خاص: إعداد- سماح عادل
“علم النفس” هو الدراسات العلمية للسلوك والعقل والتفكير والشخصية، ويمكن تعريفه بأنه: “الدراسة العلمية لسلوك الكائنات الحية، وخصوصا الإنسان، وذلك بهدف التوصل إلى فهم هذا السلوك وتفسيره والتنبؤ به والتحكم فيه”.
وتدرس الدراسات النفسية الجوانب المختلفة للسلوك الفردي والجماعي ومستويات الدوافع والانفعالات والتفاعلات المُختلفة، بالإضافة إلى العمليّات العقلية، كالتذكر، والتفكير، والتعلم، والفروق الفردية، ومستويات الذكاء والقدرات العقلية، وبذلك اختلفت مدارس الدراسات النفسيّة باختلاف الجوانب التي قامت على دراستها وآراء العلماء والباحثين فيها، حيث بحث كلّ عالم في جانب مُعيّن من جوانب النفس البشرية يعدّ علم النفس بشكل عام من العلوم الإنسانية المهمّة، فدراسة النفس الإنسانية تُساعد على معرفة وتصنيف حالات السواء واللاسواء وتحديد مواطن السلامة والشذوذ النفسي، بالإضافة إلى تقديم الخطط العلاجية للاضطرابات النفسية للوصول بالفرد إلى حالة من السلامة والصحة النفسية.
يرى العلماء أن جذور المصطلح الإنجليزي ل”علم النفس” تأتي من موضوعين هما: الفلسفة والفسيولوجيا، وكلمة سيكولوجية (نفسية) تأتي من الكلمة اليوناينة Psyche=engl.soul والتي تعني الروح وLogos وتعني دراسة العلم، وفي القرن السادس عشر كان معنى علم النفس “العلم الذي يدرس الروح أو الذي يدرس العقل”، وذلك للتمييز بين هذا الاصطلاح وعلم دراسة الجسد، ومنذ بداية القرن الثامن عشر زاد استعمال هذا الاصطلاح “سايكولوجية” وأصبح منتشرا.
البداية..
يعتبر علم النفس من العلوم الحديثة التي تم إنشاؤها وإدخالها لأول مرة في المختبرات في سنة 1879 على يد عالم النفس الألماني “فونت”، وقد استخدم فونت طريقة الاستبطان أو التأمل الذاتي لحل المشكلات وكشف الخبرات الشعورية، وأطلق “فونت” على هذا العلم اسم علم دراسة الخبرة الشعورية وبذلك يعتبر “فونت” هو المؤسس الحقيقي لعلم النفس، وهو الذي قام بعزل هذا العلم عن الفلسفة.
أسس “فونت” المدرسة البنائية في علم النفس معتمدا على عملية الاستبطان التي قامت على التعرف على مشكلات الشخص عن طريق الشخص نفسه, ومساعدته في حل هذه المشكلات, وتصحيح رؤيته لها, وتصحيح المعتقدات الخاطئة لديه، ولذلك طرق مخبرية علمية خاصة.
جاء علماء آخرون انتقدوا طريقة “فونت” بالاستبطان, وقالوا إنها طريقة ذاتية تعتمد على رأي الشخص نفسه ولا يمكن تعميمها، وكذلك تعتمد على رأي الباحث نفسه ورؤيته وحالته النفسية، فمن العلماء الذين انتقدوا المدرسة البنائية الأمريكي “وليام جيمس”، حيث ركز على وظائف الدماغ وتقسيماته, وما هي وظيفة أجزاء الدماغ، فمن وظائف الدماغ بشكل مختصر ومبسّط التفكير والإحساسات والانفعالات، حيث إن المنطقة الجبهية تتم فيها عمليات التفكير والتخيل والكلام والكتابة والحركة، وفي وسط الدماغ منطقة السمع وتفسير الإحساسات وإعطائها معنى، وفي المنطقة الخلفية للدماغ يقع الجهاز البصري, ووظيفته تفسير الإحساسات البصرية, وهناك منطقة تقع فوق الرقبة من الخلف مباشرة تحتوي على المخيخ والنخاع المستطيل والوصلة، وهم مسئولون عن توازن الجسم والتنفس وعمليات الهضم وضربات القلب والدورة الدموية…. إلخ، وأطلق على هذه المدرسة اسم المدرسة الوظيفية.
ثم بعد ذلك ظهر انتقاد آخر للمدرستين قائلا: “إن كان على علم النفس أن يكون علما صحيحا ومستقلا لا يجب أن تتم دراسة ما لا يمكن رؤيته وغير ملموس وما كان افتراضيا, كالعقل والذكاء والتفكير, وذلك لأنها مجرد افتراضات لا يمكن إثباتها علميا”، ومن العلماء المنتقدين للوظيفية الأمريكي “جون واطسون” الذي قال: “يجب دراسة السلوك الظاهر للإنسان أي ما هو ملموس ويمكن رؤيته”، وتطور بذلك علم النفس كثيرا بعد ظهور هذه المدرسة وهي المدرسة السلوكية، ومن رواد هذه المدرسة عالم النفس الشهير الروسي “بافلوف”، مؤسس نظرية التعلم الذي أجرى اختبارات مخبرية، فقد لاحظ “بافلوف” أن سيلان لعاب الكلب يرتبط بتقديم الطعام له، فقام بتجربة والمتمثلة في: قرع جرس قبل تقديم الطعام, ثم يلحقها بالإطعام فيسيل اللعاب، وبعد تكرار هذه التجربة بدأ يسيل لعاب الكلب لمجرد سماع الجرس دون تقديم الطعام وهذا ما أطلق عليه تعلم شرطي.
علم نفس الطفل..
ظهر علم نفس الطفل استجابة لمطالب حقول متعددة في معرفة منهجية حول الأطفال فقد كانت ثمة حاجة ملحة إلى أداة تفيد في تمييز الذكي عن متخلف العقل، كما برزت الحاجة إلى طرق ناجعة لتربية الأطفال ووسائل مجدية لتحقيق تلك الطرق، وتحولت الممارسات السلوكية للمربين إلى علم منهجي متحرر من المطالب النفعية التي دفعت إلى خلق العلم المذكور.
تعددت أصول الدراسات المعرفية واللغوية في علم نفس الطفل. التي أسهمت في إنشاء علم نفس الطفل فشملت سير الأطفال وحركة دراسة الأطفال ومعاهد رعايتهم .
إن أول البحوث المنهجية عن الأطفال أجريت من قبل أهلهم ففي سنة 1774 نشر بستالوتزي مذكراته التي كان يكتبها عن حياة طفله البالغ من العمر ثلاث سنوات ونصف السنة ولعل هذه المذكرات هي أول ما نشر في العالم عن تراجم الأطفال.
وفي سنة 1787 نشر تيدمان ملاحظاته عن نمو طفله فريدريك وخاصة في السنتين الأولى من حياته وتتميز هذه الدراسة بالدقة العلمية التي نراها الآن في الأبحاث الحديثة.
وفي سنة 1826 نشر فروبل أول مؤسس لرياض الأطفال كتابه المشهور (تربية الإنسان) وكانت مادة دراسته تلك تعتمد في جوهرها على ملاحظة سلوك الأطفال ورصده في البيت والمدرسة معاً.
وعمد تشارلز داروين إلى حفظ مفكرة يومية حول صبيه الرضيع في سنة 1840 إلا أنه لم يحاول طباعة تلك المفكرة إلا بعد ثلاثين عاماً من كتابتها وقد اهتم داروين بالمظاهر التطورية لسلوك الطفل وعلاقة ذلك السلوك بنظيره الحيواني ولمفكرة داروين مع أعماله الأخرى مكانة رفيعة في علم النفس المقارن اليوم. وفي سنة 1876 نشر العالم الفرنسي تين ملاحظاته عن النمو اللغوي لابنته وذلك خلال السنوات الست الأولى من حياتها.
وسجل عالم النفس برير في كتابه (عقل الطفل) مسار نمو ابنه خلال السنوات الأربع الأولى من حياته وقد اهتم مبدئياً بدراسة السلوك الارتكاسي وبأثر الخبرة والتدريب في تعديل ضروب ذلك السلوك، وقد دأب برير بالإضافة إلى دراسة السلوك الارتكاسي على ملاحظة العديد من الظواهر السلوكية الأخرى مثل لغة الطفل ولعبه، وعلى الرغم من أن برير لم يعمد دوماً إلى عزل ملاحظاته عن استدلالاته فإن عمله ما زال يحتفظ بقيمة علمية رفيعة.
نذكر من دارسي السيرة أيضاً، الكوت، وشين، ووسع سالي منهج السيرة بدراسة سير أطفال الآخرين بالإضافة إلى دراسة سيرة ابنه ووضع نتيجة لذلك كتابه المعروف في علم نفس الطفل. وعلى الرغم من أن العلماء يعدون بياجه الأب الروحي لعلم نفس الطفل فإن بالدوين كان قد سبقه إلى ملاحظة الأطفال من جهة ثانية كان الباحثون في حقول اللغة والحركة والإحساس أفضل كتبة السيرة الذين أثروا في الباحثين اللاحقين وفي علم نفس الطفل ذاته.
وجهت حركة دراسة الطفل على الرغم من الانتقادات التي تعرضت لها اهتمام الناس وشعورهم بالحاجة إلى توفير وقائع موضوعية حول الأطفال ولقد أمل هان بأن مثل تلك المعرفة الموضوعية ستقود بالضرورة إلى وضع الأسس الصحيحة لعلم نفس جديد وهو أمر لم يتم فكل ما فعلته حركة دراسة الطفل هو شق الطريق نحو إقامة معاهد لدراسة الأطفال في الجامعات الأساسية في الولايات المتحدة وهو ما يشكل الخطوة الثانية في الحركة العلمية لدراسة الطفل في أمريكا.