24 نوفمبر، 2024 1:46 م
Search
Close this search box.

عصام ستاتي.. درس اللغة والفلكولور مؤكدا على وحدة التراث المصري

عصام ستاتي.. درس اللغة والفلكولور مؤكدا على وحدة التراث المصري

 

خاص: إعداد- سماح عادل

عصام إبراهيم الدسوقي مصطفي الملقب بـ “عصام ستاتي” هو كاتب وباحث مصري، من مواليد محافظة السويس في 1964، تلقي “عصام ستاتي” تعليمه الأساسي في المرحلة الابتدائية بالسويس ثم أكمل تعليمه بالمرحلتين الإعدادية والثانوية بمحافظة القاهرة. وما إن حصل علي الثانوية العامة من مدرسة المطرية حتى تقدم بأوراقه إلي كلية الآداب جامعة عين شمس وفيها تخرج عام 1985 بعد حصوله علي ليسانس الآداب – علم نفس بدرجة جيد.

ثم عين بوزارة التربية والتعليم أخصائي اجتماعي بمدرسة السلام الثانوية بنين بالصباح وأثناء اشتغاله بسلك التعليم كان يقوم بإلقاء محاضرات ومناظرات في كافة قصور الثقافة، ومراكز الشباب، وهيئات وزارة الثقافة والشباب عن التراث الشعبي والتاريخ الفرعوني القديم. حيث عرف عنه اهتمامه بالتراث المصري، ومن أشهر كتبه “شم النسيم.. أساطير وتاريخ وعادات وطقوس” الصادر عن سلسلة الدراسات الشعبية، و”اللغة المصرية الحالية” و”مقدمة في الفلكلور القبطي” وصدر للباحث “عصام ستاتى” أيضا كتاب “السمسمية بين الواقع والأسطورة”، بالإضافة لتقديمه عددًا من البرامج التي تُعنى بالتراث الشعبي وآخر أعماله كتاب “القلزم بين حقيقة التاريخ وأسطورية الإبداع السردي”.

ويعتبر الباحث “عصام ستاتي” واحد من كتاب الدراما التاريخية بالإذاعة والتليفزيون المصري، كونه كاتب وسيناريست معتمد منذ فترة تأسيس فرقة كنز للسمسمية والأبحاث الشعبية التي تم إشهارها عام 1996، وهي الفرقة التي قدمت العديد من البرامج المعنية بالتراث الشعبي من أشهر تلك البرامج (السويس حصار وأبطال).

وكان عضوا عاملا في اتحاد الكتاب المصري، وعضوا بجمعيات المؤرخين العرب، ورئيساً لنادي أدب السويس في الفترة من عام 2014 حتى عام 2016، ثم أمينا عاما لمؤتمر أدباء السويس لليوم الواحد 2017. وأخيرا فاز بعضوية الأمانة العامة لأدباء مصر في آخر دورة نقابية عام 2018.

مقدمة في الفلكلور القبطي..

كتاب “مقدمة في الفلكلور القبطي” هو جزء يسير من بحث عظيم قام به طيلة ثماني سنوات بدءً من عام 2000 من خلال منحة لليونسكو لجمع التراث الفلكلوري القبطي في مصر، ويقع الكتاب في ستة فصول تتضمن عدة مباحث مختلفة في الأدب الشعبي واللغة والاحتفالات الشعبية والموالد والأعياد الدينية.

قال عنه “عصام ستاتى”: “إن الفلكلور القبطي هو الفلكلور المصري، فالثقافة المصرية هي جزء أو كيان واحد وليست جزر منفصلة أو متباعدة فيما بينها، و قد يندهش القارئ من هذا التشابه المثير بين الاحتفالات الدينية الإسلامية والمسيحية والفرعونية، فمثلما يحتفل المسلمون بالسيدة زينب “أم العجائز” ورحلة آل البيت إلى مصر، يحتفل المسيحيون بالسيدة العذراء “أم النور” ورحلة العائلة المقدسة، وكذلك كان احتفال المصريين القدماء بإيزيس “الأم المقدسة” و رحلة البحث عن أوزوريس.. و كما نادى المسلمون السيدة زينب “جايلك يا طاهرة” نادى المسيحيون “جايلك يا عدرا” و كما تغنى المسيحيون “يا عدرا يا منجدة… يا أم الشموع الآيدة” تغنى المسلمون “يا سيدة يا منجدة… يا أم الشموع الآيدة”.. إذن المعتقد الشعبي في مصر موجود وسابق على المعتقد العقائدي، والثقافة الشعبية المصرية مستقاة من نموذج أقدم من النموذجين العقائديين المسلم والمسيحى”.

و عن اللغة يقول “عصام ستاتى”: “إن العامية المصرية اشتقت بنائها من المصرية القديمة – فمثلا حرف “الثاء” في اللغة العربية هو حرف لم يعرفه المصري القديم ولم ينطقه لذلك فإن “الثاء” في اللغة العامية تُقلب “تاء”، وكذلك أيضا هناك العديد من الكلمات المستخدمة في حياتنا اليومية هي كلمات مصرية قديمة.. إن المجتمع المصري مجتمع متماسك قوى قادر على استيعاب كل الثقافات والأفكار الوافدة إليه وصبغها بصبغته المصرية ذات الطابع التسامحى.. فالإسلام المصري الذي اكتسب من طمي النيل ليونته وتسامحه يختلف عن الإسلام الصحراوي الرملي، وكذلك المسيحية المصرية والتي تتسم بالتسامح تختلف عن المسيحية الغربية.. من خلال بحثي وجدت أن البسطاء هم أكثر الناس تمسكا بهذا الوطن وتمسكا بموروثه الشعبي والديني”.

وأشار “عصام ستاتي” إلى تطور اللغة القبطية، خاصة بعد الفتح العربي لمصر: “حيث تزاوجت اللغة القبطية باللغة العربية ونتج عن ذلك لغة ثالثة عرفت باسم “اللغة المولدة”، وهذه اللغة نجدها بوضوح عند المؤرخ القبطي القديم المعروف ساويرس ابن المقفع في كتابه عن “الآباء البطارقة”، وهذه اللغة تعتمد على الفكرة الصوتية أكثر من اعتمادها على دقة النحو، واستفادت من الدلالات اللغوية في الهيروغليفية القديمة.. إن المصري استفاد كثيرا من اللغة الفرعونية واللغة العربية لينحت منها لغته الخاصة فيما عرف باللهجة العامية والتي تتميز بتعدد روافدها، بعد أن تخلصت من الصرف والتنوين، بما يسمى ب”اللغة الوطنية المصرية” كما تعرفها “اليونسكو” الآن.. لا يوجد فولكلور قبطي منفصل عن الهوية المصرية، فهناك فولكلور وطني مصري فكلمة قبطي في اللغة الفرعونية تساوي كلمة “مصري”، ونظرة سريعة سنجد أن هناك حالة من التواصل بين التراثين الإسلامي والقبطي، ما أنتج لغة وسيطة نراها جلية في شعر العامية المصرية، والذي ازدهر منذ القرن الهجري الأول حتى الآن، في حين لم نجد شعراء متميزين في الفصحى منذ الفتح الإسلامي لمصر حتى ظهور محمود سامي البارودي، وشعراء مدرسة “الإحياء”” .

اللغة المصرية الحالية..

في هذا الكتاب أكد الباحث “عصام ستاتي” أن «اللغة» المصرية الحالية لا تنتمي إلى اللغة العربية ولا حتى إلى مجموعة اللغات السامية التي تضم العربية والعبرية والأكادية، سواء الآشورية أم البابلية. وقد درس فيه المراحل التي قطعتها اللغة المصرية القديمة بدءاً من الهيروغليفية التي تم ابتكارها في الدولة القديمة من العصر الفرعوني، ثم التي جاءت رمزياتها الكتابية من صور في الواقع المصري، كصورة النسر التي ترمز إلى الحرف أ، ورقة البردي التي ترمز للحرف إ، والغربال الذي يرمز لحرف الخاء، وصورة السِمَّان التي ترمز للحرف و.

وقد عرف هذا الخط في ما بعد بالخط الهيراطيقي، وهي كلمة تعني باليونانية كهنوتي، لأن الكهنة كانوا أول من استعمله، فظنَ اليونانيون أنه خاص بهم، في حين أنه كان الخط الرسمي الذي انتشر وساد في مصر القديمة. ثم جاءت المرحلة الثالثة التي ظهر فيها الخط الديموطيقي أو الشعبي وفق المعنى اليوناني للكلمة، في أواخر عصر الأسرة الخامسة والعشرين وبدايات الأسرة السادسة والعشرين، وهو أكثر سهولة من الخط الهيراطيقي، ما جعله أكثر انتشاراً بين المدن والعواصم المصرية القديمة. وبحسب تعريف ستاتي له: “هو خط عام يختلف قليلاً في الشكل عن الخط المسمى خطأ بالهيروغليفية، لأنها أيضاً لم تكن خاصة بالعقائد الدينية، فالخط الهيراطيقي هو الخط المختصر الواقف وكل حروفه منفصلة عن بعضها بعضاً في رسم القلم، أو هو الخط الرِقعة للكتابة الهيروغليفية”.

وساعد انتشار هذا الخط على ظهور خط رابع كان ينمو ببطء منذ نهايات العصر الفرعوني حتى اعتماد المسيحية ديناً رسمياً في الإمبراطورية الرومانية، ليصبح في ما بعد هو الدلالة الباقية من اللغة المصرية القديمة، وهو الخط القبطي الذي يكتب بالحروف اليونانية مضافاً إليها سبعة أحرف ديموطيقية، نظراً إلى أنه لا توجد رموز موازية لصوتياتها في اليونانية. ومن ثم صارت الصوتيات القديمة بما دخل عليها من تمازجات يونانية وما رسمت به من حروف ورموز يونانية تعرف جميعها باللغة القبطية، وهي تسمية قادمة من كلمة «إيجيبتيوس» اليونانية والتي تعد ترجمة لكلمة (حي ـ كأ ـ بتاح) والتي تعني بالعربية «بيت الإله بتاح». وسرعان ما صارت «اجيبتيوس» تعني مصرياً، ومصر تعني «إيجيبت»، ومن من ثم «قبطاً» في اللسان العربي، بعد حذف (إي) وهو حرف التعريف (أل) من أول الكلمة، ولتصبح اللغة القبطية هي اللغة المصرية.

واستمرت اللغة القبطية حتى عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله الذي حرّمها، وأمر بمعاقبة من يتحدث أو يكتب بها، ومن ثم التزم الجميع اللغة العربية التي جعلها من قبله الخليفة الأموي عبد الملك بن مراون لغة الدواوين، أي اللغة الرسمية التي تتم بها الكتابة في المعاملات الحكومية، واستمرت بجوارها اللغة القبطية إلى أن جاء الحاكم بأمر الله فانحصر وجودها في الأديرة والكنائس فقط.

ورفض “عصام ستاتي” القول بموت اللغة المصرية حتى وإن ماتت صوتياتها واختفى رسمها القديم، ذاهباً إلى أنها ما زالت حاضرة بقوة في لغة المصريين الحالية، ليس فقط في العديد من المفردات الفرعونية التي لا تزال حية في ما يعرف باللغة العامية، ولكن أيضاً في صرفها ونحوها وأدوات سؤالها ونفيها وإثباتها. ويذهب إلى أن الصرف والنحو هما العنصر الفاصل في أي لغة، فاللغة التي تستعير صرفها ونحوها من لغة ما تصبح لهجة من لهجاتها، أما اللهجة التي تقوم على صرف ونحو مختلفين فإنها ليست لغة مستقلة تعود بجذورها إلى تكوين لغوي أسبق. وباستخدام العديد من الجداول والمقارنات بين الهيروغليفية القديمة والديموطيقية والقبطية والاستخدام اللغوي الحالي للمصريين والاستخدام المعروف للغة العربية في النحو والصرف وتراكيب الجمل، أكد “عصام ستاتي” أن اللغة المصرية الحالية تتفق مع اللغة القبطية والديموطيقية والهيروغليفية ولا تتفق مع العربية، وهو ما يثبت أنها ليست من الجذر اللغوي نفسه الذي يجمع العربية بالعبرية بالأكادية بغيرها من اللغات السامية، ولكنه يتقارب مع اللغات البربرية والتشادية والصومالية وغيرها من اللغات الأفريقية، أي أن ما يجمعها مع اللغات الحامية أكبر وأوسع مما يجمعها مع اللغات السامية.

وأوضح أيضا في كتابه أن اللغة المصرية تشتمل على لهجات عدة داخلية هي البحيرية (البشمورية)، والأقصرية (طيبة)، والأخميمية (أسيوط)، والفيومية. وأن هذه اللهجات تختلف في ما بينها في بعض صوتيات الحروف كاستخدام حرف الهاء أو الحاء قبل الفعل في حالة المستقبل، فالبحيرية تميل إلى استخدام الهاء (هنحارب)، أما الأقصرية فتستخدم الحاء (حنحارب) وهكذا. ومن ثم، فاللغة المصرية تخفف الثاء في ثعلب إلى تعلب، وفي أثينا إلى أتينا، وفي حين أن اللغة العربية تميل إلى استخدام القاف المقعرة ذات الصعوبة الخاصة في نطقها، فإن المصريين يقلبونها ألِفاً خفيفة.

وتضمن كتابه فصلاً خاصاً للمفردات والكلمات، كما وضع فصلاً آخر خاصاً بالدلالات والتراكيب، ليصبح عدد فصول الكتاب خمسةً، بالإضافة إلى مقدمة نظرية طويلة، حاول المؤلف من خلالها تأكيد أن ما نعرفه الآن باللهجة العامية المصرية هو لغة خاصة بالمصريين تنحدر من اللغات الهيروغليفية والديموطيقية والقبطية، وتتفق معها في قواعدها الصرفية والنحوية، وتستوعب الكثير من المفردات التي تعود إلى لغات عدة، في مقدمها العربية ثم التركية ثم المصرية القديمة واليونانية والفارسية وغيرها. كما يؤكد “ستاتي” أن اللغة المصرية الحالية تحتفي بتراكيبها الخاصة التي تجعلها لغة مستقلة ذات دلالات مجازية وبلاغية مختلفة عن غيرها.

لم يأخذ حقه..

يقول الشاعر”سعيد شحاتة” في جريدة الدستور: ” بوفاة الباحث والكاتب عصام ستاتي، خسرت مصر كاتبا حقيقيا وباحثا هاما، كان ينتمي لمصر حق الانتماء، تعرفت على “ستاتي” من مطبوعاته في هيئة قصور الثقافة وهيئة الكتاب، فوجدته باحثا مهما، فله كتاب بعنوان “شم النسيم” و”مقدمة في الفلكلور القبطي” كنت مندهشا عندما قرأتهم، فكيف لكاتب أن يكون ملمًا بكل هذه التفاصيل من تراثنا المصري.. كان مشروع مهم، وكان من المفترض أن يسلط عليه الضوء، لكن لأنه مهتم بمشروعه، ولم يترك السويس فلم يحدث ذلك، ولم يأخذ ستاتي حقه، وقد  كان حريصًا على أن يخلق وسطًا ثقافيًا في السويس، فقد كان مؤمنًا أن القاهرة ليست هي كل شيء، لذلك كان دائمًا ما يدعو أصدقائه الكتاب لزيارة السويس وإقامة ندوات لهم هناك، لخلق حركة ثقافية..وكان مهتمًا باللغة المصرية، باعتبارها لغة وليست لهجة، وله كتاب هام في هذا الشأن بعنوان “اللغة المصرية” صادر عن قصور الثقافة”.

وفاته..

توفى “عصام ستاتي” يوم 30 يونيو 2018 عن عمر 54 بعد صراع مع المرض.

 

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة