9 أبريل، 2024 8:53 م
Search
Close this search box.

عز الدين المناصرة.. التزم بالمقاومة الشعرية وهمش بسبب رفضه لاتفاقيات السلام

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“عز الدين المناصرة” شاعر وناقد وأكاديمي فلسطيني، من شعراء المقاومة الفلسطينية منذ أواخر الستينيات، اقترن اسمه بالمقاومة المسلحة والثقافية وبشعراء مثل “محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد”، وأطلق عليهم مجتمعين “الأربعة الكبار في الشعر الفلسطيني”. غنى “مارسيل خليفة” وغيره قصائده، واشتهرت قصيدتيه “جفرا” و”بالأخضر كفناه”. وصفه “إحسان عباس” كأحد رواد الحركة الشعرية الحديثة.

حياته..

وُلد “محمد عز الدين المناصرة” في 1946، في قرية بني نعيم فلسطين. والده الشيخ “عز الدين عبد القادر المناصرة”، كان أحد وجهاء منطقة الخليل ومحكما عشائريًا، وكان جده شاعراً شعبياً في جبل الخليل منذ مطلع القرن العشرين، بدأ دراسته في ابتدائية بني نعيم ومن ثم التحق بثانوية الحسين بن علي في مدينة الخليل. بدأ منذ صغره بنظم الشعر ونشر المقالات في المجلات الأدبية في بداية 1962.

غادر”عز الدين المناصرة”  في 1964 فلسطين عبر مطار قلنديا في القدس ليلتحق بجامعة القاهرة مصر، حيث حصل على شهادة (الليسانس) في اللغة العربية والعلوم الإسلامية عام 1968. وانضم إلى الاتحاد العام لطلبة فلسطين – فرع القاهرة وانضم إلى “الجمعية الأدبية المصرية”. وعمل كمراسل صحافي لمجلة “الأفق الجديد”، ومجلة “فلسطين- ملحق المحرر” في بيروت، ومجلتي (الهدف، 1969) التي كان يرأس تحريرها غسان كنفاني، و(مواقف) في بيروت، التي كان يرأس تحريرها الشاعر السوري “أدونيس” منذ صدورها عام 1968.

أثناء تواجده في القاهرة جرت أحداث حرب 1967 التي شنتها إسرائيل على الدول العربية المجاورة، وانتهت بانتصار إسرائيل خلال 6 أيام مما نتج عنه خسارة الضفة الغربية وقطاع غزة واحتلال أراض عربية أخرى. ولم يستطع العودة إلى مسقط رأسه في بني نعيم منذ ذلك التاريخ، وساهمت في تكوين تجربته الشعرية لاحقاً. تطوع “عز الدين” على إثر الحرب للتدريب العسكري تحت إشراف جيش التحرير الفلسطيني في مصر، حيث بدأت تتوسع في تلك الفترة نواة المقاومة الفلسطينية الشعبية المسلحة.

انتقل إلى الأردن وعمل كمدير للبرامج الثقافية في الإذاعة الأردنية من العام 1970 وحتى 1973. أسس في نفس الفترة رابطة الكتاب الأردنيين مع مجموعة من المفكرين والكتاب الأردنيين حيث تم انتخابه كعضو (مقرر) اللجنة التأسيسية التحضيرية إلى جانب شخصيات مثل محمود سيف الدين الإيراني، وعيسى الناعوري، ومحمود السمرة، والمحامي عدي مدانات، والناشر أسامة شعشاعة. أصدر 11 ديوان شعري و25 كتاب في النقد الأدبي والمقارن.

حياة مليئة بالأشواك..

في حوار معه أجرته “باسمة حامد” للمجلة الثقافية الجزائرية يقول “عز الدين المناصرة” عن المسارات المتنوعة في حياته: (شعر، نقد، وصحافة، وتدريس جامعي، وكفاح مسلح، وعمل سياسي، وسفر، ومنافي) وتوظيفها في مشروعه الشعري: “إنها حياة تكاد تكتمل.. حياة مليئة بالأشواك، وقطوف العنب، لم أكن أفكر عند كتابة القصيدة بطريقة التوظيف، فالقصيدة حالة نفسية تحاصرني، ودندنةٌ تبدأ، وفي ضوء الدندنة أواصل التعبير، حيث يحكمني (القلب والعقل معاً). العشق والشغف، هما وقود قصيدتي، ودندنة تبدأ، سواءٌ كنت في حالة حب صوفي أو حالة حُبّ جسدي، أو حتى لو كنت في حالة هجائية، للأشياء، والنماذج البشرية. وهكذا، فإن (درجة الشغف) هي التي تحكم طريقة توظيف الحدث في نص شعري . وهناك بطبيعة الحال، مُحفّزات تدفعنا إلى الحالة الشاعرية: جماليات الطبيعة مثلاً، وجماليات المرأة جسداً، وروحاً، والرسائل التي تواكب القصيدة، فكل قصيدة ينبغي أن تمتلك (رسالة سامية) .

أنا إنسانّ مليء بحركة الحياة وسكوناتها، منذ طفولتي في ضاحية من ضواحي (مدينة الخليل التاريخية)، اسمها (بلدة بني نعيم)، حيث عشت (18عاماً ) بفلسطين، وتعرفت أيضاً إلى أقدم مدينة في تاريخ العالم – أقصد مدينة القمر(أريحا)، ومدينة (رام الله ) التي كانت إلى زمن قريب (بلدة كبيرة)، هذه هي (المدن الخمس) التي أعرفها هي من منحني فكرة (الكنعنة الشعرية) في ستينات القرن الماضي، التي هيمنت على طريقي الشعري منذ منتصف الستينات. كنت أُراقب الآثار القديمة بشغف. ويضيف : “وتعمقت علاقتي بـ (الكنعنة الشعرية) في شعري بعد ذلك، بشكل فطري في المنافي، عندما طال الفراق اكتشفتُ لاحقاً أن (اللغة العربية) هي الابنة الطبيعية لِـ ( اللغة الكنعانية الآرامية السُوريانية) وتأكد لي ذلك من (لسان العرب) المعجم الشهير. إذن جاءت (الكنعنة الشعرية) فطرية عفوية، بمعنى أنني لم أقصد توظيف الفكرة وباللهجة المصرية أقول: (هي جَت كده !).”.

ويواصل: “وفي (1/1/1969 ) تم استدعائي للتحقيق بعد أن شاركت في مهرجان شعري أقيم في (كلية الهندسة – جامعة عين شمس) بسبب قصيدتي (أضاعوني) وقبل ذلك وبتاريخ (16/3/1967) ترأستُ (مهرجان فلسطين الشعري ) الذي أقيم في (نقابة المحامين) في القاهرة، شارك فيه عدد من الشعراء منهم: (محمود حسن إسماعيل – صلاح عبد الصبور – أحمد عبد المعطي حجازي – وغيرهم) وفي هذا المهرجان ألقينا قصائد لشعراء من (فلسطين- 48): ( درويش، والقاسم ، زيّاد، وراشد حسين) (لأول مرّة) في مصر. تعلمت أن (الحدث في القصيدة) ليس هو القصيدة بل هي طريقة (التوظيف!!)، لكنني لا أحب مصطلح التوظيف، لأنه يمتلك رائحة صناعية!!. أنا شخصياً كشاعر أميل إلى التقاط (عُصارة الحدث الشعرية)”.

خطيئة الشهرة..

ويجيب عن سؤال يرى كثير من النقاد أن (موهبتك الشعرية) أكثر أهمية فنياً وإبداعياً من (شعراء فلسطينيين مشهورين) باعتبارك الأغزر إنتاجاً، والأكثر تنوعاً وحداثة بل.. والأقدر على فهم (جوهر الشعر) كما وصفك درويش. إلاّ أن شهرة البعض من أبناء جيلك كانت (طاغية).. إلى أي حدّ لعبت (السياسة) دورها في هذه المسألة؟ يقول: “هذا صحيح إلى حدٍ كبير. وما حدث هو خطيئة لا خطأ. هذه الخطيئة سياسية بالدرجة الأولى، لأن الشهرة لا تعني أن الشاعر (فلان) هو الأهم شعرياً، لأن (أسباب الشهرة) هي التي تكشف كيف حدثت الخطيئة!! أو الكذبة! وكيف تطوّرت، ومن هم صُنّاعها.

مؤخراً تم تصحيح خطأ تاريخي أو خطيئة تتعلق بقضية الشعر الفلسطيني الحديث منذ (1964- تاريخ تأسيس (م.ت.ف) في القدس، من قبل بعض الباحثين والصحافيين، لكن هذا التصحيح، لم يكن جذريا ً. قالوا ما يلي: كظاهرة جديدة، ولد الشعر الفلسطيني الحديث عام (1964) تقريباً أي في عام تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وفي ظل انطلاقة حركة فتح في (1/1/1965) وصعودها القوي بعد (معركة الكرامة 1968) .

ومعنى مصطلح (ظاهرة جديدة) هو تجاوز( شعر النكبة) السابق والدخول في (شعر الثورة)، بتأثير (م..ت.ف) في عهد (أحمد الشقيري) مؤسس (م.ت.ف) ، وفي ظل (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) عام 1968 المتفرعة من (حركة القوميين العرب) . وقررّ آنذاك كل من (المصري رجاء النّقاش، والفلسطيني غسّان كنفاني، والصحفي الفلسطيني (إبراهيم أبو ناب القادياني) أن (شعراء المقاومة في فلسطين 48) وهم : (محمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زياد) وهم أعضاء في (الحزب الشيوعي الإسرائيلي)، ويضاف لهم شاعر رابع ينتمي إلى حزب (مابام) الإسرائيلي، هو (راشد حسين). وبدأ الضخ الإعلامي السياسي لظاهرة (شعر المقاومة) إلى درجة المبالغة غير المقبولة حيث تمّ خلط الشعر بالسياسة.

وروّج الصحافي (أحمد بهاء الدين) لفكرة: (دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل) وتطابقت هذه الفكرة مع معتقدات (الحزب الشيوعي الإسرائيلي). وفي ظل هذا الجدل بعد الهزيمة 1967- مورس التضخيم الإعلامي لشعر المقاومة في شمال فلسطين بالمعنى الملتبس لمفهوم المقاومة، وقد التقط (يوسف الخطيب – وأدونيس- وغالي شكري) هذه (الفكرة الملتبسة) وناقشوها وقرروا أن (هذا الشعر ليس شعر مقاومة) بل هو (شعر احتجاج نقابي) ضمن الاعتراف بـ (شرعية إسرائيل!!) والدليل هو أن هؤلاء الشعراء ينتمون إلى (الحزب الشيوعي الإسرائيلي)!!! لكن (الثورة الفلسطينية المعاصرة 1964- 1994) بفصائلها وقادتها كرّست الاعتراف بمعنى هذه (المقاومة الملتبسة) الشعرية إلى درجة مذهلة، لأنها شطبت (شعراء الثورة الفلسطينية) في وسائل إعلامها، أولئك الذي انتموا لفلسفة التحرر الوطني والكفاح المسلح. وهذه مفارقة كبرى، وهم: (عز الدين المناصرة – معين بسيسو –أحمد دحبور – مريد البرغوثي)”.

(صفقة نصف القرن الشعرية)..

ويؤكد:  “شخصياً: التزمتُ بمفهوم (المقاومة الشعرية)، فمنذ عام 1964 حددت اتجاهاتي الرئيسة في الشعر. وحين كان الزملاء الآخرون يعلنون (المقاومة الشعاراتية): سأقاوم وسجّل أنا عربي … إلخ, ذهبت إلى اتجاه آخر, هو: (الحفر الشعري في الحضارة الكنعانية) و(توظيف الموروث العربي) و(البحث عن أشكال جديدة للقصيدة، مثل (التوقيعات وقصيدة الهوامش) و(القصيدة الرعوية) و(توظيف اللغة اللهجية)، وغيرها من محاولات تجريبية. كان السؤال الذي طرحته على نفسي هو: كيف أستطيع صياغة (قصيدة حضارية ثورية)، تجمع بين مفهوم الحداثة ومفهوم المقاومة. مع صعود (العواطفية الغرائزية) الفلسطينية بعد معركة الكرامة 1968، برزت ظاهرة تقديس كل ما هو فلسطيني، وانفتاح منظمة التحرير الفلسطينية بعد عام 1974 على (الحزب الشيوعي الإسرائيلي)، مع وصول محمود درويش إلى بيروت، وهو بالتأكيد أقوى زملائه من شعراء (المقاومة الملتبسة).

بدأ درويش ينسج علاقات مع قيادات الفصائل في البيئة الجديدة, التي تتقبل التفكير في (التسوية السلمية). حتى اقتنع (ياسر عرفات) بأن محمود درويش (يصلح أن يكون جسراً للوصول إلى الآخر الإسرائيلي)، لأن درويش يستطيع بسهولة أن يوصل حركة فتح إلى (حزب راكاح) الإسرائيلي سيما أن معظم قياداته فلسطينية (إميل حبيبي – توفيق طوبي) وأن درويش نفسه كان عضواً في هذا الحزب. هنا أعتقد أن (عام 1979) كان هو العام الذي قرر فيه درويش أن يكون (وسيطاً أو جسراً)، ولكنه كان يعرف أن كل شيء ُبثمن. هنا برزت المعادلة التي سمّاها أحدهم (صفقة نصف القرن الشعرية) وهي، بالتدريج (تجعلونني أمير الشعر الفلسطيني، في مقابل أن أوصلكم إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي). وهكذا شطبت القيادة الفلسطينية (شعراء الثورة) كافة، فأصبح محمود درويش هو (الشاعر الأوحد!!). وهكذا ولدت (القداسة والتصنيم) لمحمود درويش وحده، وعينته (السلطة الثورية في المنفى) شاعرها الأكبر والأوحد. وبدأ درويش يقلّد (أدونيس)، في زراعة التلاميذ والمريدين في المنابر الصحفية والإعلامية!!. شخصياً كنت أقرب الشعراء الفلسطينيين إليه، وكنت الشاعر الوحيد الذي انتقد مواقفه أثناء حياته، ولي معه ذكريات حلوة ومُرّة معاً. كان يأخذ ولا يُعطي. يتمحور دائماً حول ذاته. وحين انفضّ من حوله المنافقون والمخبرون صاح في إحدى الصحف: (كلهم يكرهونني!!).

قصائدي اشتهرت ولم أنل شيئاً من شهرتها بسبب السياسة! يمكن أن أقول بأن قصائدي اشتهرت ولم ينل شاعرها شيئاً من شهرتها ، والسبب هو سياسي بالطبع، حيث اشتهرت بعض قصائدي دون أن يُعرف كاتبها. أحياناً منع في بعض البلدان اسمي. وأحياناً أعمالي الشعرية صودرت بعد ساعة واحدة من عرضها في معرض دولي للكتاب في عدة بلدان عربية. وغالباً لم أكن أعرف الأسباب، وبعض الأسباب مضحكة. أستطيع (دون مبالغة) أن أقول: (الرقابات العربية) حاصرت أعمالي الشعرية، وكتبي النقدية دون سبب مقنع للعقل البشري. كنت دائماً (معارضاً شرعياً) ضمن دائرة منظمة التحرير الفلسطينية. وكان غيري من الشعراء أو بعضهم (ينافق السلطة طمعاً في الامتيازات) المادية والمعنوية. أحدهم مات مليونيراً. ورغم صدور أعمالي الشعرية في المنافي، حيث صدرت (الطبعة العاشرة) بمصر عام2016 . أما في مسقط رأسي، فلمتطبع أعمالي الشعرية الكاملة أية طبعة حتى اليوم، فأشاعوا أنني أرفض ذلك في ظل اتفاق أوسلو الكريه. والصحيح أنني أرغب في الوصول إلى القارئ في أجزاء فلسطين الأربعة (الضفة الفلسطينية- قطاع غزة – فلسطين 48 – والمنافي الفلسطينية) وسأظل ضد أوسلو”.

تشظية المجتمعات العربية..

وعن فقدان الحماس للشعر بالنسبة للمتلقي العربي حيث أنه مستغرق في أزماته الخاصة في مجتمعات نخرتها الفوضى يقول: “تحت شعار(الديمقراطية الليبرالية) تمت تشظية المجتمعات العربية، وكان الهدف هو تدمير الجيوش وخلق فوضى دون تركيب أو استبدال أو تحديث. وأصبح (الاستقواء بالأجنبي) هو الحداثة عند البعض كما أن (الأنظمة المستبدة) ازدادت شراسة في محاربة أي تغيير. وأحاطت نفسها بطبقات استبدادية ليبرالية. لقد التقى الليبراليون العرب مع (القاعدة وداعش) في موقف واحد تحت ذريعة (ضرورة البراغماتية) عند اللزوم. أما (السلفيون العرب) فقد أعلنوا (دون خجل) – التحالف مع (إسرائيل). وطيلة سبع سنوات لم يطلقوا طلقة واحدة ضد (إسرائيل) وانكشف الغطاء عن محاولات لبيع فلسطين نهائياً تحت ذريعة التفرغ للتنمية.

بدأ الأمر بنظرية (جوّع كلبك يتبعك) الأميركية، وضرورة تأسيس مجتمع مدني بتشظية المجتمعات إلى منتديات وجمعيات تعيش على أموال الأنجزة الأجنبية، وتمَّ (اختراق المرأة والشباب) وتوظيفهم في المسار نفسه أي (الليبرالية الداعشية)، و(السلفية التكفيرية الصهيونية) كما حدث في (الجولان السوري). حين التقت مع التأسرل. وبدأ تطبيق (صفقة القرن الإسرائيلية الأميركية) بالتدريج، دون إعلان برنامجها، فهو عملياً يطبق منذ (كامب ديفيد مصر) حيث تلاها (اتفاق وادي عربة) مع الأردن، واتفاق أوسلو مع (وكلاء الاحتلال) في فلسطين عام 1993. وبدأ تطبيق (صفقة القرن) في ظل ثقافة أوسلو بِـ: (زرع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الفلسطينية). وإذا كان التفاوض في ظل أوسلو حول 22% من أرض فلسطين فإن التفاوض حالياً بعد زرع المستوطنات أصبح حول (12% من الأرض الفلسطينية) حسب كرّاس أصدره مكتب محمود عباس نفسه.

ثقافياً أسس اتفاق أوسلو لخراب ثقافي جديد هو قبول (التطبيع) عملياً ورفضه لفظياً. ودائماً تحت الاحتلال يرتفع نجم وكلاء الاحتلال. يسألني بعض المثقفين العرب: المثقفون الفلسطينيون يدينون مثقفي التطبيع العرب لكنهم يتجاهلون التطبيع الذي مارسه فلسطينيون (ادوارد سعيد ومحمود درويش مثلاً لماذا!! يحاصرني هذا السؤال أينما ذهبت، وأحار في الإجابة (درويش) ليس بشاعر كل الناس لأنه في مقاله (المقنّع) هاجم حماس وفي المقابل هو ليس الشاعر الخاص للرئيس محمود عباس، وفي شعره تناصٌ وتلاص. درويش شاعر كبير هام لكنه ليس الشاعر الأوحد للشعب الفلسطيني (وليس صنماً ولا قدّيساً ليُعبد) . تأملت هذا القول الصحافي فوجدت فيه شيئاً من الصحة. لقد كان درويش صديقي في المرحلة اللبنانية (1974-1982) وكان معين بسيسو صديقه أيضاً، لكن (عام 1987) عام تأسيس (لجنة الحوار مع الإسرائيليين) شبه السرّية، وعام اغتيال (ناجي العلي)، هذا العام شكَّل لي صدمة، ومع هذا لم تنقطع صداقتي مع درويش حتى قبل وفاته (2008) بقليل، فقد كنت ألتقيه في منزله في (عبدون) في العاصمة الأردنية عمّان وكنت أحاوره باستمرار، وكان يقول لي كلاماً هو عكس كلامه للصحافة، ومع هذا ثابرت على عتابه، وكان للحق يتقبل ملاحظاتي على سلوكه السياسي الذي أختلف معه.

أما الشعر فقد قال درويش ذات مرّة :”المناصرة هو الوحيد بين الشعراء الفلسطينيين من يفهم جوهر الشعر”، لكن علاقة درويش بسلطة أوسلو لم تكن تعجبني …واحسرتاه !!”.

شاعر فلسطين الأول..

في حوار ثان معه أجراه “توفيق تعياط ” يقول “عز الدين المناصرة” عن الجمع بين الشعر والنقد: “كتبت الشعر منذ عام 1962 وحتى اليوم 2018، فالشعر هو مركز تجربتي الثقافية، وحالياً يعتبرني أبناء شعبي الفلسطيني بأنني (شاعر فلسطين الأول)، كما أن (الأردنيين) يعتبرونني أحد مؤسسي الحداثة الشعرية، و(رائد قصيدة النثر في الأردن)، وقد حصلت على (جائزة الدولة التقديرية في (حقل الشعر) من وزارة الثقافة الأردنية عام 1995. أما (النقد)، فقد مارسته لأول مرّة عام 1965، لكنني كنت هاوياً. وفي عام (1983) انتقلت إلى عالم (التعليم الجامعي) في جامعة قسنطينة، الجزائرية، وبعدها (جامعة تلمسان) عام 1987، وفي هذه المرحلة، وبتأثير تخصصي في (الأدب المقارن)، دخلت عالم النقد الحديث من باب (النقد السلافي)، فقد حصلت على الدكتوراه في (جامعة صوفيا) البلغارية عام (1981)، وهي الجامعة التي تخرج فيها (تودوروف، وكريستيفا)، قبل هجرتهما إلى فرنسا. وكانت قد أشرفت على أطروحتي الناقدة البلغارية البروفيسورة (روزاليا ليكوفا)، حيث نقدتُ فيها، المقولة الفرنسية التقليدية عن (التأثير والتأثر)، وأثبت أن (التشابه)، قد يحدث دون أن يلتقي المؤثر والمتأثر.

كان موضوع أطروحتي هو (المؤثر المشترك: المقاومة الشعرية – دراسة مقارنة)، استخدمت فيها شعراء لم يتعارفوا، مع ذلك حدث تشابه بينهم (الفلسطيني إبراهيم طوقان، والبلغاري نيكولا فابتساروف – والروسي مايا كوفسكي – والتركي ناظم حكمت). نوقشت أطروحتي أمام أكاديمية العلوم البلغارية، بحضور وسائل الإعلام العالمية، ومشاركة (16 أستاذ بدرجة بروفيسور). وصوّت لصالحي (16 من 16)، مع أن أحدهم هاجمني بسبب تحليل بعض القصائد بنيوياً، وذلك يعني بالنسبة له خروجي عن علم الجمال الماركسي، لكن أستاذتي دافعت عني مثل (الذبة)، حين امتدحت تنوع المناهج في التحليل في أطروحتي.

المهم أن (الجمع بين التنظير النقدي)، و(الشعر)، سبقني إليه أدونيس، الشاعر السوري. أي أنني اضطررت إلى هذا الجمع، بسبب تقلبات الحياة، واعترفت جريدة (أخبار فلسطين)، بأنني كنت متميزاً في هذا المجال النقدي. السبب هو أنني كنت قادراً على الفصل بين مهنتي، وبين كتابة الشعر. ونجحت في الأمرين، وقد أنجزت أطروحة دكتوراه عام 2011، في جامعة بغداد، صدرت مؤخراً للباحث العراقي (علي صليبي المرسومي)، وبعنوان (الشاعر العربي ناقداً: أدونيس، والمناصرة، والعلاق – أنموذجاً). ومعنى ذلك أنني نجحت لأنني جئت إلى عالم النقد المقارن، بعد أن ترسّختُ في عالم الشعر”.

وفاته..

تُوفي “عز الدين المناصرة” في العاصمة الأردنية عمان إثر مضاعفات إصابته بمرض كوفيد 19.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب