10 أبريل، 2024 4:07 م
Search
Close this search box.

عزيز عيد.. رائد المسرح الذي كان يقوم بعمله بدقة وتفان

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: إعداد- سماح عادل

“عزيز عيد” ممثل مصري من رواد فن المسرح، كون مع “فاطمة رشدي” ثنائياً فنياً خرج الكثير من المسرحيات التي تعتبر كلاسيكيات المسرح المصري القديم.يعتبر “عزيز عيد” رائد المسرح المصري الحقيقي، فهو أول فنان يقوم بإخراج المسرحيات على أسس علمية، كان أهل المسرح قبل ظهور”عزيز عيد” يمثلون بطريقة بدائية، لا يعطون الحركة ولا الديكور ولا المناظر ولا الصوت أو توزيع الأضواء أية أهمية.

حياته..

هو من أبناء كفر الشيخ ولد بها عام 1884 لوالد من أصول لبنانية، هاجرت أسرته إلى مصر واختارت كفر الشيخ موطنا لها، نجح والده في الزراعة والتجارة حتى أصبح من أغنى أغنياء الإقليم بالغربية، لم تكن محافظة كفر الشيخ قد أسست بعد ولأنه من الأغنياء، فقد تعلم ابنه عزيز في المدارس الفرنسية حتى أجاد اللغة كواحد من أبناء باريس وبعد حصوله على التجهيزية التوجيهية ثم الثانوية العامة بعد ذلك أرسله والده إلى لبنان حيث أكمل دراسته الجامعية هناك وعاد، لكن خسر والده كل ثروته في مضاربات البورصة وأصبح معدما.

التحق “عزيز عيد” بوظيفة في بنك التسليف الزراعي لكن هواية التمثيل ملكت عليه نفسه وبات حلمه أن يقدم أعمالا مسرحية مصرية تعالج مشاكل المجتمع. وتم فصله من البنك ومعه صديقه “نجيب الريحاني”. جاء “عزيز عيد” بفكر جديد ورؤية وفهم عميق لرسالة المسرح فكان الرائد في هذا المجال، وقد درس المسرح نظريا عن طريق قراءة أمهات الكتب المسرحية باللغة الفرنسية التي أجادها كذلك دراسته للمسرحيات الفرنسية الكلاسيكية وكذلك روائع شكسبير فكان له رصيده الضخم من المعرفة النظرية، لكنه بدأ يعرف المسرح تجريبيا عندما أخذ يشترك بالتمثيل في بعض المسرحيات التي كانت تقدمها كبرى الفرق المسرحية الفرنسية على دار الأوبرا الملكية، فعرف التمثيل من كبار فناني فرنسا في نهاية القرن ال19 وبداية القرن العشرين. وأحيانا على مسرح عباس مكان سينما كوزموا على ناصيتي عماد الدين وقنطرة الدكة “نجيب الريحاني حاليا”.

الفرق السورية..

ثم انخرط “عزيز عيد” في التمثيل باللغة العربية في الفرق السورية و الشامية عامة التي كانت قد استقرت في مصر هربا من الجمود في الشام، وكان أول من عمل معه “القرداحي”، ثم عمل بعد ذلك مع “سليمان الحداد” و”اسكندر فرح” وغيرهما، ولم يكن “عزيز عيد” مقتنعا بالتمثيل الشامي للمبالغة في الصوت والحركات الغريبة في التمثيل، فهجر هذه الفرق وكون فرقة خاصة به، مارس فيها الإخراج كما تعلمه من الفرق الفرنسية التي عمل بها، ورغم أنه كان ممثلا بارعا إلا أنه برع في الإخراج وانضم لفرقة “الشيخ سلامة حجازي” ممثلا ومخرجا على الطريقة الغربية في الإخراج، ومن أعماله مع الشيخ “سلامة حجازي” (عواطف البنين والتيتجان والكابورال سيمون والولدان الشريدان، والطواف حول الأرض وطائر الفن المحترق). واستعانت به بعض الفرق الأخرى لإخراج مسرحياتها مثل فرقة الشيخ “أحمد الشام”ي الذي كان يملك فرقة جوالة تجوب أقاليم مصر وتقدم أعمالا مسرحية سبق لكبار الفنانين أن قدموها.

لم ينس “عزيز عيد” ثقافته الفرنسية وضاق بما يقدمه المسرح من مبالغات فأراد أن يقدم فنه للجاليات الأجنبية في مصر فكون فرقة تمثل باللغة الفرنسية وضم إليها العديد من ممثلي ذلك الزمن الذين يجيدون الفرنسية مثل “نجيب الريحاني” و”بشارة واكيم” و”استفان روستي” وقدموا عدة روايات نالت إعجاب الأجانب مثل “الأب ليونار” وتقول “فاطمة رشدي” في مذكراتها: “عزيز عيد نجح في دور الأب ليونار نجاحا عظيما يقرب من نجاح أعظم ممثلي فرنسا بوط وهو ارنست كوكلان. ونشبت الحرب العالمية الأولى، فكانت وبالا على الفن في مصر ضاعت القيم الفنية الأصيلة وانتشرت المواخير والصالات التي تقدم الفن الرخيص وأصبحت المسرحيات التي تقدم لا قيمة لها مثل تلك التي كان يقدمها ما سمي بفرق المحبطين والتي كانت حافلة بالإباحية”.

جورج أبيض..

وسط هذا الجو السيئ فنيا مسرحيا وموسيقيا، ظل “جورج أبيض” متمسكا بالقيمة المسرحية الأصلية وظل هو وحده في الميدان يقدم المسرح الجاد بينما انزلق كثيرون إلى تقديم الهزليات غير سليمة الذوق الفني والأخلاقي. و انضم “عزيز عيد” إلى فرقة “جورج أبيض” باعتباره أجود من في سوق الفن وأخرج له عدة مسرحيات. ثم ترك “عزيزعيد” فرقة “جورج أبيض” وكون مع “أمين صدقي” فرقة “الكوميدي العربي” التي قدمت العديد من المسرحيات الخفيفة الفودفيل مثل، “خللي بالك من روميلي”، و”ياست ما تمشيش كده عريانة” وغيرها، وزاد من نجاح الفرقة انضمام سلطانة الطرب “منيرة المهدية” إلى الفرقة من هنا كان نجاح مسرحيات “الكوميدي العربي” لأن عشاق “منيرة المهدية” كانوا كثيرين كما كانت لها مكانة خاصة عند عظماء مصر وكانت تعرف معظم وزراء مصر في ذلك الزمن وكانوا حريصين على متابعة أعمالها.

بعد أن تركت “منيرة المهدية” الفرقة، فكر “عزيز عيد” في أن يقدم فكرا جديدا في المسرح فهداه تفكيره إلى تقديم مسرحية “خللي بالك من اميلي” على خشبة أول مسرح مكشوف في مصر، فقد استأجر جراج في شارع الفجالة ولم تكن فيه مقاعد وكان كل متفرج يأتي بكرسيه من منزله، ونجحت الفرقة نجاحا كبيرا ثم ما لبثت أن عانت من ضعف الإيراد وأغلق المسرح أبوابه وعاد الممثلون يجلسون على مقهى بايرون الذي كان يقع على ناصيتي عماد الدين ورمسيس ينتظرون الفرج، وهكذا ظل “عزيزعيد” يكافح من أجل مسرح عظيم طوال حياته.

تزوج “عزيز عيد” من “فاطمة رشدي” وكون معها ثنائيا لكن ما لبثت الغيرة عليها أن تسببت في الطلاق بعد أن رزق منها بفتاة وحيدة هي، “عزيزة” التي تعيش في لندن كفنانة تشكيلية.

قدم “عزيز عيد” العديد من الأعمال الناجحة مثل “أوبريت العشرة الطيبة” لفرقة “نجيب الريحاني” وكان بطلها الغنائي “زكي مراد” والد الفنانة ليلى مراد والبطلة “برلنتي” كما كان فيها من النجوم الكثيرون مثل، “روز اليوسف”، و”حسين رياض” و”استفان روستي” و”مختار عثمان” و”نظلة مزراحي” وغيرهم، وكاتب هذا الأوبريت هو الأديب العظيم “محمد تيمور” وواضع أغانيه “بديع خيري”، وكانت فكرته الأساسية تمجيد الفلاح المصري، والسخرية من التجبر التركي، ولحن الشيخ “سيد درويش” الأوبريت فكانت درة من درر المسرح المصري رغم الهجوم الضاري الذي شن عليها من الارستقراطية المصرية وكان معظمها من أصل تركي.ثم عمل “عزيز عيد” بعد ذلك مع “يوسف وهبي” مع افتتاح مسرح رمسيس وكان من أسباب نجاحها ثم انفصل عنه.

قالت عنه “فاطمة اليوسف” في مذكراتها في كتاب يحمل عنوان «ذكريات»، والصادر عن دار روز اليوسف، 1953: “إنني لا أعرف فنانًا مصريًا ضحى من أجل الفن، وتشبث بمبادئه الفنية في جميع الظروف مثل عزيز عيد، ولم يكن عزيزًا فنانًا على المسرح فحسب، بل كان فنانًا في حياته الخاصة، في علاقاته بالناس.. فنانًا حتى أطراف أصابعه”.. هذا ما روته عن الفنان عزيز عيد،  كان يرضى بالفقر، بالجوع، بأي شئ.. إلا أن يخرج رواية تمثيلية واحدة بطريقة لا يرضى عنها، فإذا أخذ في إخراج رواية دقق في اختيار الممثلين تدقيقًا بالغًا.. لا يعطي أتفه دور فيها لممثل لا يؤمن بكفاءته.. أما الكفاءة الخام فقد كان يلتقطها من أول لمحة، ويعرف على الفور أي الأدوار يصلح لهذا الفتى أو هذه الفتاة، وكان “عزيز عيد” ينصرف إلى تدريب النجم الناشئ وتمرينه حتى يخلقه خلقًا جديدًا، فإذا اضطر لإسناد دور في الرواية إلى ممثل لا يعتقد بكفاءته الفنية، كان يتركه يمثل كما يشاء، ويبخل عليه بملاحظة أو نصيحة واحدة، إن “عزيز عيد” في الفن لا يعترف بالشيء الوسط أبدًا أبدًا، فكان يرى إما أن يكون الواحد فنانًا تمامًا، أو ليس من الفن في شيء كان ممثلًا كوميديًا من الطراز الأول، وكانت قدمه راسخة جدًا على المسرح، الظروف اضطرته في مرة أن يقوم بدور «الأب ديفال» في مسرحية «غادة الكاميليا»، وبالرغم من أن لونه الأصلي كوميدي، ومن أن شكله الهزيل وصوته الساخر كانا غير ملائمين لدور الأب ديفال وهو دور رجل وقور جليل، إلا أنه كان خيرًا من قدم لعب هذا الدور على المسرح المصري إلى الآن.  بلغ إعجاز أدائه أن تلك الممثلة الناشئة- وكانت قد أصبحت بطلة المسرح الأولى- بكت بكاء حقيقيًا وهي تمثل أمامه دور غادة الكاميليا.. وكان هذا حدثًا فنيًا.. فقد كان معروفًا عن هذه الممثلة أنها لا تبكي عل

ى المسرح أبدًا، باعتبار أن البكاء هو أسهل وأرخص طريقة للتعبير عن التأثر، ولكنها في تلك الليلة لم تملك نفسها فبكت، وهي ترى أستاذها يرتجف وينبض في دور الأب الحزين”.

وقال عنه “محمود المليجي” عنه وعن أيام التمثيل بالمدرسة: “في السنة الرابعة جاء عزيز عيد ليدربنا، جذبتني شخصيته الفذة وروعة إخراجه وتطور أفكاره، وكنت أقـف بجانبه كالطفل الذي يحب دائمًا أن يقلد أباه.. وقد أُعجب بي عزيز عيد وأنا أمثل، ومـع ذلك لم يُعطنِ دورًا أمثله، وكـان يقول لي دائمـًا.. (إنت مش ممثل.. روح دور على شـغلـة ثانية غير التمثيل).. وفي كـل مـرة يقول لي فيـها هذه العبـارة كنـت أُحـس وكأن خنجرًا غـرس في صـدري، وكثـيرًا ما كنت أتـوارى بجـوار شجـرة عجـوز بفـناء المـدرسة وأترك لعيني عنان الـدموع، إلى أن جـاء لي ذات يـوم صـديق قـال لي: إن عزيز عيد يحـترمـك ويتنبأ لك بمستقبل مرموق في التمثيل، فصرخت فيه مَنْ قال لك ذلك؟ أجاب إنه عزيز عيد نفسه.. وعرفت فيما بعد أن هذا الفنان الكبير كان يقول لي هـذه الكلـمات من فمه فقط وليس من قلبه، وإنه تعمَّـد أن يقولها حتى لا يصيبني الغرور، وكان درسًا لاينسى من العملاق عزيز عيد”.

وفاته..

توفى “عزيز عيد”  في سنة 1942.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب