22 نوفمبر، 2024 7:10 م
Search
Close this search box.

علم نفس(5).. اختلفت المدارس باختلاف رؤية العلماء لسلوك الإنسان

علم نفس(5).. اختلفت المدارس باختلاف رؤية العلماء لسلوك الإنسان

 

خاص: إعداد- سماح عادل

علم النفس هو أحد العلوم التي جُمِعت، وضُبِطت بقواعد، ونظريّات، ومفاهيم عديدة، فهو: العلم الذي يهتمُّ بدراسة السلوك الإنسانيّ، والعمليّات العقليّة المُرافقة له، والتي بمُجمَلها تُكوِّن شخصيّة الإنسان، وأسلوب تفاعُله، ومدى اندماجه مع مَن حوله، ولذلك فإنّ علم النفس يدرس هذه العوامل، وكيفيّة تأثيرها في السلوك، علماً بأنّه من العلوم التي تتجزَّأ إلى مسارَين في منحاها التطبيقيّ، إذ يمكن اعتباره علماً مَعرفيّاً تندمج فيه المفاهيم النفسيّة بالسلوكيّات العمليّة في شخصيّة الإنسان، وفيمَن حوله، ويمكن أيضاً تعلُّمه، وممارسته كمهنة استشاريّة، وعلاجيّة للأفراد، والأُسَر، وهذا هو نطاقه المهنيّ الأوسع، والأكثر حِرَفيّة، وتخصُّصية.

علاج السلوك..

البحث في مجالات علم النفس، يهتم بمعرفة كيفيّة تأثُّر فِكر، وسلوك البشر بمختلف المُتغيِّرات، والعوامل، والمُؤثِّرات التي من شأنها أن تُحرِّك هذه الكيانات في النفس الإنسانيّة، فالأسرة، والمجتمع، والظروف المُحيطة، والإعلام، كلُّها عوامل تساهم في التأثير على فِكر، وسلوك الإنسان بمختلف الأساليب، وبنِسَب مُتفاوِتة، مما يؤثر على التطبيقات العمليّة التي يسعى علم النفس أن يعالج سلوك الإنسان بها، مثل: برامج رعاية الصحّة العقليّة، والتأهيل، والتنمية الذاتيّة، وتطوير الأداء الفرديّ، وتحسين بيئة العمل، وترقية الوَعي بالمشاعر، والأفكار، والدوافع، والسلوكيّات.

ولا يقتصر دور علم النفس على الجوانب العلاجيّة، بل يتعدّاها إلى الجوانب الوقائيّة، أو التطويريّة، كصياغة الخطابات، والإعلانات العامّة، والاهتمام بتصاميم بعض المباني المُخصَّصة؛ لتلبية حاجات مُعيَّنة لدى زُوّارها، وكذلك في الحياة العسكريّة، والدعم النفسيّ للجنود، ولمُتضرِّري الحروب، والسُّجناء، وكذلك دَعم ذوي الاحتياجات الخاصّة، ورعاية المرضى بالدَّعم النفسيّ، والإيجابيّة، حيث إنّ تلك التطبيقات المُتجدِّدة كلّها تنفي عن علم النفس النظرة التقليديّة الضيِّقة لمُمارسيه، فهو اليوم علم يُحلِّل، ويصف السلوك البشريّ، ودوافعه، ومآلاته، ممّا يُؤهِّله؛ للتنبُّؤ بمستقبل الاتِّجاهات السلوكيّة، وإمكانيّات التأثير فيها.

مراحل تطور علم النفس..

بدأت المحاولات الأولى في تكوين مفاهيم علم النفس، وأبعاده منذ القرن السابع عشر، ولم تظهر تلك المحاولات بشكلها الأوّلي المُتكامِل إلّا في أواخر القرن التاسع عشر، إذ كان ما توصَّل إليه الفيلسوف الفرنسيّ “رينيه ديكارت” من أوائل تلك المحاولات، ويمكن تلخيص ما توصَّل إليه في العلاقة التفاعُليّة بين الجسد، والعقل، والتي ينشأ عنها السلوك الإنسانيّ الواعي، والمُرتبِط بالفِكر، والمنطق، حيث كان العلماء قديماً يعتمدون على الملاحظة، والاستقراء المنطقيّ، لتلقِّي المعلومات، والاستنتاج منها، كما كانت هناك اكتشافات أخرى ساندت علم النفس، ففي منتصف القرن التاسع عشر، ألَّف العالِم الألماني “فيلهلم فونت” كتابه (مبادئ علم النفس الفسيولوجيّ)، والذي أشار فيه إلى وجود روابط مُهمّة بين وظائف أعضاء الجسم، والفِكر، لتنتج السلوك البشريّ، وقد توَّج إنجازاته بافتتاحه أوّل مختبر لعِلم النفس في العالَم عام 1879، والذي توافد عليه الآلاف، ومَهَّد لمَن بعده الطريق في استخدام الأسلوب التجريبيّ العلميّ في الاستنتاج، والإحصاء، والمقارنة.

اشتهر علم النفس في أمريكا  في أواخر القرن التاسع عشر، وألَّف العالِم “وليام جيمس” كتابه (مبادئ علم النفس)، والذي يُعتبَر مرجعاً معياريّاً لعلم النفس من وجهة النظر الأمريكيّة، وسرعان ما بدأ علم النفس يتَّخِذ أشكالاً تطبيقيّة، وعمليّة أخرى، فقد ساهم الطبيب النمساويّ “سيغموند فرويد” في تغيير أحد وجوه المجالات التطبيقيّة لعلم النفس حتى يومنا هذا، بتأكيده، وإثبات فاعليّة دور العقل اللاواعي في تشكيل فِكر، وسلوك الإنسان، ممّا أدّى إلى تحسين أساليب الرعاية، وتعميق تطبيقها، وأثرها في مجالات الرعاية العقليّة، وغيرها.

إلى أن ازدهر تطوُّر علم النفس خلال القرن العشرين، وذلك بظهور منهج علم النفس السلوكيّ الذي ركَّز على السلوك، وهمَّش دور العقل الواعي، واللاواعي في محاولة؛ لضبط علم النفس بمصادر، وأدوات علميّة يمكن مشاهدتها، وتوثيقها.

أمّا النصف الثاني من القرن العشرين، فقد شهد تطوُّراً جديداً في المدارس الفِكريّة المُتخصِّصة في علم النفس، وذلك بظهور ما يُعرَف بعلم النفس الإنسانيّ الذي يعتمد في بُنيته على إرادة الإنسان، وسلوكه الواعي في تحديد حاضره، ومستقبله، ومن نتاجات هذه المنهجيّة (هرم ماسلو)، وهو: نظام تسلسُلي وضعه عالم النفس “أبراهام ماسلو”، حيث ضمَّن فيه الحاجات الأساسيّة للنفس البشريّة، مُعبِّراً عن أنّ الإنسان تدفعه احتياجاته نحو تلبيتها، ومع إتمام تحقيق كلّ احتياج، والاكتفاء منه، يتوق الإنسان إلى تلبية الاحتياج التالي في مستواه الأعلى.

ولتوطيد العلاقة بين العلم، والنفس البشريّة، ظهر ما يُعرَف ب (علم النفس المعرفيّ) الذي لا يزال يفرض سيطرته مع تطوُّر وسائل، وأدوات المعرفة العلميّة، والنفسيّة، فالعلماء يحاولون معرفة حقائق التفاعُلات النفسيّة، والفكريّة التي ينتج عنها السلوك، ولا يزال الباحثون يُحلِّلون عوالم الإدراك، والذاكرة، والعقل، واللغة، والذكاء، وآليّة صُنع القرار، والوعي الذاتيّ، والتأثير البيولوجيّ، وعوامل تأثير الأسرة، والمجتمع، والثقافة.

أنواع علم النفس..

تتعدَّد أنواع علم النفس، وتطبيقاته العمليّة، والمهنيّة وِفقاً للمجالات التي يخدمها، ويُقدِّم لها الدعم، والرعاية اللازمة، ومن أهمّ تلك الأنواع ما يأتي: (علم النفس السريريّ. علم النفس المعرفيّ. علم النفس التنمويّ. علم النفس التطوُّري. علم النفس الصحّي. علم النفس الشرعيّ. علم النفس العصبيّ. علم النفس المهنيّ. علم النفس الاجتماعيّ).

مدارس علم النفس..

1.المدرسة البنائية:

يعتبر “فونت” مؤسس المدرسة البنائية في علم النفس. وبفضله استقل علم النفس عن الفلسفة. اهتم بدراسة الوعي (الشعور) من وجهة نظر بنائية أو فيزيائية. ونعني بكلمة بنائية هنا تحليل الكل إلى أجزائه أو عناصره المختلفة. وعلى هذا الأساس فان اهتمام “فونت” كان منصبا على دراسة عناصر الخبرة الشعورية وعلاقتها الميكانيكية بالجهاز العصبي.

كان يرى أن الوعي والتفكير والمعرفة هي مجموع هذه العناصر. ولتحديد عناصر ومكونات الخبرة الشعورية استخدم منهج التأمل الباطني.

كان مولعاً بدراسة تأثير المترونوم (جهاز بندولية يمكن أن يصدر دقات منتظمة طبقاً للزمن الذي يحدده الباحث)، من معمله في ألمانيا بدأ بإجراء تحليلات منظمة لبنية الشعور عند الراشدين وذلك عن طريق تقسيم الشعور إلى عناصر أولية, ثم استكشاف كيفية تفاعل عناصر الخبرة الشعورية مع بعضها البعض. حاول أن يكون نظاماً بحثياً على غرار ما يحدث في الكيمياء والطبيعة وتوصل إلى الاستبطان وهي أفضل طريقة لتحليل الخبرة الشعورية أي مبدأ (الملاحظة الذاتية).

2.المدرسة الوظيفية:

قامت المدرسة الوظيفة في أمريكا كرد فعل للمدرسة البنائية. يعتبر “وليم جيمس” مؤسسا لهذا الاتجاه. كان يؤكد على ضرورة استخدام منهج البحث العلمي، ويرفض الفكر البنائي ويرى أنه لا يمكن تحليل الخبرة الشعورية إلى أجزاء أو عناصر شعورية تخضع لقوانين ميكانيكية. وعلى هذا الأساس فإنه كان يرفض أن تكون الخبرة الذاتية مجموعة من الإحساسات المتتابعة والمتحدة مع بعضها.

خلافا لفكر البنائيين يحدد “وليم جيمس” موضوع علم النفس بأنه دراسة الوظائف العقلية. وأن الخبرة العقلية عملية شخصية مستمرة وانتقائية. ويظهر تفسيره الوظيفي في ظل معطياته الفكرية. على سبيل المثال يرى أن الخبرة الشعورية سيل من الأحداث من جانب والفاعليات الذاتية من جانب آخر. حتى أنه يفسر الانفعالات كنتيجة للتغيرات الفسيولوجية لا كاستجابة للأحداث الخارجية (أحداث— تغيرات فسيولوجية— انفعال). وكان يرى أنه لا يمكن فصل الجسم عن العقل فهما وجهين لعملة واحدة.

جاء “وليام جيمس” بمصطلح جديد وهو (السيال الشعوري)، وتأثر بفكرة دارون القائلة: “أن الغرائز المختلفة وجميع أجزاء الجسم لا يمكن أن تستمر في بقائها ووجودها إلا لأن لها وظيفة لبقاء الكائن الحي وهو المبدأ المعروف “بأن العضو يموت بموت وظيفته”. قال إن الشعور الإنساني يجب أن يكون له وظيفة دالة فلماذا إذن نشعر؟، وأن الشعور أضيف من أجل قيادة الجهاز العصبي ولينظم له عمله.

اهتم الذين اتبعوه بالكيفية التي يحدث بها التفكير أو السلوك، وكانوا يركزون على “لماذا” أكثر من “ما يحدث” أو “ما هو السلوك” أو “التفكير الحادث” وهذا هو الاختلاف بين المدرستين والسبب في توسيع البحث.

  1. مدرسة التحليل النفسي:

تعتبر مدرسة التحليل النفسي من أقدم مدارس علم النفس وأكثرها شيوعاً وتأثيراً في العلم وفي غيره من علوم الإنسان حتى الآن . بل أن تأثيرها قد أمتد ليشمل الفن والأدب والطب والفلسفة والاجتماع والتربية منذ بدء انتشار أفكارها في أوائل القرن العشرين وحتى الآن. ويعتبر عالم النفس النمساوي “سيجموند فرويد” صاحب الفضل في إنشاء هذه المدرسة.

وتركز مدرسة التحليل النفسي علي:

1) الجانب اللاشعوري له أثر في تفسير السلوك.

2) أن طفولة الفرد تؤثر تأثيراً كبيراً عليه بعد أن يصبح إنسانا بالغاً وأن ظروف هذه الطفولة قد تكون سبباً في العديد من الأمراض النفسية.

3) أن الاهتمام بدراسة الشخصية يجب أن يشمل الشخصيات المرضية والشخصيات السوية.

4) إمكانية تطبيق المنهج العلمي في تفسير الأحلام.

4.المدرسة السلوكية:

أسسها الأمريكي “واطسون”، كما يعتبر “ثورنديك” أيضاً من دعاة المدرسة السلوكية وهي تنظر للإنسان نظرتها إلي آلة ميكانيكية معقدة، كما أنها قصرت موضوع علم النفس علي دراسة السلوك الحركي فقط عن طريق الملاحظة. ويتفق السلوكيين الأوائل علي المعتقدات الآتية:

1) يجب أن يدرس علماء النفس الأحداث البيئية (المثيرات) والسلوك الملاحظ (الاستجابات) .

2) تأثير الخبرة أكثر من الوراثة في السلوك.

3) يجب التخلي عن الاستبطان واستخدام التجريب والملاحظة والقياس.

4) يجب أن يهدف علم النفس إلي وصف السلوك وتفسيره والتنبؤ به وضبطه وتولي المهام العلمية مثل نصح وإرشاد الوالدين والمعلمين ورجال الأعمال.

 

  1. مدرسة علم النفس الإنساني:

تسمى مدرسة علم النفس الإنساني بالقوة الثالثة في علم النفس وذلك باعتبار أن السلوكية والتحليل النفسي هما القوتان الأولى والثانية. يرون أنه لا يمكن فهم السلوك الإنساني إلا إذا درسنا الإدراك الذاتي المتفرد للإنسان وبموجب ذلك سنجد أن العالم ليس واحداً لدى جميع الأفراد.

تمثل مدرسة علم النفس الإنساني تيار آخر في علم النفس ينظر إلي الإنسان ويتناوله بالدراسة بما هو إنسان أي علي أنه إنسان وليس آلة أو حيواناً فهو إنسان له وحدته وتمييزه وإرادته وحريته في الاختيار، ومن أنصار هذه المدرسة: ألبورت، وماسلو، وروجرز وغيرهم.

وقد اتفق علماء النفس الإنسانيين علي عدة اتجاهات منها:

1) يجب أن ينصب اهتمام علماء السلوك على الموضوعات المختارة للدراسة وليس الاهتمام بطرق الدراسة نفسها.

2) يجب أن يركز علماء السلوك عي الوعي الذاتي.

3) يجب علي علماء السلوك دراسة الإنسان ككل بدلاً من تقسيمه وظيفياً إلي فئات.

4) يجب علي علماء السلوك مساعدة الناس علي فهم أنفسهم والوصول بإمكانياتهم إلي حدها الأقصي.

6.مدرسة الجشتالط:

مع ظهور المدرسة السلوكية ظهرت مدرسة الجشتالط علي يد “ماكس فريتمر” و “كوفكا” و”كوهلر”، كما ظهرت حينها كان علماء النفس يسرفون في تحليل الظواهر النفسية ويردونها إلي عناصر جزئية، ونتيجة لذلك ظهرت هذه المدرسة التي كانت تتعامل مع الإنسان ككل وتتعامل مع الظواهر النفسية علي أنها وحدة متكاملة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة