خاص: إعداد- سماح عادل
بينما كان الغرب يمر بالتحولات الجذرية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كانت منطقة الشرق تحت الحكم العثماني. إلا أن التغيير بدأت بوادره منذ أواخر القرن التاسع عشر، نتيجة ظهور الحس القومي، وظهور الحركات والجمعيات العربية السرية، في بلاد الشام خاصة، ونتيجة الاحتكاك بالثقافة الغربية، وأيضا نتيجة شعور الدولة العثمانية بتخلفها عن ركب الحضارة العالمية، مما دفعها إلى القيام ببعض المحاولات الإصلاحية، واقتباس النظام التعليمي الفرنسي والمناهج الفرنسية، وإدخال التعليم الحديث إلى بعض أجزاء إمبراطوريتها.
علم النفس في الشرق..
في بلاد الشام لا يوجد في الربع الأخير من القرن التاسع عشر أي أثر للعلوم أو المؤلفات والكتب النفسية، باستثناء كتاب “الدروس الأولية في الفلسفة العقلية” لمؤلفه “دانيال بلس” الأمريكي الأصل والمقيم في لبنان، مؤسس الجامعة الأمريكية في بيروت، وقد نشره بالعربية عام 1874 ليكون كتابا مدرسيا يحتوي على المبادئ الأولية في الفلسفة وعلم النفس، وعالج مجموعة من المواضيع النفسية كالمشاعر والإرادة والذاكرة والنسيان.
وتوجد المقالات والدراسات النفسية التي نشرت في مجلة “المقتطف ” التي تأسست في بيروت عام 1876، ثم انتقلت إلى القاهرة عام 1885. وكان لمؤسسيها “يعقوب صروف” و”فارس نمر” و”شاهين مكاريوس” فضل كبير في تقريب العلوم الغربية من قراء العربية، وإثراء المكتبة العربية بترجماتهم ومؤلفاتهم وأبحاثهم في العلوم والفلسفة. وقد نشرت هذه المجلة مجموعة من المقالات تتعلق بمواضيع نفسية مهمة وبعلم النفس عامة للعالم اللبناني “يعقوب صروف”، مثل أربع مقالات عن الذاكرة، وتعريف الأقدمين والمحدثين بها، وعلاقة الذاكرة بالوظائف الفيزيولوجية، واضطرابات الذاكرة، والخيالات والتخيلات وأسبابها، والعقل والجسد، وغيرها من المقالات التي ساهمت بتقديم مواضيع علم النفس في إطار علمي.
أما في مصر، التي كانت تتمتع بحكم ذاتي واستقلال نسبي عن الدولة العثمانية وحكومة وطنية، وعلى الرغم من أن العلوم الإنسانية لم تحظ بكثير من الاهتمام بالمقارنة مع العلوم التقنية والعسكرية والطبية، فقد أنشئت فيها مدرسة للمعلمين لتخريج معلمي اللغة العربية عام 1872، ومدرسة المعلمين لمعلمي العلوم والرياضة والآداب عام 1880، ومدرسة المعلمين التوفيقية عام 1888. إلا أن علم النفس لم يكن بين المواد التي تدرس فيها، ولم يظهر علم النفس في المناهج إلا عام 1906، وكان نصيبه في الخطة الدراسية لا يتعدى ساعة أسبوعية في السنتين الأخيرتين. وكان أول كتاب يحمل اسم علم النفس ويعالج مواضيعه هو “كتاب علم النفس” للشيخ “محمد شريف سليم” الذي ألفه عام 1895 لكنه لم ينشر إلا عام 1911 عندما تقرر تدريسه في مدارس المعلمين والمعلمات.
بالإضافة إلى الدراسات والمقالات المنشورة في مجلة “المقتطف” اللبنانية التي انتقلت إلى القاهرة عام 1885، كمقالة “كم ذاكرة لك؟ ” (تموز- يوليو 1885) ومقالتين عن “الفرينولوجيا ” (حزيران، تموز- يونيو، يوليو 1886) كما نشرت المجلة بعض المقالات عن بعض الظواهر النفسية الغريبة كالتنويم المغناطيسي وجولان النائم ومناجاة الأرواح في مقالات عدة. وفي مجال علم النفس المرضي طبع كتاب “أسلوب الطبيب في فن المجاذيب ” (1892) للدكتور “سليمان نجاتي” مدرس الأمراض العقلية بمستشفى القصر العيني.
كانت مصر ولبنان هما القطران العربيان الوحيدان اللذان حظيا بالثقافة النفسية، ونشرت فيهما الدراسات والمقالات النفسية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وقد مصر فاقت لبنان في هذا المجال.
في القرن العشرين (1900- 1989)..
هناك أربعة أقطار عربية ظهرت فيها أول الجامعات العربية وكانت سباقة في الدراسات والمؤلفات السيكولوجية، وهذه الأقطار هي، حسب الترتيب الهجائي، “سورية والعراق ولبنان ومصر”.
سورية:
افتتح معهد الطب العربي عام 1903، وافتتحت مدرسة الحقوق عام 1913، وشكلا معا النواة الأول للجامعة السورية “جامعة دمشق حاليا”. وفي فترة الحكم الفيصلي “1918-1920” بعد إعلان استقلال سورية، وتنصيب فيصل ملكا عليها، عين المربي الكبير “ساطع الحصري” وزيرا للتربية والتعليم، فاهتم بإعادة تنظيم التعليم عامة ودور المعلمين خاصة، وعني عناية خاصة بالدراسات التربوية والنفسية. وفي عام 1919 صدرت مجلة “التربية والتعليم ” وهى أول مجلة عربية من نوعها في هذا المجال وخلال مرحلة الانتداب الفرنسي “1920-1945” خضعت سورية لتأثير النفوذ الفرنسي الثقافي، واقتبست المناهج التربوية الفرنسية.
وفي عام 1933 صدر قرار يقضي بربط معهد الطب ومدرسة الحقوق والمجمع العلمي العربي ودار الآثار بمؤسسة واحدة تحمل اسم الجامعة السورية “جامعة دمشق حاليا”. ومن أجل تلبية الحاجات المدرسية والجامعية تم تأليف أو اقتباس أو ترجمة عدد من الكتب النفسية التعليمية لتدريس علم النفس في القسم الثاني من البكالوريا (الشهادة الثانوية) السورية وفي دور المعلمين وبعض السنوات الجامعية.
وتجدر الإشارة إلى الكتب والمؤلفات العديدة التي أصدرها د. “جميل صليبا” بمفرده وبالاشتراك مع د. “كامل عياد” تأليفا وتحقيقا ونشرا، ومن أهمها: “من أفلاطون إلى ابن سينا- محاضرات في الفلسفة العربية” دمشق 1935، وكتاب “ابن خلدون- منتخبات مع مقدمة عن حياته وفلسفته” دمشق 1934 وكتاب “حي بن يقظان لابن طفيل الأندلسي- تقديم و دراسة وتحليل ” دمشق 1935 وكانت وثيقة الصلة من حيث مواضيعها بعلم النفس، وبخاصة علم النفس عند العرب. وكتاب د. “جميل صليبا” “علم النفس” دمشق 1940، وهو أول كتاب يصدر في سورية ويحمل اسم علم النفس، ويمكننا أن نعده بحق بداية تاريخ علم النفس الحديث في سورية .
وبعد جلاء القوات الفرنسية عن سورية عام 1946 وحصولها على الاستقلال التام، التفتت الدولة السورية الفتية إلى المناهل الثقافية العالمية، وأوفدت الطلاب وطلاب الدراسات العليا إلى أمريكا وبلدان أوروبا الغربية والشرقية، واهتمت بالتربية والتعليم و التعليم العالي. وفى عام 1946 افتتحت في الجامعة السورية “جامعة دمشق” كلية الآداب والعلوم الإنسانية، التي تضم قسما خاصا يعنى بالدراسات الفلسفية والنفسية والاجتماعية، كما افتتح في العام نفسه المعهد العالي للمعلمين “كلية التربية حاليا” وتضم هذه الكلية قسما خاصا بعلم النفس وقسما للصحة النفسية. ثم امتدت الدراسات النفسية إلى كليات أخرى مثل كلية الطب وكلية التجارة “الاقتصاد حاليا” وغيرهما من الكليات التي أصبح علم النفس بفروعه المتعددة جزءا من مقرراتها. وقد دفعت الحاجة الماسة إلى الكادر التدريسي المؤهل في فروع علم النفس إلى إيفاد عدد كبير من المعيدين إلى الجامعات العربية والأجنبية للتخصص العالي في العلوم النفسية، كما نشطت حركة التأليف والترجمة في هذا المجال.
ومن أهم الكتب الجامعية والدراسات النفسية التي أصدرها أساتذة كلية التربية بجامعة دمشق والمختصين في هذه الفترة، نذكر كتب الدكتور سامي الدروبي “علم النفس ونتائجه التربوية” دمشق 1949، “سيكولوجية المرأة” القاهرة 1952، “علم الطباع ” القاهرة 1960، ومؤلفات الدكتور فاخر عاقل “علم النفس وتطبيقه ” دمشق 1945، “علم النفس ” دمشق 1946، “مدارس علم النفس ” و”نظريات التعلم ” دمشق، بيروت، طبعات عدة، وكتب الأستاذ حافظ الجمالي “سيكولوجية الطفل ” دمشق 1956، “علم نفس الطفولة والمراهقة” جامعة دمشق 1960، “علم النفس الاجتماعي” ترجمة عن الفرنسية دمشق 1963، ومؤلفات نعيم الرفاعي “علم النفس في الصناعة والتجارة” جامعة دمشق 1963، “الصحة النفسية” جامعة دمشق، طبعات عدة ومؤلفات وكتب أخرى لباحثين ومؤلفين آخرين.
وبعد قيام الحركة التصحيحية يناير 1970 حدث تطور كبير في مجال التعليم العالي، حيث صدر قانون جديد للبعثات العلمية، وصدر مرسوم الكتاب الجامعي الذي ألزم كل مدرس بإعداد أو تأليف كتاب لكل مقرر جامعي يقوم بتدريسه، الأمر الذي ساعد على زيادة النشر الجامعي، وصدر عام 1975 قانون تنظيم الجامعات، الذي أسس نظام الدراسات العليا في الجامعات السورية، وأجاز للكليات المختلفة، ومنها كلية التربية، منح درجات دبلوم الدراسات العليا والماجستير والدكتوراه. وتضم كلية التربية، حاليا، بالإضافة إلى الأقسام التربوية المختلفة، قسم علم النفس وقسم الصحة النفسية وقسم الإرشاد. وبعد صدور مرسوم الكتاب الجامعي عام 1981 أصبح لزاما على كل مدرس جامعي إعداد كتاب جامعي للمقرر الذي يقوم بتدريسه، الأمر الذي أدى إلى تنشيط حركة التأليف والترجمة في الجامعات.
بالإضافة إلى مساهمة وزارة الثقافة ودور النشر الأخرى في سورية في نشر الوعي النفسي والثقافة النفسية. فقد أصدرت وزارة الثقافة، ضمن منشوراتها “سلسلة الدراسات النفسية” التي صدر منها حتى الآن أكثر من عشرين كتابا مترجما إلى العربية عن اللغات الأجنبية، كما صدر عن دور النشر الأخرى كتب عديدة في مجال علوم النفس.
ورغم ذلك فإن العلوم النفسية بفروعها المختلفة لم تدخل بعد حياة المواطن والمجتمع عامه في سورية، باستثناء الجامعات والقوات المسلحة والشرطة وبعض المعاهد والمراكز ودور المعلمين والمعاهد المتوسطة المتخصصة. فالعيادات النفسية شبه معدومة ونادرة حتى في المدن الكبرى، وكذلك الأمر بالنسبة لمراكز التوجيه المهني والتربوي والنفسي.
العراق:
لا نجد في العراق أي أثر للدراسات النفسية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. ورغم افتتاح ثلاث دور للمعلمين في الربع الأول من القرن العشرين في العراق إلا أن مناهجها كانت تخلو من العلوم النفسية وتقتصر على التربية وأصول التدريس، ثم أدرج مقرر علم النفس التربوي في مناهجها. وفي عام 1933 أنشئت دار المعلمين العالية، وأصبحت تعرف باسم كلية التربية عام 1958 وأصبحت تابعة لجامعة بغداد. وكانت وظيفتها- و لا تزال- تخريج المدرسين للمدارس الثانوية العراقية، وقد عنيت عناية خاصة بتدريس علم النفس التربوي ثم علم النفس النمائي، ثم أنشئ في الكلية فرع للتخصص بالتربية وعلم النفس، واهتم بعلم النفس العام وعلم النفس التربوي والتجريبي والاجتماعي والصحة النفسية والقياسات النفسية.
وصدرت في العراق مجموعة من الدوريات في النصف الأول من القرن العشرين التي اهتمت بالتربية وعلم النفس، وأولها مجلة “التربية والتعليم” التي صدرت خلال الفترة 1928-1930، وتولى الإشراف عليها ونشر المقالات التربوية والنفسية فيها الأستاذ “ساطع الحصري”، ونشرت المجلة مجموعة من الدراسات النفسية المهمة في مواضيع اختبارات الذكاء والامتحانات والوراثة والفروق الفردية لكل من “ساطع الحصري وفاضل الجمالي ومتى عقراوي وخالد الهاشمي” وغيرهم. وفي عام 1935 صدرت “مجلة المعلم الجديد” ونشرت مجموعة من المقالات النفسية لعدد من الباحثين والاختصاصيين كالأستاذ نوري الحافظ “حول اللاشعور” والدكتور أحمد عزت راجح “النمو العقلي ومراحله عند الأطفال- 1941″، ومحمد ناصر “الاستدلال عند الطفل- 1941”.
كما صدرت في العراق خلال هذه الفترة مجموعة من الكتب النفسية مثل كتاب “علم النفس ” للعالم “وود ورثي” الذي ترجمه ونشره في بغداد عبد الحميد الكاظم وكان كتابا مقررا في دار المعلمين العليا، و “المدخل إلى علم النفس” للأستاذ صالح الشماع ودرس في دار المعلمين الابتدائية. وفي إطار علم النفس التربوي أجريت في العراق دراسات عدة وبحوث سيكولوجية مهمة منها: تطبيق اختبار الجيش الأمريكي على الطلاب في مدارس بغداد الابتدائية والثانوية ودار المعلمين، وتعديل اختبار “ستانفورد- بينيه” المترجم إلى العربية باللهجة المصرية من قبل الأستاذ إسماعيل صبري ونشره باللهجة العراقية على يد محمد كامل النحاس وعبد الرحمن القيسي. كما حاول الدكتور عبد الجليل الزوبعي تطبيق اختبارات الذكاء على الطلاب العراقيين (اختبار “كلتل ” الخالي من آثار العوامل الثقافية على بعض طلاب كلية التربية واختبار “كودنو”،- رسم رجل- على عدد من الأطفال العراقيين).
وترجم فريد نجار كتاب “علم النفس التربوي ” للعالم ستانفورد، وألف ونشر الأستاذ ضياء أبو الحب كتاور “علم النفس التربوي “. وفي إطار علم النفس التكويني (النمو) نشر الدكتور أحمد عزت راجح محاضراته على طلاب دار المعلمين العالية باسم “علم نفس الطفل “، ووضع صالح الشماع دراسة مهمة بعنوان “اللغة عند الطفل- من الميلاد إلى السادسة” ونشرها ونال عليها درجة الماجستير من جامعة القاهرة. ومن أهم الكتب والدراسات في مجال الصحة العقلية وعلم النفس الجنائي نذكر كتاب “علم النفس الجنائي ” لـ د. أحمد عزت راجح 1943، وكتاب “علم النفس الجنائي والقضائي ” 1949 لأحمد محمد خليفة و”مبادئ علم النفس الجنائي” 1949 لسعدي بسيسو، كما نشر له بحث باللغة الإنكليزية ضمن منشورات الأمم المتحدة بعنوان “جرائم الأحداث في الشرق الأوسط”.
وفي مجال علم النفس الاجتماعي نشير إلى كتاب “الشخصية العراقية” 1952 وهي رسالة نال عليها علي الوردي درجة الدكتوراه وأجمل فيها النظريات الرئيسة في تطور الشخصية، وحاول تحديد معالم الشخصية العراقية. كما أسهم الدكتور عبد الله محيي بدراسة بعض المشكلات الاجتماعية التي يواجهها الطلاب العرب، وعني خاصة بدراسة مشكلات المرأة العربية، وقد نشرت هذه الدراسة في مجلة “القضايا الاجتماعية” الأمريكية.
لبنان:
كان كتاب “أصول علم النفس وأسرار العقل الباطن ” 1904 لمؤلفه “يوسف إسكندر جريس” أول كتاب سيكولوجي صدر في لبنان في القرن العشرين. وقد تناول مجموعة مواضيع سيكولوجية كالعواطف والإرادة والذاكرة والأمراض النفسية، أما الكتاب الثاني فكان “سيكولوجيا الإنسان: نفوسنا المريضة وعلاجها النفساني ” 1938 لمؤلفه “منير وهيبة الخازن”. وكان الاهتمام بعلم النفس يقتصر على كليتي التربية والآداب بالجامعة الأمريكية. ثم تأسست الجامعة اللبنانية 1953 وجامعة بيروت العربية 1960 وضمتا قسما لعلم النفس وقسما للفلسفة وعلم الاجتماع، واتسع نطاق الاهتمام بالعلوم النفسية.
ومن أهم الكتب النفسية التي صدرت في لبنان في هذه الفترة كتاب منير وهيبة الخازن “معجم مصطلحات علم النفس ” بيروت 1956، و قاموس التربية وعلم النفس التربوي” بيروت 1960 وصدر عن الجامعة الأمريكية لمؤلفيه “فريد نجار وفايزة معلوف أنتيبا ونعيم نقولا عطية وماجد فخري”.
وتجدر الإشارة هنا إلى مجموعة الرسائل والأطروحات لطلاب الدراسات العليا في الجامعة الأمريكية في الخمسينيات، التي عالج نصفها نظريات التعلم، والعوامل التي تؤثر فيها ومدى استمرارها، واتبعت المنهج التجريبي، بينما بحث النصف الآخر مواضيع شتى، قاسمها المشترك علاقتها بالبيئة اللبنانية مثل: “انحراف الأحداث ” و السكيزوفرينيا ” و “قياس روائز الذكاء” و “حوافز التحصيل”، و “أنماط تربية الأطفال وعلاقتها بشخصية الطفل”.
كما صدرت في لبنان منذ أوائل القرن العشرين مجموعة من المجلات العلمية التي تعنى، إلى جانب العلوم الأخرى، بالعلوم النفسية. ومن أهمها: مجلة “المشرق” وصدرت في أوائل القرن العشرين، ومجلتا “الأبحاث ” و المجلة الطبية اللبنانية” وصدرتا عام 1947، ومجلة “الباحث ” وصدرت في أواخر السبعينيات. كما صدرت في الثمانينيات مجلة متخصصة هي “مجلة الأبحاث التربوية” وتصدرها كلية التربية في الجامعة اللبنانية. وقد نشرت في هذه الدوريات دراسات وبحوث سيكولوجية مهمة لعدد من كبار الأساتذة والباحثين اللبنانيين مثل “ألبير نصري نادر وجورج شهلا ونقولا فياض وحبيب كوراني وليفون ميليكيان وجوزيف بطرس وغيرهم”.
كما ساهمت دور نشر لبنانية عديدة في نشر الوعي النفسي والثقافة النفسية مثل: “دار العلم للملايين “، و منشورات عويدات”، و المؤسسة العربية للدراسات والنشر”، و دار الفارابي “، و معهد الإنماء العربي”.
مصر:
ظل تدريس علم النفس في مدرسة المعلمين الخديوية ودار العلوم ومدرسة المعلمات مجرد تمهيد لتدريس أصول التربية العلمية والعملية. وكان يتولى تدريس علم النفس مع التربية مدرسون مصريون غير مختصين مثل علي عمر مؤلف كتاب “هداية المدرس “، والشيخ محمد شريف سليم مؤلف كتاب “علم النفس “، والشيخ محمد حسنين الغمراوي مؤلف كتاب “الغرائز وعلاقتها بالتربية”. ثم تولى التدريس أساتذة من خريجي دار العلوم الحاصلين على دبلوم التربية في إنكلترا مثل: مصطفى أمين وعلي الجارم مؤلفا كتاب “علم النفس وآثاره في التربية والتعليم” كما تولى التدريس في دار المعلمين العليا أساتذة من خريجيها حصلوا على درجة البكالوريوس من إنكلترا مثل: إسماعيل محمود القباني وأمين مرسي قنديل مؤلف كتاب “أصول علم النفس وأثره في التربية والتعليم “.
ولم ينهض تدريس علم النفس على نحو أكاديمي سليم، مشجع على البحث والتأليف، إلا بعد تأسيس جامعة القاهرة عام 1925، وافتتاح قسم الفلسفة وعلم النفس فيها، حيث بدئ بتدريسه كمقرر مستقل إلى جانب العلوم والمقررات الأخرى، وكان تدريسه خاضعا لتأثير مدرسة علم النفس الفرنسية التي ركزت اهتمامها على علم النفس العام بصورة رئيسة. ومما ساهم في تطوير علم النفس تأسيس المعهد العالي للتربية عام 1928 الذي اختص بالعلوم التربوية والنفسية، وأصبح يعرف فيما بعد باسم كلية التربية، وإيفاد المبعوثين إلى الخارج من خريجي معهد التربية وكلية الآداب. وكان يتولى تدريس علم النفس أساتذة ومحاضرون أجانب بعقود مؤقتة، وهذا ما أعاق تكور علم النفس، وكان له أثره السلبي على نشوء الكادر العلمي الوطني. وبعد عودة الأساتذة المصريين الذين أنهوا دراساتهم العليا في أوروبا وأمريكا في الأربعينيات إلى مصر، حدثت قفزة كبيرة في تطور العلوم النفسية. وفي هذه المرحلة انفصل علم النفس عن الفلسفة والتربية، وتأسس قسم خاص به في جامعة عين شمس بالقاهرة كما تأسس قسم آخر للأبحاث النفسية- الاجتماعية.
وفي الخمسينيات برزت في مصر ثلاثة اتجاهات في تطور العلوم النفسية. يرتبط الاتجاه الأول بأسماء أساتذة علم النفس المصريين، خريجي بريطانيا (إسماعيل القباني، عبد العزيز القوصي، محمد فؤاد) وخضعوا لتأثير أساتذتهم البريطانيين. وقد طور أساتذة هذا الاتجاه علم النفس التجريبي والإحصائي، وكانوا أول من استخدم الاختبارات النفسية ومقاييس الذكاء.
أما الاتجاه الثاني فيمثله جماعة علم النفس التكاملي وعلى رأسها الدكتور “يوسف مراد” أستاذ علم النفس المعروف (خريج جامعة السوربون) وتلاميذه. وامتاز أصحاب هذا الاتجاه بدراساتهم السيكولوجية المتكاملة، ونظرتهم إلى الإنسان من حيث هو كائن حي متكامل، ومن حيث هو كل نفسي- فيزيولوجي. وأصدروا مجلة “علم النفس” خلال الفترة الواقعة بين 1945- 1953 وهي أول المجلات العربية المتخصصة في علم النفس.
أما الاتجاه الثالث فقد تأثر بالنظريات الفرويدية والتحليل النفسي الفرويدي، وقد مثل أصحاب هذا الاتجاه التيار الفرويدي في علم النفس بمصر. وكان على رأس هذا التيار الدكتور “مصطفى زيور” أستاذ علم النفس المصري المعروف.
وقد ساهم الباحث الدكتور “عبد العزيز القوصي” مساهمة كبيرة في تطوير البحوث والدراسات السيكولوجية في مصر. فقد أسس أول مخبر لعلم النفس بكلية التربية في جامعة القاهرة، وهو يعد بحق مؤسس علم النفس التجريبي في مصر والوطن العربي. وتجدر الإشارة أيضا إلى جهود الدكتور يوسف مراد، زعيم جماعة علم النفس التكاملي ومؤسس مجلة علم النفس، التي سبق ذكرها، والدكتور مصطفى زيور، صاحب الفضل اعبر في تأسيس أول كلية لعلم النفس في مصر جامعة عين شمس، وإلى جهود الدكتورة سمية فهمي، أول امرأة مصرية- بل وعربية- تحصل على درجة الدكتوراه في علم النفس عام 1953، وأستاذة علم النفس في جامعة عين شمس، وكان لها دور كبير في تأسيس الجمعية المصرية للبحوث النفسية عام 1947.
وبرعاية المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية انعقد خلال الفترة الواقعة بين 10 – 12 مايو عام 1971 المؤتمر الأول لعلم النفس في مصر تحت شعار”علم النفس والتنمية الاجتماعية”. وقد تفرعت عن المؤتمر ثلاث لجان بحثت المحاور الثلاثة التالية:
– لجنة علم النفس والإنتاج.
– لجنة دور علم النفس في التربية.
– لجنة التغيير الاجتماعي.
وقد أقر هذا المؤتمر ثماني عشرة توصية تتعلق بجميع فروع العلوم النفسية، وضرورة مشاركتها في حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المطروحة في مصر .
بالإضافة إلى دور المجلات العلمية والثقافية والمتخصصة في نشر الوعي النفسي والثقافة السيكولوجية الصحيحة، مثل مجلة “المقتطف” التي استمرت في الصدور بالقاهرة من عام 1885 حتى عام 1952، ومجلة “علم النفس” التي سبق ذكرها، ومجلة “التربية الحديثة” التي بدأت بالصدور عام 1928، وصحيفة “التربية” التي أصدرها وترأس تحريرها الدكتور إسماعيل القباني منذ عام 1948، وغيرها.
ونشيد أخيرا بالجهود المثمرة لكبار أساتذة علم النفس المصريين في تطوير الدراسات السيكولوجية، لا على الصعيد القطري فحسب، بل وعلى الصعيدين العربي والعالمي، مثل: د. إسماعيل قباني، الذي قام بإعداد اختبار ستانفورد بينيه (تعديل تيرمان 1916) وتقنينه محليا، ووضع اختبار ستانفورد للحساب بالاشتراك مع د. محمد عبد السلام وتقنينه محليا، وأعد اختبار الذكاء المتوسط واختبار الذكاء المصور للأطفال عام 1938، والدكتور قباني هو صاحب فكرة الفصول التجريبية التي قامت على أساسها المدارس النموذجية، وقد ألف كتابا قيما بعنوان “القياس النفسي والتربوي ” 1960. ونشير إلى الأستاذ مظهر سعيد، الذي تمكن بجهوده من إدخال مقرر علم النفس إلى كلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام 1930، وإلى المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1945، و إلى المعهد العالي الصحي عام 1960، و إلى دورات ضباط الشرط عام 1950.
أيضا إلى إسهام د. عبد العزيز القوصي، رائد دراسات القدرات العقلية، ويرتبط اسمه في الأوساط العلمية بمجموعة الباحثين الذين كشفوا عن القدرات المكانية، كما أنه مكتشف العامل المكاني K ، حيث أعد رسالته لنيل الدكتوراه بإشراف العالم سبيرمان في جامعة لندن 15، ص 460. ونشير أخيرا إلى أبحاث وجهود علماء مصريين آخرين مثل د. يوسف مراد، الذي تزعم الاتجاه التكاملي في علم النفس، وظل معنيا بالتراث السيكولوجي العربي الإسلامي، ويعد كتابه “مبادئ علم النفس العام” الكتاب العربي الأول الذي يستشهد فيه مؤلفه بنصوص عربية قديمة لابن سينا والغزالي وغيرهما، وحديثه لطه حسين والعقاد وتيمور.
فقد كانت مسيرة العلوم النفسية في مصر هي الأغنى والأكبر والأعمق في الوطن العربي، فقر زاد عمرها على قرن من الزمان، وتوفرت لها الشروط الموضوعية والذاتية المناسبة للتطور والتفتح، ولتحقيق منجزات كبيرة. كما اهتم عدد كبير من الباحثين النفسيين المصريين بالجوانب التجريبية والتطبيقية العملية من الدراسات السيكولوجية، وهذا ما انعكس إيجابا على مسيرة هذه العلوم، وأدى إلى دخولها مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والعسكرية.
إلى جانب الجامعات المعنية بالعلوم النفسية توجد في مصر مجموعة متكاملة من مراكز و معاهد البحث العلمي التي تهتم بالعلوم النفسية وتغني مسيرتها وتطور أبحاثها مثل: معهد العلوم الاجتماعية التابع لجامعة الإسكندرية، والمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، ومعهد الرأي العام والإعلام، كما صدرت وتصدر في مصر عدة مجلات متخصصة مثل: “مجلة علم النفس” و “المجلة العربية للطب النفسي” وغيرها.
إن تنوع الاتجاهات والتيارات النفسية بمصر قد أغنى بلا شك الأبحاث والدراسات في العلوم النفسية، لكن هذا التنوع يكمن وراءه انعدام التصور النظري العام المتسق بين الباحثين النفسيين والافتقار إلى منطلقات ومسلمات أساسية واحدة، وهذا ما أدى إلى تشتيت جهود الباحثين والمختصين النفسيين، وعدم تركيز بحوثهم ودراساتهم على دراسة المشكلات الاجتماعية في مصر، وعلى تعزيز دور العلوم النفسية في عملية التنمية الاجتماعية.
في النصف الثاني من القرن العشرين (1950-1989)..
لم تبدأ مسيرة العلوم النفسية في بقية الأقطار العربية كالأردن والإمارات وتونس والجزائر والسعودية والسودان وفلسطين وقطر والكويت وليبيا واليمن، إلا في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، وذلك بعد حصولها على الاستقلال أو بعد تأسيس الجامعات والمعاهد العليا فيها. ففي الأردن تأسست الجامعة الأردنية عام 1963، وقد ضمت كلية الآداب فيها أقسام التربية وعلم النفس والفلسفة وعلم الاجتماع. وتوفر هذه الجامعة لطلابها فرصة الدراسة الجامعية والدراسات العليا، وتمنح درجات الليسانس والماجستير والدكتوراه في غالبية أقسامها ومنها قسم التربية وعلم النفس. وقد اعتمدت الجامعة الأردنية في البداية على أساتذة من الأقطار العربية وبخاصة مصر والعراق وسورية، ولديها الآن كادرها الوطني من أعضاء الهيئة التدريسية.
وفي الإمارات العربية المتحدة تأسست جامعة الإمارات العربية المتحدة عام 1977، وتعنى كليتا الآداب والتربية فيها بالعلوم النفسية، وتعتمد في تدريسها للعلوم النفسية على الأساتذة المعارين من الأقطار العربية، وبخاصة مصر والعراق وسورية والأردن. وفي تونس تأسست الجامعة التونسية عام 1960، وتضم كلية الآداب فيها قسم الفلسفة والدراسات الجامعية، وفيه يدرس علم النفس كأحد مقررات هذا القسم.
أما في الجزائر فبعد حصولها على الاستقلال تأسست جامعات عدة مثل جامعة قسنطينة 1969، وتضم كلية علم النفس التي يتلقى فيها الطلاب جميع العلوم النفسية، وتمنح هذه الكلية درجتي الليسانس والماجستير في العلوم النفسية. وهناك المعهد العالي للعلوم الاجتماعية التابع لجامعة وهران ويضم قسما لعلم النفس. وقد استعانت الجامعات الجزائرية بالأساتذة العرب المعارين من الجامعات العربية من أجل تعريب التعليم الجامعي فيها. وفي المملكة العربية السعودية تأسست جامعات عدة تعنى بالدراسات والعلوم النفسية وأهمها: جامعة الملك سعود الرياض سابقا وتأسست عام 1957، وتضم كلية التربية فيها قسمي التربية وعلم النفس وتمنح درجتي البكالوريوس والماجستير. وهناك جامعة الملك عبد العزيز عام 1967، وتضم كلية الآداب والعلوم الإنسانية التي تعنى بالدراسات النفسية، وجامعة الإمام محمد بن سعود تأسست عام 1974، وتضم كلية الآداب فيها قسما لعلم النفس.
وفي السودان تأسست جامعة الخرطوم عام 1956 ويعنى بالعلوم النفسية فيها قسم علم النفس التابع لكلية الآداب بالإضافة إلى كلية التربية، كما تأسست جامعة أم درمان الإسلامية عام 1965 ويعنى بالدراسات النفسية فيها قسم علم الدراسات الفلسفية والنفسية التابع لكلية الآداب بالإضافة إلى كليه التربية، وتضم هاتان الجامعتان أقساما للدراسات العليا في مجال التربية وعلم النفس، وتمنحان درجات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه. وفي فلسطين تأسست جامعة بيرزيت عام 1972، وتضم قسما للتربية وعلم النفس. وتأسست جامعة قطر عام 1974، وتضم كلية التربية فيها قسما لعلم النفس التعليمي وقسما للصحة النفسية، وتصدر عن هذه الكلية مجلة “التربية” وهي مجلة فصلية عامة متخصصة بالعلوم التربوية والنفسية.
أما جامعة الكويت فقد تأسست عام 1966 وتضم قسما لعلم النفس تابعا لكلية الآداب وقسما لعلم النفس التربوي تابعا لكلية التربية كما تضم قسما للدراسات العليا. وقد ساهمت دولة الكويت مساهمة كبيرة في نشر الثقافة والعلوم النفسية من خلال إصداراتها القيمة مثل “مجلة العلوم الاجتماعية” و مجلة العلوم الإنسانية” وتصدران عن جامعة الكويت، ومجلة “عالم الفكر” وسلسلة “عالم المعرفة” وغيرها من المجلات الثقافية العامة التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت.
أما في ليبيا فقد افتتحت جامعات عدة أقدمها جامعة قار يونس عام 1955 وتضم كلية للتربية وجامعة الفاتح وجامعة سبها وتضم كل منهما كلية للتربية. وفي المغرب تأسست جامعة محمد الخامس عام 1955، وتضم قسما لعلم النفس يتبع كلية الآداب، كما تصدر في المغرب مجلة متخصصة وهي “المجلة المغاربية للطب النفسي” وهي مجلة فصلية متخصصة تصدر باللغة الفرنسية. وفي اليمن هناك جامعتان رئيستان: جامعة صنعاء تأسست عام 1970 وجامعة عدن تأسست عام 1975، وتضم كل منهما كليتين تعنيان بالعلوم النفسية وهما كليتا الآداب والتربية، وثمة كليات أخرى للتربية موزعة في مدن يمنية أخرى.
تميز العقد الأخير من القرن العشرين بازدياد الاهتمام بالعلوم النفسية في الوطن العربي. وقد تجلى هذا الاهتمام المتزايد بانتشار تدريس علم النفس بفروعه في المدارس الثانوية والمعاهد المتوسطة المعنية والدورات المتخصصة، وفي مختلف الأقسام والكليات المعنية بالجامعات العربية التي تزايدت أعدادها خلال هذه الفترة. كما تجلى هذا الاهتمام بتزايد الحاجة إلى المختصين النفسيين في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والإعلامية، وبصدور العديد من الكتب والمؤلفات في العلوم النفسية تأليفا وترجمة في مختلف الأقطار العربية. كما شهد عقد التسعينات نشاطا مؤسساتيا بارزا.