13 أبريل، 2024 7:33 ص
Search
Close this search box.

علم نفس (14).. اللعب يكسب الأطفال مهـارات التأقلم والاستمرار

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: قراءة – سماح عادل

نواصل القراءة في كتاب (علم النفس في القرن العشرین.. الجزء الأول)  للكاتب “د. بدر الدين عامود”، والذي يعد مرجعا هاما في فهم مصطلح “علم النفس”.

علم النفس التربوي..

عندما نشر تيديمان كتابه “ملاحظات حول القدرات النفسية عند الطفل” عام ١٧٨٧، كان يعكس، بعمله هذا، الحاجة الموضوعية إلـى معرفـة أوفـر وأدق بمختلف المناحي النفسية عند الطفل، ويجسد كذلك نظـرة عـصره إلـى ضرورة الارتقاء بمستوى العلاقة بين التربية والعلوم الإنسانية. فـالخبرة التـي تراكمت على مر قرون  أبرزت الأهمية القصوى التي يكتسبها بنـاء النظرية التربوية والتعليمية على أسـاس المعطيـات الموضـوعية والمعـارف العلمية المتعلقة بالخصائص النفسية للمتعلمين.

وهذا ما يلمسه الفرد في أعمـال بيستالوتزي الذي اتخذ من إقامة عملية التعليم على قواعد سيكولوجية شعاراً له  ولقد كان مستوى الحياة الثقافية والاقتصادية الذي وصلت إليه أوربا فـي نهاية القرن الثامن عشر بمثابة الأرض الخصبة التي أنبتت هذه الأفكار، ودفعت بالمهتمين إلى رعايتها وتنميتها. ويمكن اعتبار محاولة تيديمان علامـة بـارزة للمساعي الدؤوبة والطويلة لاستكشاف الطرائق العلمية المؤدية إلى جمع المـادة الخام لتلك “القواعد السيكولوجية”.

فقد أخضع أحد الأطفال منـذ ولادتـه إلـى ملاحظة يومية حتى السنة الثالثة. وكان يسجل كافة نتائج مشاهداته حول كافـة التغيرات التي تطرأ على القدرات الحسية والحركية والوجدانية واللغوية لـذلك الطفل وبصورة دورية ومنتظمة. وبذلك تمكن من تحديد تـواريخ نـشوء تلـك القدرات. إذ وجد أن الانفعالات الأولى تظهر في نهاية الشهر الثاني مـن حيـاة الطفل، وأن الشهر السابع يشهد بداية محاولاته لنطق بعض الحروف. في حـين يبدأ المجال الحسي والحركي عنده بالتطور منذ الأسابيع الأولـى التـي تعقـب ولادته.

ويعد عمل تيديمان تدشيناً لمرحلة جديدة من مراحـل الاهتمـام بالـسلوك البشري. فقد صدرت بعده عشرات “اليوميـات” و”المـذكرات” التـي تتـضمن ملاحظات إضافية ومسهبة لآباء- مربين أو سيكولوجيين- حول سلوك أبنـائهم وتحولاته خلال السنوات الأولى من الحياة.

ففي منتصف القرن التاسـع عـشر وضع أ. كوسماول مخططاً لنمو النفس عند طفل مرحلة ما قبل المدرسة. وقـدم عبر هذا المخطط وصفاً تفصيلياً عن تعاظم إمكانيات الطفل وقدراته على أساس زيادة الارتباطات وتعقدها. ومن المنطلق ذاته درس إ. تين نمـو الكـلام عنـد الأطفال وقارنه مع تطور اللغة عبر التاريخ. وقد نشرت هـذه الدراسـة عـام ١٨٧٦ .وبعد عام واحد نشر داروين مقالاً مطولاً تحت عنوان “مـوجز تـاريخ حياة طفل”، لخص فيه ملاحظاته حول سلوك أحد أبنائه، والتي قام بها في نهاية الثلاثينيات وبداية الأربعينيات.

على أن العمل الأهم في هذا المجال هو الكتـاب الذي نشره عالم الفيزيولوجيا ولـيم برايـر(١٨٤١ -١٨٩٧)، أحـد أصـدقاء فوندت، عام ١٨٨١ تحت عنوان “عقل الطفل”. وفيـه يعـرض الوقـائع التـي توصل إليها أثناء دراسته لتصرفات طفله وأفعاله في الصباح وفـي منتـصف النهار وفي المساء عرضاً مفصلاً ومتسلسلاً. ولم تقتصر ملاحظات براير على نمو حساسية الطفل وبعض مظاهر نموه الانفعالي منذ الدقائق الخمـس الأولـى على ولادته حتى نهاية السنة الأولى، وإنما حاول أن يفسر ذلك كلـه بالوراثـة والبيئة ويبين أثر كل منهما في السلوك. لقد حقق عمل براير نجاحاً كبيراً ولاقى استحساناً واسعاً من لدن المـربين والمهتمين بالطفولة ودفعهم إلى المزيد من التدقيق والتمحيص في سلوك الطفـل وتطوره.

فلم تمض سنوات قليلة على صدور كتابه حتى وضع عالم الأعـصاب الروسي الشاب ف. بختيرف قائمة بالاستجابات الانفعالية التي ظهرت عند ولده “بيتا” خلال الأشهر الستة الأولى من حياته. ومن ثم قام مواطنـاه سيكورسـكي ولانج بأعمال مشابهة. حيث ألقى لانج محاضرتين حول سـلوك الطفـل علـى طلاب جامعة نوفوروسيا “روسيا الجديدة” ونشرهما عام ١٨٩١ .وكانـت مـادة المحاضرتين عبارة عن عرض لنتائج ملاحظاته ومقارنتها بملاحظات براير. وبعد صدور “عقل الطفل” بحوالي عقد من الزمن كان بينيـه يتتبـع نمـو العمليات العقلية لدى ابنتيه ويسجل مشاهداته ويطلع جمهور القراء عليهـا مـن خلال كتابه “أفكار جديدة عن الأطفال”.

وفي عام ١٨٩٣ أصدر شين مذكراتـه “حول نمو الطفل”. كما نشر سولي “دراسات في الطفولة” عام ١٨٩٦ . ومع إطلالة القرن العشرين عرف هذا النوع من دراسة خصائص الطفولة تطوراً أفقياً وعمودياً ملحوظاً. ففي فترة لا تتعدى العقـدين ظهـرت عـشرات الدراسات واليوميات، من مثل يوميات أ. ستانجينسكايا وأ. ليفانيفسكي وشتيرن. ويعتبر كتاب وليم شتيرن “سيكولوجية الطفولة المبكرة”١٩١٤ تطويراً وتعميقاً للإطار الذي عمل من خلاله السابقون.

فلم يقتصر موضوعه على طفـل واحـد ولسنوات قليلة فقط، وإنما شمل أطفال مؤلفه الثلاثة وتعقبهم منذ ولادتهم حتـى السنة الخامسة والسادسة. وعبر صفحاته تتجلى دقة الملاحظـة عنـد شـتيرن والجهد الذي بذله وتحملت زوجته شطراً منه. وقد كان هذا العمل فرصة مكنت المهتمين من الاطلاع على الأطوار التي تمر بها الإحساسات والمدارك والتذكر والتفكير والكلام والإرادة عند الأطفال والنشاطات التي يمارسونها فـي مرحلـة الطفولة المبكرة كاللعب والبناء والرسم.

النظرية التوفيقية..

ومما زاد في قيمته هو أن شـتيرن لـم يكتف بسرد الوقائع التي شاهدها، بل قام بتعميمها وتوظيفها في خدمة نظريتـه في النمو النفسي التي عرفت باسم النظرية التوفيقية. ويعود سبب هذه التـسمية إلى النهج الذي اختطه شتيرن وسار عليه أتباعه للتوفيق بين الوراثـة والبيئـة كمحددين مسئولين عن التطور النفسي عند الفرد. ولم يكن الخط الذي رسمته دراسة سلوك الأطفال عن طريـق الملاحظـة الموضوعية وتسجيل المعطيات والمعلومات التي تسفر عنها هو الخط الوحيـد. وإنما كان هناك خط ثان موازٍ له وطرائق أخرى غير الملاحظة تكملها وتغنـي تصورات المهتمين بمظاهر السلوك الإنساني، وتعمق أفكارهم وتدفعهم إلى نبـذ الكثير من المعتقدات والآراء القديمة. وفي هذا الصدد يجـدر التنويـه بالآثـار الإيجابية العميقة لأعمال بينيه ودورها في توفير إمكانية التعرف على مـستوى القدرات العقلية عند الأطفال بوسائل وأدوات ومقاييس موضوعية.

فقد أضـحى التجريب منذ ظهور تلك الأعمال الطريقة التي اسـتأثرت باهتمـام البـاحثين. فسعوا بتأمين مستلزماتها وشروطها بغية الوصول إلى نتائج موضوعية ودقيقـة لدى دراستهم للظواهر النفسية عند الطفل، كالإدراك والتذكر والانتبـاه… الـخ، وكذا تطور أوجه النشاط التي يمارسها في المدرسة والمنزل والروضة… الـخ. وفي تلك الفترة يمكن للمرء أن يلاحظ الزيادة الكبيرة في عدد الدراسـات التـي تناولت هذه الموضوعات والارتقاء في مستواها، الأمر الذي نجم عنـه تعـاظم حجم الحقائق بصورة محسوسة، وولادة أفكار جديدة حول نمو الطفل وعواملـه وأسبابه وشروطه.

وسرعان ما تبلورت هذه الأفكار وتحولت إلى اتجاه ضـاغط بدأ بالظهور في المؤتمر الدولي الرابع لعلماء النفس الذي عقد في بـاريز عـام .١٩٠٠ إن القاسم المشترك بين ممثلي هذا الاتجاه يكمن فـي تـأثرهم بالنظريـات التطورية التي انتشرت خلال النصف الثاني من القرن التاسـع عشر، ومحاولاتهم تطبيق قوانينها ومفاهيمها على سلوك الإنـسان والحيـوان. ولقد تجلى ذلك على نحو بارز فيما عرف في علم النفس بالنظريـة التلخيـصية Recapitulatisme التي أرسى قواعدها إ. هيكّيل.

ووفقاً لهذه النظرية فإن حياة الإنسان منذ لحظة تكونه إلى أن يصير راشداً ليست سوى إعادة سريعة ومختصرة لحقب نشأة الحيوانات وارتقائها واختـزالاً لمراحل التاريخ البشري. وقد زعم أصحابها أن ما توصل إليه علم الأجنة مـن تغيرات تطرأ على بنية الجنين يوماً بعد يوم لهو دليل واضـح علـى صـدقها وصحتها. ومما كشف عنه هذا العلم، مثلاً، وجود فجوات في القسم العلوي مـن الجنين في الشهر الرابع من حياته تشبه، في رأيهم، الغلاصم عنـد الأسـماك، وتشكل أغشية بين أصابع يديه وقدميه في الشهر السادس تماثل، في تـصورهم، الأغشية التي نجدها عند الحيوانات البرمائية، وظهور زائدة ذيلية تذكرهم بالذيل عند الثدييات بعد بضعة أسـابيع. وعنـدما يتحـدث التلخيـصيون عـن هـذه المعطيات، فإنهم يعتبرونها براهين قاطعة على صحة قانون التكرار الذي يعنـي بالنسبة لهذه المرحلة أن الجنين يعيد خلال تسعة أشهر جميـع مراحـل تطـور الأنواع الحيوانية. أما التغيرات التي تطرأ على عضوية الطفل وسلوكه عبر سنوات الطفولـة الأولى، فكانوا ينظرون إليها باعتبارها إعادة مكثفـة للمراحـل التـي قطعتهـا البشرية في تطورها عبر آلاف السنين.

ويأتي عالم النفس والمربي الأمريكي ج. ستانلي هـول (١٨٤٦ -١٩٢٤) في طليعة أنصار النظرية التلخيصية، فقد أبدى إعجابـه بهـا وتبنـى مبادئهـا وأفكارها في وقت مبكر من حياته العلمية. وانصرف إلـى جمـع المعطيـات والوقائع التي تسهم في تطورها وانتشارها. كان ستانلي هول مدرساً متخصصاً، تتلمذ على يد الفيلسوف وعالم الـنفس الأمريكي وليم جيمس. وعمل من قبل تحت إشراف فوندت، حيث حضر عـام افتتاح مخبر لايبزيغ. وتتحدث أدبيات علـم الـنفس عـن أن دور الإحـساس العضلي في إدراك المكان هو الموضوع الأول الذي حظي باهتمام ستانلي هول أثناء وجوده في ألمانيا.

ولكنه سرعان ما تخلى عنه بعيد عودتـه إلـى بـلاده ليلتفت إلى قضايا التربية. وهنالك قام بنـشاطات مكثفـة تمثلـت فـي إلقـاء محاضرات على المربين والمعلمين وإجراء بحوث ميدانية. وكان هدفه من ذلك إثراء التصورات السائدة حول خصائص الطفولة وأسـاليب رعايتهـا. وعلـى  الرغم من أنه أسس أول مخبر لعلم النفس في الولايات المتحدة الأمريكية فإنـه لم يكن يخفي تذمره من ضعف فاعلية التجريب وقصوره ودعوته إلى ضـرورة استبدال الاستبيان به. فالاستبيان حسب رأيه، يختصر الوقت والجهـد، ويمـد الباحـث بـوافر المعلومات المتعلقة بتصورات التلاميذ ومـشاعرهم ومـواقفهم تجـاه مختلـف القضايا الأخلاقية والدينية والاجتماعية.

ولهذا تولى هول وضـع العديـد مـن الاستبيانات وضمنها أسئلة تتناول الكثير من الظواهر والوقائع الاجتماعية التـي ينبغي على المفحوص (التلميذ في معظم الحالات) أن يحدد رأيه فيهـا، أو يعبـر عن مشاعره نحوها. وبفضل هذه الطريقـة اسـتطاع أن يحـصل علـى آلاف الإجابات وأن يخضعها إلى المعالجة الإحصائية ويـستخلص النتـائج ويـضع تصوراً شاملاً عن الخصائص النفسية لمختلف مراحل الطفولة.

نشر هول بحوثه وما توصل إليه من نتائج وتصورات في عـدة مؤلفـات، كان أشهرها كتابه عن “المراهقة”. وفي هذا الكتاب يرى أن حياة الطفل ككـائن بشري تشتمل على جوانب كثيرة. ولفهم هذه الجوانب ينصح بضرورة تـضافر جهود جميع المهتمين بالطفل: عالم النفس والطبيب والمربي وعالم الاجتمـاع… الخ. ومن هنا جاءت دعوته إلى إقامة علمٍ خاص يهتم بكافـة قـضايا الطفولـة أطلق عليه اسم “اليبدالوجيا” أي علم الطفل. ولئن تحولت اهتمامات هول في بداية نشاطه العلمي من دائرة علم الـنفس إلى دائرة التربية- كما أشرنا منذ قليل- فإن المراحل اللاحقة من ذلك النـشاط عرفت عدداً من التحولات. مما اعتبره المؤرخون مؤشراً على أن الرجل كـان كثير التنقل من ميدان إلى آخر، سريع التأثر بما يـستجد علـى سـاحة العلـم الرحبة.

فلا عجب أن يبدي حماساً شديداً نحو التحليل النفـسي منـذ الـسنوات الأولى ويدعو مؤسسه فرويد لزيارة جامعـة كـلارك، ثـم يعجـب بغـالتون واختباراته ويستخدمها في بحوثه، ويتبنى في وقت لاحق التعاليم البافلوفية بعـد أن ذاع صيتها في الأوساط العلمية. ويعكف في السنوات الأخيرة مـن حياتـه على دراسة الدين وينشر كتاباً في هذا الميدان عام ١٩١٧ بعنوان “المسيح فـي ضوء علم النفس” وينهي مشواره العلمي بدراسة الخصائص النفسية للـشيخوخة التي توجت بصدور كتابه الأخير “التدهور في الشيخوخة” عام ١٩٢٢ .

إن هذه الملحوظة لا تحمل معنى سلبياً بقدر ما تتضمن أبعاداً إيجابية. فقـد أردنا من خلالها لفت الانتباه إلى طموح ستانلي هول ودأبه لتطوير العلم الناشئ وتوسيع دائرة موضوعاته. وهو الذي كرس من وقته وجهده الكثير مـن أجـل البحث والتأليف والتنظيم. فزيادة على أعماله ومؤلفاته التي أوردنا أهمها بـادر إلى إصدار “المجلة الأمريكية لعلم الـنفس” عـام ١٨٨٧، ومجلـة “المدرسـة التربوية” عام ١٨٩١، وأسهم في تأسيس “الرابطة الأمريكية لعلماء النفس” عـام ١٨٩٢ التي أصبح أول رئيس لها.

وما دام الحديث يدور حول نظريات التطور وأثرهـا فـي علـم الـنفس، يتوجب علينا أن نشير إلى انعكاساتها أيضاً في موقف العـالم الألمـاني كـارل غروس (١٨٦١-١٩٤٦) إزاء نشاط اللعب. ففي كتابيه “اللعب عند الحيوانـات”  ١٨٩٦ و”اللعب عند الإنسان” ١٨٩٩  تتردد بصورة محسوسة أصداء التعاليم الداروينية. حيث يجد أن اللعب عند الأطفال الآدميين وصغار الحيوانات يقـوم بدور هام على صعيد تقوية العضوية وتعزيز قـدراتها علـى الـصمود أمـام متغيرات المحيط الخارجي ومستجداته. إنه في رأيه، مدرسة لإعداد العـضوية للمستقبل. فالحيوانات، حين تلعب، فإنها تكتـسب المهـارات اللازمـة لبقائهـا واستمرارها.

والطفل، عندما يقوم بدور السائق أو الطبيب في إطار اللعب، فإنه يعد نفسه لأداء هذه الوظائف في المستقبل. والشيء ذاته ينطبق على البنت الصغيرة التي تهدهد دميتها كي تنام. فهي، إذ تفعل ذلك، إنما تحضر نفسها لمواجهة المهام التي ستوكل إليها فـي مقـبلات الأيام. إننا لا نسوق هذه الأمثلة من أجل اقتفاء أثر قـوانين التطـور “الاصـطفاء الطبيعي خاصة”، في نظرية غروس فحسب، وإنما لكي نشير من خلالهـا إلـى اتجاه هذا الأثر في فكر هذا العالم وتبيان الفرق بينه وبين الاتجاه الـذي اتخـذه في النظرية التلخيصية أيضاً.

فبينما يسحب أنصار هذه النظرية تلـك القـوانين على تطور الطفل، ويتجهون بخصائص هذا التطور ومستوياته وأطـواره إلـى الماضي، يجد غروس أن هذه القوانين تمثل الدور الفعال الذي تلعبه النـشاطات المختلفة التي يمارسها الطفل في تكيفه اللاحق مع المحيط. ولعل بمقـدورنا أن ندرك سبب هذا الاختلاف بالرجوع إلى مصدر التأثير ذاته، أي إلـى النظريـة التطورية التي استمد كل من الطرفين رأيه منها. لقد قلنا أن غروس صاغ آراءه في ضوء تعاليم النظرية الداروينية. بينمـا بنى التلخيصيون، ومن بينهم هول، تصوراتهم علـى أسـاس نظريـة سبنـسر ونظرية جان باتست لامارك(١٧٤٤-١٨٢٩).

وتدعي هاتـان النظريتـان أن الخبرات والمهارات تنتقل من الجيل السابق إلى الجيل اللاحق بالوراثة. ولكـن الحقائق التي كشف عنها علماء الوراثة تدحض هذا الادعاء. فالكثير من هـؤلاء العلماء” يرفضون الرأي القائل بأن الخـصائص المكتـسبة يمكـن أن تـورث  بالشكل الذي قد يجعل نظرية هول التلخيـصية مقبولـة” بحسب ميلـر، وبصرف النظر عن تقدم نظرية غروس على النظرية التلخيـصية، فإنهـا قصرت أهمية اللعب علـى الجانـب العـضوي، وأغفلـت مـضمونه وبعـده الاجتماعيين عند الطفل البشري.

ومن بين العلماء الذين تأثروا بنظريات التطور عالم الـنفس السويـسري إدوارد كلا باريد (١٨٧٣ -١٩٤٠). فقد حاول هذا العالم تطبيق القوانين العامة لنشوء الأحياء وارتقائها في ميدان علم النفس التربوي. ونظـر إليهـا بوصـفها دليلاً على وجود نظام عام يتحكم بتطور الوعي الفردي والاجتماعي على حـد سواء. وقد جعلت منه نظرته هذه أبرز ممثلي الاتجاه الوظيفي في أوربا وأحـد المتحمسين لآراء ديوي التربوية، وحملته إلى نقد النظام التربوي القائم والـسعي إلى استبدال نظام جديد به يقوم على الفهم الحقيقي لخصائص الطفولة، ويـتمكن من تمثل معطيات العلم الجديد. ولتطبيق أفكاره في الواقع العملي أنـشأ معهـد “جان جاك روسو” للتربية في جنيف.

ومن نافلة القول أن ظهور هذه الدراسات كان استجابة للمتطلبـات التـي أفرزها التطور الاجتماعي، ومحاولة لإيجاد حلول للمـشكلات التربويـة التـي بدأت تطرح بحدة على الأولياء والمعلمين.

وما من أحد يستطيع أن يقلـل مـن شأنها في تحديد موضوعات علم النفس النمائي والتربـوي بـصورة خاصـة، ودورها الإيجابي في انتهاج طرائق عملية لبحثها ومعالجتها. وإذا كنـا بـصدد إبراز القيمة التاريخية والعلمية لجهود العلماء في ميدان علـم الـنفس التربـوي والنمائي، فإنه من الواجب أن نذكّر بالأعمال التي قام بهـا عـشرات العلمـاء، أمثال إ. ميمان في ألمانيا وأ. نيجايف في روسيا وت. ريبو في فرنسا ود. ميـد في الولايات المتحدة الأمريكية.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب