خاص: إعداد- سماح عادل
“عبد القادر محمد إبراهيم” قاص وكاتب أدب الأطفال ومترجم سوداني.
تعريف به..
ولد بمدينة الكاملين، في أوائل الأربعينيات من القرن العشرين، وعمل في مجال التعليم بمدينة “ود مدني”.
كتب في النقد والثقافة وكانت له زاوية صحفية بعنوان (نافذة على الأدب الإفريقي) في الصحافة الثقافية منذ منتصف ثمانينيات القرن الفائت بصحف “الأيام والصحافة” وهو مؤسس جمعية أدب الأطفال، وترجم للعديد من كتاب الجنوب وخاصة في الشعر، له رواية واحدة كتب عنها الناقد الراحل “عبد القدوس الخاتم”.
انتمى “إبراهيم” إلى اليسار السوداني، وله مساجلات ثقافية وأدبية في الصحافة، وكان مثقفا سياسياً انتمى للحزب الشيوعي. تنازل عبد القادر محمد إبراهيم عن كامل حقوقه المادية في ٢٠ قصة تنازلاً كاملاً لاستيعابها في المنهج الدراسي خلال فترة تغيير المناهج التعليمية بعد ثورة ديسمبر.
ولديه اهتمام بترجمة الأعمال السودانية الي اللغة الانجليزية، صدرت له رواية (ثم ماذا بعد) ونشر بعض القصائد المترجمة لشعراء من جنوب السودان. كما نشرت أعماله في الملاحق الثقافية ومجلتي الخرطوم والثقافة السودانية.
الأدب السوداني والترجمة..
في حوار معه أجرته “هدى أحمد مهدي” يقول “عبد القادر محمد إبراهيم” عن موقع الأدب السوداني في خريطة الترجمة: “موقع السودان من الترجمة بائس رغم الحاجة إليه، وهذا لعدم وجود مؤسسات منظمة تعرف واجباتها (السيستم) لأن هذا الأمر مصروف عنه النظر.
أما من ناحية المترجمين فليس هناك مترجمون متفرغون لهذا العمل. إنما هناك جهود فردية على سبيل المثال: على المك، في ترجمته للأدب الزنجي الأميركي، وجمال محمد أحمد، الذي ترجم كتابا مهما جدا وهو «إفريقيا تحت أضواء جديدة» للباحث البريطاني بازل ديڤيد سون. كما قام الأستاذ جمال أيضا بترجمة (في المسرحية الإفريقية) و(وجدان إفريقيا) ومحمد عبد الحي ترجم الأدب الافريقي تحت عنوان: (أقنعة القبيلة)، وأخيرا قام الدكتور الشاعر عمر عبد الماجد بترجمة عن الشاعر بودلير عن الفرنسية. وكل هذه جهود فردية لا تسمن ولا تغني من جوع”.
وعن الأسباب التي أدت على عدم مواكبة الترجمة السودانية يقول: “أنا اعتقد أنه فعلاً، كان المفروض أن نكون من ذوي اليد العليا في الترجمة. ويكون لنا القدح المعلى، ولكن لسوء الحظ أفلت من أيدينا. واللغة الانجليزية هي لغة من لا لغة له. فهي اللغة العالمية الأولى، وكانت بالنسبة لنا اللغة الثانية، ولا أقول لغة أجنبية. وهذا التنافس غير موجود. وربط نشاط الترجمة بمعرض سنوي للكتاب، أيضا غير مجدٍ. والمعاهد التي تعد المترجمين لسوء الحظ تعدهم وظيفيا فقط.!
إن الترجمة التي تؤتي أُكلها هي ترجمة اختيارية، بمعنى أن المترجم قد شعر بأن هذه المادة يجب أن تترجم، ويجب أن تنقل إلى لغته القومية. وكل الذين ذكرتهم سابقا لم يتخرجوا في معهد الترجمة. فالترجمة إحساس، والمترجم إنسان ملم بثقافتين، ثقافة اللغة المترجم منها وثقافة اللغة المتَرجَم إليها. وهذا واجب مفتوح لمن يريد أن يلجه، دون قيد أو شرط، حتى نلحق بركب العالم.
وحين أسس المأمون بن هارون الرشيد بيت الحكمة لترجمة الفكر اليوناني، هنا بدأ ما يعرف لاحقاً بالثقافة العربية الإسلامية، ومن هنا بدأت الحضارة الاسلامية، ومن هذا الباب ولج العرب دنيا الفلسفة والثقافة، وأضافوا للعالم. واضرب مثلا في الفلسفة، إذ يعتبر ارسطو أعظم فيلسوف في العالم منذ أن كان، والفضل في ترجمته يعود لابن رشد الذي وصله بالعالم الحديث”.
المسابقات والجوائز..
وعن المسابقات والجوائز وعلاقتها بتنشيط حركة الترجمة في السودان يقول: “أنا لا أرهن النشاط والترجمة، ولا أرهن النهضة التي تقوم علي أساس الترجمة بالجوائز والمسابقات، إني أرهن ذلك بالانفتاح على العالم، وحينما انفجرت الرواية الأميركية اللاتينية (ماركيز وغيره) سواء المكتوبة باللغة الاسبانية، أو البرتغالية، وكان لا بد للقارئين باللغة العربية الوصول لذلك العالم الروائي الممتد. هنا برزت الحاجة لمترجمين من الاسبانية والبرتغالية إلى العربية، وحالما وجدوا. والآن لا تخلو مكتبة عربية من مؤلفات كتاب أميركا اللاتينية.
أما السودان، إذا عدنا غليه، فهو حيال واجب عالمي عربي وإفريقي في الترجمة، لأن الانسان السوداني هو العربي الوحيد الذي يملك الإحساس والثقافة الإفريقية، وهو المنوط به نقل الثقافة والحضارة الإفريقية إلى العالم العربي. كما عليه وصل الحضارة العربية إلى الأفارقة. ولكن للأسف الشديد فإن انطواء السودان على نفسه وانهيار اللغة الانجليزية التي كان يمتلكها أبناؤه خير امتلاك قد حال دون أدائه هذه الواجب”.
وعن مشاركة المترجمين في المؤتمرات التي تقام لمناقشة قضايا الترجمة المختلفة في عالمنا العربي يقول: “لا يوجد مترجمون سودانيون يشتركون في مثل هذه المؤتمرات، ولا يفوتني هنا أن اشيد بدور المركز القومي للترجمة في القاهرة، في ترجمة عيون الفكر، بكل اللغات الأجنبية العالمية الحية، فهذا المركز لديه خطة ألفية، فإنه يختار ألف كتاب يرى أن اللغة العربية في حاجة إليها، ويقوم بترجمتها. كما لا تفوتني جهود قسم النشر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة الذي يقوم بترجمة الأدب العربي إلى اللغة الانجليزية، وهذه الجامعة يؤخذ عليها أن نشاطها قد اقتصر على المنتوج الأدبي المصري. لكنني لا أنسي تبنيها للمترجم القدير جونسون ديڤيد سون الذي قام بترجمة كل أعمال الطيب صالح إلى اللغة الانجليزية. كانت هناك جهود في بيروت لترجمة الأدب العالمي إلي اللغة العربية، ترجمات قامت بها دار الآداب..
لكن هذه الترجمات كانت في الأدب فقط. ومن اللغة الفرنسية خاضعة لمزاج دار الآداب. ولا ننسى أن هذه الدار هي التي عنت بآداب سارتر، فرانسوا ساجان وسايمون دي بفوار. ومن المترجمين الذين يجب ألا يتجاوزهم هذا الحوار الدكتور أبو بكر يوسف الذي قام بترجمة كل الأدب الكلاسيكي الروسي.. فقد قام بترجمة لتولستوي، توجنيف، مكسيم جوركي، بوشكين ودستوفسكي، فهؤلاء الأعلام الروس أو أعلام الأدب الكلاسيكي العالمي، ما كان للعالم العربي ليحظى بمعرفتهم، لولا جهد هذا المترجم”.
عن وضع الترجمة السودانية يقول: “إن وضعنا متخلف رغم أننا نمتلك الإمكانات. ومتمكنون من اللغة الانجليزية، وكان يجب أن يكون عطاؤنا أكثر من هذا بكثير. خاصة كما سبق أن قلت، بالنسبة للأدب الافريقي.
هو سر يكمن في إجابة واسعة لا نستطيع ان نحصيها هنا. ولكن باختصار نستطيع أن نقول إننا لم نجعل لأنفسنا سوقا للكتاب. وقصورنا في الإنتاج الأدبي لأننا لم نجعل منه عائدا ماديا، وكان يمكن أن يكون الكتاب المترجم إلى اللغة العربية، من الصادرات ذات العائد كما هو حادث في الكتاب المصري إذا وصلنا إلى هذه الدرجة”.
وعن كمية المترجم يقول: “لا يعتد به، فالكتب قد تكون بعدد أصابع اليدين. وهناك ترجمات في الصحف ولكنها لم تتطور إلى كتاب بعد.
لا نحتاج إلى قائمة، وإذا جلس الانسان وفرد أصابع يديه، يمكن أن يحصيه.. وأستطيع أن أقول إن جمال محمد أحمد ترجم «إفريقيا تحت أضواء جديدة، وفي المسرحية الإفريقية، ووجدان إفريقيا».. وعلي المك ترجم «الأدب الزنجي الأمريكي».. أيضا علي المك بالاشتراك مع صلاح محمد ابراهيم ترجما «الأرض الآثمة»، ولا أظن ما غاب عني الآن يفوق ثلاثة أو أربعة كتب. ومحمد عبد الحي ترجم «الشعر الإفريقي»، وجمع ترجماته في كتاب سماه (أقنعة القبيلة). أما عن نفسي فقد قمت بالترجمة لما يفوق العشرين شاعراً إفريقيا. لكن هذا لم يظهر في كتاب حتى الآن. كما قمت بترجمة كل قصص القاص جوناثان ماين من جنوب السودان. وكذلك بعض القصائد لتعبان لو ليتونج وسيراناي من جنوب السودان أيضاً، لكن كل هذا الجهد تم نشره في الصحف فقط. والصحف بطبيعة الحال معرضة للتلف. وكم أتمنى لو استطعت أن أجمع هذا الجهد في كتاب أو اثنين”.
دور النشر..
وعن دور دار النشر في عملية الترجمة يقول: “نحن نحتاج الى دور نشر بما تعنيه هذه الجملة، والموجودة الآن، ليست دور نشر. إنما هي دور مقاولات للنشر. والناشر الحقيقي هو الذي يستكتب مَن وفيم، وهذا يتطلب من الناشر أن يكون ملما بالساحة الثقافية، حتى يستطيع أن يعرف إمكانات أي كاتب وما الذي يطلبه منه أصحاب دور النشر الموجودة في السودان الآن الذين هم أبعد الناس عن الوسط الثقافي، وهم غير موجودين في الندوات، ولا يطلعون على الملاحق الثقافية المنشورة في الصفحات الثقافية، لذلك فهم عاجزون عن أن يستكتبوا احداً”.
وعن القيود التي تعرقل عمل الترجمة والمترجمين يقول: “طبعا أكيد.. إذا كان الكتاب خاضعا للمراقبة القبلية، فهذا من أكبر المعوقات لنشر الترجمة.. وما دامت هناك مصنفات تحدد هل ينشر هذا الكتاب أم لا، فلماذا أنا أقوم أصلا بترجمة لا ترى النور! هذه نقطة مهمة.. فالترجمة ينبغي أن تتم بالموافقة بين الدارين، الدار التي نشرت الكتاب باللغة الأجنبية والدار التي ستنشر الكتاب باللغة القومية.. وكما سبق أن قلت، فدور النشر عندنا لم ترتق بعد لعمل صلات بالدور الناشرة. واضرب مثلاً: هل لأي من دور النشر الموجودة في السودان صلة بدور النشر التي نشرت كتب ليلى أبو العلي، التي نشرت انتاجها باللغة الانجليزية، حتى يستطيع أي مترجم سوداني أن يترجم كتب السودانية ليلى أبو العلي الى اللغة العربية؟ لقد نشرت ليلى أبو العلي كتبها في أعظم دور النشر التي تنشر باللغة الانجليزية مثل بنجوين وكولنز.. وكذلك نشرت لتعبان لو ليونج. وبذلك أفلت إنتاج هذين الكاتبين من القارئ السوداني”..
في ما ذكرنا سابقا عن القصور في دور النشر، لا ينبغي أن نقول إن وزارة الثقافة يجب أن تعمل، لأن وزارة الثقافة دورها يقتصر على التسهيل، وربما التسهيل بابتعادها وألا تتدخل في إنتاج المترجمين، أو المبدعين.. والترجمة كأي منتج ثقافي لا تتم إلا في مجتمع يتمتع بأدنى حد من الحرية”.
وفاته..
توفى “عبد القادر محمد إبراهيم” مؤخرا عن عمر يناهز الثمانين عاما.