10 أبريل، 2024 11:25 ص
Search
Close this search box.

“علاقة على الفيسبوك” قصة قصيرة

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

كتب: أمين الساطي

عادةً ما يبدأ صباحي بفنجان قهوة سادة وسيجارة مارلبورو، أشعلها وأستمتع بنفث دخانها في الهواء إلى الأعلى، بشكل حلقات دائرية منفصلة. وبين الفينة والفينة، أنظر إلى شاشة جوالي لمتابعة آخر البوستات، حتى تصير الساعة العاشرة، وحينها أتسلل من البيت باتجاه مقهى الغلاييني على الروشة في بيروت، لأجتمع مع صديقي جلال لتمضية ساعتين في تدخين شيشة معسل التفاح، وبعد انتهاء جلستنا يقوم جلال بدفع الحساب، ويوصلني بسيارته إلى بيتي، ثم يتابع طريقه إلى معمل والده.

لقد مضى عليَّ أكثر من ستة أشهر وأنا أبحث عن عمل، فأصبحت تسليتي الوحيدة أن أجتمع في المقهى مع صديق طفولتي جلال لقتل الوقت. في إحدى الجلسات أخبرني جلال بأنه تعرَّف على بنت جميلة على الفيسبوك، وهي في السنة الثالثة في كلية الصيدلة، وبدأ يسرح في مدح جمالها وثقافتها، فتوقعت أنه وقع في حبٍّ لصورة بنت اخترعها لنفسه، وربما لا تتوافق مع الواقع، لقد خلق وهماً وبدأ يؤمن به. تابع حديثه بأنه قد أرسل لها رسالة إعجاب على المسنجر، وأنها أجابته على رسالته، متناسياً أن البنات يحببن قراءة المجاملات وكلمات الإعجاب لإشباع غرورهن.

في الجلسات التالية بالمقهى، أصبح حديث جلال يدور كله حول نوال، صديقته الجديدة على الفيسبوك. لقد اكتشف وجود صفات كثيرة مشتركة بينهما، وبدأت تبادله المشاعر نفسها، متناسياً أن الأحاسيس الإلكترونية أكثر جاذبية من الأحاسيس الحقيقية، لأنها وليدة الأوهام المثالية. حاولت أن أنبهه بأن الوقوع في الحب على الفيسبوك مشكلة خطيرة، لأن الشخص يقع في حب بنت طوّرها بمخيلته من صورتها على صفحتها على الفيسبوك، لإشباع رغبته الجنسية، لكن في هذه الآونة، أصبح من الصعب أن يستمع إلى نصائحي، وكان عليَّ بالمقابل أن أسايره، لأنه بالنهاية هو الذي يدفع حساب جلستنا بالمقهى.

كنت أتوقع في كل مرة نجتمع فيها، أن يخبرني بأن علاقته الافتراضية قد انقطعت مع نوال، وأنه قد عاد من جديد إلى عالم الواقع، بعد أن عاش واستمتع بتجربة العلاقات الافتراضية، لكنه استمر بعلاقته معها رغماً عني، لأَنِي لم أدرك بلحظتها، أن الفيسبوك سمح له بالظهور أمام نوال بأفضل طريقة ممكنة، لقد حدثها عن معمل والده، وعن سيارته المرسيدس السوداء، وأخفى عيوبه الأخرى التي سوف تظهر في أول لقاء مباشر بينهما، وفي آخر مرة اجتمعنا فيها بالمقهى، أخبرني أنه اتفق مع نوال على أن يذهب غداً مع أهله إلى منزلها لخطبتها.

ذهب في تلك الليلة إلى بيت عائلة نوال، وصعد مع والديه الدرج، حتى وصلوا إلى الطابق الثالث، ضغط زر جرس الباب بلهفة، متوقعاً أن تطل نوال فاتحةً الباب، ولكنّ أحداً لم يفتح الباب، فعاد من جديد وضغط مرتين على الجرس، لكنهم لم يسمعوا أي حركة داخل البيت، فأعاد الكرّة من جديد، لكن السكون ظل مخيّماً على البيت، أصبح جلال محرجاً كالولد الصغير، لقد اكتشف أن كل كلام نوال ليس سوى مثاليات على جدران صفحتها على الفيسبوك، لقد أحسَّ بأنه خسر احترامه لذاته، وفقد احترام والديه.

أصبح في حالة من التوتر العصبي، وأمسى بحاجة للسماح لمشاعره بالظهور للتخفيف من حدتها، فاستدار وقرع جرس باب الشقة المقابلة، بعد قليل فتح رجلٌ مسنٌّ الباب، فبادرت والدة جلال بالاعتذار منه للإزعاج، وأخبرته بأنهم على موعد مع جيرانه من أجل خطبة ابنتهم نوال، لكن يبدو أن هناك شيئاً ما، منعهم من فتح الباب. فظهرت علامات الرعب في عيون الرجل المسن: “المرحومة نوال، نوال لقد انتحرت منذ ستة أشهر، وأمها وأبوها سافرا إلى عند ابنهم المقيم في دبي”.  فتدخل أبي فوراً قائلاً: “هناك ثمة خطأ بالعنوان” ثم شكره وعدنا إلى بيتنا.

في الطريق.. وفي أثناء عودتنا إلى بيتنا، لم يتطرق والده إلى الموضوع، ولم يوجّه إليّ اللوم، وتظاهرت والدته بأن الأمور طبيعية، وكأنها لم تكن. لكن عندما دخل جلال غرفة نومه، كان تحت شدٍّ عصبي كبير، فجلس على الكنبة وهو يشعر بفقدان الثقة بنفسه، وانتابه إحساس بالخوف من المجهول. وبينما هو يفكر بما حدث، شعر بيد نوال قد خرجت من تحت بلاط الغرفة، وأخذت تشده نحوها إلى الأسفل، كان وجهها كما هو على صفحتها بالفيسبوك، ولكنه أزرق قليلاً، ومالت جبهتها إلى السواد، أما ذراعها فكانت شاحبة تميل إلى الاصفرار، وبرزت شرايينها وأوردتها بلون كحلي غامق من خلال الجلد، ورائحتها غريبة تشبه رائحة البيض العفن، كما لاحظ خروج مقلة عينها من مكانها وهي تحملق فيه باستمرار برغبة شديدة. تابعت جذبه بقوة نحوها، شعر بأنه يسبح خارج جسده، وأنه باشر بعبور نفق مظلم بسرعة لا توصف، لمح في آخره نوراً أحمر يتوهج مصدراً حرارة عالية، وطار بالنفق وسط شعور غامض بالخوف من الصريخ والعويل الصادر عن نهايته.

قام بمقاومة يد نوال، وأخذ يرفسها برجله الأخرى، وحرّك يده ليحرّر قدمه من يد نوال التي غرزت أظفارها في لحمه في أثناء العراك، اصطدمت يده بمصباح الطاولة الموجود إلى جانبه، فوقع على الأرض محدثاً صوتاً عالياً، فهرعت أمه إلى غرفته، لتجده غارقاً في نوبة هلع مخيفة، فقد فيها السيطرة على نفسه، وهو يهتز ويرتعش ويتعرق ويعاني ضيقاً بالتنفس. فخطر لها أنه أصيب بنوبة قلبية، فضمته إلى صدرها كطفل صغير أعادوه إلى أمه التي لم تره منذ زمن طويل، فشعر بالأمان، وزالت عنه جميع مخاوفه، وتفقد بيده اليسرى قدمه، حيث أنشبت نوال أظفارها، فوجد عليها آثاراً لدم ناتج عن جروح وخدوش سطحية.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب