خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
يحتضن الربيع الأرض في الثالث من آيار/مايو، وتكتسّي الجبال باللون الأخضر وتقف جنبًا إلى جنب.
تُشير الساعة إلى الحادية عشر صباحًا، والعمال الذين يعملون على عُمق آلاف الأمتار تحت الجبال، يعلوهم غبار الفحم الأسود في منجم (يورت)، لا يعلمون أنهم سيفقّدون أرواحهم بعد نصف ساعة، وذلك قبل يومين فقط من الاحتفال باليوم العالمي للعمال. بحسّب ما استهل “شبنم كهن چي”؛ تقريره المنشور بصحيفة (اعتماد) الإيرانية.
واليوم تمر ثمانِ سنوات على كارثة منجم (يورت). ولدينا الكثير من الحوادث والقتلى في مناجم أخرى.
وتاريخ العمال في “إيران” والعالم لم يُكتب فقط في المناجم، وإنما في كل مكان كان ومازال مرتبط بالمعاناة والموت والفقر.
والأدب مرآة تعكس آلام الناس وحياتهم. وفي بطن هذه المرآة، يعكس أدب العمال الحقائق المسّكوت عنها غالبًا، والمغفولة في روايات أخرى.
دماء العمال في مجموعة (صيف ذلك العام)..
مر “ناصر تقوايي”؛ في فترة شبابه عبر عالم الأدب القصصي، هذا المرور الذي مايزال يحظى بالتقدير رغم مرور أكثر من نصف قرن.
نشر مجموعة قصصية واحدة فقط، قبل أن يُصاب بالإحباط من عالم الأدب، فحمل كلماته وانصرف ليعرضها على شاشة السينما بدلًا من الورق الأبيض، لكن هذه المجموعة القصصية التي نُشرت تحت عنوان (صيف ذلك العام)؛ هي أحد ألمع مجموعات قصص العمال في الأدب الإيراني، وتضم عدة قصص متصلة حول حياة عمال النفط الصعبة في “عبادان”؛ خلال فترة الثلاثينيات من القرن الماضي، وسنوات ما بعد الانقلاب، والمعاناة والفقر وعدم المساواة، والاحتجاج والقمع والفجوة الطبقية، وحياة العمال المحزنة في سهرات مقهى (گاراگين)، والهجرات، والبطالة والأعمال الشاقة، والفقر والاعتصامات التي أودت بحياة العشرات وقادت الكثيرين إلى السجن، لكن: “عندم رفعوا الصفائح الحديدية، غسلوا الدماء، ثم صبوا الماء مرة أخرى. بعد ذلك جففت الشمس الأرض الرطبة. وكأن شيئًا لم يكن”.
حياة صعبة في (سيلاب)..
(سيلاب)؛ من أهم الآثار في مجال أدب العمال؛ حيث استطاع “محمد علي گوديني”؛ من خلال التركيز على حياة العمال ومشكلاتهم، أن يدخل صوت هذه الطبقة المجتمعية إلى مجال الأدب.
وتحكي هذه المجموعة قصة عمال أفنوا أعمارهم بين قطع الحديد في المصانع، ثم يبحثون في النهاية عن عمل جديد دون مزايا أو تقاعد.
ويشرح “گوديني” في قصته الأولى باسم: (المشروع الثاني)؛ قصة مدير كان من المَّقرر أن يخطب في قاعة مؤتمرات المصنع بحضور ثمانمائة من المدراء والعمال. لكن اضطرابه وعجزه عن القيام بهذا العمل، يرتبط بزوجته ومشكلاته الأسرية.
وقصة (الجزاء)؛ تحكي عن مدارء مصنع، كانوا بصدّد تلويث أجواء المصنع، بغرض تقليل عدد العمل؛ بحيث يستقدمون المفتشين إلى المصنع ويستنتجوا ضرورة إحالة البعض إلى التقاعد المبكر.
ويطرح في (تحت التمثال)؛ قصة عامل بانتظار حافلة المصنع، لكنه ينخرط دون قصد في المظاهرات الثورية نتيجة تأخر الحافلة… كما تناقش إساءة استغلال العمال، ونظرة رب العمل غير الآدمية للعامل، والعلاقة بين العامل ورب العمل، وانعدام التأمين ومزايا البطالة، وطرد العمال، والتسّوية غير العادلة للحساب، وشراء أسهم العمال بسعر متدني.
العمال والأدب الإيراني..
في “إيران”، برز أدب العمال منذ العصر البهلوي وحتى سنوات ما بعد الثورة في أدب الكتاب الكبار، فكان كلًا منهم صوت الطبقات المجتمعية المحرومة نوعًا ما.
وفي الأدب الإيراني المعاصر؛ لعب كتَّاب أمثال “أحمد محمود” و”علي أشرف درویشيان” و”صمد بهرنگي”؛ دورًا بالغ الأهمية في رسم حياة الطبقات الدنيا والعمال.
ولم يصور “أحمد محمود” بأعمال مثل: (الجيران) و(شجرة تين الأصنام) مدينة الأهواز فقط؛ وإنما التعقيدات النفسية والاجتماعية للطبقات الدنيا.
واستفاد “علي أشرف درویشيان”؛ من اللغة المحلية والقصص الواقعية، في تصوير الوقائع المعيشية للعمال والمعلمين في المناطق المحرومة، وعكس أصوات المظلومين من خلال مجموعة من القصص الطويلة مثل (من هذه الولاية).
صرخات مكتوبة في قلب الظلمة..
الأدب مرآة العصر؛ لكن أدب العمال أكثر من ذلك بكثير، هو الصرخات المكبوتة التي تتدفق بين عتمة الأنفاق المتداخلة، وعلى الأراضي الزراعية وغيرها، وتتخذ شكلة كلمة خرجت من الرماد في السطور المكتوبة.
وحتى الآن علينا أن نقرأ المزيد، وأن نروي المزيد، حتى لا يضيع صوت العامل في ضجة الاستثمار.