14 نوفمبر، 2024 1:28 م
Search
Close this search box.

“عاصم فرمان”.. لوحاته طريقة ثانية لكتابة الجرح الإنساني

“عاصم فرمان”.. لوحاته طريقة ثانية لكتابة الجرح الإنساني

خاص: إعداد- سماح عادل

“عاصم فرمان” فنان تشكيلي عراقي.

التعريف به..

ولد في بغداد، تخرج من معهد الفنون الجميلة 1978 تخصص (فن الكرافيك). التحق بعدها في كلية الفنون الجميلة، أكمل شهادة الماجستير في فن الرسم 1989، حاز على شهادة الدكتوراه في تاريخ الفنون التشكيلية 1999، عاد إلى كلية الفنون الجميلة مدرسًا 2003، انتقل إلى جامعة الحُديدة في اليمن حتى 2006، عمل أستاذ في جامعة عمان الأهلية- كلية الآداب والفنون عام 2009.
نال عددا من الجوائز العراقية والعربية منها: جائزة الكرافيك في بينالي بغداد الثالث عام 2002، وجائزة ملتقى التشكيلين العرب في القاهرة عام 2012، وجائزة الأوسكار البرونزية في ملتقى فنانين الشرق الأوسط عام 2012.
أقام عشرات المعارض الشخصية داخل العراق وخارجه كما شارك في عشرات المعارض الجماعية داخل العراق ودول عربية وأجنبية. كما شارك بعمليين فنيين بملتقى الفنانين العرب الذي أقيم في الجزائر وملتقى “بصمات” الذي أقيم في القاهرة.
تجسد أعماله الفنية الهموم الذاتية والموضوعية للأحداث التي مرت بها بلاده، واختار التعبيرية أسلوباً في رسم لوحاته للتعبير عن الوجع العراقي والوجع العربي وواقع الأطفال والنساء في العراق والمنطقة العربية. شارك ببحوث ودراسات فنية في العديد من المهرجانات والندوات الفنية والنقدية كان آخرها مشاركته في “مهرجان الفنون الإسلامية” الذي أقيم في الشارقة في 2013 وكذلك مشاركته في ندوة فكرية أقيمت في المغرب، له كتاب تحت الطبع بعنوان “تأريخ الفن المعاصر”، نشر عشرات المقالات النقدية في العديد من المجلات والصحف العراقية والعربية حول الفن التشكيلي.
يشرف “عاصم فرمان” على صفحة الفنون التشكيلية في عدد من الصحف العراقية، ويحاضر في بعض الجامعات وينشط في مجال والبحوث والمؤتمرات.

الوجع العراقي..

في حوار معه أجرته “كابي لطيف” يقول “عاصم فرمان” عن تصويره للوجع العراقي والقضايا العربية في أعماله: “الفنان بطبيعة الحال شاهد على عصره، يتفاعل فنيا مع عناصر الحياة ولا بد أن يجسد هموم الواقع عبر أعماله. شخصيا لجأت منذ بداياتي إلى المدرسة التعبيرية الرمزية التي تتصدى لهذه الموضوعات، فأنا جزء من هذا المجتمع وألتقط بعض المفردات بما يتوافق مع رؤيتي الفنية. والعنصر الإنساني مهم جدا في لوحاتي، وكان هذا جليا في مجموعاتي “شظايا الذاكرة”، “شظايا الجسد” وحاليا “شظايا الروح”. كلها تتمحور حول هموم الناس، سواء في العراق أو في الوطن العربي وما يمر به من مخاض سياسي حاد”.

بياض السيرة..

في مقالة بعنوان “وداعا عاصم فرمان.. بياض السيرة وعتمة الخطاب” كتب “جواد الزيدي”: “تتمثل سيرة الفنان عاصم فرمان بمنعرجات عدة، يتقدمها الحس الإنساني بكل تأكيد، وبعدها الفن والدرس الأكاديمي والعمل النقابي، ومواصلة البحث، وأشياء أخرى. هذه الصورة التي تشكلت لدى الآخرين ولدي بالطبع، إذ رافقته بمسارات متعددة منذ كان مقررا لقسم التصميم بداية تسعينيات القرن الماضي عندما قدمت لدراسة الفن في كلية الفنون الجميلة، واستلهمت من دروسه الأكاديمية بداية هذا التطلع، وظل بعدها تواصل نبيل بيننا، إذ شغل منصب رئيس جمعية التشكيليين العراقيين في عمله النقابي المرتبط بالفن، بوصفه رساما من جيل التمانينيات، له حضوره النوعي وتجربته الخاصة.
ثم اشتركنا في لجان علمية في كليات الفنون الجميلة، فضلا عن الرفقة التي كانت ممتعة نغني الحوار عن الفن وعلم الاجتماع والثقافة ومواضيع متعددة كانت معرفته بها كبيرة ودقيقة، فضلا عن انفتاحه المجتمعي، فهو يمتلك علاقات إنسانية واسعة مع أشخاص غادروا الوطن والحياة لم تك متوقعة. موسوعي المعرفة من خلال علاقته بالشعر والرواية والمسرح، وأجناس الإبداع الأخرى، يقرأ ويكتب ويحاور ويتواصل بشكل يومي مع الرسم خلاصة لجميع معرفياته التي تصب في خدمة هذا الحقل وأغراضه الجمالية، تُوجت أخيراً باختياره لمهمة عمادة كلية الفنون الجميلة في جامعة أوروك الأهلية ببغداد”.
ويضيف في وصف “عاصم فرمان:” “كان دقيقا في آرائه وخياراته وتحديد مكامن الخلل في النص البصري والنقدي، فضلا عن مكامن الجودة فيه من خلال وجوده عضوا في قراءة نصوص الكتب التي تواصل جمعية التشكيليين العراقيين إصدارها عن جيل الريادات الفنية وما بعده، وحريصا على معرفة التوصلات والتكليفات على الرغم من مشاغله.
كذلك نجد في حفرياته الخاصة الشكل البصري وتطويره منذ بداية ثمانينات القرن العشرين وحتى الآن، إلا أنه مشغول بفعل الأرشفة للفن التشكيلي العراقي صوراً ونصوصاً، بما يخدم هذا المشهد. هذا الفعل (الأرشفة) الذي يراه متراجعاً وعلى الجميع أن يقدم ما يستطيع لكي تصبح لدينا وثيقة يُمكن الرجوع إليها أثناء عملية البحث والتوثيق، وقد تسير لديه مع حفرياته المُخلصة إزاء موضوعات الجمال وتطوير سطحه البصري الذي عمل عليه طويلاً”.

الفن العراقي..

وعن ارتباطه بالفن العراقي يوضح: “وعلى الرغم من الانشغالات الأكاديمية والمهنية أو النقابية وابتعاده عن الوطن فترة ليست بالقصيرة، إلا أنه كان وما زال دائم التواصل مع الفن العراقي ومنتجيه، ومتواصل مع ما تنتجه المخيلة الإبداعية عربيا وعراقيا والإشارة إليها أو الكتابة عنها، حيث صدر له مؤخراً في عمان كتابين يلاحق فيهما التجربة التشكيلية، وخصوصاً حقل الرسم وإضاءة جوانب مهمة تتأتى من القراءة التأملية لمجموع التجارب التي أشار إليها، إذ قدم كتابه الأول عن الفنان الراحل (كاظم حيدر) وتجربته التي امتازت بحداثتها المُبكرة في التشكيل العربي والعراقي على وجه الخصوص وحللها ضمن آلية نقدية أفضت بها مناهج الدرس الجديد.
أما الكتاب الثاني فتناول موضوع إشكالي تمت مناقشته في أجناس شعرية وثقافية هو (الثابت والمتحول) وتحديد المسارين من خلال اشتغالهما في التجربة الرسومية العراقية، بما يخالف أحياناً الأطروحات السائدة والمكررة عن مجموعة تجارب أو عن الظاهرة الرسومية العراقية، ما نتج عن هذا إضافة نوعية ومستوى المكتبة التشكيلية التي تفتقر إلى الكثير من القراءات النقدية والتأملية”.

التجربة الخاصة..

وعن الاشتغال علي فنه به: “وفي خضم هذا الانشغال الكبير لم ينس تجربته الخاصة، أو يُهملها، وظل يجرب على السطح ضمن أربعة عقود مضت، على الرغم من عدم الضجيج أو الإعلان عن هذه التجربة بصوت عال، فهو يعمل بصمت وهدوء كبير، إلا أنه يتقدم بخطى واثقة إلى مثابات جمالية، بدء من امتلاكه ناصية المعرفة الأكاديمية في رسم الواقعة وجميع المشخصات التي يستند إليها الرسم، بوصفها بداية تقليدية صائبة للتمهيد بولوج هذا الحقل الفني الذي يحتاج الكثير من الخبرة والرؤية المتقدمة في إنتاج خطاب جمالي مفارق، وصولا إلى خلاصات جمالية، أو مثابات مُتقدمة يمكن الإشارة إليها باحترام، مرورا بما بينهما من لحظات تعبيرية أو ممارسة فعل التخطيط المتواصل الذي يحقق نتائجه في المنجز النهائي.
بيد أن خلاصة تجربته تتضمن في العبور إلى ضفة التعبيرية التجريدية، وصولاً إلى التجريد لموضوعات الخارج التي يصطيفها لسطحه التصويري، واعتماد مبدأ الاقتصاد في اللون الذي يصل إلى التقشف أحياناً خدمة للموضوع النهائي، أو بنية الشكل الكلية الموحية بالدلالة في ضوء العلاقات الناتجة من قيم اللون هذه ، بما يوصله في النهاية إلى تحليل اللون الواحد لإنتاج تضادات أو تكاملات على أساس الواحدية اللونية التي يتقصد فيها الألوان المُعتمة مثل (الأحمر القاتم، أو الأزرق، أو الأسود) مع معالجاتها بطريقة تؤدي إلى بنية جمالية تحتفظ بالقيم الفنية في التعبير والدلالة.
بيد أن مراحل حياته الأخيرة جعلته يذهب إلى العتمة المباشرة (الأسود) ومستوياته المتدرجة إلى تشييد خطابه البصري في ضوء ترجمة محمولات الواقع والحياة على روحه النابضة بالمحبة، وأن الفن هو المسار الوحيد المُعبر عن دواخله ووجدانه، ولذلك تحول سطحه الأبيض إلى شيء يشبه الكتل السواء المتداخلة”.

الحرف المتشظي..

وفي مقالة بعنوان (النقطة الجريحة، والحرف المتشظي الباكي في تشكيليات الدكتور عاصم فرمان) كتبت “أسماء غريب”: “ها أنذا أمام لوحات الدكتور عاصم فرمان، أحاول أن أفك رموزها، أو أن أجدَ مفتاحا جديدا لقراءتها، لكن ثمةَ شيء ما يعوقني، ويلوي عنقي كقارئةٍ لحرف عاصم لونا وشكلا. أجل، هناك قيود كثيرة، بل سلطة استبدادية تمارسها علي هذه العناوين الضخمة التي ترافق كل مجموعةٍ من لوحاته على حدةٍ من قبيل (الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها) و(خطوط وحروف) و(شظايا الذاكرة) وما إليها من العبارات التي تفرض علي نوعا من قراءة تحاول بشكل أو بآخر تغيير دفّةَ إبحاري، وتوجيههَا نحو مسارٍ معيّن وضيّقٍ منَ التأويلات التي لا تخرج عن إطار ما يعيشُه العراق من مآسي وويلات الحروب، والدّمار الذي تلاها على كل المستويات وفي جميع المجالات.
وكأنّ صاحبَ اللوحات يصدر بيانا يقول فيه: «هذه اللوحات عراقية فقط، وهذه الوجوه فيها من العراق، وهذه هي الحربُ التي جعلت من كل إنسان في هذا البلد مجرد كتلٍ متشظية!» وإني لا أعارض الفكرةَ أبدا، ولا كونَ فن عاصم فرمان صرخة بوجهِ الحرب وقباحة الإنسان، ولكن ثمة خلف هذه اللوحات شيء يتجاوزُ المحلية، ويتجاوزُ المواطن العراقي، ويتجاوزُ كل الحروف والألوان، شيء في هذه اللوحات يدعوني إلى التخلُّص على الأقل حالياً من كلمات هذا البيان كاملة. أجل، كاملة، فكارثةُ الإنسان العظمى منذ الأزل هي «المعرفة» لا الجهل بالأشياء. والإنسانُ الحقّ الكامل لا يمكنُهُ أن يرى، إلا إذا تخلّص من كلّ الركام الذي يحملهُ، وعاد إلى طفولته العدنية”.
وتضيف: “بعد أن قمت بتنزيلِ كل لوحات عاصم الموجودة في صفحتهِ على الفيسبوك، رابطت في محرابها لشهور طويلة، كنت في كل مرةٍ ألقي عليها نظرة، وأدعُهَا تخاطبني إلى أن اختارتني منها ثمانية عشر لوحة بالتّمام والكمال، جعلتُها كلّها حينما تمّتِ الموافقةُ والقبولُ بيننَا عيّنةً للدراسة والتمحيص والتحليل، محاولةً أن أبتعد تماماً عن ما يسمّى حاليا في الاصطلاح النقدي المعاصر بالقراءة وفقا للمنهج الإسقاطي، والتي غالبا ما تكون قراءة لا شعورية، يتمّ فيها استبدالُ الظاهرة المدروسة بظواهر أخرى هي أشكال الأبنية النظرية التي لا توجد إلا في ذهن القارئ باحثاً كان أو مجرد متلقٍّ عاديّ، إذ أنه كثيرا ما يحدثُ أن يُخفيَ القارئ الظاهرة الموضوعية التي أمامه سواء أكانت نصّا أو لوحة أو عيّنة علمية تنتمي إلى فروع أخرى من العلوم الإنسانية والتي هو معني أو ملزم بشكل أو بآخر بدراستها وتحليلها، فيضيعُ منه بالتّالي التفسير الحقيقي، وكذا كيفيةُ الخروج من النص الذي بين يديه بنتيجة ترضي القراء الآخرين الذي سيأتون منْ بعده، أو في أقصى الحالات ترضي صاحبَ النص أو العمل الإبداعي إذا كان موجودا على قيد الحياة، أيْ معاصرا للباحث نفسه”.

بويضة مخصبة..

وتجمل : “إن من يتأمل لوحات عاصم سيجد أنها كلها عبارة عن بويضة مخصبة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ومن هذه البويضة خرجت كل الخطوط والتفاصيل الأخرى حتى في تلك اللوحات الأكثر دموية والتي كان من المحتمل أن يفسرها القارئ على ضوء تلك العناوين الضخمة التي تؤطر العديد من اللوحات، بأنها رسوم تندد بالحرب وتنادي بإيقاف الموتِ، وشلالات الدماء المتفجرة في كل بقعة من أرض العراق.
إن الأمرَ أعمق من هذا بكثير، إنها حرب نعم، لكنها حرب خلايا وبويضات منها تخلَق الحياة التي تخرج من بين الصلب والترائب، ومن بين الدّم والطين عبر سلسلة من التحولات التي تجعل من حياة الإنسان شبيهة بحياة اليرقة، حتى لكأنّ الأمر يبدو وكأنه تحوّلٌ كَافْكَاوِيّ بامتياز، أو تحوّلٌ تضيعُ فيه الحدودُ بين الإنسان والحشرة، وبين المضغة واليرقة.
وشم يجرح..
وتؤكد: “يهتم عاصم بالصور والأدلة والآثار والحروف والرسوم والعلامات، لذا فهو عارف بمعاني كلّ خط يرسمه، وبحركة كُلّ مِشْرَطٍ يحركه فوق وجوه لوحاته ليحفُر كل الوشوم بحرف الشّعر، وإنه لا يعنيني كثيرا ما الذي تقوله هذه الأبيات الموشومة في لوحاته بقدر ما يعنيني معرفةُ حركةِ إبرة الكلمةِ وهي تنتقل بغُرَزِهَا الواخزة الدّامية، أيْ أين تبدأ وأين تنتهي، صعودا ونزولا، ثم يسارا ويميناً. لأنّ معرفةَ هذه الحركة وقراءة تفاصيلها هي التي تجعلُ من الحديثِ التشكيلي عند عاصم طريقة ثانية لكتابة الجُرح الإنساني، وذلك لوعيه العميق بأن كلّ كتابة بما فيها تلك التي تتمُّ عبر حرف النّقد لا يمكنُ أن تتمَّ إلّا عبرَ تمزيق الوجود التاريخي، ولعلّ هذا التمزيق هو الذي دفعهُ إلى عنونة معظم لوحاته بشظايا الذاكرة، لأنه هو وحده الشاهدُ فيها على حكاية الخلق والتخليق، وقصّة الحرف المتشظي، كيف كان وكيف جاء، وكمْ من الجراح والدماء سالت وهو في طريق خروجه من شرنقة التحول والتكوين، فالذاتُ عنده تَنْتَسِبُ إلى ألمِها الذي هو ألمُ الزاهد، وإلى جِراحِها التي هي جراحُ الناسكِ الذي يَسْتَعِدُّ لهَجْرِ المعنى المُتَأَرْجِحِ بينَ اللامعنى والدليل”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة