“عذراء سنجار” أول رواية عراقية وعربية عن معاناة الأيزيديات
عرض/ جمعة عبدالله
هي اول رواية عراقية وعربية , تستجيب لصدى النكبة الدموية التي تعرضت لها الايزيديين , واوغلت بعمق في معاناتهم , في بشاعتها الوحشية , التي ارتكبها بحقهم تنظيم داعش الارهابي . والشيء الاجمل في هذا العمل الروائي المبدع المتكامل , بقلم الكاتب العراقي ( وارد بدر السالم ) . ان يستجيب للحدث الكارثي , ضد الطائفة الايزيدية في قضاء سنجار ( شنكال ) والمناطق والقرى محيطة بها . ويسجلها في رواية ( عذراء سنجار ) في اقتحام ابداعي متألق يشبه المغامرة الروائية بكل المواصفات , في الحبكة السردية واسلوب كشف مسار الاحداث المحنة العاصفة , في نسق روائي يجمع بين الواقع والخيال , في الاعتماد على جملة تقنيات فنية في المتن الروائي , وكذلك اساليب ومكونات التعبيرية والتصويرية والوصفية , ليعري السلوك المنحرف , لهذه الفصيلة المعتوهة بسفك الدماء ( داعش ) التي تنتمي الى احقر فصيلة من البشر , في قمة الانحطاط الاخلاقي , في اقصى درجات الرذيلة والسفالة الوحشية , التي تجاوزت حتى على الذئاب الوحشية الضارية , فقد مارست ابشع الوسائل الهمجية . في ارتكاب جريمة الابادة الجماعية , في اقتراف الجرائم , التي تشابهت , او تجاوزت الجرائم النازية في ابادة البشر , في احتلال رهيب لمناطق الطائفة الايزيدية المسالمة , التي تؤمن بالله ( خودا ) وطاووس ملك , وتعرضت عبر عصور التاريخ , بفتاوى جاهلية , الى 74 غزوة ابادة , واخرها غزوة تنظيم ( داعش ) الارهابي . الذي اباح ممارسة القتل والذبح وسفك الدماء , كأنهم خرفان سهلة جاهزة للذبح ( نحن غنائم التاريخ السهلة , وقنطرة العبور الى اللذة الجنسية الاسلامية , كما يبدو ) ص25 . وهكذا بكل بساطة بالاعتماد على شوفينية الفتاوى المعتوهة والحاقدة بالانتقام والدم , ومارست عناصر داعش , ابشع الانتهاكات بحق المدنين المسالمين , من القتل والذبح والسبي والاغتصاب والخطف , وممارسة تجارة الرق ضد الفتيات القاصرات , والى الولوج الى الممارسات الشاذة , بالاغتصاب الجماعي , والحرق واخصاء الاطفال , ومزاولة اساليب التعذيب التي لا تطاق ولا تتحمل , بأنها فوق طاقة تحمل الانسان , فكيف بالطفل القاصر , والمتاجرة بالفتيات بدعارة رخيصة , او تقديمهن كهدايا متبادلة بينهم , في المتعة الجنسية كجواري , او تبادل الفتيات القاصرات للشهوة الجنسية , ومن ترفض يكون مصيرها الجلد بالسايط والموت والذبح , والاجبار بالاكراه على تغيير ديانتهن الايزيدية , بدعوى انهن كافرات , ويجب ان يتحولن الى جواري مسلمات للمتعة الجنسية . كما سرقوا وفرهدوا البيوت , كغنائم حرب شرعية , ووزعت على جنود الخلافة الخرافية الداعشية , هكذا كان مصير سنجار ( شنكال ) الاسود في الكارثة والمأساة , في هدف الابادة الجماعية , بالاعتماد على خلاياهم الارهابية النائمة من العرب , التي كانت تعيش وتقطن بينهم بالوئام , وكانت المودة والتعايش يسود بينهم , لكنهم استيقظت في عقولهم فجأة الكراهية والحقد والانتقام , استيقظت الوحشية في القتل والموت , بحجة ان الايزيديين كفرة , يستحقون اقسى العقاب الجهنمي , يستحقون تجرع مرارة الجحيم , لا يستحقون البقاء والحياة , بشريعتهم الدينية المنحرفة والشاذة , ان داعش يخالف كل الاديان السماوية ( عندما ترى دين داعش . ستكفر بكل الاديان على الارض ) ص30 . انهم جنود الخلافة الداعشية , كلاب وذئاب متعطشة للدماء . واصبحت كلمة ( الله واكبر ) تثير الرعب والفزع , وتلوح بالموت والذبح . هكذا حولوا سنجار , الى مدينة الخراب والقبور , لان آلة الموت لم تتوقف باحلامهم المريضة والمعتوهة بالجنون الابادة , في الاذلال الوحشي الهمجي , في تعذيب المرعب للفتيات القاصرات , اللائي يجلدن ظهورهن , بكل الانتقام السادي , على صراختهن المتوجعة بالاستغاثة ( تو تكي دري بابو – وينك يابابا ) ص44 . هكذا حولوا سنجار ( شنكال ) من مدينة الله والشمس والتين والزيتون , الى مدينة اشباح تنعق وتنبح بها جنود داعش . هكذا كان استعرض المتن السردي الدرامي لاحداث رواية ( عذراء سنجار ) في حبكتها الفنية الراقية , من الاثارة الملتهبة بالمغامرة , لتسلط الضوء الكاشف على فاجعة العصر الحديث , مذبحة الايزيديين . بتوظيف كل التقنيات في استخدام التاريخ التوثيقي , واستعراض الطقوس والعادات الديانة الايزيدية , والجمع بين الاسطورة والحلم , وتوثيق المشاهدات الحية من الناجيات من جحيم داعش , واستطعن الهروب والنجاة من محرقة العذاب والموت , وتحدثن عن تجربتهن القاسية في قبضة عناصر الخلافة الداعشية , وكذلك توظيف مواقع التواصل الاجتماعي , لتكون رواية ( عذراء سنجار ) شهادة حية توثيقية دامغة , الى الرأي والضمير المجتمع الانساني , ومنظمات حقوق الانسان , والمنظمات الدولية . انها رواية مركبة على عدة اعمدة في سياقها السردي , وتستحق بجدارة ان تكون ملحمة عراقية , في المأساة الايزيدية , هذه الطائفة التي ذاقت العذاب المر والعلقم ( ما مربنا تشيب له الرؤوس . نحن طائفة مسكينة ) ص 148 .
استعراض ابرز شخوص الرواية .
1 – سربست : المهندس الزراعي خريج جامعة الموصل . له بصمات واضحة في تزيين وتجميل ( سنجار ) . الاب الذي فقد ابنته الجميلة ( نشتمان ) ذات الرابعة عشرة ربيعاً , من خلال مداهمة داعش , واطلاق النار عشوائياً على المدنيين , لمنعهم من الفرار والهروب , ومن خلال الفوضى المرعبة بالرعب والفزع , اصاب الهلع والفوضى بالتشتت العوائل بعضها عن البعض , بين الهارب والاسير , بين الناجي والمقتول , والذي اعاقه الهروب , ووقعت ابنته ذات الشعر الاصفر الجميلة ( نشتمان ) في الخطف والاسر , وفقد الامل في العثور عليها , مما شعر بالاحباط النفسي والكآبة , والجزع والتذمر من الحياة في داخله , لانه لم يستطع ان يحمي ابنته الوحيدة , واصابه القلق والخوف على مصيرها المحفوف بالمخاطر , وهي في حالة الاغتصاب والتعذيب , وتمنى ان يداركه الموت , على تحمل العذاب النفسي المرعب الذي يأكله بالهواجس السوداء , وانزوى وعزل نفسة في احدى مغارات الجبل , يناجي الله ودينه والبشر , ان تعود ( نشتمان ) سالمة مهما كان , وما اصابها من فاجعة وعذاب , وفجأة اطلت عليه حمامة زاجل , وألقت عليه وثيقة عبور , تسمح له بالتجول والعبور والدخول الحدود بين ولايات دولة الخلافة الاسلامية الداعشية , دون مساءلات وشكوك , واستغلها في عملية البحث والتنقل , عسى يجد ابنته المفقودة ( نشتمان ) وهي تعني بالكردية ( الوطن ) والروائي استخدمها رمزياً للوطن الضائع والمختطف والمغتصب سنجار ( شنكال ) . ويشاركه في عملية البحث , الفتى المسلم , الذي قتل داعش والديه ( الاب والام ) . ووجد نفسه وحيداً ومشرداً في معمعة الفوضى الدموية , ان دلالة الاشتراك في عملية البحث , المسلم والايزيدي لايجاد سنجار ( نشتمان ) المخطوفة والمسلوبة , لها اهمية , بأن هؤلاء المعتوهين من الدواعش , لا ينتمون الى اية ديانة , ومنها الدين الاسلامي . لقد غامر وخاطر بحياته الفتى المسلم , في عملية البحث عن صديقته ( نشتمان ) التي كان معها , في ود وصداقة في المدرسة الثانوية , وظل وفياً على هذه العلاقة الحميمية , في مشاركة الاب ( سربست ) , الذي اصبح اسمه الاسلامي ( ازاد ) , واستغل الفتى المسلم مهارته وذكاءه , في تصوير جرائم داعش الوحشية , من قتل وذبح وحرق , كل يوم جمعة , من خلال هاتف الموبيل . , ونشرها في مواقع التواصل الاجتماعي , والتي ايقظت الضمير العالمي , بالصدمة والذهول , على عنف ووحشية الاجرام الداعشي . فكانت حفلات الموت , تبدأ بالخطبة باللغة العدائية من الويل والثبور والتهديد بالموت , اذا تراجعوا عن دينهم الجديد الاسلام , فأنهم يستحقون عقاب الموت في الدنيا والاخرة ( اما بعد . اسمعوا يا اهل سنجار , بالامس القريب . كنتم في ضلال مبين , تعبدون الشيطان والطاووس والحجر , وقد اخزاكم الله تعالى وفضحكم ) ص39 . وتنتهي الخطبة , بالاحتفالات الموت , بذبح بعض الاشخاص بدعوى رجعوا الى ديانتهم الايزيدية , او يرمونهم من اعالي السطوح , او الذبح بفصل الرأس عن الجسد . ويواصل الفتى المسلم في محاولة ايجاد افضل الطرق في انقاذ الفتيات القاصرات من الاسر والاختطاف .
2 – عيدو المجنون : الايزيدي . الذي شارك في الحرب العراقية الايرانية , وسجن في معتقل الامن في البصرة , وخرج بنصف عقل ( مجنون ) وتميز بالمقاومة والمجابهة في الوقوف بوجه عناصر داعش , باستخدام اسلوب التهكم والسخرية , في عملية ( الضراط ) بصورة مضحكة , فكان يواجه كل خطاب تهديدي بالانتقام للمرتدين , او الاخلال بالاسفاف بالطاعة والسمعة المطلقة , لخلافة الخليفة الداعشي المعتوه ( ابو بكر البغدادي ) يواجههم ( بضرطة ) قوية , تحول اجواء الرعب والخوف على ملامح وجوه الحاضرين , الى ضحك وسخرية , وكان يناصب العداء والكره الشديد من ممارسات ( حجي خان الافغاني ) الذي لايتورع من استخدام العنف والقتل لابسط شبهة وتهمة وحتى بالمزاج , وتجرع منه الاهالي , الهوان والعذاب , وفي لحظة تراكم الغضب والحقد من( عيدو ) , قام بعملية قتل ( حجي جان الافغاني ) لينقذ الاهالي من شروره , بضربات متولية من العصا التي لم تفارقه طوال ثلاثة عقود من الزمن , وطرحه ارضاً غارقاً في دماءه النازفة , وسط ذهول الناس , بأن هذا المجنون , ولد في داخله بطل مقاوم , ولكن بعد فترة , القي القبض عليه وحكم بالاعدام , حرقاً في قفص تشتعل فيه النيران , بالضبط مثلما حصل للطيار الاردني . الشهيد ( معاذ الكساسبة ) , ولكن فجأة والنارتلتهب قدمي ( عيدو ) شق عنان السماء صقر ضخم وحط على القفص وفتح الباب ويطير ب ( عيدو ) الى عنان السماء , وهي لها دلالة رمزيزية , بأن الشهداء يكون ثوايهم الجنة .
3 – المرأة الحامل : ذبحوا زوجها امام عينيها وهي في الشهر الاخير من حملها , اخرسها الموقف المرعب , وهي ترى زوجها ينحر كالشاة , ويفصل رأسه عن جسده , وتحرش بها احد عناصر داعش جنسيا ً بمد اصبعه من وراء ثوبها , في المنطقة الانثوية الحساسة , ولكن فجأة سحب يده كالمدوغ , وسقط جثة هامدة يسبح بدمائه , كالجثة المذبوحة , وكما تقول ( امممممم . . خرجت من اسفلي حية لالش السوداء , ولدغته لدغة مميتة , وقتلته في الحال . وضافت بالثقة ذاتها :
– شيخادي , لا يتخلى عن الايزيديات المؤمنات ) ص82 .
وماهو جدير بالذكر من ( الطقوس الدينانة الايزيدية , بأن الحية السوداء , انقذت نوح من الغرق , بأنها حشرت نفسها لتسد الثقب , الذي يتدفق منه ماء الطوفان . لذلك ظلت الحية السوداء رمز على المعبد المقدس لالش …….. اما شيخادي , او شيخ آدي . هو الشيخ عدي بن مسافر , مطور الديانة الايزيدية , والرجل المقدس الاول فيها ) ص82 . والمرأة الحامل تتحدث عن حملها الذي تجاوز 13 شهراً ولم تلده , بينما الجنين يكبر في بطنها , لانها لا تريد ان تلده , حتى لا يذبح امام عينيها , مثلما ذبحوا زوجها , لذلك يظل الجنين يكبر في بطنها , وهي تقول وهي تتطلع الى بطنها المكور ( هذا شاهد , ولا اريده شهيداً , بهذا ولد في بطني , ولن يرى نور شنكال , حتى يجف دمها , وتنبت ارضها من جديد , بالتين والزيتون )ص84 .
4 – دلشاد : خريج الجامعة قسم التاريخ . اصبح مسلم وبأسم ( عبدالحفيظ ) حتى يحافظ على روحه من الذبح ويصون عائلته من العواقب الوخيمة , ولكنه يلعب دور ايجابي بكل وسيلة , ويحاول بشتى الطرق , ان يخفف من الوحشية العدوانية تجاه الايزيديين , التي يحملها ( حجي خان الافغاني ) , ويبرد انفعالاته الدموية , حتى لاتطال الاهالي , وكذلك يحاول ان يتستر عن الايزيديين المخفيين عن الانظار , وينقل اخبار داعش والمقاومة ضدهم , الى بائع الفواكه ( سالار ) , الذي اصبح اسمه الاسلامي ( عبدالله ) , الذي اخفاء اطفاله في البئر , خوفاً من الذبح , او الاخصاء , او ان يصبحوا عبوات ناسفة انتحارية بعد غسل ادمغتهم , ولكن مات احد اطفاله في البئر بمرض الجرب .
بعض الصور بالرموز الفنتازيا
لاشك ان اجواء الرعب تخللت اجواء السرد الروائي , بما يحمل من حوادث درامية مأساوية دموية متتابعة في سياقها ثقيلة على المتلقي , ولتخفيف من وطئة هذه الاجواء المفزعة , خلق اجواء مضادة , قابلة للتأويل والمغزى والايحاء , وهي تدخل في باب التنوع في اشكال السرد الروائي . مثلاً : الصقر العاشق , الغراب الذي يتكلم ويذرق على رؤوس عناصر داعش , لحظة الذبح وهو يتألم بما يرى من فواجع دموية . الفراشة التي تتكلم وتناقش . النجمة التي تتحدث وتواسي . الكلب الابيض الذي يتبع المرأة الحامل , ويتفهم ما يدور ومايحدث . حمامة زاجل , التي اسقطت وثيقة العبور الى ( سربست ) . الصقر الذي حط على قفص الذي يحرق بداخله ( عيدو ) ويطير به الى عنان السماء .
ورغم زخم الاحداث المتسارعة في دراميتها العنيفة , لكنها لم تفقل جراحها , فظلت النهايات مفتوحة على كل الاحتمالات , ربما هناك تكملة قادمة . ان رواية ( عذراء سنجار ) من الجودة الفنية المتألقة ببراعة تستحق الاعجاب , وهي تصلح لفيلم سينمائي رائع , يتحدث عن مأساة الايزيديين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رواية ( عذراء سنجار )
الكاتب وارد بدر السالم . 408 صفحة
صدرت عن دار منشورات الضفاف . بيروت