خاص: إعداد – سماح عادل
“عبد العال الباقوري” كاتب وصحفي مصري، كان مدير تحرير جريدة “الجمهورية” الأسبق، ورئيس تحرير جريدة “الأهالي” الأسبق، ووكيل نقابة الصحفيين الأسبق. من مواليد 1942 بمدينة الباقور في محافظة أسيوط ، وله عدة مؤلفات عدة حول القضية الفلسطينية والشرق الأوسط وهو علما بارزا من أعلام الصحافة العربية والمصرية وتتلمذ علي يديه أجيال عديدة من الصحفيين.
مخطط إسرائيلي..
في مقالة له بعنوان (مخطط إسرائيلي: «سايكس – بيكو» جديد) يقول “عبد العال الباقوري في 2011: “نحتفي جميعا بالثورة والثوار ونصفق لهما عملا وإنجازا أدهش العالم كله ورآه انجازا فريدا، وفي الوقت نفسه نضع العين قراءة ومتابعة وتحليلا لموقف إسرائيل مما يجري في بلدنا. وفي كل بلد عربي خاصة البلاد التي تشهد ثورات، وفي حين ترصد إسرائيل وتتابع تطورات وأحداث «ربيع الديمقراطية العربي»، وفي حين يخرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليقول أو يدَّعي: «هناك زلزال يهز الوطن العربي. ولا نعرف مصير هذه الأحداث»، وفي حين يعلن إسرائيليون كثيرون خشيتهم من وصول رياح «الثورة العربية» إلى ربوع فلسطين المحتلة لتثير انتفاضة جديدة، وتفجر ثورة شعبية مليونية كاسحة، ليس لها من قدرات إسرائيل مانعة، وينعون على حكوماتهم ترددهم في قبول تسوية معقولة.. في حين يحدث هذا كله خرج صحفي إسرائيلي كبير بمقال يستحق اهتماما عربيا شاملا، والغريب أن هذا المقال يعيد اليوم وفي ضوء أحداث «ربيع الديمقراطية العربي» ومع ردود الفعل الدولية على هذا الربيع يعيد مضمون ومحتوى مثيل له يرجع إلى أوائل ثمانينيات القرن الماضي كان عنوانه «إستراتيجية إسرائيل في الثمانينيات»، وهي إستراتيجية لتمزيق الوطن العربي أكثر مما هو ممزق، وهذه فكرة أصيلة في الفكر الصهيوني والاستعماري منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وما أكثر الوثائق الصهيونية بهذا الخصوص، وهناك كتب ومقالات ودراسات عربية عديدة حول هذا المقال الاستراتيجي الصهيوني بحيث لا يوجد داع لإعادة الحديث عنه مرة أخرى، ويكفي التذكير به لمقارنة مقال أمس ومضمونه بمقال اليوم الذي كتبه آلوف بن وهو أحد الصحفيين والمحللين الإسرائيليين الكبار. ونشرته صحيفة «هآرتس» في 25 آذار (مارس) الحالي بعنوان: «كان سلاما.. سلام سايكس- بيكو» أي يستعيد تاريخ الاتفاق البريطاني الفرنسي أثناء الحرب العالمية الأولى على تقسيم المشرق العربي وتوزيعه بينهما، وكانتا قد اتفقتا من قبل على تقسيم المغرب العربي بما في ذلك مصر، فيما عرف بالاتفاق الودي الذي وقعتاه في 1904 وقد أبرمت بريطانيا الاتفاق الجديد سرا مع فرنسا، ومن وراء ظهر العرب الذين كانوا يخوضون الحرب معها تحت راية «الثورة العربية الكبرى» ضد العثمانيين. وكان ذلك بناء على مراسلات معروفة ومكاتبات بين بريطانيا والشريف حسين بن علي قائد الثورة العربية تضمنت نصوصا حول الدولة العربية المستقلة التي ستقوم بعد أن تنتهي الحرب وتضع أوزارها. وحدود هذه الدولة. ولكن بريطانيا داست على كل هذه الوعود وأعطت الصهاينة «وعد بلفور» وعقدت اتفاق «سايكس ـ بيكو» مع فرنسا ويستعيد الصحفي الإسرائيلي تاريخ ذلك الاتفاق وهو يستعرض أحداث اليوم و«ثورات» العرب هنا وهناك، ليقول بصريح العبارة وبوقاحة التعبير: إن هناك خريطة جديدة للمنطقة في السنوات القريبة المقبلة. وترى إسرائيل في هذه الخريطة فرصا كبيرة لماذا؟ لأنه كلما أحاط بها عدد أكبر من الدول سيسهل عليها المناورة فيما بينها!!، ويقول بلسان الواثق مما يكتب أن الثورات والحروب في الدول العربية لن تؤدي فقط إلى تغيير الأنظمة بل وإلى إعادة رسم خريطة المنطقة.. إن الحدود الموروثة منذ تقطيع أوصال الإمبراطورية العثمانية توشك على التغيير مما يبشر بنهاية وشيكة لاتفاق سايكس بيكو. وفي السنوات القريبة المقبلة والكلام نصا للصحفي الإسرائيلي ستظهر فوق خريطة المنطقة أعلام دول مستقلة جديدة أو مجددة جنوب السودان، وفلسطين، وكردستان، وربما كورنايكا «أي بنغازي» في شرقي ليبيا، والصحراء الغربية، وجنوب اليمن، وإمارات في الخليج تنفصل عن الاتحاد «يقصد دولة الإمارات العربية المتحدة»، ويحتمل حدوث انشقاق في السعودية إلى دولة المقدسات في الحجاز. وقوة بترولية عظمى في الشرق مع انشقاق سوريا إلى دولة سنية وأخرى علوية وثالثة درزية”.
رسم الحدود..
ويواصل “عبد العال الباقوري”: “ثم يضيف ألوف بن: إن إعادة رسم الحدود في الشرق الأوسط تم بالقوة بالحروب وبالثورات الشعبية وقد بدأ مع الاجتياح الأميركي للعراق الذي حطم الحكم المركزي لصالح جيوب عرقية، وتواصل مع الانسحاب الإسرائيلي من غزة و«إقامة دولة بالفعل» تحت سيطرة حماس. ومع الاستفتاء الشعبي على تقسيم السودان «قد تسارعت المسيرة مع الثورات في الدول العربية. والتي ماتزال في بدايتها. وقد أدت حتى الآن إلى حرب في ليبيا.» ويستشهد الصحفي الإسرائيلي على ذلك بكتاب فرج قانا وهو كاتب أميركي بعنوان «كيف يدار العالم» الذي صدر عشية الثورة في تونس ومصر. وتوقع فيه إن المنظومة الدولية ستصبح مكونة من 300 دولة مقابل 200 فقط حاليا والولايات المتحدة ومعها الدول الكبرى الأخرى يمكنها ويجب عليها أن تساعد في هذا الحل «ليس في إعادة ترسيم الحدود فقط، أو في التصويت في الأمم المتحدة بل وفي إقامة بنى تحتية تمنح سندا اقتصاديا للدول الجديدة، وتحررها من التعلق بجيران أقوياء مثل تركيا وإسرائيل»!!.. ويعود آلوف بن إلى كتاب من أهم الكتب عن اتفاق سايكس بيكو. وهو بعنوان: «سلام ما بعده سلام: ولادة الشرق الأوسط 1914ـ1922» للكاتب الأميركي دافيد فرومكين ليبين كيف دخل «المشروع الصهيوني» على الخط ضمن ذلك الاتفاق الذي سبق صدور وعد بلفور بعام واحد. والرواية هنا مقصودة ومتعمدة ليصل منها الصحفي الإسرائيلي إلى نقطتين كل منهما أهم من الأخرى.. الأولى: أن القوى العظمى لن تحاول إحباط عملية تقسيم دول المنطقة بل ستسهم فيها!.. الثانية: سيكون لإسرائيل دور مزدوج فهي ضالعة بشكل مباشر في الصراع وفي إقامة فلسطين المستقلة وتعيين حدودها كما أنها ستتأثر بقدر كبير من تفتت الدول المجاورة، وعلى رأسها الأردن وسوريا والسعودية. ويخلص بن من ذلك إلى أن «سياسة إسرائيلية صحيحة تستطيع أن تلتقط الفرص التي ينطوي عليها ظهور دول جديدة وتعرف كيف تستغلها، يمكنها أن توجه المسيرة الحتمية نحو زيادة قوتها وتوسيع نفوذها في المنطقة».. هل هناك وضوح أكثر من هذا؟ لا أظن والمسؤولية علينا حين نقرأ ثم نهمل ما نقرأه كأن نستبعد حدوث هذا المخطط، أو نهزأ به، أو يظنه البعض ضربا من حديث «المؤامرة»!! ولنا هنا أن نسأل: هل كان اتفاق سايكس – بيكو شيئا غير مؤامرة كاملة الأركان؟ وهل وعد بلفور شيء آخر؟، فما بالنا و«المؤامرة» هنا علنية مفضوحة. ومشروحة تفصيلا، إلا إذا كان فيها ما هو أخطر مما لم يتطرق إليه آلوف بن”…
ويكمل: “وقد يقول قائل: هل تحققت «إستراتيجية إسرائيل في الثمانينيات» كي يتحقق هذا المخطط؟ مثل هذه المخططات لا توضع كي تنفذ كاملة بل يتم التنفيذ غالبا على مراحل. ويكفي هنا أن نشير إلى ما تحقق منها أي انفصال جنوب السودان وما قد يعكسه على أجزاء أخرى من البلد الشقيق وتقسيم العراق بشكل واقعي أو فعلي.. وهنا وكي لا نضل أو يضل غيرنا يجب أن نفرق بين الثورات الشعبية العربية الأصيلة والفريدة في بابها من ناحية، وبين المخططات التي تحاول من ناحية أخرى أن تستغل حدوث هذه الثورات كي تحرفها عن مسارها، أو تستغلها لتحقيق أهداف ومآرب أخرى، وهذا ليس استثناء بل هو أمر معروف في تاريخ الثورات.. وفي الوقت نفسه يجب ألا نستبعد وجود أصابع صهيونية بل وأميركية تحاول أن تلعب هنا أو هناك في هذا البلد العربي أو ذاك من البلاد التي شهدت ثورات حقيقية أو تعيش حالة «ضوضاء ثورية».. وخلاصة القول بإيجاز إن ما حدث ويحدث في البلاد العربية من تونس إلى اليمن مع فوارق بين كل بلد وآخر أكبر من أن تتركه أميركا وإسرائيل دون أن تحاول حرفه عن مساره، أو استغلاله بشكل ما كي لا يكون التغيير على حساب أي منهما، ولكل منهما في ذلك وسائل وأدوات وأهداف.. لعل أخطرها ما عرضه الصحفي الإسرائيلي مما لا يستحق أن يهمل أو نستهين بما عرضه. وقد تخفي المخططات ما هو أكبر وأخطر. ولن نخسر مصريين وعربا. شيئا إذا أدرنا الأمور على أن هذه هي أهداف العدو. ووضعنا الخطط المضادة التي تفسدها وتبطلها، وتقضي على سمومها”.
قيمة مهنية..
توفى “عبد العال الباقوري” بالأمس عن عمر يناهز “76 عاماً” بعد صراع مع المرض.
وقال عنه الكاتب الصحفي “يحيى قلاش” على “تويتر”: “خسرنا قيمة مهنية كبيرة وإنسانا لا يعوض ووطنيا شريفا ونقابيا يشهد له بالتفاني والإخلاص، وعندما وقع على بيان منذ عدة أسابيع ضد قانون (اغتيال الصحافة) ذكر وقعوا باسمي الرباعي، وكأنه أراد من على سرير المرض أن يحتج بلا مواربة، وبأعلي صوته.. رحل عبد العال الباقوري.. البقاء لله”.
وتقول “فريدة النقاش” عنه في أحد المواقع المصرية: “وفاة عبد العال الباقورى خسارة مؤلمة وفادحة للصحافة المصرية، وكل من عمل معه أو قرأ له يدرك قيمته وتأثيره. كان رمزًا للمهنية والموضوعية، وهو ما نفتقده الآن كثيرًا، ليس في الصحافة وحدها، بل على جميع المستويات بوجه عام. كان الباقورى مخلصًا للغاية، لنفسه، ولقناعته، ولعمله، ولوطنه”.
ويؤكد “حسين عبد الرازق” أن: “الباقورى كان خلوقًا، ومخلصًا، ومحبًا لمساعدة الجميع، لا يبخل بمعلومة أو تعاون مع أي شخص، وبإمكانه فعل المزيد دائمًا من أجل الآخرين.. سأفتقده كثيرًا، عملنا معًا لسنوات، واقتربنا كثيرًا خصوصا أثناء نشرة الاتحاد الاشتراكي، عندما عرفته عن قرب، وبدأت بيننا علاقة امتدت حتى رحيله. لم تكن علاقة عادية كزميلين في العمل أو كاتبين وحسب، بل علاقة إنسانية عميقة، يزورني في بيتي وأزوره في بيته، وبيننا من المودة والمواقف الإنسانية ما يفيض عن الكلام”.
ويقول “عزت القمحاوى”: “عملت معه لفترة، كان خلوقًا للغاية، وصفة الإخلاص من مكوناته الرئيسية، مخلصًا للناس وللصحافة ولكل شيء. أنجز الكثير في صمت دون صخب أو ضجيج بلا معنى، وسيفتقده الملف العربي والشأن الفلسطيني خصوصا بعد وفاته.. نجح الباقورى في ما لم ينجح فيه الكثيرون، عاش لقناعاته، ومات بها، لم تغيره السنوات، لا العمل ولا الغربة ولا الإنجاز الصحفي. ترك أثرًا في كل مكان عمل به، وأثره في الملف العربي واضح للجميع، كان كاتب مقال من الصف الأول، يعرف جيدًا ماذا يريد وكيف يبعث برسائله وكيف يطرح تصوراته ورؤاه، كاتب صحفي من طراز رفيع جمع بين الصحافة والبحث، فلم يكتفِ بالعمل في الجمهورية أو الأهالي، بل أنجز العديد من الكتب في الشأن العربي، وهو ما يمنح ميراثه الفكري قيمة إضافية”.
وتقول “سكينة فؤاد”: “أن تأثيره الصحفي لا ينكر، كما أن كتاباته اللافتة كانت تجبر الجميع على قراءته والإنصات لصوت الكتابة الصادق المفعم بالفهم العميق لما يحدث على الساحة..تابعت كتاباته باهتمام كبير، وكنت أنتظر ما يقدمه من جديد. كان هادئًا، لم يدخل في معارك وهمية، ولم يستنزف نفسه وقلمه في خرافات، بل كان يجلس ليكتب ويبحث ويقرأ، في محاولة لترك شيء له قيمة، تضمن له حياة إضافية بعد الرحيل، وهو ما يطمح فيه أي كاتب نبيل”.