7 أبريل، 2024 10:38 م
Search
Close this search box.

عادل كاظم.. أثرى المسرح العراقي بالأسطورة والحكايات الشعبية

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“عادل كاظم جواد”  كاتب مسرحي وكاتب سيناريو عراقي. يلقب برجل الدراما الأول في العراق.

حياته..

ولد “عادل كاظم” سنة 1939  ونشأ ضمن أسرة من بغداد كانت تسكن مدينة الفضل، ثم هاجرت إلى البصرة حيث كان والده يتراس إحدى النقابات في الخمسينيات.وهناك أنهى دراسته الإعدادية، ثم عاد إلى بغداد والتحق بأكاديمية الفنون الجميلة عام 1967، وبعد تخرجه عمل في وزارة الشباب عام 1971.

النص المسرحي..

في مقالة بعنوان (عادل كاظم وفن تشكيل النص المسرحي) كتب “د. عقيل مهدي يوسف”: ” ليس من المغالاة، بالنسبة لتاريخ مسرحنا في العراق، أن نضع كاتباً مسرحياً مثل عادل كاظم في موضع الريادة التجريبية، في مرحلة ما بعد الكاتب يوسف العاني، الذي سبق له أن أنجز تطوراً ثميناً ملحوظاً في تأسيس ملامح فنية رصينة في النص، مع نخبة من الكتّاب، منهم: طه سالم، نورالدين فارس، محيي الدين زنكنة، بنيان صالح، جليل القيسي، وآخرون.

عادل كاظم، الذي نشأ وترعرع في البصرة، الحالم على طريقة السندباد، بارتياد آفاق بعيدة، نمت في داخله بذرة الإحساس بالإيقاع الشعري العروضي، وحين كان يشاهد الأفلام كان يعيد سرد قصصها على مسامع أخيه الفنان التشكيلي نداء كاظم، النحّات الذي أبدع في كثير من الروائع النحتية، ومن بين أبرزها تمثال الشاعر بدر شاكر السياب في مدينته على شط العرب. وقد تأثر عادل، من جانبه، بالتكوينات التشكيلية، وتدرّجاتها اللونية، ونسبها، واتجاهات خطوطها، وحجومها، ومساحاتها، وطرق تصميمها.

وبذلك توافر له إمكان ولادة مشروع كاتب درامي ينهل من أخيه هذا الحسّ التشكيلي، ومن زميل طفولته الفنان المبدع محمد مهر الدين، وما يملكه من ثقافة إنسانية تقدمية، وذوق مرهف، وقدرة إنتاجية مغايرة للسائد المألوف، وما يخصّب مخيّلته من فضاءات سينمائية، لكبار المخرجين العالميين، الذين تعاملوا مع الأساطير، والتاريخ، والحكايات الفلكلورية، تعاملاً إبداعياً جريئاً، جعل الذاكرة البشرية رهن التلقي المعاصر للإنسان البسيط، وللنخبة المفكرة أيضاً، في صالة تجتمع فيها الأحلام، والصبوات، وتتغير عبرها نظرات هذا الجمع الخليط إلى طبيعة مجتمعها الذي تبدّلت أطواره السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية”.

ويضيف: ” كان لدى عادل، وجيله، توق فني ومعرفي، ومقاربة قرائية مضنية لفهم آفاق الواقعية واتجاهاتها، وكذلك الوجودية في الفلسفة والمسرح، أو ما انتهت إليه نظريات الملحمية، ومسرح العبث واللامعقول، والتجارب الطليعية الأخرى في «التجريب» المسرحي المتنوع. التقط عادل كاظم من تلك التحولات الدرامية المفصلية، عبر تاريخها الطويل، وبمهارة نقدية – تحليلية، «جوهر» الفن الدرامي المسرحي، وميّزه من أعراضه الزائلة النافلة.

ونجح عند قيامه بـ«التخطيـط» لكتابة نصوصه الدرامية مسـرحياً، وتلفزيونياً، وإذاعياً، وكذلك حرص عـلى اخـتيار «موضـوعاته» الفنية، بمعرفة جمالية وجدلية، تنقل تخيّلاته من فضاء «الاحتمال» إلى «التحقيق» العملي، يجد حلولاً إبداعية لتلك المشكلات الساكنة التقليدية، ويتجاوزها إلى فضاء  من التواصل مع شريكه الأشهر في التجربة، لا في الكتابة، وإنما في «الإخراج»، الفنان إبراهيم جلال، ومع أمثاله من مخرجينا الكبار، مثل: جاسم العبودي، سامي عبدالحميد، بدري حسون فريد، محسن العزاوي، أديب القلية جي، وسواهم”.

ضد السلطة..

ويصف عمله: “طغت «الثيمة» الفكرية الخاصة بوعي البطل الوجودي، الفردي، المنهمك بمشروعه ضد السلطة، وبطانتها، من أسماء ووظائف أجنبية، جاءت إلى حصار بغداد، أو الاحتلال منذ المغول والتتار، إلى العثمانيين إلى الإنجليز، إلى الحكم المطلق، وهي تذكّرنا بمحنة العراقيين وهم يرزحون تحت سلطة «خزندار، وجندرمة، والصاحب، وسواهم»، ويقابلهم «شعيط ومعيط وجرار الخيط، والسايس، وفلتانة، على خلفية من مناظر بابلية، وعباسية، بغدادية وعثمانية، ومعاصرة». وقد تمّ نحت هذه العروض، بصياغة بصرية، للفنان كاظم حيدر، وفاضل قزاز، وأزياء امتثال الطائي، وسواها.

عمّق الإخراج اتجاهات النص الذي يكتبه عادل كاظم في مسارب حلمية، وواقعية، وتعبيرية، ووجودية، وعبثية (كافكوية) مثلاً. وهي تحمل رسائل «فكرية» عريضة، وصادمة، كالذي حصل في إعداده لمسرحية برخت، «دائرة الطباشير القوقازية»، تحت عنوان: «دائرة الفحم البغدادية»، التي أبدع في إخراجها إبراهيم جلال، وفق منهج برختي، وتأويل عراقي خاص برؤية المخرج الذاتية، ما أثار حفيظة الرقيب، وقام بإيقافها بعد عرضها الأول”.

البحث عن الذات..

وفي مقالة بعنوان (عـادل كاظـم كاتب يبحث عن الذات وينسج افكاره من ابداعات خياله ومعاناته المريرة) كتب “المخرج جوزيف الفارس”: ” عادل كاظم الكاتب المبدع والذي كرس كتاباته من أجل الدفاع عن قضية الإنسان في الحياة، وعن حرية الفرد في اختياراته الفكرية والسياسية والدينية، ولهذا جائت كتاباته متفقة مع ميول بعض المخرجين الذين يؤمنون بتحرير الإنسان من دائرة العبودية والأخذ بزمام قيادته للوصول به إلى بر الأمان ومن خلال دعمهم وتشجيعه على الكتابة منذ بزوغ عبقريته الكتابية في مسرحية الطوفان، (ولهذا الحدث له قصة، كيف أنه أعطى نص مسرحية الطوفان إلى الأستاذ الراحل المخرج جعفر السعدي ليطلع عليه وبيان مدى صلاحية النص، وإذا به  يتفاجأ بالأستاذ جعفر السعدي ليخبره عن ضياع النص، وتأتي المفاجأة الأخرى حينما جائه الاستاذ ابراهيم جلال وهو في الصف وبحضور الاستاذ جاسم العبودي  ليستأذن له بالخروج خارج الصف، وفي الخارج كانت المفاجئة تنتظر عادل كاظم حينما سأله إبراهيم جلال رغبته بإخراج نص الطوفان ليخبره عادل كاظم بضياع النص، إلا أن إبراهيم جلال فاجئه بأن النص المسرحي عنده ومحتفضا به ولإعجابه به يروم العمل على إخراجه مسرحيا، ففرح عادل كاظم أشد الفرح لعثوره على النص المسرحي لدى الأستاذ إبراهيم جلال).

إن عادل كاظم ليس بكاتب ينفخ بابواق دعائية لا تخدم مصالح الشعب والشريحة المغلوب على أمرها من المسحوقين والمعدومين اقتصاديا، إنه ليس بوقا مزيفا ينفخ من على خشبة المسرح لصالح الأنظمة بقدر ماهو ضد الزيف والكشف عن الحقائق التي ظلمت الشعب وحاصرته في زنزانة الموت والتعذيب والذي كان يدور في أجواء عراقنا، وعادل كاظم كان يبحث عن متنفسا لذاته، يفرغ مافي أعماقه من التنفيس والتطهير للمتلقي وتجسيد معاناته، هذه المعاناة جعلته يبحث بين سطور مجلدات أدبية ويطلع على الأفكار العالمية يستطيع من خلالها أن يسبح عالم يسوده فكر يبحث في كيفية تحقيق المصالح للجماهير وتحقيق العدالة الاجتماعية لإنقاذ هذه الجماهير”.

ويؤكد: “كان عادل كاظم يبحث عن ذات الإنسان ويتاثر بالأفكار التي تنادي بتحرير هذه الذات من الروحانيات والتشبث بالماديات والتي تساعد الإنسان على العيش الرغيد في وطن غير مقيد وشعب يعيش سعادته، ولهذا حاول وكباقي المفكرين والفلاسفة الذين بحثوا عن الخلود ومن خلال شخصية كلكامش في مسرحية الطوفان إلا أنه فشل في الوصول إلى النتيجة التي كان يهدف إلى الوصول إليها، ولهذا عاش التمرد الذاتي مع نفسه ومع شخصيات نصوصه المسرحية مستهزء ببعض القيود التي أحاطت بالإنسان من الحياة الروحية والرهبنة، وإنما لامناص منها ومن نتائجها الحتمية في اللاجدوى”.

تكريم..

وفي في حديث خاص لـ (ايلاف) أجراه معه “عبد الجبار العتابي” أكد “عادل كاظم” أنه لايهتم للمؤسسات الثقافية الحكومية إن كرمته أو تكرمه أو التفتت إليه أولم تلتفت، وذلك بعد الاحتفالية التي أقامتها لتكريمه مؤسسة المدى لمناسبة يوم المسرح العالمي كونه أحد الكتاب الكبار الذين قدموا للمسرح العراقي الكثير وقال: “الذي لا يعرفني هذه مشكلته وليست مشكلتي، وأنا لا أكتب كي يعرفني هذا المسؤول أو ذاك، فأنا أقدر قيمتي، وهذا الشعب يعرفها أيضا فهو يسألني عن صحتي وألمي وآخر ما كتبت، وهو عندي تكريم دائم، لا أذكر آخر مرة تم الاحتفاء بي فيها، ولكن ما يهمني هو اللقاء بين المثقفين، فكل احتفال ثقافي وكل تجمع تتكاثر فيه الأصوات وتعبر عن مكنوناتها وما يتجمع في دواخلها من هموم وأتراح وأفراح هو شيء جيد”.

الحكايات الشعبية..

في مقالة بعنوان (المبدع عادل كاظم بين الأسطورة والحكايات الشعبية) كتب “د. سالم شدهان غبن”: “وأنا استرجع معظم الثيمات التي كتب عنها عادل كاظم أو التي اعتمد عليها في كتاباته المسرحيّة والتلفزيونيّة فأجدها قد اعتمدت على أساطير كبيرة عالمية وأخرى محلّية امتدّت من ملحمة كلكامش في (الطوفان) إلى (بنت المعيدي) وحكايتها المحليّة التي حملت بعض المفاهيم الأسطورية المحليّة على الأقل مرورا بالأعمال التي اعتمدت على مسرحيات بريخت (دائرة الفحم القوقازيّة) التي تحولت إلى (دائرة الطباشير البغدادية) و (الموت والقضية) عن شهرزاد و(حي بن يقضان )لابن طفيل, ومسلسل (البيانات المفقودة) مستفيدا من أسطورة ألف ليلة وليلة مرورا بالكثير من القصص لتشيخوف وكافكا وفيكتور هيغو في (البؤساء) التي تحولت إلى مسلسل (الأيام العصيبة) وكذا كان في معظم أعمال عادل كاظم .

لقد اعتمد عادل كاظم على الشخصيّات التاريخية المهمّة والتركيز على اضفاء صفة المحليّة عليها من خلال الرموز والجمل ذات البناء السردي المتطور مستفيدا من فهمه وحبه للأسطوري والملحمي والواقعي والسحري والرومانسي وحتى الكوميدي، ليخرج ببناء درامي يحوي كل ماسبق بنسب متفاوتة وبذكاء كبير, إذ كان يستعين بكل مفهوم منها في المكان المناسب, ولا يترك مكان أو زمان دون أن يضع له الإطارالمناسب والشكل المناسب”.

الشط الكبير ..

وفي مقالة بعنوان (انطباعات عن رواية “الشط الكبير” للكاتب الراحل “عادل كاظم”) كتب “دكتور رياض أحمد طه”: “رواية (الشط الكبير).. آخر ما أصدره الكاتب الراحل “عادل كاظم”*. وهي من إصدارات منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق.

وتعد رواية عميقة في السرد الدرامي وواسعة بجزأين وهي تحكي سيرة مدينة البصرة إبّان الاحتلال البريطاني، أعوام ١٩١٤-١٩٢٠. وتدور أحداث الرواية حيث منطقة شط العرب في البصرة منطقة “التنومة” إبان دخول الانكليز للبصرة وإنهاء فترة الحكم العثماني للعراق، ومنها بروز بريطانيا قوة عظمى مهيمنة على الاقتصاد والسياسة ومنها دخول الآلات الصناعية للبلد وبما أبهر الناس لتقنيتها أمام فقر وبساطة الحياة العراقية إبان الفترة المظلمة للحكم العثماني.

ويضيف: “لقد كانت حبكة السرد للرواية متقنة وبرباط سردي متين في تتابعه حتى النهاية، واهتم الكاتب بالمثول الواضح لدراما الحدث ومن الحوارات والانفعالات النفسية لشخصيات الرواية وسلوكها وتعابير اللفظ المنسجم مع روح الحدث ومكانيته الاجتماعية.

وقد يتصور القاريء نهايات مختلفة في تتابع قرأته، إلا أن النهاية التي اختارها الكاتب “عادل كاظم” تبقى خاضعة لمنطق سرد الأحداث، وهي نهاية محكمة أمام جدار عالي بوجه رجوع “رضية” زوجة البلام الفقير البسيط الطيب “زيدان” وان كانت معذورة امام وقائع لم تقع في الحساب منها وهي المراة المحاصرة اصلا بالعادات المتحفظة للمجتمع الذكوري المتخلف، وبعد فان رواية “الشط الكبير” تصلح ثيمة ملائمة مع منهج وتاريخ الكتابة الدرامية للكاتب “عادل كاظم” لتكون مسلسل مناسب لمخرجي الدراما والمسلسلات في التلفزيون والمسرح”.

وفاته..

توفي “عادل كاظم” في 2 من أغسطس 2020 عن عمر ناهز 81 عام بعد صراع طويل مع المرض.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب