6 أبريل، 2024 9:57 م
Search
Close this search box.

عبد السلام محمد عارف.. رئيس جمهورية انقلاب 8 شباط 1963

Facebook
Twitter
LinkedIn

إعداد/ هادي حسن عليوي
جريء.. شجاع لحد التهور.. متسرع جداً.. صريح.. لا يعرف المناورة.. يحقد على جميع من يتخاصم معه منذ طفولته.. قاسي.. ويضمر ما في قلبه.. يقتحم المواقف الصعبة.
السيرة والتكوين:
ولد عبد السلام محمد عارف يأس الخضر ألجميلي في21 آذار 1921.. في محلة سوق حمادة بجانب الكرخ.. والده محمد عارف.. وأسمه (مزدوج ـ مركب).. يعمل بزازاً وورث المهنة عن والده.. أما والدته فهي: السيدة سته جاسم الرجب.. أكمل دراسته في بغداد: الابتدائية.. والثانوية.. والإعدادية.
ـ نهاية العام 1937 أعلنت وزارة الدفاع إنها تقبل الطلاب ممن لم يدخلوا الامتحان الوزاري (البكلوريا) في الكلية العسكرية.. فقدم عبد السلام أوراقه للقبول بالكلية.. وقبل 19 شباط 1938.. وفي 7 أيار 1939تخرج برتبة (ملازم ثان).

عارف.. وحركة رشيد عالي الكيلاني:
في أيار /مايس 1941 قامت حركة رشيد عالي الكيلاني.. وكان عبد السلام آنذاك أمر لوحدة حراسة سجن معسكر الرشيد.. وهو المكان الذي تم فيه حجز الضباط والجنود الذين شاركوا فعليا في حركة رشيد عالي.. وفي شهادة اللواء الركن محمود شيت خطاب له: “عرفتُ عبد السلام محمد عارف في سجن معسكر الرشيد ولمستُ فيه تعاطفه مع المعتقلين”.

الغش في الامتحان:
العام 1946 كان الملازم الأول عبد السلام أمر ألفصيل الثالث في الكلية العسكرية.. كلف في دورتها ال (24).. بمراقبة امتحانات الطلبة.. لكن عبد السلام أستبدل دفتر امتحان الطالب: (عرفان وجدي) وهو من المتفوقين بدفتر امتحان الطالب: (نجدت قاسم مقصود).. ووضع الرقم ألامتحاني لدفتر الطالب عرفان على دفتر الطالب نجدت!!.
فسر هذا التصرف بمثابة سرقة جهد طالب متميز ومنحها لطالب خامل.. على أثر ذلك طلب آمر الكلية العسكرية العقيد الركن (أمين خاكي) برقياً إلى وزارة الدفاع نقل عبد السلام من الكلية العسكرية.. فتم نقله إلى فوج يتمركز في شمال العراق عقاباً له.

ـ دخل كلية الأركان في 31 آذار 1949.. وتخرج منها في 23 نيسان 1951.

طائفيته:
يسجل على عبد السلام طائفيته العلنية.. فيسمي الشيعة (روافض وعجماً).
ـ يذكر هديب الحاج حمود.. وزير الزراعة بحكومة الثورة: “إن عبد السلام ذكر لأحد الضباط الأحرار الموجودين معه في الفوج ليلة 14 تموز 1958.. بأنهم سينفذون الثورة.. وهناك ثلاث جماعات يجب استئصالها.. هم: الأكراد.. والمسيحيون.. والشيعة”.
ـ تدارك عبد السلام الخلل المتمثل بوجود أغلبية شيعية في قيادة حزب البعث المدنية.. فقام بحركة 18 تشرين الثاني العام 1963 للتخلص من البعثيين الشيعة.. ففي البيان الأول لحركة عبد السلام عارف.. أشير إلى هؤلاء بكلمة (الشعوبيين).. الوصف الذي يستخدمه الطائفيون في الحركة القومية للشخصيات الشيعية.(4)
ـ يورد هاني الفكيكي.. حادثة طريفة.. حيث يصف فيها هجوم الضباط القوميين مساء 11/11/1963 على القاعة التي كانت القيادة القطرية لحزب البعث مجتمعة فيها لمناقشة الأزمة.. فيقول: “وضجت القاعة بالاحتجاج والصياح والشتائم..عندما أصر سعدون حمادي على المغادرة.. وأعلن أن ما يجري مؤامرة لن يشارك فيها.. ولعلنا نجد في جواب المقدم علي عريم على إصرار سعدون بعضاً من أسباب الانقلاب ودوافعه.. إذ قال: اخرس عبد الزهرة!!. والزهراء هي فاطمة بنت النبي محمد.. وفقراء الشيعة درجوا على تسمية أبنائهم بـ “عبد الزهراء” ويقال أن اسم والد سعدون أو جده عبد الزهراء. (5)
ـ يقول حسن العلوي إن وضع الشيعي في السلطة.. وفي جميع الفترات هش دائماً.. مهما بدا للناس انه قوي ومؤثر.. وان العراقي في المفهوم الرسمي يظل طائفياً إذا لم يشترك في حملة اضطهاد الشيعة.. وإن كان سنياً كعبد الكريم قاسم.. وهذا يجعل شيعة السلطة في مأزق فلا هم محسوبون على السلطة.. ولا هم محسوبون على الشيعة.(6)
ـ يذكر الفكيكي: “ونظرة عبد السلام إلى الأكراد لم تكن أفضل حالاً من نظرته إلى المسلمين الشيعة.. إذ كان يردد باستمرار كلمة (الشعوبية).. وأذكر أنا ومحسن الشيخ راضي.. وصلنا مرة متأخرين إلى إحدى جلسات مجلس قيادة الثورة.. فقال عبد السلام: جاء الروافض.. وكان يقصد بذلك إننا شيعيان.. الشيء الذي حمل أنور ألحديثي على الاحتجاج طالباً إلى عارف الاعتذار عن هذا التعبير”.
ـ يقول الدكتور سعيد السامرائي: عرف عن عبد السلام انه لا يحتمل رؤية الشيعي.. حتى أنه قطع زيارته لشركة التأمين الوطنية يوماً (العام 1965 أو 1966) لأنه وجد أن مدراءها ورؤساء أقسامها وشُعَبها هم إما من الشيعة أو المسيحيين.. الذين تبوءوا هذه المناصب بكفاءتهم في هذه المهنة (التأمين).. التي لا تحتمل وضع غير الكفء فيها. (8)
ـ لأن السياسة كانت شبه محتكرة على العرب السنة منذ تأسيس الدولة العراقية.. لكن في عهد عارف لاقى صعوداً حاداً وسريعاً ضد الشيعة.. لذا توجه الشيعة للتجارة فنجحوا فيها أيما نجاح.. وفي هذا الصدد يقول حنا بطاطو: أنه (بعد هجرة اليهود في الخمسينات).. ملأ الرأسماليون الشيعة إلى حد كبير الفراغ الناجم في المجال التجاري البحث.. ووصل هؤلاء في منتصف الخمسينات إلى شغل المراكز المسيطرة في أسواق بغداد الخاصة بالأقمشة والثياب والقمح.. ووقعت غرفة تجارة بغداد تحت سيطرتهم أيضاً.. وبينما كان لهم في السنة المالية 1935 مقعدان فقط من أصل ثمانية عشر مقعداً في اللجنة الإدارية للغرفة.. أصبح لهم في السنة المالية 1957 أربعة عشر مقعداً من أصل ثمانية عشر.(9).. وكانوا قد سيطروا على سوق الشورجة ومجالات أخرى.
ـ فعندما هيمن عبد السلام على السلطة.. أصدر قرارات التأميم العام 1964.. واستولت الحكومة على معظم التجارة.. لاسيما الخارجية.. وكانت القرارات هذه انتقاما من التجار الشيعة الذين تضرروا منها أكثر من غيرهم.. وحتى المعامل والمؤسسات الاقتصادية مثل البنوك وغيرها التي تم تأميمها.. وتم طرد الإداريين الشيعة والمسيحيين.. وعين مكانهم ضباط من الجيش.. وكانت تلك الإجراءات التعسفية ألحقت أشد الأضرار بالاقتصاد العراقي.. ليأتي صدام حسين فيما بعد ليعدم 42 تاجراً شيعياً العام 1992 بحجة التلاعب بالأسعار.
ـ الدكتور عبد الرزاق محي الدين.. وزير الوحدة في عهد عارف.. عندما كان عارف يقوم بتعديل وزاري.. يلتفت إلى جماعته سائلاً: (وماذا نعطي للعجم؟ يقصد الشيعة).. كانت وزارة الوحدة التي أسنِدتْ إلى الدكتور محي الدين عبارة عن خدعة مكشوفة.. لأنه لم يخصص لها حتى مكتب في غرفة خاصة بهذه الوزارة النكتة!.
ـ هذا لا يبرر إن سكرتيره الخاص الرائد عبد الله مجيد من النجف.. وكان مخلصاً لعارف.. ويعتمد عليه عارف اعتماداً كبيراً.
ـ جاء الإمام الخميني الى العراق في أيلول العام 1965.. وتم إبلاغ الرئيس عارف بأنه وصل الى العراق لاجئ رجل دين من إيران اسمه الخميني ومعه اثنين من مرافقيه.. ويرغب البقاء في العراق.. فقبوله والتوصية به.. لان عارف ضد إيران.
ـ لم يكن عارف يتفق في أفكاره بشأن حل القضية الكردية مع رئيس وزرائه عبد الرحمن البزاز.. وكان يصر على الحل العسكري.. وهكذا واصلت حكومة البزاز.. بتأثير عارف وكبار العسكريين.. لاسيما وزير دفاعه عبد العزيز العقيلي شن الهجمات العسكرية على كردستان (أيلول 1965ـ نيسان 1966).. انتهت كسابقاتها بالفشل.. بعد أن كلفت العراق مليون دولار في اليوم الواحد.. واستمرت الحرب.. لكن مصر عارف في 13 نيسان 1966 بدأت مرحلة جديدة من تاريخ العراق والحركة الكردية.

