خاص: إعداد- سماح عادل
“عامر علوان” مخرج عراقي..
التعريف به..
ولد في 1957 في بابل، العراق. حصل على دبلوم من معهد الفنون الجميلة، قسم المسرح، عمل في التلفزيون العراقي. وفي 1980 رحل إلى فرنسا لإكمال الدراسات العليا، حيث حصل على دبلوم في قسم الدراسات السمعية والمرئية (جامعة السوربورن)، ودبلوم الدراسات المعمقة قسم الفلسفة (جامعة السوربورن).
السينما..
في فرنسا كتب وأخرج عددا من الأفلام القصيرة والوثائقية مثل: (الانتقام) فبلم قصير 16مم – 14دقيقة. (أطفال الحصار) وثائقي- 27 دقيقة. (مندائيو العراق) وثائقي- 52 دقيقة. (الضفاف) فلم قصير 16مم – 20 دقيقة. (كركوك القلعة المنسية) وثائقي- 52 دقيقة. (الحضر مدينة الآلهة) وثائقي- 52 دقيقة. كتب وأخرج الفيلم الروائي الطويل (زمان رجل القصب) والذي حصل على الكثير من الجوائز في العديد من المهرجانات في مختلف أنحاء العالم.
شارك عامر علوان في عدة أفلام أجنبية ممثلا من بينها الفلم الفرنسي (La fille du RER) إخراج أندريه تشينه. وتحصل على عدة تتويجات من أهمها جائزة أفضل مخرج- مهرجان سان سيباستيان- إسبانيا.الجائزة الكبرى (أميان متروبول)- مهرجان الفيلم الدولي في مدينة اميان فرنسا، جائزة الجمهور- مهرجان فيزول الدولي للسينما الآسيوية- فرنسا، جائزة خاصة من مهرجان تيميمون- الجزائر. جائزة أفضل ممثل، سامي قفطان، عن فيلم “زمان رجل القصب” أيام قرطاج 2004.
“الحاج نجم البقال”..
في حوار معه نشر في 2014 يقول “عامر علوان” عن فليم “الحاج نجم البقال”: “في ظل ما يحدث الآن في العراق من قتل على الهوية واحتراب طائفي، حتى بات المواطن العراقي ينسى وطناً اسمه العراق ويتشبث بالطائفة والقبيلة، الفيلم هو دعوة للرجوع إلى التاريخ، وبالتحديد عام 1918 لأذكّر بأن المواطن العراقي كان أكثر التصاقاً بوطنه. كفنان، أدعو إلى المواطنة والارتباط بالوطن ونبذ الخلافات الطائفية والمذهبية. وهذا ما أردت أن أقوله من خلال أحداث الفيلم التي تنقل ما يعيشه العراق بعد سقوط النظام السابق ودخول القوات الأمريكية وما سبق أن مر به البلد في ظل السيطرة البريطانية عام 1918.
يتناول الفيلم قصة “ناديا” التي ولدت في فرنسا من أصل عراقي، أبوها هو حفيد “نجم البقال” الذي هاجر إلى فرنسا منذ ما يقرب من الخمسين سنة. بعد وفاته تعود “ناديا” لدفن جثمان أبيها في المدينة التي ولد فيها (النجف) نزولاً عـند رغبته. وبهذا تزور العراق لأول مرة وتكتشف بلد أبيها وقصة جدها الحاج “نجم البقال” وقصة العراق مع الاستعمار. الفيلم من بطولة الفنان “سامي قفطان وطه علوان وفارس عجام والفنانة عواطف نعيم وهناء محمد”، كما شارك فيه فنانون من بريطانيا وهم “كولن ريس وهاري ليستر” وقام بكتابة السيناريو والحوار “سلام حربة” ومدة الفيلم ساعة و34 دقيقة وهو ناطق باللغتين العربية والإنكليزية وهناك نسخة مترجمة إلى الفرنسية”.
وعن رؤيته السينمائية في سرد أحداث الفيلم يقول: “لقد اخترت الرؤية السينمائية الواقعية بدء من اختيار أماكن التصوير إلى حركة الكاميرا، كما حرصت على اختيار الأزياء والماكياج بطريقة واقعية وبسيطة وتجنبت، من خلال المونتاج، استعمال الأسلوب التقليدي “الفيد”، أي “الفراغ”، في تركيب الصورة على الصورة لاسترجاع الماضي واستذكاره بل اعتمدت أسلوب التقطيع الحاد والمفاجئ في سردي الصوري فأنا من المهتمين بالسينما الإيطالية وأسلوبها في نقل الواقع بصدق.
السينما العراقية..
وعن رأيه في موقع السينما العراقية اليوم يقول: “انقطعت السينما العراقية فترة طويلة عن العالم وخاصة في فترة الحصار نتيجة لنقص الإمكانيات وانقطاع التواصل التكنولوجي والتقني والسينمائي مع العالم، حتى كادت السينما العراقية أن تندثر. واليوم نحاول، بجهود خاصة يقوم بها المخرجون والسينمائيون، إحياء السينما العراقية رغم أننا لا نحصل على الدعم المطلوب من المؤسسات الحكومية. كما أن الممثل العراقي لا يحصل على الأجر الذي يستحق بالإضافة إلى صعوبة الحصول على نصوص متميزة مخصصة للسينما، فأغلب الكتاب تعودوا على كتابة الدراما التلفزيونية. نحن بحاجة إلى توجيه المجتمع ثقافياً من خلال دعم السينما وإعادة افتتاح صالات السينما التي أغلقت نتيجة الفكر الظلامي المعادي للثقافة”.
وعن انقطاعه عن التمثيل يقول: “قبل خروجي من العراق كنت ممثلاً في المسرح والتلفزيون. كلفت من قبل قناة ARTE الفرنسية لإدارة الإنتاج في فيلم “المغني”، ثم شاءت الظروف أن أقوم بمهمتي التمثيل وإدارة الإنتاج رغم أني أفضل الوقوف خلف الكاميرا وليس أمامها. وقد لقي الفيلم نجاحا في بعض المهرجانات العربية كمهرجان وهران. لقد استفدت من التجربة، كما سمحت لي الإقامة في باريس بالعمل مع مخرجين فرنسيين وبتمثيل بعض الأدوار كدور صغير في فيلم “فتاة القطار السريع” لأندريه تشيني مع كاترين دينوف. وأنجزت أكثر من فيلم تسجيلي منها “العراق بين الواقع والخيال” و”وداعاً يا بابل” وقمت بإعداد حلقات المسلسل التلفزيوني “سقوط الخلافة العثمانية”.
فيلم (زمان رجل القصب)..
في حوار آخر معه يحكي “عامر علوان” عن فيلمه وعن سؤال لماذا القصب بالذات؟: “إن الأشجار تنكسر أمام العواصف أما القصب فإنه ينحني للعاصفة، يقاوم ويبقي صامدا. ومن منطقة الأهوار يقول الباحثون أنها من أهم المناطق التاريخية لما كانت تحويه من آثار قديمة، هنا كانت حضارة أور بهندستها المعمارية المتميزة، وكانت مكان أسطورة جلجامش. ورغم هذا التاريخ العميق للأهوار فقد أفرغتها الدولة بحجة وجود عناصر ضد الأمن أو لوجود أعداء وبما أن الدولة قد اعتبرتها منطقة عسكرية لا يمكن التصوير فيها، فقد حصلت على إذن للتصوير في منطقة أخرى مشابهة، أما المشاهد الأخرى الداخلية فهي ديكور”.
ويواصل عن الظروف الإنتاجية: “الدولة صاحبة القرار لم يعدلها صلة بالفن في السنوات الأخيرة، وقف المسؤولون ضدنا لتغطية فشلهم ووضعوا العراقيل وكنا قد بدأنا التصوير قبل الحرب بشهرين تعودنا على صفارات الإنذار، نتوقف ثم نعود للعمل، بدا أن الإدارة المسئولة تكن لنا عداء شخصيا، هناك أمور المفروض ألا أتكلم فيها، طلبوا رشاوي، أحد المسئولين طلب عشرة آلاف دولار…!
كانوا يتدخلون بحجة وجود مشاهد خارج السيناريو، أو ضد الأمن القومي، وقامت مشادة عنيفة مع بعض أقرباء المدير العام لمؤسسة السينما، وتحول الشجار إلى استخدام الرصاص، وهددونا في حياتنا، فحرصت على أمن أطفالي من هجومهم، وأحد الأفراد الذين هاجموننا قتل. قتلته مجموعتنا دفاعا عن النفس، كان فيلما مرعبا.
جزء غير قليل من أشرطة التصوير استولى عليها رجال مؤسسة السينما، تذرعوا بأنها ضاعت، كنا نعلم أنها عندهم، تخلص أحدهم وقال أنه نقلها إلى مكان آخر، ثم جاءت أوامر أن تخلى المؤسسة وتنقل كل الأجهزة.. كانت فترة طوارئ، اخذوا الأشرطة ولم نعرف مصيرها.
فشلت كل محاولاتنا اليومية للحصول على الأشرطة، كنت أتوسل للمدير العام لأحصل عليها، لم نفلح، حتى وقعت الحرب، في باريس قمنا بعملية المونتاج فيما أمكننا من الأشرطة التي احتفظنا بها، حيث هربنا بها قبل أن تتدخل جهات الأمن، كان الوقت صعبا في ظل التجهيزات الأميركية للحرب، الأشرطة التي أخذوها أعتقد أنها احترقت مع أشياء أخرى كثيرة وثمينة احترقت”.
إلى فرنسا..
في حوار ثالث يحكي “عامر علوان” عن سفره ويجيب عن سؤال “سافرت إلى فرنسا سنة 1980 أشهرا قليلة بعد صعود صدام حسين إلى الحكم فهل كانت مجرد صدفة؟”: “كانت محض صدفة، درست خمس سنوات بمعهد الفنون الجميلة، كان حلمي مواصلة دراستي بالخارج في تخصص المسرح، لم تكن فرنسا وجهتي بل طرقت أكثر من باب، روسيا وبريطانيا. شاءت الصدف أن حظي طلبي بقبول السفارة الفرنسية وكنت لم أؤد الخدمة العسكرية وكانت الحرب العراقية الإيرانية قد انطلقت قبل ثلاثة أيام فغادرت عبر الأردن ولم أعد إلى العراق سوى بعد عشرين عاما.
وعن الغياب يقول: “بصراحة، لم أكن أديت الخدمة العسكرية “خفت أرجع”. بقدر إيماني بواجب الدفاع عن بلدي أنا فنان أومن بالسلام ولست مع الحرب والدمار. لم أغادر العراق هربا بل للدراسة وتخصصت في السينما وأنجزت الدكتوراه عن بازوليني وغودار وفليني. وخلال فترة عشرين سنة وجدت نفسي قد كرهت المسرح وأحببت السينما.
العودة..
وعن العودة يقول: “حين عدت وجدت أمي قد توفيت ولم أحضر جنازتها. كان أهلي ينصحونني بعدم العودة فأبسط موظف كان قادرا على فعل أي شيء بي. لم أكن وقتها تحصلت على الجنسية الفرنسية.
كانت الظروف صعبة وشاء القدر أن أكلف بإنجاز فيلم عن “أطفال الحصار” سنة 2000 فسافرت. أتذكر لحظات السفر إلى اليوم “مرينا عبر الأردن” وقصدت بغداد بالسيارة وكان أهلي في انتظاري. كانت أمي قد توفيت قبل سنتين حين شاهدت غرفتها فارغة فهمت أنها توفيت ولن تعود ثانية. كانت وفاتها مؤشرا على تغير حال العراق، “كانت تتمنى تشوفني قبل ما تموت” ومع ذلك فإن معاناتي الذاتية كانت قطرة في بحر معاناة الشعب العراقي. لا أريد تصفية حسابات خاصة ولكن الاستبداد في العراق غير إنساني. كان نظاما ظالما ومتعسفا. سألت عن بعض الأصدقاء فوجدت من مات ومن هو في الجبهة ومن أصبح معوقا بفعل الحرب.
وكان لي صديق اسمه حامد الهيتي كاتب وشاعر ورسام وعازف شيوعي، حين سألت عنه وجدته شخصا معمما مؤذنا في مسجد استغربت من التحول الكلي في حياته إذ كنت أعرفه يشرب الخمرة وحين سألته أجابني ساخرا أردت أن أجرب الغناء قبل أن أموت (الله يرحمه)، كان يمزح ولكن مع احترامي للدين فإن مأساة تحول حامد الهيتي تعكس تحولا عميقا في العراق. بعد ذلك تعددت زياراتي وصورت فيلمي الروائي الأول “زمان رجل القصب” شهرا ونصف قبل سقوط نظام صدام واحتلال العراق.
وعن المحافظة على عراقيته وهو تقيم بباريس منذ ثلاثين سنة يقول: “هل تقدر أن تنزع قلب الإنسان من جسده؟ عراقيتي هي التي أعطتني حب الحياة. النخلة العراقية واللوعة العراقية. لا يمكن أن أرمي هذا الكنز في شوارع باريس وفاء لأبوي وللعراق كله وحتى أعرف الأوروبي الذي يتبع إعلاما مسيسا لا يرى في العراق سوى عمليات إرهابية واقتتالا طائفيا”.
وفاته..
توفي “عامر علوان” في باريس، عن عمر ناهز الـ66 عاماً، بعد صراع مرير مع المرض يوم 5 يوليو 2023.