6 أبريل، 2024 8:31 م
Search
Close this search box.

علم نفس (18)..  دور النفس في توجيه السلوك بهدف التكيف مع العالم الخارجي

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: قراءة – سماح عادل

نواصل القراءة في كتاب (علم النفس في القرن العشرین.. الجزء الأول)  للكاتب “د. بدر الدين عامود”، والذي يعد مرجعا هاما في فهم مصطلح “علم النفس”.

علم النفس الوظيفي..

حفظ البقاء والاستمرار، التكيف والتلاؤم، النـشوء والارتقـاء ومفـردات أخرى شبيهة بها وقريبة منها أضحت الأدوات الأكثر تداولاً من قبـل معظم المثقفين الأوربيين والأمريكيين في مداخلاتهم ومناظراتهم الفكريـة خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. هذه المفردات وجدت طريقها إلى العقول لأنها تجسد نمطاً جديداً في التفكير عليه أن يتعاطى مع إفرازات التقدم العلمي والاجتماعي. فقـد عرفـت أوربا والولايات المتحدة الأمريكية منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر ظهور شبكة واسعة من المؤسسات الإنتاجية والخدمية والتعليمية (معامل، شـركات تجاريـة، مدارس، معاهد، جامعات، مراكز تربوية وتكوينية وتثقيفية).

وأمام هذا الواقع كان لا بد من وضع قواعد وأسس لتنظم العلاقـات بـين مختلف الأطراف داخل تلك المؤسسات، وتحدد موقف الفرد فيها وتقوم سـلوكه بعد أن تبين لكثير من الباحثين قصور النظرة الميكانيكية التي ميزت الفكر طيلة القرون الماضية. فوجد هؤلاء في الأفكار التي حملتهـا النظريـات التطوريـة، ومنها الداروينية والسبنسرية بوجه خاص، مـصدراً يعيـنهم علـى أداء هـذه المهمة.

هذه النظريات تنطلق فـي دراسـتها للكـائن الحي من مبدأ وحدته مع بيئته الطبيعية وصراعه الدائم معهـا. فلكـي يـستمر الكائن الحي على قيد الحياة عليه أن يرد على التحـديات الخارجيـة ويواجـه تقلبات الظروف الطبيعية وتحولاتها. ولن يستطيع ذلك ما لـم يتـسلح بـأدوات وأجهزة ملائمة. وفي مجرى هذه العلاقة تتكون لديه تلـك الأدوات والأجهـزة، ومع استمرارها تنمو وتتطور. فالأحداث الخارجية تؤثر فيه.

وبالمقابـل فإنـه يستجيب لها ويرد عليها بأفعال وعمليات معقدة كثيراً أو قلـيلاً تبعـاً لمـستوى تطوره. وبفضل ذلك تنمو لديه وظائف نفسية وتتشكل أخرى. ومـن هنـا بـدا لفريق من العلماء الأمريكيين أن معرفة آليات نشاط الوعي الإنساني والوظـائف التي يقوم بها تقع ضمن اهتمامات علم النفس وصلاحياته. ذلـك لأن موضـوع البحث المركزي يكمن، من وجهة نظرهم، في الوصول إلـى معطيـات قابلـة للتطبيق الميداني. والحقيقة أن القول بضرورة دراسة الوظائف النفـسية لـيس بالأمر الجديد على الفكر الإنساني.

فقد شدت هذه المسألة إليهـا انتبـاه أنـصار نظرية الملكات منذ قرنين. ورأى هؤلاء أن النفس تتألف من ملكـات رئيـسية، وأخرى فرعية أو ثانوية. ونجم عن هذا التقسيم وجـود ملكـة التـذكر وملكـة التخيل وملكة التفكير… الخ.

إن البحث في محتوى كل ملكة وعلاقتها بالملكات الأخرى لم يتوقف منـذ ذلك التاريخ وحتى بداية القرن العشرين. وحـين ظهـر فريـق مـن العلمـاء والمفكرين الأمريكيين لم يكن في نية أي عضو فيه تأسيس مدرسة نفسية، بقـدر ما كان يرمي إلى جمع المزيد من الأدلة وتنظيم التصورات وضـبط المفـاهيم على قاعدة المستجدات العلمية لمصلحة ما عرف فيما بعد بعلم النفس الـوظيفي.

وبناء على ذلك فإن هذا العلم ليس مدرسة كسائر المدارس، وإنما هو اتجاه عـام في علم النفس يضم كافة المحاولات التي تتخذ من الوظائف النفسية موضـوعاً لها. ومن بين الحقائق التي يعترف بها المؤرخون هي أن قيـام علـم الـنفس الوظيفي جاء كرد فعل على المخطط الميكانيكي الذي وضعه علم النفس البنيوي بزعامة فوندت، ومن بعده تيتشنر.

ومعلوم أن قاعدة هذا المخطط هـي تجزئـة الوعي إلى عناصره النهائية، دون أن يكلف واضعوه أنفسهم مهمة التعرف على تشكلها وتطورها وهذا يعني أن علم النفس البنيوي أسقط مـن حـسابه تمامـاً العلاقة القائمة بين العضوية والبيئة ودورها في نشوء الوعي وعناصره.

ومن هذا المنطلق ذهب رواد علم النفس الوظيفي إلى القول بوجوب بنـاء المخطط البديل على أساس التلاؤم البيولوجي، ليصبح بالإمكان تفـسير الـوعي وتجلياته، وفي مقدمتها الفعل واتجاهه نحو حل المشكلات الحيوية التي تعترض حركة العضوية.

ومن ناحية ثانية فإن البحث عن أيسر الطرق وأقـصرها لتلبيـة حاجـات الفرد هي، في رأينا، كانت وما تزال، سمة المجتمعات الاستهلاكية. وهي السمة التي تبدو لنا أنها طبعت بصورة بارزة مجتمع الولايات المتحدة الأمريكية فـي مرحلة نشوء السيطرة الاحتكارية وتحول الرأسمالية إلى الامبريالية. ويـضاف إلى ذلك خصوصية بنية هذا المجتمع، حيث أنه يتألف من أفراد تنحدر أغلبيتهم الساحقة من أصول ثقافية واجتماعية مختلفة. وهم، على تباين ثقافاتهم وتنوعهـا وتعدد جنسياتهم الأصلية، يشتركون في تلك الدوافع التي حدت بهم إلـى تـرك أوطانهم والهجرة إلى بلاد العمل والمال.

ولعل علماء النفس الوظيفي، عندما أولوا اهتمامهم الخاص بدراسة الفعـل كوسيلة لتذليل العقبات التي يصادفها الفرد وما يحققه لهم مـن فوائـد ومنـافع ذاتية، إنما كانوا يعبرون عن قوة هذه السمة وقدرتها على توجيه السلوك. فـلا عجب أن تكون هذه الفكرة جوهر الفلسفة البراغماتية (النفعية) التي ظهـرت فـي الولايات المتحدة الأمريكية على يد كل من جيمس وديوي، وأصـبحت بالنـسبة للوظيفيين ركناً ثانياً أقاموا عليه آراءهم وتصوراتهم.

لقد اعتقد الوظيفيون بوجود أجهزة وظيفية على غرار ما هو معروف فـي ميادين علمية أخرى كعلم الأحياء والتكنولوجيا وسواهما. فالعضوية تتألف مـن عدد من الأجهزة التي يؤدي كل منها وظيفة محددة تكمل الوظائف التـي تقـوم بها الأجهزة الأخرى وتحقق معها عملية الـتلاؤم، مثـل جهـاز دوران الـدم، والجهاز العصبي، وجهاز التنفس، وجهاز الهضم… الـخ.

والآلات الميكانيكيـة تتركب، هي الأخرى، من مجموعة من الأجهزة، يقوم كل جهاز منها بوظيفـة معينة وتتكامل مع الوظائف التي تقوم بها الأجهزة الباقية لتسيير الآلة، كجهـاز الاحتراق، وجهاز ضخ الماء والتبريد، وجهاز توليـد الكهربـاء فـي محـرك السيارة. ولذا فإنهم يتحدثون عن جهاز للتفكير، وثان للتذكر، وثالث للإدراك… وهكذا. ويعينون لكل واحد من هذه الأجهزة وظيفة يناط به أداؤهـا.

ذلـك لأن مسعاهم لا يتوقف عند حدود التعرف على الأجهزة النفسية، وتحليل كل واحـد منها إلى مركباته، كما هو الشأن بالنسبة للبنيويين، بل إنهم يتعدون ذلـك إلـى الكشف عما يقوم به كل جهاز نفسي من وظائف داخل الإطـار العـام لـسلوك الفرد.

وبعبارات أخرى فإن مهمة البحث في علم النفس التـي حـددها فونـدت وأتباعه في الإجابة على سؤال “ما هي مركبات الوعي؟” و”كيف تعمل؟” تتحول عند الوظيفيين إلى الإجابة على سؤال “ماذا يفعل الوعي؟” و”لمـاذا؟”. فالبحـث عن أجهزة النفس (أو الوعي) ليس هدفاً بحد ذاته، وإنما هو خطوة على طريـق التعرف على نشاط النفس وأهدافه.

إن من شأن طرح المسألة بهذه الكيفية، بالنسبة للوظيفيين، إقامة الارتبـاط بين البيئة الداخلية والبيئة الخارجية للفرد انسجاماً مع مبدأ تطور السلوك تحـت تأثير الشروط البيئية كفعل تكيفي، وبالتالي كوسيلة للبقاء. ولكن هذا الطرح، من حيث معناه وجوهره، ليس جديداً على الفكر السيكولوجي، كما يدعي أصـحاب الاتجاه الوظيفي. فالدراسات التي أجريت في ميادين علم النفس المختلفة، والتي كان لها الفضل في ظهورها، لم تتوقف عند حـدود معرفـة عناصـر الـوعي وماهيته. بل وعملت على تحديد مستوى وطبيعة علاقة الفرد بالوقائع والحوادث الطبيعية والاجتماعية.

ويعتبر وليم جيمس (١٨٤٢-١٩١٠م) من أبرز مؤسسي الاتجاه الـوظيفي في علم النفس. وقد ولد في مدينة نيويورك. ونشأ وترعرع فـي كنـف أسـرة غنية. وكان في صباه شديد الحساسية، متوزع الميول. فمن ولـع بـالفن إلـى اهتمام بالكيمياء وعلوم الأحياء إلى حب للفلسفة. انقطع عـن دراسـته بـسبب مرضه الذي دفعه بتشجيع من والده إلى السفر والتجوال في الكثير مـن بلـدان أوربا الغربية. وهناك وجد في النشاطات العلمية، ولا سيما في الفيزيولوجيا، ما يستجيب لميولـه. ولمس عبر ذلك إمكانية استقلال علم النفس.

ومن الدراسـات التي اطلع عليها وقتذاك، وأعجب بها دراسة فخنر في الـسيكوفيزياء ودراسـة هيلمهولتز في الإدراك البصري. ولكنه عاد فيما بعد واعترض عليهـا معتبـراً إياها مدخلاً خاطئاً لدراسة الظواهر النفسية، وفي تلك الأعوام تعرف عن قـرب على الأفكار التطورية الانكليزية. وأعرب عن اعتقاده بقدرتها على لعب الـدور الذي عجزت الدراسات الفيزيولوجية الألمانية عن القيام به.

وعقب عودته إلى بلاده عين في عام ١٨٧٢ مدرسـاً للفيزيولوجيـا فـي هارفارد. وقد أتاح له هذا المنصب فرصة إلقاء مجموعة من المحاضرات تحت عنوان “العلاقة بين الفيزيولوجيا وعلم النفس”. اعتمد فيها بشكل رئيـسي علـى “مبادئ علم النفس” لسبنسر.

وأثناء ذلك انتسب إلى “منتدى الميتافيزياء” الذي أسسه في هارفارد فريـق من الشباب المتحمس للعلم والثقافة. وكانت آراء الفيلـسوف تـشارلز بيـرس الموجه لنشاطات هذا المنتدى الفكرية. وهي التي أضحت بعد ذلك حجر الزاوية في نظرية جيمس البراغماتية.

ومن أهم تلك الآراء اقتراح بيرس البـدء بالـسؤال عـن علاقـة الـذات بالموضوع والنتائج التي تتمخض عن أفعال الذات الموجهة نحـو الموضـوع. لأن معرفة الإنسان بتلك النتائج هي، في رأيه، السبيل إلى فهم المغزى الحقيقـي للموضوع. ولما كانت هذه العلاقة تتجلى على نحوٍ واضحٍ وقابلٍ للملاحظة المباشـرة من خلال الفعل العملي، الخارجي، لا من خلال تركيب الوعي، فإن هذا الفعـل يجب أن يكون، في تصور بيرس، نقطة الانطلاق في البحث المعرفي الإنساني.

عرض جيمس أفكاره في مجموعة من الأعمال، أهمهـا مقالتـه “مـاهي الدوافع؟” التي نشرها عام ١٨٨٤، وكتابه “مبادئ علم النفس” الذي صدر بجزأيه عام ١٨٩٠، ومحاضراته المنشورة عام ١٨٩٦ تحت عنـوان “حـوارات مـع المعلمين حول علم النفس”، ومداخلته في المؤتمر الدولي الخامس لعلماء الـنفس الذي عقد في روما عام ١٩٠٥”هل الوعي موجود؟”.

ولعل المحطة الأولى التي تستوقف المرء خلال قراءته لمؤلفات جـيمس، وخاصة “المبادئ” هي وقفته الطويلة أمام فوندت وهجومه العنيف على تـصوره للنفس كحاصل جمع الإحساسات البسيطة. فالحياة النفسية، عند جيمس، ليـست مجرد “فسيفساء حسية” أو طبقات متفاوتة التركيب والتعقيد، وإنما هـي عبـارة عن تيار من الشعور أو الوعي دائم التدفق والجريان. وفي هذا يقول: “في كـل واحد منا تجري بعض العمليات الواعية أثناء اليقظة (وكذا في وقت النوم غالباً).

وفي داخلنا يجري تيار من شتى حـالات الـوعي: الإحـساسات والرغبـات والتأملات.. الخ التي يتتابع بعضها إثر بعض كالأمواج أو الحقول، أو سمها ما شئت”. وهكذا فإن القضية التي يتوجب علـى علـم الـنفس أن يتصدى لها هي تفسير هذه الحالات الدينامية ومعرفـة شـروطها وانعكاسـاتها المباشرة على وجود الفرد. ولئن وقف جيمس مطولاً عند الحـالات الديناميـة ليقدم وصفاً مفصلاً لعلائقها وعملها، فإنه لم يفعل ذلك مع شروطها، ممـا دفـع بالمؤرخين إلى التساؤل عما يعنيه جيمس بهذا المفهوم والتعرف على المضمون الذي حمله إياه والموقع الذي يحتلّه بين بقية المفاهيم.

ولقد ذهب معظم هؤلاء إلى القول بأن ما قصده جـيمس بـه هـو البنيـة الجسدية والعصبية للوعي. ولعل هذا المدلول ينسجم مع روح منطلقات جـيمس وفهمه للوعي. فهو ينظر إلى الوعي، نظرته إلى أعضاء الجسم وأجهزته، كأداة تتوسط علاقة الفرد بمحيطه وتسهم في تكيفه وتوازنه معه. وعلى هذا الأسـاس يشدد على ضرورة دراسة وقائع الحياة النفسية بارتباطها الوثيـق مـع البيئـة الفيزيائية.

ويستمد الدليل على استحالة الفصل بين الفرد وعالمه الخارجي لـدى دراسة الظواهر النفسية من التاريخ الطبيعـي للكائنـات الحيـة التـي يتميـز بصراعها الحاد والدائم مع المحيط. وما نشأة تلك الظـواهر وتطورهـا سـوى نتيجة طبيعية وحتمية لهذا الصراع. فهي، والحالة هذه، كـأدواتٍ تظهـر فـي لحظة من لحظات الصراع ليتمكن الحيوان والإنسان من التكيف مع العالم الذي توجد فيه باستمرار.

يقول جيمس في هذا الصدد: “لقد تطورت مختلف عمليـات الإحساس والتفكير قبل تلك الحالة التي هي عليها الآن بفـضل فائـدتها علـى صعيد القيام بتأثيراتنا (استجاباتنا) على العالم الخارجي” ومن المنطقي أن تدفع هذه النظرة العامة بصاحبها خطوة أخرى إلى الأمام بغية التعرف على آلية نشوء الوظيفة النفسية وارتقائها.

وهذا ما قام به جـيمس بالفعل. حيث لجأ إلى تحليل علاقة الوعي والنشاط بالعالم الخارجي ليعلن، إثـر ذلك، عن أن الطبيعة الانعكاسية للجسم هي مـصدر، أو قـل شـرط رغباتنـا وأفكارنا ومشاعرنا. كتب جيمس يقول: “.. إن كلّ إحساس يحدث حركـة، وأن هذه الحركة هي حركة الجسم بأكمله وكل جزء فيـه”.

بيـد أن فعل الانعكاس الذي يبدأ بالإحساس وينتهي بالحركة التي يستجرها لم يلـق فـي نظرية جيمس المكانة التي يستحقها كمبدأ عام يصلح لتفسير الحوادث والوقـائع النفسية جميعاً. وظل استعماله منحصراً في مستوى واحد فقط من الـنفس دون المستويات الأخرى. فقد نظر جيمس إلى الإحساسات البسيطة كمرحلـة أولـى على طريق نشوء عمليات الوعي. ووجد أنها تؤلف مجموعـة مـن الوظـائف النفسية مختلفة عن المجموعة التي ينتمي إليهـا الانتبـاه والتخيـل والمحاكمـة والتمييز والتذكر. والإحساسات تتشكل لدى الطفل خلال الأسابيع الأولـى مـن حياته وفق مبدأ الانعكاس. وفي مرحلة لاحقة تتحد مع العمليات النفسية المعقدة.

لقد أراد جيمس من خلال هذا التقسيم أن يصل إلى اسـتنتاج يتمثـل فـي  وجود قانون آخر يتحكم بنشأة وظائف الوعي المعقدة غير قـانون الانعكـاس. وهو ما لم يكلف نفسه عناء إيضاحه في كتاباته بالصورة التي قدمها أثناء حديثه عن نشوء الإحساسات وتطورها.

ولعل الجانب الجديد والطريف في نظرية جيمس هو موقفه مـن الحـالات النفسية(الانفعالات) عند الإنسان. فقد خص هذا الموضوع بحيز هام من أعماله، بدأه بمقالة نشرها عام ١٨٨٤ بعنوان “ماهي الانفعالات؟”. وفي هذه المقالة يرى جيمس أن الانفعال يتكون بسبب التغيرات التي تطرأ على العـضوية. فـالمثير الخارجي يستدعي اضطراباً PERTURBATION في العضلات والأجهـزة الداخلية للجسم يحس به الفرد على صورة حالة انفعالية. إلى هنا يبـدو الأمـرعادياً. ولكن جدة هذا التصور وطرافته تتجلى في معارضته لمـا هـو شـائع ومألوف في الأوساط العلمية من أن الانفعال هو مصدر التغيرات الفيزيولوجيـة التي تحدث في الأجهزة المختلفة للعضوية (الجهاز العضلي، دوران الدم، جهـاز التنفس…) وليس نتيجة لها.

فبدلاً من أن يكون البكاء نتيجة الحزن، والارتعاش نتيجة الخوف، والضحك نتيجة الفرح، كما هو معروف، يعكس جـيمس هـذه العلاقة ليصير البكاء سبباً للحزن، والارتعاش سبباً للخـوف، والـضحك سـبباً للفرح. وبكلمات أوضح فإن جيمس أراد أن يقول إن إدراك حادثة أو واقعة مـا يستجر ردود أفعال جسدية معينة. وهذه، بدورها، تؤثر في حالة الفرد النفـسية، أو لنقل يكابدها الفرد كحالة نفسية خاصة.

لم ينفرد جيمس وحده بهذا التصور، وإنما شاركه فيه العـالم الـدانماركي ك.لانج من غير أن يكون لأي منهما تأثير في ذلك على الآخر. ففي نفس الفترة التي نشر فيها جيمس مقالته، عرض لانج، وبمعزل عن جيمس، رأيه في العلاقة بين الجانب العضوي والجانب النفسي عند الفرد، مدعياً أن الفـرح والحـزن، والسعادة والتعاسة كمظاهر انفعالية مدينة بنشأتها للتغيرات العضوية. ولهذا فإن الأدبيات السيكولوجية غالباً ما تقرن اسمي هذين الرجلين عند عرضها لمواقـف العلماء من الانفعال. فنجد عناوين رئيسية أو فرعية مثل نظرية جيمس –لانـج في الانفعال، أو الانفعال عند جيمس –لانج… الخ اعترافاً منها بفـضلهما معـاً في صياغة هذه الفرضية.

صعوبة دراسة الانفعالات..

وعندما يبرز الباحثون أهمية الانفعالات في حياة الإنسان ويـشيرون إلـى صعوبة دراستها، فإنهم يتوقفون عند فرضية جيمس ولانـج محـاولين معرفـة الغاية التي سعيا إلى تحقيقها من وراء ذلك. وهنا يذهب بعضهم إلى القول بـأن هذه الفرضية هي بمثابة الدعوة إلى إلحاق الانفعالات بقائمة موضوعات البحث الطبيعي. ولكنهم، في الوقت ذاته، يجدون أنها فرضية تأملية تجانـب الحقيقـة وتبتعد عن التفسير العلمي.

ويستشهد ياروشيفسكي للبرهان على ذلك بـواقعتين. تتمثل الأولى منهما في قيام ش.شيرنغتون بفصل المخ عن الأعـضاء الداخليـة عند الكلب عن طريق قطع نخاعه الشوكي والأعصاب الشاردة (الجوالة). وعلى الرغم من غياب التنبيه العصبي لدى الحيوان، فقد لاحـظ شـيرنغتون تكـون الحالات الانفعالية عنده كالخوف والغضب. أما الثانيـة فتتمثـل فـي محاولـة و.كينون، أحد تلاميذ جيمس، للتحقق من صحة فرضية أستاذه. فقـد استأصـل كينون الجزء السمبتاوي من الجملة العصبية للقطة بواسطة عمليـة جراحيـة. ووجد، مع ذلك، أن القطة تستجيب بنفس الحركات التي كانت تميز اسـتجابتها قبل إجراء العملية. فهي الآن ترفع قائمتها وتنشب مخالبها وتـصدر أصـوات التهديد وتجحظ عينيها وتكشر عن أنيابها لمجرد رؤيتها الكلـب وهـو يقتـرب منها.

إن هذه الملاحظات التي تؤكد على وجود الانفعالات عند الحيوانـات مـع غياب التنبيه العصبي أو التهيج تعارض تماماً رأي كل من جيمس ولانج اللذين اشترطا توفر الواقعة العصبية لحدوث السلوك الانفعالي. وقد عبر جيمس عـن رأيه هذا بوضوح حين قال: “إنني لا أستطيع أن أتصور أبدأ أن يبقـى انفعـال الخوف في وعينا، إذا نحن حذفنا منه المشاعر المتصلة بخفقان القلب المتزايـد وقـصر الـنفس وارتعـاش الـشفتين وارتخـاء الأعـضاء… واضـطرابات الأحشاء”.

وربما يرى البعض في تفـسير جـيمس للانفعالات احتراماً لمبدأ السببية وتأكيداً على نظرته الموضوعية في البحث عن أسباب نشوء الظاهرة النفسية. ولكننا لو أمعنا النظر قليلاً في أولويـة الواقعـة الموضوعية، الخارجية لأدركنا وهم هذا التصور وخطأه. فـالأمر لا يقتـضي سوى المضي في قراءة أفكار جيمس حتى نصل إلى رأيه في النفس وأصـولها والعوامل المؤثرة فيها.

ومما يلفت الانتباه هنا موقفـه مـن الإرادة باعتبارهـا صاحبة السلطة العليا على آلية الجسد، بل وأساس أو مصدر كل وظيفة نفـسية، فهي إذ تمارس سلطتها إنما تفعل ذلك بصورة غيـر مباشـرة، حيـث توجـه النزعات الانفعالية الداخلية عبر التأثير على حركات الجسد الخارجية. إن الفرد يستطيع أن يتحكم في الانفعالات غير المرغوب فيها بفضل أفعالـه الخارجيـة التي تتخذ منحا مخالفاً. فهو قادر في حالة الغضب، مثلاً، على أن يسيطر على حالته النفسية ويتجاوزها عن طريق قيامه بالحركات والأفعال التي يقـوم بهـا الإنسان في حالات الهدوء والاتزان.

لاشك في أن الصفات الإرادية تؤثر على سـلوك الإنـسان وتـتحكم بأفعالـه وتصرفاته. ولكن المكانة التي خص بها جيمس الإرادة دون سواها مـن الظـواهر النفسية تتجاوز حدود الواقع وتترجم نزعته إلى العودة إلى مفهوم “الإرادة العميـاء” التي تتصرف بحركات الجسد وأفعال النفس باعتبارها قـوة قائمـة بـذاتها خـارج الزمان والمكان، لا تخضع لقوانين ظهور هذه الأفعال والحركات وتطورها.

وعندما يتحدث جيمس عن وظائف الوعي، فإنه يشير إلى مـستويين مـن التكيف: الأول بسيط، والثاني معقد. ويرى أن العادات والمهارات التي يختزنها الفرد تتولى مهمة التكيف على المستوى الأول التي تتضمن حركات العـضوية في المحيط وتماسها مع عناصره وأشيائه.

أما المستوى الثاني(المعقد) من التكيف فإنه لا يتم إلا عن طريـق الـوعي ويتجلى هذا الأخير(الوعي) حين تعترض سبيل الفرد مـشكلات فـي التكيـف، وتعجز الانعكاسات عن حلها. فتصدر عن الفرد مجموعة من الأفعـال الراقيـة كحصر المثيرات ومقارنتها وتصنيفها وتوجيه الـسلوك وضـبطه علـى نحـو يتناسب مع الموقف الجديد.

ولكن جيمس لا يتوقف عند حدود ربط الوعي بالتكيف، وإنما يتعداها إلـى جانب آخر من العلاقات والارتباطات، وهو جانب الشخصية. فالوعي يرتبط عنده ببنية الشخصية التي تتخذ الذات فيها أشكالاً أربعة، هي:

– الأنا المادي، ويشمل البدن والأشياء التي تعود ملكيتها إلـى الـشخص، كاللباس والأدوات والنقود وغيرها.

– الأنا الاجتماعي، ويبدأ بنزوع الشخص للظهور بـصورة معينـة أمـام الآخرين والصلات التي يقيمها معهم، وينتهي بنظرتهم إليه وموقفهم تجاهه.

– الأنا الروحي، ويضم أوجه النشاط النفـسي المختلفـة التـي يمارسـها شخص.

– الأنا الخالص أو المحض، ويعني الشعور بالهوية.

وإلى جانب آراء وليم جيمس كانت آراء جون ديوي (١٨٥٩-١٩٥٢م) هي الأخرى تلقى صدا إيجابياً في صفوف المهتمين بعلم الـنفس والفلـسفة. وقـد بسطها في باكورة أعماله “علم النفس” عـام ١٨٨٦، الـذي كـان أول مرجـع أكاديمي أمريكي في ميدان علم النفس. ومن ثم في مقاله حول “مفهـوم الفعـل الانعكاسي في علم النفس”١٨٩٦ الذي عارض فيه النظرة السائدة إلـى قـوس الانعكاس بوصفه الوحدة الأساسية للسلوك.

يتفق ديوي مع جيمس في أهم المواقف والأفكـار التـي تميـز الاتجـاه الوظيفي. فقد رفض بحزم أن يقسم الوعي إلى عناصره أو وحداتـه، ونـصح بدراسة فعالية الكائن الحي ككلّ عبر تفاعله مـع العـالم الخـارجي، وتعقـب الوظائف التي يؤديها الوعي باعتباره مصدر تلك الفعالية وأداتهـا. وهـو، أي الوعي، يؤلف، حسب رأيه، وحدة متكاملة. فمن الخطأ أن ينظر إليه علـى أنـه سلسلة من الأقواس الانعكاسية المنفصلة والمستقلة.

وعلى الرغم من دعوة ديوي إلى الأخذ بمبـدأ وحـدة العـضوية والبيئـة الخارجية، فإنه لم يتردد في تجاوزه، وحذف الحلقة الأولى من قوس الانعكـاس التي تتجسد في المثير الخارجي (الصوت، الضوء، الحرارة، الرائحة…) والتـي اعتبرها معظم العلماء شرطاً ضرورياً لتكون الـوعي. وقـصر حديثـه علـى الحلقات التي تتشكل داخل العـضوية ذاتهـا. الإثـارة (الإحـساس)، النـشاط المركزي (عمليات التحليـل والتركيـب) الـذي يقـوم بـه الـدماغ، التفريـغ الحركي(الفعل).

وليس من الصعب أن ندرك خلفيات هذا الرأي وأصوله التي ترجـع إلـى تعاليم بيرس الذرائعية وتشديده على مقولة الفعل لدى دراسة السلوك البشري.

ويصبح تأثير ديوي في الأوساط العلمية واضحاً، خاصة بعد سـفره إلـى جامعة شيكاغو عام ١٨٩٤ بدعوة من إدارتها. وهناك التقـى بمجموعـة مـن السيكولوجيين الشباب الذين لم يخفوا مقتهم لبنيوية فوندت وأتباعـه، وتعـاطفهم مع جيمس وإعجابهم بأفكاره. وكان جـيمس أنجيـل (١٨٦٩-١٩٤٩م) زعـيم المجموعة. فوجد ديوي من لدن أنجيل وزملائه تجاوبـاً كبيـراً سـاعده علـى المضي في الاتجاه الذي بدأ عمله من أجله والتبشير له بحماس شديد. كما لاقى هؤلاء في آرائه ومواقفه حافزاً لهم على المثـابرة والنـشاط والمـشاركة فـي النهوض بهذا الاتجاه.

وفي هذه الأجواء نشر أنجيل مقالاً بعنوان “مجال علم النفس الوظيفي” عام ١٩٠٦ .وللقارئ أن يتكهن بمحتوى هذا المقال من خلال عنوانه. فقد خصـصه صاحبه لعرض المسائل التي ينبغي علـى علـم الـنفس الـوظيفي مناقـشتها ومعالجتها.

وتكمن المسألة المركزية التي تتفرع عنها المـسائل الأخـرى، فـي رأي أنجيل، في دراسة العمليات العقلية التي تتوسط علاقة العضوية بالبيئة، وتـساعد على إشباع الحاجات (الطبيعية والمكتسبة) للعضوية. ومما يـستوقفنا فـي هـذا المقال زيادة على ذلك، هو تطابق وجهتي نظر أنجيل وجـيمس فيمـا يتعلـق بالهدف النهائي الذي تنشده العضوية. فهما يريان أن التكيف هو غاية ما يـسعى إليه الكائن الحي. ولكن ذلك لا يتحقق على مستوى البـشر بفـضل العمليـات العقلية فقط، بل إن ثمة عمليات أخرى أقل درجة تجري داخل الفرد، وتـشارك فيه، كالدوافع والانفعالات. ثم إن الفرد قبل ذلك وفوقـه هـو حـصيلة تفاعـل وتعاون أجهزة بيولوجية.

فبفضل تلك العمليات العقلية والـدوافع والانفعـالات والوظائف التي تقوم بها تلك الأجهزة يستمر تفاعله ويتحقق تكيفـه مـع العـالم الخارجي. وهذا يعني، باختصار، أن العضوية تعمل ككل بالتعاون والتكامل بين بنيتها النفسية وبنائها الفيزيقي.

وفي ضوء هذا الفهم يجد أنجيل أن اهتمام علم النفس يتعدى حدود الـوعي ليشمل مختلف أشكال العلاقات بين الفرد وعالمه الخارجي. وهذا مـا يوضـحه في قولـه: “بالنسبة لي يتمثل جوهر ما أفهمه من الوظيفة وأعارض به الذريـة السيكولوجية أو البنيوية الجامدة في الآتي: تحليل ووصف الجوانب الرئيسية من التجربة العقلية، ومحاولة إدخالها في مجرى العضوية الفيزيائية، ووضـع ذلـك في جو عام من الاعتراف بضرورة السلوك التكيفي، ومحاولة الكشف في كـل مرة عن الخدمة الخاصة التي تؤديها عمليات الوعي على صعيد هـذه الأفعـال التكيفية”.

لم تكن أفكار أنجيل لتؤلف نظرية جديدة في علم النفس. ولم يطمـح هـونفسه إلى ذلك. وكل ما كان يرمي من وراء طرحها أن تكون إعـادة أو تأكيـداً للمفاهيم والتصورات التي كانت تشكل منذ القديم مدخلاً لعلم الـنفس الـوظيفي الذي عملت بنيوية تيتشنر على زعزعته وتقويضه.

ومن الذين تزعموا الاتجاه الوظيفي بعد أنجيل هافي كير(١٨٧٣-١٩٥٤م) صاحب كتاب “علم النفس” الصادر عام ١٩٢٥. ولقد شـاطر كيـر الـوظيفيين الآخرين موقفهم من موضع علم الـنفس. حيـث اقتـرح أن يتـولى الباحـث السيكولوجي دراسة النشاط الذهني ACTIVETE MENTAL الـذي يـشمل الوظائف النفسية: الإدراك، التذكر، التفكير، التخيل، المشاعر، الإرادة.

وإذا كان علم النفس الوظيفي يشكل اتجاهاً سيكولوجياً عاماً يعارض تقسيم الوعي إلى عناصره الأولية، ويتناول أدواره ووظائفه، فإن رواده وأنصاره لـم ينزعوا إلى استخدام طريقة في البحث دون سـواها، واسـتخدموا الاسـتبطان والملاحظة وتحليل نتائج النـشاط (اللغـة، الفـن…) والتجربـة الفيزيولوجيـة. بينما بقيت التجربة السيكولوجية بالنسبة لهم مجرد ملاحظة تقويميـة.

وفي هذا الموضوع يقول أنجيل: “خصص علماء النفس حتى الآن القسم الأعظم من جهودهم للبحث في بناء النفس. غير أنه في الم المدة الأخيرة ظهـر اسـتعداد للاهتمام اهتماماً أكثر جدية بوجوهها الوظيفية والنمائية. إن تحديد كيفية تطـور الشعور وعمله لا يقل أهمية عن اكتشاف العناصـر المكونـة للـشعور… إن الطريقة السيكولوجية الأساسية هي الاستبطان… وهو الفحص المباشر من قبـل الإنسان لعملياته النفـسية… ومـن الممكـن إكمـال الاسـتبطان بالملاحظـة الموضوعية المباشرة للأفراد الآخرين.” .

وأخيراً تجدر الإشارة إلى أن المذهب الوظيفي عرف العديد من الأنـصار والمؤيدين سواء داخل الولايات المتحدة الأمريكية أو خارجها. ففـي الولايـات المتحدة ظهر فريق من الوظيفيين فـي جامعـة كولومبيـا يتـصدره روبـرت ودورث (١٨٦٩-١٩٦٢م) الذي كرس جلّ أعماله لنـشر مبـادئ علـم الـنفس الوظيفي ومناهجه.

ويأتي كتاباه “علـم الـنفس الـدينامي”١٩١٨ و”ديناميـة السلوك”١٩٥٨ في مقدمة تلك الأعمال. ومن أبرز أعضاء هذا الفريق بلـدوين وسكينتشر (١٨٦٤-١٩٢٧م). كما مثل هذا الاتجاه ريبـو وبينيـه فـي فرنـسا وكلاباريد في سويسرا  .

هناك نقطتين أساسيتين تستحقان المراجعة والتعقيب. أما النقطة الأولى فتتعلـق بدور النفس في توجيه السلوك بهدف التكيف مع العالم الخارجي. حيـث وقفنـا على إجماع الوظيفيين على الأهميـة القـصوى التـي يكتـسيها إبـراز مـا للظواهر(الوظائف) النفسية من فائدة للفرد في تحقيق اسـتقراره وتوازنـه مـع المحيط. وظلّت العلاقة بين النفس والنشاط العملي، الخارجي عنـدهم تـسير في اتجاه واحد. وبقي الاتجاه العكسي خارج دائرة اهتمامهم.

فلم يطـرح أحـد منهم مسألة الأثر الذي يتركه نشاط الإنسان مع العالم الموضوعي فـي قدراتـه وإمكانياته مع ما يحمله طرحها ومعالجتها من قيمة علمية وعملية. إن استجلاء الكيفيات التي تتم بها علاقة الإنسان في مراحـل حي حياتـه مـع عناصر العالم الخارجي وأشيائه عبر نشاطاته العملية(النشاط الاستكشافي، نشاط اللعب، العمل… الخ) يعد أحد الموضوعات الرئيسية التي يعالجها علـم الـنفس المعاصر. فهو وسيلة حاسمة للتعرف على محددات التطور النفـسي، ووضـع أساليب ووسائل لتوجيه هذا النشاط أو ذاك بغية الارتقاء بالسلوك الإنساني.

بينما تمس النقطة الثانية الصيغة التي اقترحها الوظيفيون لتحديد الصلة بين الجانب النفسي والجانب العضوي. فعلى أساس نظرتهم إلى الظـواهر النفـسية كجزء من التيار العام للقوى البيولوجية، ارتبطت هذه الظواهر بأفعال الإنـسان الموجهة إلى الموضوعات الخارجية.

ولكن هذه الصيغة لم تكن موضع احترامهم على الدوام. وغالباً ما كانـت عرضة للتجاوز أو التناقض مع الحلول المقترحة لمسألة العلاقـة بـين الـنفس والدماغ التي تقوم على التوازي السيكوفيزيولوجي.

وهنا يطرح السؤال التالي: كيف يمكن للعمليـات النفـسية أن تـؤثر فـي العضوية والسلوك، إذا كانت تجري بموازاة العمليات الفيزيولوجية؟ وفي الـرد على هذا السؤال يؤكد انجيل أن الموازاة بـين مـاهو نفـسي (عقلـي) ومـاهو فيزيولوجي تعد الصيغة الأنسب لدراسة النفس دراسة تنأى بها عن فيزيولوجيـة الدماغ. وهذا تناقض صارخ وقع فيه انجيل مع نفسه حينما أكد في مكان آخـر ضرورة النظر إلى العضوية ككل سيكوفيزيائي.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب