29 ديسمبر، 2024 4:50 ص

عبد الغني السيد.. البلبل الباكي الذي تفوق على عبد الوهاب

عبد الغني السيد.. البلبل الباكي الذي تفوق على عبد الوهاب

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“عبد الغنى السيد” مطرب مصري، مولود في القاهرة 1908، كان صاحب صوت رخيم، لم يحظ بقدر من التعليم، فعمل “أسترجي” في معرض “على خليل” أحد معارض الموبيليا الشهيرة بالقاهرة، فلعبت الصدفة دور كبير في دخوله عالم الفن حين سمعه الملحن “زكي مراد” صديق صاحب المعرض والد الفنانين، وقرر تبنيه فنياً، وقدمه في العديد من الأفراح والمناسبات واكتشف موهبته كمطرب، ثم اشتهر بأغنياته في الأفراح، ولمع في الإذاعة المصرية مع افتتاحها عام 1934، وعمل في السينما في أفلام قليلة، وفي عام 1940 درس الموسيقى.

من أشهر أغاني “عبد الغنى السيد” “البيض الأمارة”، وأغنية “ع الحلوة والمرة” وأغنية “وله يا وله” وقام بالغناء في أفلام مثل “عريس من اسطنبول” و”البيت الكبير” و”عم أمين”، وله بالإذاعة المصرية أكثر من 884 أغنية، وغنى لعمالقة التلحين مثل “رياض السنباطي” و”محمود الشريف” و”محمد عبد الوهاب” و”محمد الموجي” و”محمد القصبجي” و”بليغ حمدي” و”كمال الطويل”.

تزوج “عبد الغني السيد” ثلاث مرات وأنجب ثلاث بنات وابن وحيد الذي ورثه في الصوت الجميل، وله بعض الأعمال في التلحين والتوزيع.

من أعماله: (شيء من لا شيء 1938- شارع محمد علي1943- ليالي الأنس 1947- نور من السماء 1947- وراء الستارة 1937- سفير جهنم 1945- البيت الكبير1949-  بنت العمدة 1949).

طفولة بائسة..

عن طفولته يحكي ابنه “محمد عبد الغنى السيد”: “لم يكمل والدي تعليمه وأخذه والده ليعيش معه كما علمه مهنة الاستورجى، عانى أبى في طفولته من معاملة زوجة أبيه التي كانت تعذبه وتحرق جسده بالمياه المغلية، وفى إحدى المرات دخل والده عليه ليلا فوجده يبكى فرفع الغطاء ليجد ملابسه التصقت بجسده المحترق  فطلق زوجته وأعاد أبى ليعيش مع والدته التي لم تتزوج وعاشت لابنها الوحيد. كان أبى يعمل لينفق على نفسه وعلى والدته، وبالرغم من أنه لم يكمل تعليمه إلا أنه كان يقرأ ويكتب جيدًا ويتميز بجمال الخط، وترك بعد وفاته مكتبة كبيرة بها كتب مهمة، وكان يحب الرسم”.

وعن نجاح والده يواصل: “حققت اسطوانة “نسيت يا حبي بعد اللي كان صحيح يا دنيا مالكيش أمان” نجاحا وانتشارا مذهلا وباعت في مصر وفرنسا أكثر من مليون نسخة، وحصل والدي عنها على الجائزة البلاتينية من شركة بيضافون كأول مصري وعربي يحقق هذا الرقم في المبيعات، وذاع صيته بشكل كبير وأصبح له مئات المعجبين والمعجبات، وعندما افتتحت الإذاعة كان أبى من أوائل الأصوات التي افتتحتها بعد الشيخ رفعت وأم كلثوم وعبد الوهاب. توالت نجاحات أبى وشارك في مسرحيات منيرة المهدية، وفى الثلاثينات قام ببطولة فيلم “شارع محمد على” وأحدثت أغنيته “يا ولا يا ولا.. يا بتاع التفاح”، وكان هذا الفيلم علامة من علامات السينما، لأنه أول فيلم غنائي يقدم قصة تم تقليدها بعد ذلك في كل الأفلام ، مطرب ومطربة يرتبطا بعلاقة حب ويحققان الشهرة معا وينفصلا ثم يعودا من جديد، وبعدها تم تقليد هذه القصة في كل الأفلام الغنائية، وقدمها عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، كما قدم والدي أغنية “آه من العيون” لرياض السنباطى، وبعده طورها محمد فوزي وقدم أغنية “دارى العيون”، وكان عبد الغنى السيد رائدا وبداية لكل تطور، كما قدم أوبريت العشرة الطيبة لسيد درويش، ودور الكاهن في أوبرا عايدة مع أم كلثوم بسبب قوة صوته، وحققت كل أغانيه ومنها أغنيته البيض الأمارة نجاحا كبيرا، كما لحن لنفسه عددا من الألحان”.

البلبل الباكي..

وعن سبب إطلاق لقب “البلبل الباكي” عليه يقول: “لأن أغانيه كانت مودرن وحديثة وحزينة، ومنها أغنية “العشرة صعبانة عليا” التي لحنها “فريد غصن” معلم الرحبانية، وبعده غنتها فيروز ونجاة الصغيرة، التي يعرفها منذ طفولتها وكانت تزوره مع شقيقها الملحن عز الدين حسنى وسمح لها بغناء أغنيته “عالحلوة والمرة”، وكانت الصورة الوحيدة التي تجمعني بأبي بعد مولدي مباشرة تحملني فيها نجاة”.

وعن زواجه يحكي الابن: “تزوج والدي ثلاث مرات، الأولى من إحدى قريباته وأنجب منها بنتين زينب وبثينة، ولكنهما انفصلا، وبعدها ارتبط بعلاقة حب مع ابنة وزير وتزوجها ولكن بعد أسبوع من زواجهما أصدر الملك فاروق أمرا بطلاقه منها حتى لا تصبح عادة بزواج البسطاء ببنات الأعيان والوزراء. طلق والدي زوجته الثانية رغم حبه لها رغما عنه، وكان الملك يغار من أبى لوسامته وإعجاب الفتيات والسيدات به، كما كان يغار من رشدي أباظة، ولم يغنى والدي للملك مطلقا، حتى عندما كان يحضر الملك إلى كازينو بديعة الذي يغنى فيه، وبعد طلاقه من ابنة الوزير تعرف بجدتي “فاطمة الشنطورية” التي كانت تغنى وتعزف عود وكمنجة، وأعجب بابنتها وتزوجها وأنجب منها  ثلاث أبناء ليلى وإيمان وأنا أصغرهم، فأنا ابنه الوحيد”.

وعن شخصيته يحكي: “رغم ما مر على والدي من أحزان كان يحب الضحك والمرح والمقالب، وفى إحدى المرات عمل مقلبا في صديقه الأديب يوسف إدريس الذي كان يحب نجاة الصغيرة، لأنه تعاطف مع كامل الشناوي الذي كان يعشق نجاة ويتعذب بسبب إعجاب إدريس بها، فوعده والدي أن يدبر مقلبا في يوسف إدريس، وبالفعل استغل موهبته في التقليد واتصل بإدريس وظل فترة يتحدث معه تليفونيا على أنه فتاة معجبة به، ثم أعطاه موعدا في جروبي ونصحه أن يرتدى بدلة بيضاء ويضع وردة حمراء، وفى الموعد المحدد اصطحب الشلة ومعهم كامل الشناوي وذهبوا إلى جروبي، وعندما وصل إدريس قابله والدي وقال له تعالى اجلس معنا، فقال له اتركني الآن لأن لدي موعد هام، فإذا بوالدي يقلد صوت الفتاة ويقول له عندك ميعاد مع فلانة، فانفجر الجميع في الضحك وخاصة كامل الشناوي.. وفي إحدى المرات جاء شخص لوالدي يقول له إنه يستطيع قراءة الكف، فقال له والدي غدا تعالى لتقرأ الكف لمحمود الشريف وأعطاه كل التفاصيل عن حياته واسم والده ووالدته، وقال له قل له هذه التفاصيل وخذ منه 10 جنيهات، وعندما فعل الرجل ذلك انبهر به محمود الشريف، وظل الرجل يأتي لوالدي كل صباح ليعرف تفاصيل جديدة عن الشريف ليقولها له ويأخذ منه العشرة جنيهات، وفى النهاية اعترف والدي لمحمود الشريف، وكان محمود الشريف يقول من لم ير عبد الغنى السيد ينظر إلى أنور وجدي، الذي كان يقلد والدي في كل شيء، وكانا من أعز الأصدقاء لأنه تزوج ليلى مراد التي كان يعتبرها والدي أخته، وكثيرا ما كان والدي وأنور وجدي يدبران المقالب لها، وكان بيتنا دائما مليئا بالفنانين الذين كانوا يحبون والدي حبا كبيرا، وكان والدي عاطفي جدا، ويحرص على جبر الخواطر وخاصة الفقراء، وإذا جلس في مكان به مجموعة سيدات يحرص أن يقول كلمات المجاملة لأقلهن جمالا، وظل محتفظا بهواية تلميع الموبيليا.

محمد عبد الوهاب..

وعن مقولة “محمد عبد الوهاب” عن “عبد الغنى السيد”: “الوحيد الذي هزمني مرتين” يفسر “محمد عبد الغنى السيد”: “في بداية مشوار والدي الفني كانت منيرة المهدية مكسرة السوق، وذلك قبل شهرة أم كلثوم، وكانت تقدم مسرحية مصرع كليوباترا التي لحنها سيد درويش واستكملها عبد الوهاب وكان يمثل فيها، سافر محمد عبد الوهاب إلى لبنان أثناء العرض، فسألت منيرة المهدية الموسيقار زكى مراد عمن يمكن أن يحل محله، فنصحها بالاستعانة بعبد الغنى السيد، مؤكدا أنه أقرب صوت لعبد الوهاب، ويتميز بوسامته وإعجاب الفتيات به، فاستعانت به وحقق نجاحا كبيرا أدى إلى زيادة مدة العرض. عندما عرف عبد الوهاب جاء بسرعة ليرى عبد الغنى السيد الذي حل محله وحقق هذا النجاح، وعندما سمعه انبهر به ونشأت بينهما صداقة كبيرة، وأصبح عبد الغنى السيد مطرب فرقة منيرة المهدية التي كانت أكبر فرقة وقتها.. بعد هذه الواقعة أجرت مجلة الاثنين أوائل الثلاثينات استفتاء عن أحب مطرب لقلوب المستمعين ففاز والدي بالمركز الأول وجاء عبد الوهاب في المركز الثاني وصالح عبد الحي في المركز الثالث، ولذلك قال عنه عبد الوهاب إنه هزمه مرتين”.

وعن علاقة  والده بمحمد عبد الوهاب يضيف: “أبى كان يتميز بقدرة فائقة على التقليد، حتى أن منير مراد الذي اعتاد تقليد الفنانين كان يرفض تقليد أبى ويقول لو قلدته سيقلدني ويتفوق على، وكان عبد الوهاب يستفيد من قدرة أبى على تقليد الأصوات في اختبار المواهب الجديدة، وحين يأتيه مطرب جديد في السهرات التي يجتمع فيها مع والدي يطلب من أبى أن يقلده، فإذا قلده بالسلب لا يتحمس له عبد الوهاب، وإذا قلده بالإيجاب يتبناه موسيقار الأجيال.. نشأت بين أبى وموسيقار الأجيال صداقة قوية وكان عبد الغنى السيد العداد الخاص بعبد الوهاب، ومن هؤلاء الذين أجازهم أبى وتحمس لهم فطاحل الفن وأهمهم عبد الحليم. حضر أبى أول جلسة بين عبد الوهاب والعندليب، وعندما سأله عبد الوهاب عن رأيه في صوت عبد الحليم قال له:”الولد ده حكاية ما تسيبهوش يا عبده ده الصوت الواعد الجديد”.

رصيد “عبد الغني السيد” في الإذاعة أكثر من 800 أغنية، وفى السينما 16 فيلما فقط  تنوعت أدواره فيها بين التمثيل والغناء، ولم يقم بدور البطولة سوى في 6 أفلام، منها: “شيء من لا شي، وشارع محمد على، وراء الستار، الكيلو 99، ضحيت غرامي”.

كما قدّم “عبد الغني السيد” العديد من الأغاني الوطنية في مرحلة الخمسينيات تقارب الـ30، وضاع معظمها في أرشيف الإذاعة إلى أن قامت السيدة هدى نجلة الرئيس “جمال عبد الناصر”، بإعطاء نجله “محمد” بعض هذه الأغنيات التي كانت تحتفظ بها، ومع استلام الرئيس “أنور السادات” الحكم، منع إذاعة هذه الأغاني، ومن أشهرها “من شعبي إلى عبد الناصر، خمس فدادين، الأرض دي أرضنا، العربي أخو العربي، نداء الوطن، كلنا عمال، يا مسافر المنصورة، تحيا بلادي، ثورة الأحلام”.

وفاته..

“عبد الغنى السيد” 9 ديسمبر 1962 قبل أن يتجاوز عمره 54 عامًا.

https://www.youtube.com/watch?v=SPVrcW8ea24

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة