المؤلف: غيـِّــوم ديفــان
ترجمة: نصير مروّة
الناشر: مؤسّسة الفكر العربي
كثيرة هي الدراسات والأبحاث التي تناولت الحروب في العالم وأرَّخت لها، ودرست دوافعها وانعكاساتها الاقتصادية، والديموغرافية، والإتنولوجية، والسوسيولوجية وغيرها. ومن أبرز الكتب الكلاسيكيّة في هذا الإطار كتابا “الحرب” (1969) و”سوسيولوجيا الحروب” (1970) لجاستون بوتول Gaston Bouthoul اللذين راجع فيهما تاريخ فكرة الحرب، مُستعيدين أبرز النظريات المتعلّقة بها، والأحكام التي صدرت في صددها في الأساطير والأديان والمذاهب الفلسفية، وصولاً إلى المذاهب الأخلاقية والتشريعية والنظريات السوسيولوجية، وما ذلك إلّا للتشديد على فكرة أنّ الحرب ظاهرة طبيعية في حياة الشعوب.
وهكـذا، لم تأخذ موضوعات السلام الأهمّية نفسها التي احتلتها موضوعات الحروب في العالم. من هنا جاء كتاب “عالم أوحد: تطــور التعاون الـدولي”Un seul monde. L’évolution de la coopération internationale لمؤلّفه غيـِّــوم ديفــان Guillaume Devin الصادر عن منشورات المـركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي (CNRS)، ليُعيد النظر في الرأي السائد بأنّ التعاون الدولي ما هو إلا إيمان ساذج بعالمٍ مثالي. ففي كتابه هذا، الصادر حديثًا بترجمته العربيّة عن مؤسّسة الفكر العربي، والذي قام بترجمته نصير مروّة، يحاول ديفان تبيان أنّ التعاون المذكور يلعب دورًا أساسيًا في سيرورة السلام وفي مسار إحلاله، حتّى ولو جاء ذلك بطيئاً وغـير منتظم في هـذا العالم الذي يفتقر إلى الكمال.
تفاؤل غير ساذج
جاء الكتاب ليركز على سيرورات التعاون ومساراته التي تحـوِّل العلاقـات الدوليّة، في محاولة تأطير علاقـات القوة ومـوازين القوى، وتحكيم العقل والتعقل فيها، وتجاوزها.
أعاد المؤلف الاعتبار إلى التعاون الدولي من حيث إنه هـو مفتاح قراءة العلاقات الدوليّة المُعاصرة، متجاوزًا الاعتقاد السائد بأن “التعاون الدولي” هو تعبير على قـدر من الضبابية والغموض، لكونه نُظر إليه بوصفه “ضربًا من الطوعية المنظمة”، وفقاً لتعبير سكوت باريت Scott Barrett، متيقنا بأن “الاعتـراف بالآخـر، والعمل المنسَّق، والسعي إلى أهـداف مشـتركة، هي الأشكال المختلفة والصُّور المتنوعة للنشاطات التعاونية”. ويخلص “غيـِّــوم ديفــان” إلى أنه “كلّمـا كانت نشاطات التعاون الدولي عـديدة، ومتنوعة، وكثيفة، تقلصت فرص النزاعات المسـلَّحة. التعاون يخـدم الأمن؛ بمـا في ذلك الأمن التقليدي بين الدول، لأنه يُعطيه بعـدًا جماعيًا”.
وفي الكتاب يطرح المؤلف أمثلة كثيرة حول دور النزاعات الداخلية التي قد تشـكل تهـديدًا للسلام والأمن الدوليين مثل (البوسنة، الصومال، روانـدا، ألبـانيـا، هايتي، جمهورية إفـريقيـا الوسطى، شاطئ العاج، السـودان، ليبيـا).