خاص: إعداد- سماح عادل
“عبد الأمير غالب الحمداني” هو أثري وسياسي عراقي.
حياته..
ولد في محافظة ذي قار عام 1967، حصل على بكالوريوس آثار قديمة من قسم الآثار في جامعة بغداد في عام 1987، وماجستير في علوم الآثار والأنثروبولوجيا من جامعة ولاية نيويورك في “ستوني بروك” الأمريكية في عام 2013، وكان عنوان الرسالة «العلاقات الاقتصادية والسياسية والمكانية بين القرى والمدن في بلاد سومر في بداية الألف الثاني قبل الميلاد» ونال شهادة الدكتوراه في نفس الاختصاص والجامعة في عام 2015 وكان عنوان الأطروحة «دول الظل- آثار السلالات الحاكمة في أهوار جنوبي بلاد الرافدين».
درَّس في الجامعة المذكورة كجزء من متطلبات الحصول على الدكتوراه، فقد درّس: الحضارات المقارنة، والعلوم والتكنولوجيا في المجتمعات القديمة، والثورة الزراعية، وحماية وحفظ التراث العالمي، واللغة العربية.
عين سنة 2001 منقبًا للآثار في الهيئة العامة للآثار والتراث. أصبح مدير آثار محافظة ذي قار للفترة من 2003 وحتى 2010، حيث ترأس فريقا لمسح وتوثيق المواقع الأثرية منذ سنة 2003 ولغاية سنة 2010 وتمكّن من زيارة وتوثيق ما مجموعه 1200 تل أثري في محافظة ذي قار وأجزاء من المحافظات المجاورة، وشملت مناطق لم يتم مسحها سابقاً مثل مناطق الأهوار الجنوبية والبادية الغربية ومناطق شرق نهر الغرّاف. أجرى تنقيبات في عدد من المواقع الأثرية مع البعثات الوطنية والدولية التي عملت في العراق بعد 2003.
ساهم خلال وبعد الغزو الأمريكي للعراق في تأمين الحماية للمواقع الأثرية في محافظة ذي قار من خلال تسيير دوريات الحماية اليومية للمواقع المستهدفة من أجل إيقاف النهب. أعاد للمتحف العراقي حوالي 30 ألف قطعة أثرية مسروقة أو معدة للتهريب من المواقع الأثرية. ساهم في سنة 2004 في تشكيل قوة عراقية خاصة بحماية المواقع الأثرية في محافظة ذي قار.
قام في الفترة من 2012 ولغاية 2015 بإعداد قاعدة بيانات وأطلس رقمي للمواقع الأثرية في العراق باستخدام خرائط ومسوحات سابقة وصور جوية عالية الدقة.
ساهم في إعداد ملف ترشيح مدينة أور، أريدو، أوروك والأهوار إلى لائحة اليونسكو للتراث العالمي.
شارك في العديد من المؤتمرات الوطنية والدولية عن الآثار، وألقى محاضرات في العديد من الجامعات الأوربية والأمريكية بخصوص الآثار العراقية.
عمل كمدير تحرير مجلة الآداب السومرية 2005- وكان عضوا في جمعية الآثاريين في العراق واتحاد الصحفيين في العراق، رئيس اتحاد الأدباء والكتاب في محافظة ذي قار 2009.
و زميل للعديد من المؤسسات والمراكز البحثية والأكاديمية العالمية منها: صندوق التراث العالمي، المركز الدولي لصيانة الممتلكات الثقافية، المؤتمر الدولي للآثار، المجلس الدولي للمتاحف، المجلس الأمريكي لمراكز بحوث ماوراء البحار، المعهد الأمريكي للدراسات الأكاديمية في العراق، مؤسسة التراث العراقي، ومؤسسة أصوات من أجل العراق.
وعلى رغم مسيرته العلمية والأكاديمية، إلا أن الحمداني، واجه انتقادات بشأن دعمه من حركة مسلحة، بالإضافة إلى الانتقادات التي واجهها بسبب عدم تقديم استقالته من حكومة عبد المهدي، احتجاجا على سقوط مئات الضحايا أثناء الاحتجاجات الشعبية.
استعادة الآثار..
يذكر أنه في عام 2006 أعلن في مديرية آثار محافظة ذي قار (375 كلم جنوب بغداد) استعادة 300 قطعة أثرية كانت قد سرقت من المواقع الأثرية في المحافظة خلال السنوات الأخيرة. وقال “عبد الأمير الحمداني” مدير آثار المحافظة في ذلك الوقت إن «استعادة هذه القطع تمت بجهود المواطنين ورجال الدين في ناحية الفجر (110 كلم شمال الناصرية) التي تضم عدداً من أهم المواقع الأثرية في المحافظة. تلك القطع تعود لحقب تاريخية مختلفة للسلالات السومرية، أغلب القطع المذكورة تتمتع بأهمية تاريخية بالغة، وجرى تسليمها جميعا للمتحف العراقي في بغداد. وضعف هذا العدد قد تمت إعادته في السابق. المواقع الأثرية في المحافظة يناهز عددها الألف تتعرض منذ سقوط النظام السابق لعمليات نهب وسلب وسرقة منظمة من قبل عصابات الآثار”، وقد دعى الحكومة العراقية إلى حماية الآثار في المحافظة. وأن “ستة من عناصر شرطة الجمارك في المحافظة قتلوا أخيراً في منطقة المحمودية (30 كلم جنوب بغداد) وهم في طريقهم إلى بغداد لتسليم قطع أثرية قدر ثمنها ب35 مليون دولار عندما هاجمهم مسلحون مجهولون. القوات الايطالية العاملة في المحافظة وأجهزة الشرطة والجمارك تمكنت خلال الفترة الماضية من توقيف العديد من الأشخاص الذين يتاجرون بتلك الآثار وصدرت بحقهم أحكام بالسجن تراوحت بين ستة أشهر وعامين وبغرامات مالية”.
تحطيم الآثار..
وفي حوار معه نشر في جريدة “بوابة الأهرام” المصرية أجرته “إيمان عادل” قال “عبد الأمير الحمداني”، مدير هيئة آثار محافظة ذي قار في العراق سابقًا (2003-2010)، والباحث حاليًا في جامعة نيويورك: “إن القطع التي ظهرت في فيديو تحطيم داعش للتماثيل الأثرية في متحف الموصل ونينوي أثرية ونادرة. وأن هذه القطع تم استخراجها من المواقع الأثرية، مستبعدًا ما رددته بعض المواقع من أن من بين تلك التماثيل، تماثيل جبسية وغير أصلية.
وأضاف: “أن تلك التماثيل التي تم تحطيمها منها تماثيل الملوك والكهنة من مدينة الحضر، التي تعود إلى القرنين الأول والثاني الميلاديين، ومنها الأسد المجنّح من مدينة نمرود والمعروض في متحف الموصل أيضاً، ويعود إلى العصر الآشوري الحديث في القرن الثامن قبل الميلاد، ومسلة الإله نركول، وهي قطعة نادرة من حجر الكلس تظهر الإله نكول واقفًا وإلى جنبه رموز من بلاد وادي الرافدين، والأسد المجّنح من نمرود، وهو قطعة نادرة، ثم الثيران المجنّحة التي دمرت عند بوابة الإله نركال في مدنية نينوى التي تقع داخل الموصل، مؤكدًا أن الثيران عددها اثنان فقط وقد دمرتا كليًا”.
وأكد أن :”كل تلك التماثيل هي قطع أثرية مهمة وأصيلة، وفقدانها يعد خسارة كبيرة لا يمكن تعويضها. وأن تلك التماثيل آشورية وحضرية (نسبة للحضر) لكنْ هناك أيضا قطع أثرية تعود لمختلف العصور التاريخية منها السومرية والبابلية، والحديث عن تلك القطع الأثرية النادرة يفتح الحديث عن الحضارة الرافدانية (ميسوبوتاميا- العراق القديم)، وهي من أول وأقدم الحضارات في العالم القديم، إن لم تكن أولّها، مشيرًا إلى أن الحضارة السومرية تبدأ من الألف الخامس إلى نهاية الألف الثالث قبل الميلاد (4500-2000 ق م)، والبابلية من بداية الألف الثاني إلى الألف الأول قبل الميلاد (2000-1500)، والآشورية (1200-600 ق م)، والحضري (القرنين الأول والثاني للميلاد)”.
وواصل أن: “العراق القديم شهد ظهور بواكير الحضارة الإنسانية، وقدّم للبشرية أول الاختراعات والابتكارات، منها المدن والمعابد ونظم الري والكتابة والحكم والقانون والشرائع والتعليم والموسيقى. إن المواقع والمدن الأثرية والأبنية التراثية والتاريخية في محافظة نينوى، وبقية الأماكن التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية، هي عرضة للتدمير والنهب والتخريب، مشيرًا إلى أن الحل في الحفاظ على ما تبقي من آثار العراق ينحصر في أن تقوم القوات العراقية باسترجاع تلك الأماكن من عصابات الإرهاب لكي تتم حماية الآثار، عدا ذلك فإن أهل تلك الأماكن تحت الضغط ولا يمكنهم فعل شيء، سواء موظفو الآثار وحراس المواقع الأثرية، قائلا: “الموضوع يتعلق بالجهد العسكري والأمني”.
ألواح رافدينية..
في مقالة بعنوان (العنوان الرئيس في كتاب: “ألواح رافدينية” للدكتور عبد الأمير الحمداني” كتب “د. مصطفى لطيف عارف”: “إن العنوان هو الذي يوجه قراءة كتاب (ألواح رافدينية ) للدكتور عبد الأمير الحمداني، ويغتني بدوره بمعان جديدة بمقدار ما تتوضح دلالاته فهو المفتاح الذي به تحل ألغاز الأحداث, وإيقاع نسقها الدرامي, وتوترها السردي، علاوة على مدى أهميته في استخلاص البنية الدلالية للنص، وتحديد تيمات الخطاب، وقد جسد ذلك كاتبنا الدكتور عبد الأمير الحمداني في كتابه (ألواح رافدينيه), إذ يحلل عنوان كتابه بطريقة الحديث عن النصوص السومرية القديمة, فنراه يقول: “سيجد المتلقي أن ثمة محاولة للوصول إلى فهم معين لتلك النصوص, ولكل منا وجهة نظره في هذا الجانب, لذلك فان طريقة عرض الكتاب تستعين بمنهج معين مهم هو(الاثنوغرافيا) لأنه يسمح بمد جسور الحاضر المعاش مع الماضي الضارب في القدم, وهو ما يؤهل القارئ لفهم معين للأحداث التي أسهمت في نشوء تلك الحضارة, ومعرفة أسباب المنحنيات الخطيرة التي مرت بها دويلاتها المؤسسة وسلالاتها الحاكمة.
إن (ألواح رافدينية) عنوان يقع ضمن ما يعرف بالسهل الممتنع إذا ما قراناه قراءة سطحية عابرة تكتفي بالنظر إليه نظرة جانبية, على أن النظرة المحايثة العميقة ربما تكشف لنا عما دفنه فيه مبدعه من إشارات, وعلامات دالة, وانطلاقا من كل هذا قد يكون بالإمكان تتبع عمل العنوان في النص والشروع في نمذجة تصنيفية, للعناوين في كتاب ألواح رافدينية وفقا لعلاقاتها بالشرح والتحليل، بالذات عن طريق الاختزال إلى الحد الأقصى”.
ويواصل: “فإما أن المقدمة تعبر عن عنوانها تشبعه, وتفك رموزه, وتمحوه، وإما أنها تعيد إدماجه في جماع النص, وتبلبل السنن الدعائي عن طريق التشديد على الوظيفة الشعرية الكامنة للعنوان، محولة المعلومة, والعلامة إلى قيمة والخبر إلى إيحاء, يلتصق به العمل الشعري قد يكون صورة كلية تحدد هوية الإبداع, وتيمته العامة، وتجمع شذراته في بنية مقولاتية تعتمد الاستعارة أوالترميز, وهذه الصورة العنوانية قد تكون فضائية يتقاطع فيها المرجع مع المجاز، وقيامه بدور المركز في الحركة الشعرية, وتحديد مصائر من يسكنه جعله يقوم بدور البطولة الفعلية في النصوص الشعرية السومرية القديمة, ويفرض نفسه على عنوانها, ويبلور رؤية المؤلف لعالمه, ومن هنا فهو صيغة مطلقة للكتاب ,وكليتها الفنية والمجازية, إنه لايتم إلا بجمع الصور المشتتة, وتجميعها من جديد في بؤرة لموضوعات عامة تصف العمل الأدبي، وتسمه بالتواتر, والتكرار والتوارد, إذن، فهو الكلية الدلالية أو الصورة الأساسية أو الصورة المتكاملة التي يستحضرها المتلقي أثناء التلذذ, والتفاعل مع جمالية النص الشعري ومسافاته, وواحدة من العلامات المسمارية التي تؤلف اسم (اينانا) جاءت من تطور لشكل الأفعى المتلفة حول عصا, أما قضية الأفعى والعصا فتعد ابتكارا عراقيا انتشر في ثقافات وأديان الشرق الأدنى, ولعل الأفعى التي سرقت عشبة الخلود من جلجامش أنما هي (اينانا), وحدث ذلك بسبب رفض جلجامش الزواج منها بعد أن طلبت هي ذلك, فالصورة العنوانية قد تندرج ضمن علاقات بلاغية قائمة على المشابهة, أو المجاورة, أو الرؤيا، فيتجاوز العنوان مجازيا مع دلالات الفضاء النصي للغلاف وتنصهر الصورة العنوانية اللغوية في الصورة المكانية لونا ورمزا”.
وعن مميزات الكتاب: “تميز كتاب (ألواح رافدينية) بالسهولة, والبساطة, والوضوح, وعندما نعود إلى العنوان يتألف من مقطعين الأول (ألواح) للدلالة على قدم المفردة فالنصوص المذكورة في الكتاب كانت مكتوبة في ألواح قديمة والثاني (رافدينية) للدلالة على بلاد وأودي الرافدين وقد ضم العنوان دلالات أخرى هي (الماء والقصب والطين) للدلالة على الحضارة السومرية, والنصوص المسمارية القديمة التي تحدثت عن الأدب السومري القديم”.
وفاته..
توفي “عبد الأمير الحمداني” يوم الجمعة 29 نيسان 2022، عن عمر ناهز 55 عاما، إثر صراع طويل مع المرض.