15 نوفمبر، 2024 12:51 م
Search
Close this search box.

علم النفس السياسي

علم النفس السياسي

عرض/ عزام أمين

مقدمة

يُمثّل هذا الكتاب محاولة جريئة للإجابة عن سؤال جدلي يُعد من أكثر الأسئلة الفلسفية تعقيدًا حول سلوك البشر، وهو في ما إذا كان سلوك الفرد نابعًا من خصائصه النفسيّة الفرديّة -أي مدفوعًا بأسبابٍ داخلية -أم ناتجًا عن أسباب خارجية بمثل الظرف المحيط، والموقف الذي وُجد فيه الفرد (قوى موقفية).

ونحن إذ نقول إنه سؤال فلسفي فهو لأنه كلّي شامل يتعلّق بقضية إنسانيّة عامة والإجابة عليه ستساعدنا في فهم كثير من الظواهر الاجتماعية والسياسية العامة، وهذه الإجابة تخضع بطريقة أو بأخرى للتوجهات الأيديولوجية المختلفة، وهو ما سنراه لاحقًا. ويعطي المؤلف مثالًا على حادثة سجن (أبو غريب)، مبينًا أن تفسيرها خضع لمصالح سياسية معيّنة، فالقادة العسكريون وصفوا الجنود الذين فعلوا أفعالًا مشينات بأنهم «جنود قذرون» أو «بضع تفاحات فاسدة»، وهم بذلك يحمّلون مسؤولية الفظائع والجرائم لهؤلاء الجنود السبعة، ويعصمون الإدارة الأميركية من المسؤوليّة، بينما عالم النفس الاجتماعي الأميركي الشهير فيليب زمباردو (Philp Zimbardo) له وجهة نظر أخرى، فهو يتساءل في كتابه (تأثير الشيطان) المنشور في عام 2007، ما إذا كانت فعلًا هذه التفاحات فاسدات أم إن الصندوق (أيّ الإدارة الأميركية والموقف الذي وضعت فيه جنودها) أدّى إلى إفسادها؟.

ومن خلال هذا المثال يوضّح الكاتب أن ثمة اتجاهين في شرح وتفسير السلوك الإنساني، الأول نزوعي (dispositionism) أي إن الأفكار التي يحملها الأفراد في ذهنهم، ومعتقداتهم، وشخصياتهم أو «العوامل الداخلية» بحسب تعبير هوتون هي التي تقف وراء سلوكهم، وهم بذلك أحرار ومسؤولون عن تصرفاتهم؛ والثاني موقفي (situationism) أي إن طبيعة الموقف المحيط بالفرد والوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي وما إلى ذلك أي «العوامل الخارجية»، تمكّن من تفسير السلوك، ومن ثَم شرحِ كثير من الظواهر الاجتماعية. وبهذا الصدد يقول هوتون «لقد كانت فكرة التمييز بين العوامل النزوعية والعوامل الموقفية بوصفها قوى فاعلة في السلوك الإنساني فكرة محورية في علم النفس الاجتماعي، وما تزال، ويأخذ بها كبار الباحثين في هذا المجال في الوقت الحاضر»([1]).

ما الذي يُحدّد سلوكنا؟ أو لماذا يفعل الناس ما يفعلونه؟ هو السؤال المحوري الذي يطرحه هوتون في كتابه، والقضية التي تدور حولها موضوعاته. وعلى الرغم من أن معظم الناس يميلون إلى النزوعية في تفسير سلوك الأفراد ومن ثَم تحمّلهم المسؤولية الرئيسة عما يقومون به من أفعال، فإن وجهة النظر الغالبة في علم النفس الاجتماعي تؤكّد أهميّة العوامل الموقفيّة ودورها الحاسم في إنتاج سلوك الأفراد. فمثلًا يؤكد عالما النفس الاجتماعي ستانلي ملغرام وفيليب زمباردو أن المواقف التي يجد الناس العاديون الطيبون أنفسهم فيها قد تجعلهم يتصرفون بطرائق غير أخلاقية، وربما وحشيّة. وبطريقة أخرى يمكننا القول إن معظمنا يحمل نزعات إضافة إلى قيم واعتقادات نفترض بأنها تحول دون قيامنا بأفعال مشينة، إلا أن قوّة الموقف المحيط، وضغطه، قد يطغيان في أحيان كثيرة على هذه القيم والمعتقدات، ويجعلاننا نتصرف بما يخالفها.

ولكن إذا كان الموقف أو المحيط هو كل شيء، بحسب بعض علماء النفس الاجتماعي، وأنه المُحدّد الرئيس لسلوك البشر، فهل نتعامل مع الأفراد كأنهم يولدون «صفحات بيضاء فارغة» وغير مسؤولين عن سلوكهم؟ ألم نولد ونحن نحمل في داخلنا نزعات معيّنة تحدد سلوكنا؟ أليست لدينا القدرة على الاختيار؟ أليس لحالاتنا الذهنية والنفسية أهمية كبيرة في تحديد سلوكنا؟ ألا يحق لنا أن نتساءل عن أسباب استجابة الأفراد للموقف الخارجي الواحد بطرائق مختلفة؟ فما هو إذًا هذا الشيء في داخلنا الذي يُكوّن هذا الاختلاف في السلوك؟.

في المقابل، يمكن لمؤيدٍ للاتجاه الموقفي أن يجيب عن هذه الأسئلة بأن هؤلاء الأفراد الذين يستجيبون للموقف نفسه بطرائق مختلفات تعرضوا في الماضي لخبرات مختلفات، وأن هذه الخبرات هي التي كوّنت نزعاتهم المختلفات، وبذلك استجاباتهم المختلفات، وهكذا نستطيع الرجوع إلى الوراء بهذه الطريقة لنتتبع قصة السببية إلى ما لا نهاية ([2]).

علم النفس السياسي

من خلال الإجابة على الأسئلة المطروحة أعلاه يريد دايفد هوتون فهم السلوك السياسي ([3]) على وجه الخصوص، وهو يعرّف هذا السلوك بأنّه “أي نشاط يومي يرمي إلى تحقيق غاية سياسية، ويشمل ذلك نطاقًا واسعًا من النشاط السياسي الذي يزاوله البشر، من السلوك المتطرف كالإرهاب والحرب إلى السلوك العادي المألوف كالتصويت في الانتخابات. ويتضمن ذلك صنع القرار – في مستوى الأفراد المصوتين، ومستوى النخبة في الحكومة- وما يتعدى ذلك. وتشمل دراسة السلوك السياسي البحث في أسئلة متنوعات، بمثل «لماذا ينشأ التعصب؟»، «لم يشارك البشر في الإبادة الجماعية؟»، «ما الذي يحدد اختيارات الأفراد الانتخابية؟»، «ولم تذهب الدول إلى الحرب؟»، «كيف يؤثر الرأي العام في السياسات؟»، و«كيف تؤثر وجهات نظر النخبة وتصوراتها في سياسات الحكومات»([4]).

وعلم النفس السياسي يهدف إلى تقديم إجابات علميّة عن هذه الأسئلة ويدرس، بحسب المؤلف دائمًا، التفاعل بين السياسة وعلم النفس، ويمكن عدّه تخصصًا فرعيًا في العلوم السياسية، ولكنه تخصص أكاديمي حديث نسبيًا ([5])، وذو توجّه دولي في جوهره على الرغم من أن أغلبية الأكاديميين فيه هم من الولايات المتحدة الأميركية.

ويميّز مكغوير (McGuire) ثلاث مراحل عريضة مر بها هذا العلم في تطوره، وهي: حقبة دراسات الشخصيّة التي راجت في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، مرحلة دراسة الاتجاهات السياسية والسلوك الانتخابي في الستينيات والسبعينيات، وأخيرًا حقبة البحوث في الاعتقادات السياسيّة، وطرائق معالجة المعلومات، وصناعة القرارات التي بدأت في ثمانينيات القرن العشرين.

مخطّط الكتاب

يقع الكتاب في مقدمة وثلاثة أبواب، إذ تضمنت المقدمة فصلين، أولهما؛ عن المخطط المفهومي للكتاب، والثاني يقدم لمحة عن تاريخ علم النفس السياسي، ويتبعهما الباب الأول، وهو مؤلف من أربعة فصول (3 و4 و5 و6) إذ يفحص المؤلف مناح متنوعات من المقاربات القائمة على علم النفس الاجتماعي التي تؤكد أهميّة الموقف قياسًا بدور الأفراد وخصائصهم في توجيه السلوك. أما الباب الثاني فيتضمن خمسة فصول (7 و8 و9 و10 و11) مخصّصات لوجهة النظر النزوعية التي تعتمد نظريات نفسية قائمة على أساس فردي. وفي الباب الثالث والأخير يحاول الكاتب في ستة فصول (12 و13 و14 و15 و16 و17) الجمع بين وجهتي النظر (الموقفية) و(النزوعية).

الشروط الموقفية بوصفها محددًا للسلوك الإنساني

يبدأ هوتون بعرضه المقاربات الموقفيّة في تفسير السلوك في الفصل الثالث الذي حمل عنوان «السلوكية وحرية الانسان»، إذ يبدأ بالحديث عن المدرسة السلوكية «behaviourism»، وبخاصة أعمال سكنر (B. F. Skinner)، وذلك لأنها أثّرت بصورة كبيرة في علم النفس عمومًا، وعلم النفس السياسي خصوصًا في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. وتعد السلوكية من أهم التيارات الموقفية لا بل تمثّل نموذجًا راديكاليًا لوجهة النظر الموقفية، إذ عدت آلية “الإشراط والتعزيز” السبب الرئيس للسلوك. ويزعم سكنر أن البشر يمكن أن يُدّربوا من خلال الإشراط على القيام بالسلوك المقبول اجتماعيًا، والإحجام عن السلوك غير المقبول، ويذهب بعيدًا في وجهة نظره هذه فيفترض أنه يجب على الدولة أن تعمل على إشراط مواطنيها (أيّ تعلمهم بالثواب والعقاب) على الأخذ بالسلوك المرغوب فيه وتجعلهم أفضل.

وعلى الرغم من أن هناك حججًا قويّة تدعم السلوكية، فهناك أيضًا حججًا قويّة تعارضها، فالإشراط محدود، وليس فعّالًا دائمًا. ثم إنَّ وجهة النظر هذه قد تقود إلى الفاشية والشمولية، فمَنْ المُخوّل بشأن ما يجب أن نُشرط عليه أو ألا نكون عليه؟ وأخيرًا، إن قدرتنا على الاختيار، وحريّتنا بهذا الشأن هما جزءان من إنسانيتنا.

أما المنحى الموقفي الثاني الذي يعرضه هوتون في الفصل الرابع، فهو موضوع الطاعة وتجربة الصدمات الكهربائية الشهيرة التي قام بها عالم النفس الاجتماعي ستانلي ملغرام (Stanley Milgram) ([6]) في هذا الصدد. ولقد ذاع صيت هذه التجربة، لأن نتائجها بعثت على القلق، لأنها توحي بأن البشر معظمهم (65%) قادرون على ارتكاب أفعال تخالف معتقداتهم الأخلاقية، حين يُطلب منهم هذا من سلطة يرونها شرعية ([7]). ويخلص ملغرام إلى أننا جميعًا قد نخالف أعزّ مبادئنا وقيمنا الإنسانية حين نواجه موقفًا تحثنا فيه على الطاعة سُلطة نرى أنها شرعيّة، ونقع في خطأ كبير حين نفترض أن (الأفعال الشريرة) لا يرتكبها إلا (أناس أشرار) ([8]).

وفي ضوء تجارب ملغرام عن الطاعة جرى تفسير كثير من المجازر والمذابح التي قام بها أشخاص عاديون في ظروف معيّنة، ولكن الاتجاه الموقفي في تفسير الطاعة، ومن ثَم تفسير ظاهرة القتل الجماعي، واجه كثيرًا من النقد، فإضافة إلى الفروق الثقافيّة في الاستعداد للطاعة، ولكثير من العوامل المرتبطة بالقتل الجماعي التي بقيت غائبة في الظروف المِخبرية هناك صعوبة كبيرة في تفسير سبب رفض قسم من مبحوثي ملغرام (35%) طاعة السلطة عندما جاءت الأوامر مخالفات لما تمليه عليهم ضمائرهم أو قيمهم؟ أليست قيم ونزعات هؤلاء الأشخاص هي من دفعتهم لرفض الطاعة؟ ([9]) .

ولكن الاتجاه الموقفي في تفسير الطاعة تلقى دعمًا كبيرًا بعد القيام بتجربة أخرى لا تقل شهرةً عن تجربة ملغرام قام بها فيليب زمباردو (Philip Zimbardo) في 1971، أو تجربة (سجن ستانفورد) الشهيرة التي درس فيها سلوك (السجناء)، والسلوك السادي (للسجّانين)، إذ بيّن زمباردو كيف أن الأدوار المُحَدَّدة اجتماعيًا يُمكن أن تكوّن سلوكنا، وهو ما تطرق إليه هوتون في الفصل الخامس من هذا الكتاب الموسوم بـ «صناعة صندوق فاسد». وفي هذا الصدد يقول زمباردو «ضع شبابًا أصحاء في موقف بغيض ([10])، أي في مكان سيئ، ستجد أن الموقف يهيمن عليهم»([11]). وبرأي زمباردو، نحن لسنا (سيئين) أو (أشرارًا»، ولكننا يمكن أن نتصرف بطرائق غير أخلاقية إذا ما أرغمتنا الظروف على ذلك» ([12]).

ولكن حتى في تجربة زمباردو كان ثمة حُرّاس طيبون وحراس سيئون، ولم يتصرف بالطريقة الساديّة التي أشارت إليها التجربة إلا ثلث المبحوثين، من ثَم يمكننا أن نتساءل بالطريقة نفسها التي تساءلنا بها في ما يخص تجرية ملغرام: أليست قيم بعض المبحوثين ونزعاتهم هي من دفعت بهم ليكونوا حراسًا طيبين؟

ما يجب الإشارة إليه هو أن الموقفيّة تمثل تحديًا كبيرًا للقضاء وللمجتمع الغربي الليبرالي، وفكرته القائلة إن الفرد حرّ ومسؤول عن سلوكه وخياراته. فهل الأفراد شريرون لأن لديهم نزعات نفسيّة وشخصيّة دفعت بهم إلى أفعال شريرة أم إن الموقف الاجتماعي المحيط هو من دفع بهم إلى ذلك؟ هذه القضية تقع في قلب الجدل القائم حول الموقفية مقابل النزوعية. ومهما يكون الجواب عن هذا الجدل، تجدر الإشارة إلى أن هناك أفرادًا لا تغلبهم المواقف، أفرادًا يمتلكون حسًا أخلاقيًا قويًّا يصعب تجاوزه.

ويتابع هوتون عرضه للأبحاث الموقفية فيتناول في الفصل السادس أعمال إيرفنغ جانيس (Irving Janis) عن كيفية تغيّر سلوك الفرد ضمن الجماعة، ويتساءل جانيس عن السبب الذي يدفع بأناس أذكياء إلى اتخاذ قرارات ضعيفة في كثير من الأحيان عندما يوجدون ضمن جماعات؟ وما الذي يمنع الناس من قول ما يفكرون به وهم داخل جماعة؟ وفي كتابه الشهير التفكير الجمعي groupthink يقول جانيس إن التفكير الجمعي له مخاطر عدة، فالضغوط الاجتماعية التي يتعرض لها الفرد ضمن الجماعة، وبخاصة إذا كان من المفروض أن تتخذ هذه الجماعة قرارًا معينًا بخصوص موضوعٍ ما، قد تكبّل أذكى الأذكياء. بطريقة أخرى يخلص جانيس إلى أن الفرد ممكن أن يكون أكثر ذكاءً وفاعلية حين يعمل وحده بدلًا من أن يعمل ضمن مجموعة، ومقولته الشهيرة «هناك أذكياء يصنعون قرارات غبية حين يتخذونها مع بعض» تلخص ذلك.

في هذا الباب ناقش المؤلف مقاربات موقفية متمثلة بنظرية سكنر السلوكية، ونموذج ملغرام في الطاعة، ونظرية الصندوق الرديء لزمباردو، ومقاربة جانيس في التفكير الجمعي، وتتفق جميعًا على أن نزعات الفرد لا تحدد سلوكه بقدر ما يحدده الموقف الذي يجد نفسه فيه. ونوّه هوتون إلى أن هذه المقاربات تعرضت كثيرًا للنقد، وبقوة، وخصوصًا من علماء نفس تبنّوا وجهة النظر النزوعية في تفسير السلوك السياسي، وهو ما يتناوله المؤلف في الباب الثاني من هذا الكتاب.

النزعات الفردية بوصفها محدّدًا للسلوك البشري

في الباب الثاني من الكتاب يعنى المؤلف بالنظريات النفسيّة التي تعد الفرد وخصائصه النفسية الأساس في السلوك، فهذه المقاربات النزوعية تتصدى بقوة للفكرة القائلة إن الأفراد يتصرفون على نحو متشابه حين يوضعون في موقف مُعيّن، فالتباين كبير لدى البشر سواءً في المعتقدات والاتجاهات أم الأطر الذهنية.

أولى هذه المقاربات اعتمدت اعتمادًا كبيرًا على نظرية التحليل النفسي، فقد تركت أعمال سيغموند فرويد وأتباعه بصمة قويّة في علم النفس السياسي، ولعل أبرزها ما يعرف بالسيرة النفسيّة أو التاريخ النفسي (psychostory) الذي تناوله دايفد هوتون في الفصل السابع من كتابه. ويؤكد نموذج السيرة النفسية (psychobiography) أن خبرات الطفولة تؤدي دورًا حاسمًا في تطور الشخصية مستقبلًا، ومن ثم في أدائها السياسي. وعلى هذا النحو، درس بعض علماء النفس السياسي شخصيات مشهورة في عالم السياسة ليفهموا ويشرحوا تصرفاتها، فقد ذهب العالمان ألكسندر جورج وجولييت جورج في كتابهما (ودورو ولسون والكولونيل هاوس) إلى القول إن عناد وتصلّب الرئيس الأميركي ولسون في قضايا مهمة بمثل موقفه من إقرار معاهدة عصبة الأمم، إنما يمثل تعويضًا للميل المفترض لدى والده للصرامة في التربية، وإلى حرمانه الدفء والمكافآت العاطفية.

ومن جهته، يزعم جستن فرانك (Justin Frank) في كتابه المعنون «بوش على الأريكة: سبر عقل الرئيس» الصادر عام 2004 أن شخصية وسلوك جورج بوش السياسي تأثرا كثيرًا بالمعاملة التي نالها من والديه، إذ كان بوش الأب غائبًا دائمًا عن الأسرة بسبب مشاغله السياسية، بينما أمه كانت امرأة متسلّطة تفتقر إلى الدفء العاطفي، فكان ردّ الفعل على هذه التنشئة القاسيّة، تطور منظور مانوي لدى بوش (Manichaean) قائم على ثنائية الخير والشرّ، وتنامي أوهام العظمة والقوّة لديه، ويؤكّد فرانك في كتابه هذا أن سلوك بوش السياسي يعكس «دافع طفل معوق انفعاليًا، لم يلق الرعاية الكافية»([13]).

وما تجدر الإشارة إليه هو أن مدرسة السيرة الذاتية لا تتمتع في الوقت الحاضر بالشيوع الذي كان لها في الماضي، وتواجه عددًا من الاعتراضات، ذلك بسب افتقارها إلى الموضوعية، واختزالها تفسير بعض الظواهر السياسية في عوامل شخصية محدودة، غير أن علماء النفس السياسي لم يتخلوا عنها تمامًا، واهتموا بعوامل أخريات لها تأثير كبير في الشخصية، بمثل الاعتقادات والآراء والأفكار (cognitions or beliefs) وهو ما يتناوله المؤلف في الفصل الثامن من الكتاب.

وبحسب هوتون إن الشخصية شيء مركب، لا تشمل فقط الدوافع (بمثل الحاجة إلى القوة والانتماء مثلًا)، وإنما لها سمات أيضًا (بمثل الانطوائية والانبساطية على سبيل المثال لا الحصر)، ولدراسة أثر الشخصية في السلوك السياسي يجب الأخذ بالحسبان: السمات، وهي دائمًا ثابتة، والدوافع، وهي متغيرة من وقت إلى آخر ومن حال إلى أخرى.

وعلى الرغم من أن المهتمين بدارسة مفهوم الشخصية حاولوا تجاوز المشكلات التي وقعت بها مدرسة السيرة النفسية إلا أنهم واجهوا الصعوبات المنهجية والعلمية نفسها، فمفهوم الشخصية معقّد وغامض وغير دقيق نوعًا ما، وهناك صعوبات تواجه علماء النفس في تتبع العمليات التي تؤدي بصفات شخصية معيّنة إلى إنتاج قرارات معيّنة، ما دفع بالباحثين إلى التوجه نحو دراسة العمليات المعرفية، بمثل العزو (attribution) والاتساق والتنافر المعرفي (cognitive dissonance)والمماثلة، التي يقوم بها الإنسان، ودورها في تحديد سلوكه واتخاذ القرارات، وهو ما يتناوله هوتون بالبحث في الفصل التاسع من كتابه.

ولكن سريعًا سيكتشف علماء النفس السياسي أن اتخاذ القرارات السياسية والسلوك ليسا نتاج عمليات معرفية خالصة، ومعالجات عقلية باردة أو بتجرد على غرار ما يفعله جهاز الكمبيوتر بالمعلومات الواردة إليه فحسب، فنحن بشر ونادرًا ما ننظر إلى الأشياء والحوادث بحيادية، وقراراتنا وسلوكنا معظمه -إن لم يكن جميعه- يكتنفه الانفعال والمشاعر بمثل الغضب والحب والكره والإعجاب والحزن والخوف، وما إلى ذلك. وموضوع الانفعال والعاطفة وتأثيرهما في عالم السياسة، وطرائق قياسهما، سيجري تناولهما بالتفصيل في الفصل العاشر والحادي عشر من الكتاب، وذلك على الرغم من المشكلات الكثيرات التي تواجه دراسة الانفعالات دراسة دقيقة.

وفي نهاية هذا الباب سيكتشف القارئ، أنه مثل ما لوجهة النظر الموقفية نقاط قوّة وضعف، للنزوعيّة أيضًا إيجابياتها وسلبياتها، وسيجد نفسه من جديد، عالقًا أمام السؤال عما إذا كانت سمات الفرد ونزعاته الشخصيّة هي من يحدد سلوكه أم المواقف وطبيعتها وخصائصها.

الجمع بين الموقفية والنزوعية

في الباب الثالث والأخير من هذا الكتاب، يحاول دايفد هوتون، من خلال عرضه لبعض الظواهر الاجتماعية التي خضعت للدراسة العلميّة القائمة على الأدلة، الجمع بين وجهتيّ النظر “الموقفيّة” و”النزوعيّة” وتأكيد أن قلّة من النظريات في علم النفس تأخذ اتجاهًا واحدًا خالصًا من دون التطرق إلى الآخر والإشارة إلى أهميته ودوره أيضًا.

ففي الفصل الثاني عشر يتطرق الباحث إلى دراسة سلوك الانتخاب وكيف تأثرت تلك الدراسة بعلم النفس الاجتماعي ذي الطابع الموقفي وبأبحاث علم النفس المعرفي ذو التوجّه النزوعي في آنٍ معًا. فمثلًا، تؤكد نظرية التماهي الحزبي أن الموقف ليس كل شيء في الاختيار الانتخابي، فالأفراد معظمهم يطوّرون مع الوقت رابطة عاطفية طويلة الأمد أو نزعة نحو حزب سياسي معين، ومن ثم شعورًا بالانتماء إلى هذا الحزب، وهذا الشعور هو الذي سيحدد السلوك الانتخابي لهؤلاء الأفراد، بحسب ما يؤكده كامبل وزملاؤه في كتابهم المشهور «الناخب الأميركي» الصادر عن جامعة ميشيغن عام 1960. ومن الجدير بالملاحظة أن التماهي الحزبي يميل إلى الثبات، ويقاوم التغيير. فقد يؤدي الحزب أداءًا سيئًا عند وصوله إلى الحكم أو تعتريه بعض الفضائح السياسية، ولكن المنتمين إلى الحزب (أو المتماهين معه بحسب النظرية) يبقون على مواقفهم الداعمات للحزب، ويصوتون له ([14]).

ولكن المُلاحظ في الدول الغربيّة أن ثلث الكتلة الانتخابية تشمل ناسًا لا تربطهم أي صلة بالأحزاب ([15])، وغالبًا ما يكون هؤلاء الأفراد متقلبين أو متأرجحين في أثناء عملية التصويت، ويتحدّد سلوكهم الانتخابي في ضوء قضايا راهنة في المجتمع أو ربما انطباعاتهم (إيجابية/ سلبيّة) تجاه ذلك المرشح (درجة جاذبيته، مظهره…) أو غيره، ولا تستطيع نظرية التماهي الحزبي وحدها تفسير سلوكهم الانتخابي([16]). ويخلص هوتون إلى أن أفضل تصور لسلوك الانتخاب ربما يكون بعدّه نتاجًا لتفاعل عوامل خارجية (موقفية) وعوامل داخلية (نزوعية).

ويتصدّى الفصل الثالث عشر إلى مشكلات الصراع الإثني، والقوميّات، والإبادة الجماعية. ولشرح مفهوم الهويّة القوميّة، ومشكلة الصراع بين القوى الإثنيّة التي قد تنشأ داخل المجتمعات التعدديّة يعرض المؤلف خمس مقاربات نظريّة: اثنتان ([17]) منها موقفية وهي «نظرية الصراع الواقعي بين الجماعات»، و«نظرية الهوية الاجتماعية»، واحدة تحاول الجمع بين الموقفية والنزوعية وهي «نظرية السيطرة الاجتماعية»، في حين إن المقاربتين الأخيرتين نزوعيتان في طبيعتهما، وهما (المنظور السيكودينامي)، والمقاربة (السياسية البيولوجية».

ويختم هوتون هذا الفصل بموضوع مهم جدًا، ويُعد ملمحًا متكررًا من تاريخ البشرية للأسف، وهو الإبادة الجماعية. فلقد حاول علم النفس السياسي والاجتماعي تفسير هذه الظاهرة ولكن يؤكد الكاتب أن النظريات المشار إليها أعلاه تبقى قاصرة حتى الآن في شرح هذه السلوك.

وتعرف مونرو (Kristen Monroe) مفهوم الإبادة الجماعية بأنه «يُشير إلى التدمير المقصود والممنهج للبشر، ليس بسبب أفعال فردية أو ذنوب ارتكبوها، وإنما بسبب انتمائهم إلى جماعة قومية، أو إثنية، أو عرقية، أو دينية»([18]). وتقترح ([19]) تفسيرًا مهمًا جدًا لظاهرة الإبادة الجماعية، تؤكد فيه ضرورة توافر عوامل عدة، منها ما هو موقفي، ومنها ما هو نزوعي، ويمكن تصنيفها في ثلاثة مستويات: أولًا، المستوى الديمغرافي، فلابد من أن يكون هناك تقسيمات إثنية واضحة؛ ثانيًا، المستوى السياسي، فمن الضروري توافر بعض الشروط بمثل الضائقة الاقتصادية أو غياب الاستقرار السياسي ([20]) أو الحروب والثورات؛ ثالثًا، المستوى النفسي الاجتماعي بمثل التصورات الذهنية والتنميط والخوف، وما إلى ذلك.

وتؤكد مونرو أن هناك سلسلة من الخطوات قبل وقوع المذبحة (أو سلوك القتل) تندرج ضمن المستوى الثالث (النفسي)، إذ تلعب التصورات والنزاعات الثقافية دورًا حاسمًا في حدوثها، وأول هذه الخطوات السيكولوجية، هي ظهور أيديولوجيا تعمل على إسباغ الشرعية، وتسويغ الذبح الذي سيقع. فتسعى هذه الأيديولوجيا لشيطنة الآخرين (الجماعة المقصودة)، ورؤيتهم خطرًا أو مرضًا بوصفهم بكتريات وجراثيم أو حشرات. والخطوة الثانية تكون المماثلة بالأفراد الآخرين من ضمن جماعتنا الذين يقتلون (سنفعل ما يفعله زملاؤنا)، وهو ما يُسمى الانسياق للآخرين في أدبيات علم النفس الاجتماعي، ومن ثم تأتي الخطوة الثالثة التي تتمثل بإسباغ صفة أخلاقية على ما نفعل فقتل الآخر يريحه من العذاب ([21]). وأخيرًا يأتي (تجريد الضحية من إنسانيتها) (dehumanization)، وبذلك يبعتد الجلاد نفسيًا عن ضحيته، فهو لا يشبهها بشيء، ولذلك قتلها لا يثير فيه أي انفعال ([22]).

وفي الفصل الرابع عشر يتناول هوتون موضوعًا آخرًا مهمًا وهو مسألة العنصريّة والتسامح والتعصّب، ويؤكد أن جميع المجتمعات البشرية تعاني ولو بدرجات متفاوتة من هذه الظواهر. وليس من المستغرب ألا يحاول علماء النفس الاجتماعي فهمها وشرح جذورها. فما الذي يجعل أفرادًا عاديين، عقلانيين، وأصحاء نفسيًا يتحيّزون – ظاهرايًا أو باطنيًا – ضد جماعة بكاملها، وليس لأيّ سبب سوى أن تلك الجماعة صدف أن لون جلدها أو أن دينها مختلف؟

ويشير المؤلف إلى أن النظريات التي حاولت تفسير الحسّ القومي والصراعات الإثنية نفسها تطرقت إلى موضوع التعصّب العنصري، وفي هذا الصدد يفيد ريتشارد بوريس وأندري غونيون ولينا مواس ([23]) بأننا نستطيع تصنيف هذه النظريات جميعها في صنفين: نظريات تفسر ظاهرة التعصب في مستوى فردي (niveau individuel)، ونظريات تفسرها في مستوى السياق أو الإطار المحيط (niveau contextuel)، وهذا التصنيف يشبه إلى حد بعيد تصنيف المقاربات النظرية التي تسعى إلى تفسير السلوك على أساس نزوعي أو موقفي الذي يقترحه هوتون في كتابه هذا.

ويخلص المؤلف في نهاية المطاف إلى أن التعصّب العنصري مثل غيره من الظواهر السياسية، قد يَنتج عن اعتقادات يحملها الفرد أو عن طباع شخصية ونفسية معينة، أو قد يكون نتاجًا لعوامل موقفية عدة تشجّع على ممارسته، وتسمح بها.

أما في الفصلين الخامس عشر والسادس عشر، فيتطرق هوتون إلى موضوعين لا يقلان أهمية عن الموضوعات السابقة في هذا الكتاب، وهما السلوك الإرهابي وسيكولوجيا العلاقات الدولية. وكدأبه، يتساءل الكاتب عما إذا كانت المقاربة التي تعتمد على العوامل الموقفية تُقدّم تفسيرًا أفضل للسلوك الإرهابي في مجال العلاقات الدولية أو المقاربة النزوعية.

ويشير الباحث إلى نقطة مهمة جدًا، هي أن صنّاع السياسة لا يقدّرون في الغالب الدور الذي تؤديه العوامل الموقفية في تكوين السلوك حق قدره، بينما -من المثير للدهشة- نرى نقيض هذه المشكلة لدى منظّري العلاقات الدولية، أيّ إنهم يبالغون في التشديد على العوامل الموقفية في مقابل العوامل النفسية الفردية.

وأخيرًا يختم دايفد هوتون كتابه بعرض وجهة نظره التي يخصص لها الفصل السابع عشر بأكمله. فيستعيد النقاط التي ذُكرت في هذا الباب جميعها، ويؤكد أن أيّا من وجهتي النظر الموقفية والنزوعية لم تخرج رابحة من دون منازع في الموضوعات التي تناولها الكتاب كلها. وضمن النطاق ذاته يشير المؤلف إلى أن الأهمية التي تُسبغ على الموقفية أو النزوعية تختلف باختلاف موضوع الدراسة.

وفي جوابه عن سؤال الكتاب المحوري عما إذا كانت الغلبة للنزعات الفردية أم للمواقف في تحديد سلوك البشر، يقول هوتون «لا مفر من استنتاج أن لكل منهما دورًا مهمًا، وذلك يعود بكل بساطة إلى أن هناك قدرًا كبيرًا من الأدلة (يأتي معظمها من علم النفس الاجتماعي) على أن بعض المواقف تستدعي سلوكات معيارية، ومحّددة، كما أن هناك قدرًا كبيرًا من الأدلة (يأتي معظمها من علم النفس المعرفي) على أن لنزعاتنا أهمية خاصة في ظروف أخرى، هذه الأدلة تحول دون إعطاء إجابة مبسطة عن السؤال الذي بعث الحياة في هذا الكتاب»([24]).

الخاتمة

لا شك في أن محاولة الإجابة عن سؤال يتعلق بالطبيعة البشرية هو كالخوض في حقل ألغام، فالجدل قائم منذ زمن بعيد بين أصحاب النظرة النزوعيّة من جهة وأصحاب النظرة الموقفيّة. وسيستنتج القارئ أن المتأثرين بعلم النفس الاجتماعي يرون أن العوامل الفردية أقل أهميّة من الضغط الاجتماعي وبنية الشروط الموقفية، بينما يتبنى المتأثرون بعلم النفس المعرفي والإرث القديم لعلم النفس العيادي الحجّة المضاده. وبوجه عام، فإن علماء النفس السياسي يميلون إلى المقاربة الأولى، أما علماء السياسة يتبنون المنحى الثاني.

كثيرةٌ ومتعددةٌ هي أوجه الخلاف بين وجهتيّ النظر اللتين عرضهما دايفد هوتون، وناقشهما في هذا الكاتب، وهو لم يقدم حلًا تامًا لهما، فالكاتب يُصرّ على عرض نقاط القوّة والضعف جميعها لكل منهما على قدم المساواة، ومن دون أي تحيّز. فهدف الكتاب -بحسب المؤلف دائمًا- هو التشجيع على التفكير بعمق في أثناء تقديم وجهات النظر المختلفات، وترك القارئ حرًّا في اختياره أحدها أو تبني منحى يدمجها معًا في تفسير السلوك السياسي، ويمكننا عدّ ذلك من أهمّ مزيات هذه الكتاب.

أما المزية الثانية لهذا الكتاب، فهي غناه بالمعلومات والتحليلات ففي مجلد واحد استطاع هوتون جمع موضوعات عدة، وأعمال لعلماء نفس وباحثين من مشارب مختلفات، ربما كل واحدة منها تحتاج إلى كتاب مستقل بحد ذاته، وتضمن الكتاب تعريفًا عريضًا ومبسّطًا لعلم النفس السياسي.

المزية الثالثة، هي أن دايفد هوتون ضمّن كتابه مقدمة عامة تشتمل على أداة تنظيمية واضحة ذات فائدة كبيرة لأغراض التدريس، ولكن الكتاب ليس موجَّها للمتخصصين في علم النفس الاجتماعي والسياسي فحسب، وإنما لكل قارئ يحاول فهم السلوك السياسي مهما كان اختصاصه ودرجة ثقافته، ولذلك أتت لغته سلسة وبسيطة خالية من التعقيد والتكلّف، وفي أماكن عدة خاطب الباحث القارئ بضمير المخاطبة «تخيّل أنك» و «تصوّر أنك) … ما يسمح بقدر كبير من الإسقاط، يشعر معه القارئ أن هناك محادثة بينه وبين المؤلف، ما يجعل قراءة الكتابة عملية شائقة وممتعة، واستيعابه سهل.

ربما يشعر القارئ أن علم الأعصاب قد أقحم في هذا الكتاب (الفصل الحادي عشر)، ولا سيما أن المؤلف لم يستطع إظهار فائدة هذا العلم المعقّد في علم النفس السياسي بوضوح، وبالتأكيد لم تساعد المصطلحات الطبيّة والفيزيولوجية التخصصية على ذلك. وبحسب ما أشار المؤلف نفسه، ثمة كثير من المشكلات التي تمنع علماء السياسة من الاستفادة من هذا العلم، وربما ما زال مبكرًا الحديث عنه في مجال السياسة([25]). كان من الأفضل وضع فصل عن الإعلام ووسائل التواصل الجماهيري ([26]) (communication de masse) وقد شكّل غياب هذا الموضوع المهم عن الكتاب ثغرة لا يستهان بها.

إن ترجمة هذا العمل إلى اللغة العربية تُعدّ أمرًا مهمًا، وتُقدّم للمكتبة العربية مرجعًا جامعًا وجديدًا نحتاج إليه في هذه المرحلة المفصلية من التاريخ العربي. وهل نحتاج إلى شرح مطوّل عن أهميته في مجتمعاتنا العربية، وهو الذي يتناول موضوعات شائكات من مثل الحسّ القومي، والصراع الإثني، والهوية والانتماء، والتعصّب والتسامح، والطاعة والتعذيب، والحرب والإبادة الجماعية، والسلوك الارهابي؟.

([1]) دايفد هوتون، علم النفس السياسي، ياسمين حداد (مترجمًا)، (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودرسة السياسات، 2015)، ص 19.

([2]) وهو ما يُسمى في العلوم الاجتماعية بالرجوع غير المتناهي أي تتبع أسباب الأسباب تتبعًا غير متناهٍ.

([3]) يقول هوتون “كل نظرة سياسية إلى العالم تُبنى على نظرة في فهم الطبيعة الإنسانيّة” (ص، 50).

([4]) دايفد هوتون، علم النفس السياسي، ص22.

([5]) أول كتاب في هذا المجال ظهر في عام 1973، وفي عام 1977 أسست الجمعيّة الدولية لعلم النفس السياسي، بينما أسست أول مجلة علميّة في هذا العلم عام 1979.

([6]) من أجل تفاصيل أكثر عن تجارب ستانلي ملغرام راجع: روبرت مكلفين ورتشارد غروس، ((مدخل إلى علم النفس الاجتماعي))، ياسمين حداد وموفق الحمداني وفارس حلمي (مترجمون). (الأردن: عمان، دار وائل للنشر، 2002).

([7]) أراد ملغرام أن يعرف مدى استعداد الناس لإطاعة الأوامر حين تصدر عن سلطة يظنون بأنها شرعية، وتقضي بإيذاء شخص آخر، والحد الذي يمكن أن يذهبوا إليه بعد أن تزداد هذه الأوامر قسوة ولاإنسانية. 65 في المئة من المبحوثين استجابوا بالطاعة لأوامر تعرض حياة الآخر إلى الخطر الشديد، ما آثار كثيرًا من الاستهجان.

([8]) ابتدعت حنة أرندت في كتابها آيخمان في القدس تعبيرًا لوصف آيخمان وأمثاله، أصبح مشهورًا وهو “اعتياد الشر“، فلقد رأت أرندت أن فعل الشر كثيرًا ما يكون نتيجة نهائية لسلسلة من الأفعال لا يتحمل مسؤوليتها شخص واحد فقط.

([9]) قسم من السوريين رفضوا الإذعان لأوامر القتل والتعذيب، وقد عرّضوا حياتهم للخطر بسبب موقفهم هذا.

([10]) وهذا ما يعدّه زمباردو الصندوق الفاسد الذي يحوّل التفاح الجيّد بداخله إلى تفاح عفن.

([11]) دايفد هوتون، علم النفس السياسي، ص103

([12]) يعدّ هوتون أن منظور زمباردو الموقفي هو أكثر راديكالية في استنتاجاته من منظور ملغرام.

([13]) دايفد هوتون، علم النفس السياسي، ص140

([14]) وهذا ما حصل مؤخرًا في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، فلقد حصل المرشح الجمهوري فرنسوا فيون على نسبة 20 في المئة تقريبًا من الأصوات على الرغم من الفضيحة المالية التي طالته وزوجته في أثناء مرحلة الانتخابات. ويشرح هذه الظاهرة فيليب كونفرس (Phlip Converse) بالعودة إلى أدبيات علم النفس الاجتماعي فيركّز، بادئ ذي بدء، على التماهي مع الجماعات المرجعية (reference groups)، وهي هنا الحزب، وعلى نظرية الاتساق المعرفي. وتفترض هذه النظرية أن الناس لا يحبون التصرف بصورة تتناقض مع اعتقاداتهم، أو يكون لديهم معلومات واعتقادات متناقضة في ما بينها، وهذا ما يدعوه ليون فستنغر (Leon Festinger) بالتنافر المعرفي والإنسان يسعى للتخلص من هذه الحالة التي تسبب له قلقًا وضيقًا عن طريق عدة استراتيجيات لاستعادة حالة الاتساق المعرفي، وربما أهم هذه الاستراتيجيات هي التسويغ. فالناخب الذي وجد نفسه في حالة تنافر معرفي بسبب الفضيحة المالية التي طالت مرشح حزبه الجمهوري فرنسوا فيون سوغ سلوكه بأنه يصوّت للحزب، وليس للمرشح بوصفه شخصًا، وأن فرنسوا فيون سيتصرف وفق ما يمليه عليه الحزب.

([15]) فقط 29 بالمئة من الناخبين الأميركيين عام 1992 كانوا ينتمون إلى أحد الحزبين الجمهوري أو الديمقراطي.

([16]) دايفد هوتون، ص262

([17]) للاستفاضة في هاتين النظريتين يمكن الرجوع إلى كتاب معتز سيد عبد الله، الاتجاهات التعصبية، سلسلة عالم المعرفة، 137 (الكويت، المجلس الوطني للثقافة وللفنون والآداب، 1989).

([18]) دايفد هوتون، ص294.

([19]) Monroe, Kristen. « Review Essay: The Psychology of Genocide » Ethics and International Affairs, no. 9, no. 1, 1995.

([20]) لا تتطرق مونرو صراحةً إلى الاستبداد، ولكننا نظن أنه أحد أهم العوامل التي تؤدي إلى هذه الظاهرة وغيرها من ظواهر الطائفية والكره والتعصّب الإثني وذلك أن أنظمة الاستبداد برأينا، تمنع عملية الاندماج الوطني، ومن ثَم ولادة هويّة وطنية جامعة لأبناء المجتمع التعدّدي كلهم.

([21]) أشارت التحقيقات التي أجريت مع كثير ممن ارتكبوا مجازر في روندا أو يوغسلافيا إلى أن قسمًا منهم اعترف بعزل الأطفال عن آبائهم، ومن ثم قتلهم كي لا يروا آباءهم يقتلون أمام أعينهم.

([22]) يعد دايفد هوتون أن تفسير مونرو لسلوك الإبادة الجماعية من دون ثغرة، لولا أنه أغفل دور القادة في التأثير والدفع نحو هذا السلوك.

([23]) Bourhis, R., Gognon, A. et Moïse, L. (1994), « Discrimination et relation intergroupes », in Bourhis, R et Leyens, J.P Stéréotypes, Discrimination et Relations intergroupes (pp. 161-200), Belgique : Mardaga.

([24]) هوتون، 397

([25]) هوتون، ص251.

([26]) Chabrol, C. et Radu, M. (2008). Psychologie de la communication et de la persuasion, théories et applications. Bruxelles : De Boeck, 315p.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معلومات عن الكتاب
العنوان/ علم النفس السياسي
عرض/ عزام أمين
تأليف: دايفد باتريك هوتون

ترجمة: ياسمين حداد

الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

مكان النشر: الدوحة/ قطر

تاريخ النشر: 2015

 

المؤلف: دايفد باتريك هوتون (David P. HOUGHTON) بريطاني وأميركي الجنسيّة، أكاديمي بروفيسور عمل في جامعات بريطانية وأميركيّة عدة، واستقر به الحال في جامعة وسط فلوريدا في الولايات المتحدة. مهتمّ بعلم النفس السياسي وصنع القرارات والسياسات الدولية، له ستة كتب وكثير من المقالات المنشورات في دوريات علمية محكّمة.

عزام أمين: كاتب وباحث سوري، دكتوراه في علم النفس الاجتماعي وعبر الثقافي، له عدد من المؤلفات والدراسات المنشورات في المجلات الأجنبية والعربية. أستاذ محاضر في جامعة ليون الثانية، يقيم في فرنسا.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة