خاص: إعداد- سماح عادل
“عبد الله شابو” شاعر وكاتب سوداني. من رموز الحركة الأدبية والثقافية في البلاد. لُقب بـ «ريحانة الشعر السُّوداني».
حياته..
ولد “عبدالله إبراهيم موسى شابو “عام 1938 في مدينة الكوة بولاية النيل الأبيض. درس الأولية بمسقط رأسه ثم التحق بمدرسة كوستي الأهلية الوسطى ومن الكلية المهنية التي تخرج فيها مهندساً في هندسة التبريد.
من أعماله..
- ديوان: «حاطب ليل».
- ديوان: «أغنية لإنسان القرن الحادي والعشرين».
- ديوان: «أزمنة الشاعر الثلاثة».
وفاز بجائزة الطيب صالح العالمية كشخصية العام 2015م.
أغنية لإنسان القرن الواحد والعشرين..
في مقالة بعنوان («عبدالله شابو» يا أيها القلب الذي.. ما نام حتى يستفيق..!) كتب “محمد أحمد الدويخ”: “يعد الشاعر الكبير عبدالله شابو من رواد التفعيلة بالسودان وتم اختياره شخصية العام بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي. غيب الموت بضواحي جبرة بالعاصمة السودانية الخرطوم فجر الأحد 30// 10 /2022.م المهندس والمترجم والشاعر الكبير عبدالله شابو (1943 _ 2022.م) عن (79) عاما من العطاء الكتابي في ضروب الشعر والترجمة باللغتين الانجليزية والاسبانية التي يعد الراحل أحد أبرز المجيدين لها بالسودان، وله ترجمات مهمة لعدد من كبار الشعراء الإسبان منهم لوركا وبابلو نيرودا ورريتشارد برايد وآخرين حيث كانت له مفردات تغوص في العمق الفلسفي ولون التفعلية خاصة أشعار ديوان الأبرز (أغنية لإنسان القرن الواحد والعشرين) ومنها قوله:
من ثقب الشباك تداعى صوتُ
شهقةُ موسيقى
والصمتُ يعرّش في أرجاء البيت
ما أقسى أن تعرف ولا تقوى أن تفعل
أن تدرك أن الوقت يمر ولا توقفه تنبؤات
الكتابة فوق الشواهد:
سيُكتب فوق الشواهد من بعدنا
بأنا عشقنا طويلا
وأنا كتبنا بدم العفاف
كأن لم يقُل شاعرٌ قبلنا
وأنا برغم الجفاف
ملأنا البراري العجاف
صهيلا صهيلا
وأنا مشينا إلى حتفنا
رعيلا يباري رعيلا..
وأنا وقفنا بوجه الردى
وقوفا جميلا.”.
قصيدة التفعيلة..
وفي مقال آخر للكاتب “برعي الابنوسي بعنوان” (شابو شخصية العام لجائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي) كتب: “(للشعر مقدرة على تغيير العالم بكلماته) وذلك تعليقا على اختيار مجلس أمناء جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي الشاعر “عبدالله شابو” شخصية العام في دورتها الخامسة عام 2015. تقديرا لدوره الرائد في خارطة الإبداع السوداني باعتباره أحد أبرز رواد الجيل الثاني من قصيدة التفعيلة بالسودان بعد الجيل الأول الذي ضم الشعراء محي الدين فارس وجيلي عبدالرحمن وتاج السر الحسن وآخرين. خاصة أن لونية الشاعر “عبدالله شابو” اعتمدت على الأبعاد الفلسفية والفكرية، فقد عايش شابو تحولات العالم السياسية والفكرية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وله تجربة معايشة بالولايات المتحدة الامريكية التي درس بها وهو شاعر ومهندس معماري ومترجم ماهر يجيد الانجليزية والإسبانية والعربية مخاطبة وكتابة”.
سيطرة اليسار..
في حوار معه أجره الشاعر السوداني “محمد نجيب محمد علي” يقول “عبد الله شابو” عن توجهه اليساري: “أتفق معك، قد تراني من زاويتك أنني قد تحولت عن اليسار أو أصبحت من أهل اليمين بالتصنيف الأيديولوجي، أنا عبد الله شابو الشاعر فقط، دخلت اليسار وخرجت منه، والإنسان كلما كبر وازدادت معارفه نضج، وهذا النضوج يجعله مراجعا لمواقفه السابقة وأكثر انفتاحا على الإنسانية، أما الأيديولوجيا فقد يخاصمها أو يستمر فيها.
خذ مثلا الشاعر مصطفى سند لم يكن يساريا ولا ثوريا ولكنه شاعر مجيد. والحديث عن سيطرة اليسار على الساحة الثقافية في أزمنة سابقة أو أنه لا يسمح لأحد بالخروج على الساحة إلا من خلاله، هذا حديث ليس صحيحا، وأقول لك بصراحة كلما كبر الإنسان أصبح أكثر تأملا وتقبلا للآخر”.
الغابة والصحراء..
وعن التيارات الشعرية التي ظهرت في السبعينيات يقول: “الغابة والصحراء ليس تيارا شعريا ولكنه تيار فكري تاريخي، وأبادماك أيضا لم تكن تيارا بمفهوم المصطلح الثقافي، ولكنها تنظيم أدبي انتظم فيه شعراء وكتاب وأرادوا أن يساهموا في التنوير كل من موقعه شاعرا أو كاتبا أو تشكيليا. أبادماك كانت تتكلم عن تغيير العالم سياسيا، ولذلك تمرد الكثيرون عليها إذ كنا نرى أننا لم نأت للعمل السياسي ونحن لنا قدرات أكبر من قدرات السياسيين.
وعن مسألة البحث عن الهوية السودانية التي طرحتها مدرسة الغابة والصحراء يقول: “الغابة والصحراء التي كان على رأس منظريها أربعة أو خمسة من المبدعين، هؤلاء المبدعون نظروا إلى الهوية السودانية من خلال ثنائية الثقافة العربية والأفريقية، وذهبوا إلى أن السودان دولة هجين، لذلك أرادوا التنظير لمفهوم الغابة وقراءة الصحراء بالدافع الثقافي البحت، وكان هناك تحميل سياسي لأطروحة هؤلاء الإخوة.. وإذا نجحوا أو فشلوا فلهم أجر الاجتهاد”.
الشعر الإسباني..
وعن ترجمته للشعر الإسباني وأثر الثقافة العربية فيه يقول: “الثقافة العربية لها أثر كبير في الشعر الإسباني، إذ إن العرب بقوا لثمانية قرون في إسبانيا.
علاقتي باللغة الإسبانية كانت صدفة، فقد عرفت أن هناك رجل دين مسيحيا يجيد اللغة الإسبانية حين كنت في مدرسة كوستي الثانوية مدرسا للغة الإنجليزية في الستينيات، طلبت منه أن يعلمني الإسبانية وأعلمه العربية والتراث الإسلامي، وتعلمت الإسبانية ولم يتعلم هو العربية.
الشعر العربي هو أفضل وأجمل شعر في العالم، والإسباني جميل كذلك وفيه شعراء بارزون، والثقافة العربية لها أثر كبير في الشعر الإسباني، إذ إن العرب بقوا لثمانية قرون في إسبانيا، ولوركا وروفائيل ألبرتو كان أثر الشعر العربي عليهما كبيرا جدا خصوصا في (أغاني غجرية) للوركا، كما أن موقع الشعر العربي في المفردة الإسبانية كثيف جدا، أقول لوركا من أسباب قتله أنه كان يقول “أنا ذاهب إلى مملكتي العربية الإسلامية في غرناطة””.
أيقونة الشعر السوداني..
في حوار معه أجراه “أحمد يونس” يقول “عبد الله شابو” عن متى اكتشف إنه شاعر: “وجدت نفسي ألهج بالشعر وأنا صغير، وفي المدرسة تعلقت بالأغاني والأناشيد، كنت أحياناً، وفي تلك السن، ألهج ببعض الأشعار، وعلى حداقة كنت أحس أنها ساذجة، بيد أنها كانت (إرهاصاً) بأن (شاعراً) يتشكل.
وفي المدارس كنت جيداً في حفظ الشعر وفي إلقائه، وكنت مولعا باللغة العربية واللغات خصوصاً الإنجليزية، فكتبت بعض الأشعار في المدرسة المتوسطة، وفي السنة الثالثة من تلك المرحلة أرسلت لإحدى الصحف، لا أذكر اسمها، فنشرتها في باب (وجدانيات صرفة)، وحررها الصحفي السوداني الشهير الراحل محمد الحسن أحمد.
كانت قصيدتي الأولى قصيدة حب، رغم إني لم أكن أحب أحداً، لكني كتبت للحب لأن الكلام عن الحب (ركز) داخلي نتيجة لإطلاعي على الأشعار في مختلف مظانها”.
وعن قصيدته المدللة ولماذا هي أثيرة عنده يقول: “بعد أن رجعت من القاهرة وعملت معلماً في الكلية المهنية العليا، عدت إلى مصر للمرة ثانية، وهذه المرة كنت شاعراً ناضجاً، وهناك طبعت أول دواويني بمساعدة جيلي عبدالرحمن، ديوان (أغنية لإنسان القرن الحادي والعشرين)، كلفتني الطباعة في ذلك الزمان خمسة وستين جنيهاً، في (دار الهنا) وهي نفس الدار التي طبعت ديوان الشاعر الكبير سيد أحمد الحردلو.
ولقيت قصيدة (أغنية لإنسان القرن الحادي والعشرين) التي تسمى عليها الديوان، رواجاً وترحيباً كبيرا جداً، ما جعل الشاعر المصري شوقي خميس بأنها قصيدة بالغة التلقائية والروعة”.
مراحل التطور..
وعن قفزات بينة في طرائق الكتابة لديه، وفي مضامين الشعر، وفي مقاصد القصيدة، وهل هي سنة النضج المتدرج، أم أن الأمر كان قصدياً.يقول: “مررت بثلاث مراحل في تطوري الشعري، كان شعر المرحلة الأولى نضالياً منبرياً عالي النبرة، أما في المرحلة الثانية، وبعد أن تكاملت أدواتي الشعرية صار أشعاري إلى حدود كبيرة (هامسة) لما أصابني من إحباط من (الهياج الأول)، وفي المرحلة الثالثة، وأسميها (المرحلة الرصينة) فاستوى فيها الحزن والفرح، وهي مرحلة التصالح مع النفس، وهي المرحلة التي أعيشها الآن”.
وعن ديوانه (حاطب الليل) يقول: “جلب لي ديوان (حاطب الليل) صيتاً كبيراً، كتبت عنه قرابة الثلاثين مقالة عند صدوره، وما زالت الكتابة عنه مستمرة، و”حاطب الليل” أحب دواويني إلى نفسي، لأن كل ما كتبت من شعر بعد هو إضافة ل”حاطب الليل”، على الرغم من أن النقاد قالوا عن ديواني الأخير (شجر الحب الطيب)، بأنه قمة النضج الشعري لدى الشاعر عبدالله شابو، وبسببه أسماني بعضهم (أيقونة) الشعر السوداني”.
وفاته..
توفي “عبد الله شابو” يوم الأحد 30 أكتوبر 2022 عن عمر يناهز الـ80 عاماً، بعد معاناة مع المرض.
قصيدة “الزَّمن الأوَّل، آفاق السعد”
ل “عبد الله شابو”
مْن ثُقبْ الشُبّاك تَداعَى صَوْتْ
شَهقةُ موسيقى
والصمتُ يُعِّرشُ في أرجاءِ البيتْ
ما أقسى أن تعرفَ لكنْ لا تَقوى أن تفعلْ
أن تُدركَ أنّ الوقتَ يَمرُّ ولا توقِفُهْ
فارغةٌ فارغةٌ كأسى والليلُ طويلْ
بالأمسِ دخلتُ السوقَ على غِرِّهْ
وأضبِعة وجهِ الحكمةِ في طابورِ الزيف
يامطر الصيفْ
غضِبتْ آلهةُ الدنيا لا تُمطر
ضَحَكَ الشاعرُ
يا أحبابَ القهوةِ ياأحبابْ
قلبي صحراء تمتدُ وتمتد
وصخورٌ ناتئةٌ سوداء
ضَحِكَ الشاعر
قالوا أسعدُ مِنْ وطأت قَدماهُ الارضْ
أحبابي
لو كان الحَزنُ دموعْ
لو أنّا بالعيِن نُحسْ
ما يبستْ في شَفةِ الشعرِ الغُنوة
لو كان الحزُن يشم
نَزَفت رئتاي الدّمْ
وطلعتُ عليكم
جمرُ الحُرقة يشوي كَفيّ
لكني أخجل أن تفضحني أَنّة
والدربُ طويل
والصبرُ على المكروهِ سلامة
أن نُضرب في الرمضاءِ ولا نكبو
أن نُشرقَ بالآلام ولا نَعبس
الكلمة يوقفها في شَفَتي مَحضُ حياء
يوقفها لو شئتم محضُ رياء
والشكوى أجهلها
لا تعرفني
ماذا يُرجى يا أحباب
شيخي قال الحب ثمين
والبهجةُ في رشفِ الشَّفةِ السفلى
في آنسةٍ صالحةٍ لا تعرفُ وجَه النومِ ولا تَكْرىَ
في كأسٍ تَمزِجُها هيفاءُ القَدْ
في الصمتِ المطبقِ
في الصمتْ
في جرحٍ يَتَفَّتحُ على الدنيا لا يَنْسَدْ
لكنَّ الملاح يقول
البهجةُ في فَكَ شراعِكَ للريحْ
في التطوافِ الأعشىَ
في جزرِ المجهول
طوّافُ أسيانٌ قلب الشاعر
والرحلةُ لا تلوي تَمْتدْ
نائيةٌ .. نائيةٌ آفاقُ السَعدْ
أحبابي
يا أحبابَ القهوةِ يا أحبابْ
نائيةٌ .. نائيةٌ آفاقُ السعد