشكل العاري المستخدم في الحواري والأسواق. و”أحمد ناجي” أحد أولئك الكُتاب.
ومن ضمن التهم الموجهة إليه، أن روايته خالية من “الأدب” بمعناه في الأعمال الكلاسيكية العربية، وهي قبل أن تكون عمل أدبي هي مقالة فاضحة حول العلاقات غير الأخلاقية للكاتب مع المدمنين واللوطين والعاهرات.
و”أحمد ناجي” كما الكثير من الكٌتاب الإيرانيين، “غير السياسيين”، يستلهم نماذج مثل (أوليسس) للمؤلف “غيمز غويس”، و(مدار رأس السرطان) للكاتب “هنري ميلر”. وكلا الكاتبين كتب هذه الروايات المهمة بعيداً عن وطنه؛ وتحديداً باريس، حيث الحريات وملامح التمرد الشخصي.
فهل يمكننا بدون الشعور بالأمن النظر لأنفسنا من الداخل بشخصية مهزومة ؟.. وطبقاً للقانون الإيراني تُمنع الأعمال الإلحادية أو التي تنشر الإباحية والفاحشة أو تتعرض للمقدسات الدينية.
وقد طوت حكومة “السيسي”، باسم توفير الأمان، الطريق الذي سبق وأن سلكته الجمهورية الإيرانية. والنتيجة كانت القضاء على الأدب وإلتزام الصمت. لقد قُضى على “دمشق وبغداد” كمراكز ثقافية مهمة، وقد حان الدور الآن على “القاهرة”.