عارف.. وثورة 14 تموز:
أصيب عارف بعد نجاح ثورة 14 تموز بحالة من الخيلاء بسبب دوره في الثورة جعلته ينفرد باللقاءات الصحفية وإلقاء الخطب الحماسية.. وبدأت هواجسه تتعاظم من إبعاده من الحكم.. وتتفاقم الهواجس الأخرى جراء التناقض والصراع الأيديولوجي بين الكتلتين في الساحة العراقية.. اليساريون والديمقراطيون من جهة.. والقوميون العرب والإسلاميون من جهة أخرى.
صراع انتهى بإقصاء عارف وكتلته القومية وإحالته إلى المحكمة الخاصة.. وسجنه..معاناته في السجن غيرت الكثير من شخصيته.. فأصبح أكثر عمقاً وتفهماً للسياسة المحلية والدولية.. كذلك اقتناعه بعدم إمكانية تحقيق الوحدة العربية.. ما لم تتحقق الوحدة الوطنية لكل قطر عربي.

الصداقة .. بين عارف وقاسم:
تعود صداقة بين عبد السلام عارف وعبد الكريم قاسم إلى العام 1938 عندما عارف تلميذاً وقاسم محاضراَ في الكلية.. وبعد تخرج عبد السلام من الكلية افترقا مدة عام واحد.. والتقيا في البصرة.. ويبدو إنهما تكلما عن سوء الأوضاع الداخلية في العراق وتذمرهما من التدخل البريطاني السافر في شؤون القوات المسلحة بصورة خاصة والبلاد بصورة عامة.. وتوصلا إلى انه لا يمكن تخليص البلاد من هذا الواقع السيئ إلا بتدخل الجيش.
استمرت صداقتهما برغم تغير مواقع عملهما.. وفي العام 1956 بلغ عارف بالسفر إلى الأردن مع اللواء التاسع عشر الذي يقوده قاسم.. وهكذا استمرت علاقتهما.. وعندما وقعت حرب فلسطين العام 1948 سافرا معاً.. ليلتقيا في جلولاء قاسم أمرا للواء التاسع عشر.. وعارف أمر فوج في اللواء العشرين.

عارف.. وتنظيم الضباط الأحرار:
التحق عبد السلام عارف بتنظيم الضباط الأحرار في منصورية الجبل الذي كان يقوده عبد الكريم قاسم.. وعندما أصبح قاسم عضواً في اللجنة العليا للتنظيم الموحد أحضر عبد السلام عارف في الاجتماع الثاني للجنة العليا.. وقال لهم إن عارف عضو في تنظيم المنصورية.. ويعرف كل شيء ويجب إن يكون احد أعضاء اللجنة العليا.. فوافق أعضاء اللجنة العليا على ذلك.. بعد أن أصبحوا أمام الأمر الواقع كان ذلك في كانون الثاني العام 1957.

المصير المشترك:
أصدرت رئاسة أركان الجيش أوامرها إلى اللواء العشرين المعسكر في منطقة جلولاء للسفر إلى الأردن.. وكان عبد السلام عارف وعبد اللطيف الدراجي آمري فوجين في هذا اللواء وبالتنسيق مع الزعيم عبد الكريم قاسم آمر اللواء التاسع عشر تقرر إعلان الثورة حال وصول اللواء بغداد.. ويبدو إن عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وعبد اللطيف الدراجي لم يبلغوا أحداً من الضباط الأحرار بالثورة حفاظاً على سريتها.. وهو الأسلوب الأمثل والصحيح لتأمين نجاح الثورة.. وعدم وصول أية معلومة أو إشارة يشم منها التحرك للقيام بانقلاب.. وهو الأسلوب الذي جبل عليه عبد الكريم قاسم.
وفي مساء 13تموز العام 1958 تحرك اللواء العشرين من مدينة جلولاء (شمال بغداد) بقيادة آمره العميد الركن احمد حقي محمد.. ولدى وصوله مدينة بعقوبة.. أقنع عبد السلام آمره بالذهاب لمقره في الفلوجة (غرب بغداد) ليستقبل اللواء فيها.. وبذلك أصبح عارف أقدم ضابط مسئول في اللواء.
وعند الفجر وصل اللواء خان بني سعد.. فبدأ عارف بتنفيذ الخطة.. فأرسل عدداً من الضباط لاعتقال آمر الفوج الثاني المقدم الركن ياسين محمد رؤوف.. الذي عارض فكرة الثورة وتسلم معاونه المقدم عادل جلال قيادة هذا الفوج..
لم يواجه اللواء العشرون بقيادة العقيد الركن عبد السلام محمد عارف.. مقاومة مهمة خلال عملية السيطرة على المراكز المهمة في بغداد.. واحتل عارف مبنى الإذاعة العراقية في منطقة الصالحية بجانب الكرخ من بغداد.. واتخذها مقراً مؤقتاً له.. وفي الساعة السادسة من صبيحة يوم الثورة أذاع بنفسه البيان الأول للثورة والبيانات اللاحقة.. وبسيطرته على دار الإذاعة كسب عارف المعركة ونجحت الثورة.

عقدة الرجل الثاني:
ـ جاءت الحوادث السريعة في الأيام الأولى للثورة لتدفع بعبد السلام عارف إلى السطح.. حيث برز اسمه.. وهنا فعلت النوازع الفردية لديه فعلها.. مما أدى به إلى الوقوف بوجه قاسم في كثير من القرارات.
ـ كما انه كان يوحي للآخرين بسلوكه مع عبد الكريم قاسم وكأنما هو (إي عارف) قائد الثورة.. وهو الذي نصب عبد الكريم قاسم.
ـ كما اخذ عارف يعمل بسرعة.. وبشكل متواصل لكسب الضباط والجنود وأبناء الشعب.. فنصب نفسه رسولاً للثورة يتجول في المدن والقرى وفي وحدات الجيش ويلقي الخطابات المستمرة.. التي كان لا يذكر فيها اسم (عبد الكريم قاسم) إلا ماندر.
ـ أثارت خطب عارف المرتجلة وتحركاته غير المدروسة الشارع العراقي.. ومزقت النسيج العراقي وأثارت الضغائن بين المواطنين وابرز تحركه روح الطائفية المقيتة.. ولم يجد قاسم بداً من حل من دون أي يهز أركان الثورة.. فاستدعى سفير الجمهورية العربية المتحدة في بغداد الى وزارة الدفاع.. وحين وصوله استقبله العقيد فاضل عباس المهداوي والمقدم وصفي طاهر.. وبعد بروتوكول الاستقبال تحدث المهداوي مع السفير بصوت مسموع.. وهو يقول للسفير المصري: “سيدي السفير.. أرجوكم انصحوا الأخ عبد السلام عارف وأقنعوه أن يبتعد عن البلد لمدة قصيرة.. ليكن سفيراً للعراق في أي بلد يختاره.. واتركوا الزعيم عبد الكريم قاسم يحقق الوحدة العربية.. هل سمعتم خطاب عبد السلام في مدينة الحي ؟! لقد أحدث بلبلة بين صفوف الشعب”.. وحين نقل احد الأصدقاء إلى عبد السلام وهو في وزارة الداخلية ما دار بين المهداوي والسفير المصري.. كان جواب عبد السلام: “لا اصدق هذا الكلام.. أنا الذي جعلت عبد الكريم قاسم رئيسا للوزراء.. واستطيع الآن بظرف ساعة واحدة أن أبعده عن كرسي الرئاسة.. ومهما قيل فأنا لا أتصور إن أحداً يستطيع أن يدس بيني وبين أخي عبد الكريم قاسم”.

محاولة الاغتيال الأولى:
حاول عبد السلام عارف القيام بعملية عسكرية للإطاحة بعبد الكريم قاسم.. وتنصيب نفسه رئيسا للوزارة وذلك عن طريق لواء المشاة العشرين.. الذي قاده إلى ثورة 14 تموز.. وحدد عارف يوم 14 أيلول 1958 لتنفيذ العملية.. وقد كشف عن محاولته عندما اتصل هاتفياً في المطار حيث كان كل من الضابطين (محمد مجيد وصبحي عبد الحميد).. اللذين كانا يستعدان للسفر إلى القاهرة في يوم التاسع من أيلول.. كذلك كان هناك المقدم صبيح علي غالب الذي كان يروم الالتحاق بوظيفته الجديدة كملحق عسكري في تركيا.. وإثناء وجودهم في باحة المطار.
والحقيقة إن عبد السلام عارف كان قد فقد سيطرته على اللواء العشرين عندما وافق قبل فترة من ذلك التاريخ.. على نقل آمر اللواء عبد اللطيف جاسم (الموالي له) إلى أمرية الكلية العسكرية.. على الرغم من نصيحة الضباط القوميين له بإبقائه على رأس هذا اللواء.. الذي كان يمثل القوة الضاربة في بغداد.. من جانب آخر يبدو إن عبد الكريم قاسم علم بهذه المكالمة.. واستفسر من مدير الاستخبارات العسكرية العقيد رفعت الحاج سري عن تلك المكالمة.
المهم إن الزعيم عبد الكريم قاسم استطاع قبل ثلاثة أيام من تنفيذ الحركة المقررة أن ينتزع المبادأة من عبد السلام ويعزله بطريقة بارعة.. من دون إثارة قلاقل.. وجاء في بيان الإعفاء لمجلس الوزراء: (إن هذا التبرير ليس إقالة.. وإنما ليستطيع عبد السلام عارف الانصراف لمهمات وزارته).. حيث تضمن البيان إعفاء عبد السلام عارف من منصب نائب القائد العام للقوات المسلحة.. وبالتالي إبعاده عن الجيش).. مستنداً بذلك على تذمر قادة الفرق من إن عارف اقل جاء فيه: رتبة عسكرية منهم.. فكيف يكون نائبا عاما لقيادة القوات.
ـ لم يجد عبد الكريم بداً من حسم الآمر وإعادة المناخ الهادئ للثورة والجيش.. وهكذا اصدر في الثلاثين من أيلول العام 1958 بياناً جاء فيه:
1- إعفاء العقيد الركن عبد السلام محمد عارف من منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية وكالة.. وتعينه سفيراً للجمهورية العراقية لدى جمهورية ألمانيا الاتحادية.

محاولة الاغتيال ثانية:
رفضً عبد السلام الالتحاق بمنصبه الجديد.. وقدم استقالته رسمياً من منصب سفيراً في ألمانيا.
في صباح يوم 11 تشرين الأول 1958 استدعاه قاسم في محاولة لإقناعه ثانية بالسفر الى بون وحدثت مشادة كلامية عنيفة بين الاثنين.. سحبً عبد السلام مسدسه خلسة.. لكن قاسم لمحة صدفة فسارع نحوه ومسك يده.. وقام كل من عبد الكريم قاسم والزعيم الركن المتقاعد فؤاد عارف (متصرف كربلاء).. الذي كان حاضراً اجتماعهما.. بانتزاع المسدس من يد عبد السلام وافرغ أطلاقاته.. وحدثت فوضى وحضرً الزعيم الركن محي الدين عبد الحميد والعقيد الركن عبد الكريم الجدة.. وعلى اثر هذا الحادث عقد اجتماع موسع حضره قادة الجيش الذين أكرهوا عبد السلام على السفر لتولي منصبه الجديد.. حلاً لهذا الموقف.. فقد اتهمً قاسم عارف بمحاولة قتله.. فيما برر عارف سحب مسدسه لغرض انتحاره.

إحالته للمحاكة:
سافر عارف في اليوم التالي.. على أن يعود إلى بغداد بعد ثلاثة أسابيع وبموافقة عبد الكريم قاسم حسب ما ورد في محاكمة عبد السلام عارف فيما بعد.. وقد حضر عبد الكريم قاسم وجميع قادة الجيش إلى المطار في توديعه.. لكن عارف لم يذهب إلى بون وإنما ذهب إلى فينا.. وعاد إلى بغداد بدون موافقة قاسم.. فأصدر قاسم أمراً بحجزه.. بعد أن استدعاه إلى وزارة الدفاع ووبخه على مجيئه دون موافقة.. وفي نفس الليلة أذيع بيان من الإذاعة العراقية إلى الشعب العراقي يعلن فيه توقيف عبد السلام عارف.. وإحالته إلى المحكمة العسكرية العليا الخاصة بتهمة تدبيره مؤامرة لقلب نظام الحكم.
أحيل عارف إلى المحكمة العسكرية الخاصة في 9 كانون الأول 1958.. ونظرت المحكمة في التهم الموجهة لعبد السلام عارف واستمعت إلى شهادات الشهود.. وهم من الضباط الأحرار (أعضاء اللجنة العليا) وبعض المسؤولين الآخرين.. كما استمعت لإفادة المتهم ومحامي الدفاع.

قرار الحكم :
وفي الخامس من شباط العام 1959 صدر قرار الحكم بحق العقيد الركن عبد السلام محمد عارف.. ب:
أولا: الإعدام شنقاً حتى الموت.
ثانيا: إن المحكمة إذ تصدر حكمها بالإعدام عليه.. تودع الرأفة به لأمر سيادة زعيمنا العبقري باستعمال سلطته الواردة في المادة (80) من قانون معاقبة المتآمرين.

إطلاق سراحه:
بقيً عبد السلام في سجنه الانفرادي في سجن رقم واحد بمعسكر الرشيد العسكري القريب من بغداد.. ويقال انه كتبً رسائل استعطاف ورسائل استنكار للتآمر على زعامة قاسم.. وفي 24 تشرين الأول العام 1961 توجه اللواء الركن عبد الكريم قاسم الى سجن معسكر الرشيد وطلبً إحضار عبد السلام عارف وأمسكً بيده.. واركبه معه في سيارته.. ثم توجهت السيارة نحو قناة الجيش ببغداد في نزهة دامت أكثر من ساعتين.. ثم عاد عبد الكريم قاسم بصحبة عبد السلام إلى وزارة الدفاع.. وجلسا يتحادثان إلى الساعة الرابعة صباحاً.. ثم غادرا باتجاه منطقة الأعظمية إلى دار عارف.. وحين طرق أحد المرافقين باب منزل عارف خرجت إحدى قريباته فانذهلت عندما رأت عارفاً.. فصرخت عبد السلام وعبد الكريم! ثم خرجت زوجة عارف وأطفالها وتعانقا بعد فراق دام ثلاث سنوات وانهمرت الدموع.. وقالت زوجة عارف بالحرف الواحد: “شكراً لله الذي أعاد لنا الأخوين ثانية”.. ثم قبلً قاسم وجنات أطفال عارف السبعة.. ليغادر الى مقره.. وقد اعترف عارف في منزله: “يعلم الجميع إن هناك اتصالاً روحياً بيني وبين أخي الأكبر الزعيم عبد الكريم قاسم يفوق الوصف وسيبقى إلى الأبد”.. ويشدٌ عارف الرحال إلى الديار المقدسة ليؤدي فريضة الحج.. بعدها ظل عارف في بيته ليس له أي نشاط سياسي.. حتى انقلاب 8 شباط 1963.

الانقلاب على البعث:
يبدو إن عارف وافق بمنصب رئيس الجمهورية.. الذي عرضه عليه حزب البعث في حالة نجاح انقلابهم.. ولم يمضِ تسعة أشهر حتى اتفق القادة العسكريون وعبد السلام عارف على ضرورة إزاحة الحرس القومي (الجناح العسكري لحزب البعث) في ضربة تم تنفيذها في 18 تشرين الثاني العام 1963 وكانت ضربة قاسية لهذا الحزب.. وقد أطلق عليها احمد حسن البكر.. الذي أصبح نائب رئيس الجمهورية.. عبارة (الحركة التصحيحية).
كان لابد لعارف أن يعفي بقية قادة الحزب وينهي نشاط حزب البعث.. حيث يذكر الكادر الناصري صبحي عبد الحميد: حين بدأ البكر بإعادة تنظيم هذا الحزب.. من خلال الاجتماعات التي كان يعقدها في القصر الجمهوري.. ثار عبد السلام عارف وطلب من البكر نقل مكتبه إلى خارج القصر الجمهوري.. فاختار البكر مبنى المجلس الوطني.. وكان عارف يراقب تحركات البكر ويتابع نشاطه.. فغضبً البكر واعتكفً في بيته وتوقف عن ممارسة مهماته الرسمية (نائب رئيس الجمهورية).. وقد أرسل إليه عبد السلام عارف حردان التكريتي الذي أصبح نائب القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع.. كذلك العميد سعيد صليبي (آمر الانضباط العسكري وآمر موقع بغداد) لإقناعه بتقديم استقالته.. في حين أكد سعيد صليبي (آمر موقع بغداد): إن عبد السلام كان مصمماً على عدم السفر الى القاهرة لحضور مؤتمر القمة العربي الأول (الذي يعقد في 17-24 كانون الثاني العام 1964) ما لم يقدم البكر استقالته.. لأنه كان يخشى أن يشغل موقعه (نائب رئيس الجمهورية) ويقوم بحركة انقلابية ضده.. وهو في القاهرة.. وان من الأفضل له أن يستقيل لان عارف سيضطر إلى إقالته.. فقدم البكر استقالته أوائل كانون الثاني 1964.. وفي أيلول من العام نفسه أمر عارف باعتقاله بتهمة التآمر لإسقاطه.. ثم أمر بنقله من معسكر التاجي إلى موقع الحرس الجمهوري.. بعد أن شكا من تصرفات مدير الهيئة الحقيقية العقيد بشير الطالب.. وقد أطلق عارف سراحه العام 1965 بعد تدخل سعيد صليبي وعارف عبد الرزاق وعبد الكريم فرحان وطاهر يحيى وصبحي عبد الحميد.

مصرعه :
في مساء 13 نيسان العام 1966 بلغ الرئيس عبد السلام عارف نهاية الطريق!! فقد سافر إلى البصرة في زيارة تفقدية إضافة إلى وضعه حجر الأساس لمشروع مصنع الورق في البصرة.. وفي الثاني عشر من نيسان وصل البصرة ووضع الحجر الأساس للمشروع وسط احتفال كبير.. ووضع له منهاجاً مكثفاً جداً وزار مدينة القرنة.. وخلال عودته.. حيث كانت هناك ثلاثة طائرات هليوكوبتر.
حدثني (ليً أنا كاتب هذه الدراسة) الملازم الأول منذر سليمان عزت في صيف العام 1982 بشكل تفصيلي عن الحادث.. قائلاً: في يوم الحادث 13 نيسان.. وفي تمام الساعة السادسة والنصف عصراً كان كل واحد منا في طائرته.
ـ النقيب خالد محمد نوري في طائرة الرئيس.. وأنا ومعي بعض المرافقين.. أما زميلي عثمان نوري فكانت طائرته مكلفة بنقل عدد من الصحفيين ورجال التلفزيون.
بعد أربع دقائق كنا في الجو.. تأخر عثمان قليلاً لان محرك طائرته كان قد تعطل.. لكنه طار بعدنا بأربع أو خمس دقائق.. كان المفروض أن نطير من القرنة.. حيث اقلعنا إلى البصرة.. فجأة وجدتُ نفسي بالاشتراك مع المرحوم قائد طائرة الرئيس في منطقة جيوب هوائية فظيعة.. صار مدى الرؤية بعد ذلك صفراً.. فقد ملأ الغبار والتراب الأسود الجو بشكل فظيع.. هنا اتصل بيً قائد طائرة الرئيس وطلب مني أن أمر عثمان بالعودة.. ففعلتُ وسمعتهُ بعد ذلك يطلب من مطار البصرة أن يحدد له اتجاهاً لأنه فقد الاتجاه.. سمعتُ حواراً بين ضابط المطار والمرحوم خالد.. على الفور اتصلتُ بالمطار وتحدثتُ مع ضابط المراقبة بعنف.. وقلتُ له: (ألا تريد أن تفهم.. النقيب خالد معه رئيس الجمهورية.. حددوا له اتجاها بسرعة).. وكان رد السيطرة (المراقبة) لا توجد عندنا أجهزة لتحديد الاتجاه.. ثم حدث تتداخل بين أصواتنا الثلاثة (أنا والمرحوم خالد والمطار).. ويشاء الخط أن يتداخل معنا لاسلكياً صوت طيارة أخرى كانت تطير فوق عبادان بإيران.. كان يتحدث بالانكليزية.
بعدها بلحظات جاءني صوت خالد وسط حالة الرعب التي عشتها وعاشها الراكبون معي.. قال لي النقيب خالد وهو يصرخ (منذر.. عيني.. ألحقلي.. أنا في خطر.. افعل شيئاً).. في نفس اللحظة هاجمني جيب هوائي جعل طائرتي تنخفض حوالي ألف متر.. مدى الرؤية قليل جداً.. كانت المنطقة التي نطير فيها عبارة عن أهوار كلها برك ومياه.. وحاولتُ البحث عن طائرة المرحوم على الفور.
وفشلت كل محاولات إيجاد طائرة الرئيس.. وفي الصباح ظهر كل شيء.. لقد طارت ثماني طائرات من الشعيبة والبصرة وبغداد لتبحث عن الطائرة المفقودة.. ولقد تمكنت إحدى الطائرات بقيادة الرائد الطيار محمد إبراهيم ادهم من العثور على الطائرة المفقودة.. عثرت عليها حطاماً.. بقية الصورة لا يمكن وصفها.. بعدها لم تتمكن طائرة الرائد محمد إبراهيم ادهم من الهبوط.. لقد أعطت إشارات إلى مطار الشعيبة بأنها عثرت على الحطام.. وطار إلى هناك على الفور طيار شاب اسمه مذكور..واستطاع الهبوط ليصاب بهستيريا أمام ما شاهده.. واخذ يردد: (ماتو سيدي.. ماتو سيدي).
___________
المصادر:
1- حسن العلوي. الشيعة والدولة القومية. (مطبوعات CEDI فرنسا 1989) ص 175-176- في حديث مع السيد عبد الهادي ألجلبي يوم 1/1/1988 في منزله في لندن.. وقد توفى إلى رحمه الله بعد هذا اللقاء بشهرين.
2- حسن العلوي. نفس المصدر. ص 202-206.
3- د. ليث عبد المحسن الزبيدي. ثورة 14 تموز 1958 في العراق. (بغدادـ 1979).
– مقابلة شخصية بين المؤلف مع السيد هديب الحاج حمود. بتاريخ 21-6-1977.. في العراق.. ص404-405.
4- هاني الفكيكي. أوكار الهزيمة. (لندن ـ 1993). ص213.
5- هاني الفكيكي. نفس المصدر. ص349-350.
6- حسن العلوي. نفس المصدر. ص 244.
7- هاني الفكيكي. نفس المصدر. ص 273.
8- د. سعيد السامرائي. الطائفية في العراق. (لندن ـ 1993). ص 46.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب