خاص : بقلم – د. محمد دوير :
نتيجة سيادة وانتشار نموذج وتقنيات الذكاء الاصطناعي، واكتشاف القارة الجديدة، (قارة الخوارزميات)، هناك العديد من المهن التي ستتعرض لانتكاساتٍ كبرى، وربما للاختفاء. على سبيل المثال سنجد أن مهنة المُحاسب قد تتعرض للتأكل نتيجة قدرة الذكاء الاصطناعي وأجهزة الحاسوب المتطورة على القيام بنفس المهام بصورة أسرع وأدق.
وكذلك التسوق صار بطرق أكثر ذكاءً عن طريق اللعب على نفسية المستهلك بصورة أكبر قدرة وانتشارًا من البشر، وفي عمليات التوظيف يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يختار الأنسب بكل شفافية، أما عمليات البيع والشراء فقد أثبتت أزمة (كوفيد-19) أن الشركات التي تعمل في مجال التسويق والبيع مثل (آمازون) قادرة على تحقيق أرباح طائلة عبر تقنية البيع عبر الإنترنت بصورة ليس بها مشاكل غالبًا.
وربما لا يجب إنكار دور التقنية الحديثة في مساعدة حتى الأطباء والصيادلة على تشخيص الحالات المرضية وأنواع المرض، والقدرة على وصف العلاج المناسب بدقةٍ كبيرة تُراعي قدرات الجسم واستعداده لتقبل هذا العلاج أو غيره.
وعلى صعيد رأس المال المالي، سنجد أن الذكاء الاصطناعي يلعب دورًا مهمًا في حركة البنوك وتحليل السوق ومتابعة حركة الأسهم في البورصات، ومن ثم قد تختفي تلك الضوضاء الكبرى التي يقوم بها الخبراء في صالات البورصات الكبرى في العالم.
وليس من شك أن الخدمات الأمنية سوف تتأثر أيضًا بدخول الذكاء الاصطناعي في هذا المجال، بل وهناك الأخطر؛ حيث سوف تتأثر الجندية أيضًا بالذكاء الاصطناعي، فالجندي البشري ربما تقل الحاجة إليه أو قد يختفي نهائيًا وتُصبح الأجهزة هي المؤهلة للقيام بذلك.
حتى الفنون فالذكاء الاصطناعي ربما يكون قادرًا على محاكاة اللوحات الكبرى والمقطوعات الموسيقية التاريخية، كل هذا يُنذر بمخاطر كبرى على الإنسان منها مثلاً احتمال فقدان 100 مليون فرد لوظيفتهم خلال 2023. وعلى المدى البعيد هناك ما يقرب من مليار شخص سيفقدون وظائفهم بحلول نهاية القرن.
ولكن الأخطر من وجهة نظري، هو أننا مؤهلون الآن لدخول عصر جديد هو عصر ما بعد الإنسان.. أي ذلك العصر الذي سيتوقف فيه الإنسان على أن يكون هو الفاعل الوحيد في هذا العالم، فهل سيؤثر ذلك على المخيلة البشرية ؟.. أو بمعنى آخر هل سيؤدي إلى تحول في الفكر الثوري، ليُصبح التظاهر ضد الروبوتات محل التظاهر ضد رجال الصناعة وملاك الأراضي ؟.
أما عن الفلسفة، فمشكلتها أعمق وأصعب، فقد كانت منشغلة طوال الوقت الماضي بدور الإنسان ومركزية الذات في الوجود، وتفاعل تلك الذات مع الذوات الأخرى ومع الطبيعة والكون ومع الله، ولكنها في كل تلك المراحل السابقة توقف دورها على اعتبارها عامل مساعد في فهم الإنسان لواقعه، أما الآن فإن دورها صار أكبر وأخطر وأكثر ضرورية والحاحًا، فذلك الإنسان الذي طالما ظلت تُدافع عنه، وتبحث عنه، وتُنظم له شؤون تفكيره، لم يُعد هو الإنسان التقليدي..
ومن ثم فالفلسفة أصبحت في لحظة اختبار حاسمة، إذ أنها بات عليها أن تُفسر وتُحلل حقيقة الوجود الإنساني في ظل المتغيرات التي جعلت من هذا الوجود مجرد وجود منفعل لا وجود فاعل.
- من كتاب (أكذوبة نهاية الإيديولوجيا) – للدكتور محمد دوير – تحت الطبع.