7 أبريل، 2024 3:17 م
Search
Close this search box.

عائشة التيمورية.. جددت في الشعر وأيدت تحرر المرأة

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“عائشة تيمور” شاعرة مصرية، هي “عائشة عصمت بنت إسماعيل باشا بن محمد كاشف تيمور”، ولدت في أحد قصور “درب سعادة” وهى أحد أحياء الدرب الأحمر حين كانت تلك المنطقة مقرًا للطبقة الارستقراطية، وهي ابنة “إسماعيل باشا تيمور” رئيس القلم الإفرنجي للديوان الخديوي في عهد الخديوي إسماعيل بما يعادل منصب وزير الخارجية حاليًا، ثم أصبح رئيسًا عامًا للديوان الخديوي، كان اسم والدتها هو “ماهتاب هانم” وهي شركسية تنتمي للطبقة الارستقراطية، وهي أخت الكاتب “أحمد تيمور” ولكن من أم أخرى، وعمة الكاتب المسرحي “محمد تيمور”، والكاتب القصصي “محمود تيمور”.

حياتها..

نشأت “عائشة” في بيت علم وسياسة، فأبوها رجل له مكانته السياسية ورجل مثقف له شغف بمطالعة كتب الأدب، وكانت عائشة تميل إلى المطالعة، إلا أن أمها كانت تعارض هذا إلا أن عائشة استمرت في المطالعة، فتفهم أبوها طبعها فأحضر لها أستاذين أحدهما لتعليم اللغة الفارسية والآخر للعلوم العربية، وتقول عائشة عن ذلك: “فلما تهيأ العقل للترقي، وبلغ الفهم درجة التلقي تقدمت إلي ربة الحنان والعفاف، وذخيرة المعرفة والإتحاف، والدتي تغمدها الله بالرحمة والغفران، بأدوات النسج والتطريز، وصارت تجد في تعليمي وتجتهد في تفهيمي وتفطيني، وأنا لا أستطيع التلقي، ولا أقبل في حرف النساء الترقي، وكنت أفر منها فرار الصيد من الشباك، والتهافت على حضور محافل الكتب بدون ارتباك، فأجد لصرير القلم في القرطاس أشهى نغمة، وأتخيل أن اللحاق بهذه الطائفة أوفى نعمة، وكنت ألتمس- من شوقي- قطع القراطيس وصغار الأقلام، وأعتكف منفردة عن الأنام، وأقلد الكتاب في التحرير لأبتهج بسماع هذا الصرير، فتأتي والدتي، وتعنفني بالتكدير والتهديد فلم أزدد إلا نفورا، وعن هذا التطريز قصورا، فبادر والدي تغمد الله بالغفران ثراه، وقال لها: “دعي هذه الطفلة للقرطاس والقلم، واحذري أن تكثري من الكسر في قلب هذه الصغيرة، وأن تثلمي بالعنف طهرها، وما دامت ابنتنا ميالة بطبعها إلى المحابر والأوراق، فلا تقفي في سبيل ميلها ورغبتها، وتعالي نتقاسم بنتينا، فخذي عفت وأعطيني عصمت، وإذا كان لي من عصمت كاتبة وشاعرة فسيكون ذلك مجلبة الرحمة لي بعد مماتي”، وأخذ بيدي وخرج بي إلى محفل الكتاب ورتب لي أستاذين، أحدهما لتعليم الفارسية والثاني لتلقين العلوم العربية”.

وقصدت عائشة عالمات تدرس على أيديهن علوم الشعر وفنونه، ووجدت نفسها عند أديبتين عالمتين هما: فاطمة الأزهرية، وستيتة الطبلاوية، معلمات وزميلات يقرأن الأدب، ويعرفن الشعر، وعلى هاتين الجوهرتين أسست عائشة التيمورية معارفها في الشعر والأدب، واقتبست من أخلاقهما الفاضلة ومعارفهما، ما جعلها بارعة في مجال الأدب والأخلاق، حتى غطت شهرتها شهرة هاتين الأستاذتين الفاضلتين.

تزوجت “عائشة” وهى في الرابعة عشرة من عمرها سنة  من محمد بك توفيق الإسلامبولى وهيأت لها حياتها الرغدة أن تستزيد من الأدب واللغة، فاستدعت سيدتين لهما إلمام بعلوم الصرف والنحو والعروض، ودرست عليهما حتى برعت، وأتقنت نظم الشعر باللغة العربية، كما أتقنت اللغتين التركية والفارسية، وقد أخذتهما عن والديها. تولت عائشة تعليم أخيها “أحمد تيمور”، وكان والدها قد توفى بعد ميلاده بعامين، فتعهدته بالتربية والتعليم حتى عرف طريقه، وقد صار بعد ذلك واحدا من رواد النهضة الأدبية في العالم العربي.

فقدت “عائشة” ابنتها توحيدة التي توفيت في سن الثانية عشر وظلت سبع سنين ترثيها حتى ضعف بصرها وأصيبت بالرمد فانقطعت عن الشعر والأدب، وكانت حبيبة إليها فرثتها بعدة قصائد منها “بنتاه يا كبدي ولوعة مهجتي”، وكان هذا الحادث الأليم عميق الأثر في نفس عائشة حيث ظلت 7 سنوات بعد وفاة ابنتها في حزن دائم وبكاء لا ينقطع، وأحرقت في ظل الفاجعة أشعارها كلها إلا القليل.

كتبها..

لها ديوان باللغة العربية باسم (حلية الطراز) وآخر بالفارسية طبع بمصر وبالأستانة وبإيران، ولديها رسالة في الأدب بعنوان (نتائج الأحوال في الأقوال والأفعال) طبعت بمصر وتونس. كما أن لديها رواية بعنوان “اللقا بعد الشتات” وتركت رواية أخرى غير مكتملة بخط يدها.

نشرت عائشة في جريدة “الآداب” و”المؤيد” عددا من المقالات عارضت فيها آراء “قاسم أمين” ودعوته إلى السفور. ومن آثارها الأدبية الأخرى “مرآة التأمل في الأمور” وكتاب يضم مجموعة من القصص باسم “نتائج الأحوال في الأقوال والأفعال”.

في دراسة عن “عائشة التيمورية” أجرتها الباحثة “نبيلة عبيد عبد الله”

نقول : ” قسمت عائشة شعرها إلى خمسة أقسام، فكان منه الغزلي والأخلاقي والديني والعائلي وشعر المجاملة، وقد تميز شعرها بكل أنواع الصدق والمشاعر الخالصة، إلا أن شعر الرثاء كان له نصيب الأسد من الصدق والعمق والتأثير وجودة التصوير على حد سواء، ولاسيما رثاؤها ابنتها ” توحيدة” التي توفيت وهي في مقتبل العمر، ومما قالته في ابنتها:

أماه قد عز اللقاء وفي غد               سترين نعشي كالعروس يسير

وسينتهي المسعى إلى اللحد الذي هو منزلي وله الجموع تصير

قولي لرب اللحد رفقاً بابنتي            جاءت عروساً ساقها التقدير

إلى أن تقول:

أماه! لا تنسي بحق بنوتي               قبري لئلا يحزن المقبور

ثم تقول:

صوني جهاز العرس تذكاراً فلي         قد كان منه إلى الزفاف سرور

وبالنسبة لشعرها الغزلي، فلم يكن منه إلا من قبيل ” تمرين اللسان “، وذلك بسبب افتقاد روحها للبهجة والسعادة، وحزنها على ابنتها طال نصيباً واسعاً من روحها؛ مما أثر على شعرها العربي وأضفى عليه صبغة من الحزن والأسى لا تخفى على القارئ والمتذوق. فكان منه:

فيا إنسان عيني غاب عنها      وبدلني به طول المـــلال

عسى ألقاك مبتهجاً معافى    وأصبح منشداً أملى صفــالي

لتهنأ مقلتي بسنا حبيـب       بديع الحسن محمود الخصال

وأنظم أحرفي كالدر عقداً        به جيد الصحائف كان حالي”.

وتضيف الباحثة: “كما استرسلت عائشة التيمورية في كتابة الشعر بكل ما أوتيت به من مواهب شعرية، ليس فقط بالعربية والتركية، بل وبالفارسية أيضاً، وكان لها من الشعر أيضا ماً قالته عن زعماء الثورة بعد نفيهم والتنكيل بهم وكان منه:

ظلموا نفوسهم بخدعة مكرهم        والمكر يصمى أهله ويحيق

فرقت شمل جموعهم فمكانهم في الابتعاد وفي الوبال سحيق

كما كان لها أيضاً من الشعر:

حبـــذا حلية الطراز أنت من             مصر تزهو باللؤلؤ المنظــوم

حلية للعقول لا حلية الوشى          وكـــر المنطوق والمفهوم

أنشأته كريمة من ذوات المــــ        ـــجد والفخر فرع أصل كريم

شمس علم تأتى القصائد منها سـ     ـــائرات في الأفق سير النجوم

كـل بيت بكــل معنى بديـع          ما على السركفية من تحريـم

قد أعاد الزمان عائــشة                  فيها فعاشت آثار علم قديم

هام قلبي على السماع وأمسى     ذكرهـا لذتى وفيهـا نعيمــي

هي فخـر النساء بل وردة في         جيد ذا العصر زينت بالعلـوم

فأدام المــــولى لها كل عـــــز ما      بــدا الصبح بعــد ليــل بهيم

كذلك قالت في والدها بعد وفاته:

أبتـــــاه، قد حش الفراق حشاشتي  هل يرتضي القلب الشفوق جفائ

يــــــا من بحسن رضاه فوز بنوتي     وعزيـــــز عيشتــه تمـــام رخائي

إن ضاق بي ذرعي إلى من أشتكي  من بعــــد فقدك كافـــلا برضائي

هي أديبة فاضلة وحكيمة عاقلة وبارعة باهرة وشاعرة ناثرة.  إن لهذه المرأة مكانتها، فقد فاقت نساء عصرها في المعرفة والفهم، وسبقتهن بتقدم مطالبها. فالبيئة التي أحاطت بها هي بيئة مليئة بالكتاب والشعراء والأدباء الذين كانوا يتجمعون لدى والدها، فتأثرت بهم السيدة عائشة.  واتسمت كتاباتها بالجانب الأخلاقي، فلم تتطرق إلى الجانب الغزلي في أشعارها إلا نادراً، وغلب رثاء على ابنتها توحيدة المتوفاة.  وتميزت السيدة عائشة أيضاً بتعدد لغاتها، فقد كانت تتقن اللغة العربية والتركية والفارسية.  كما كانت لها مؤلفات عديدة ميزتها عن غيرها من نساء عصرها”.

بزوغ نجم الشاعرة “عائشة تيمور” تزامن مع تنصيب “محمود سامي البارودي” باعتباره أول المجددين في الشعر العربي الحديث، ويلفت النظر إلى أنه تم تجاهل “عائشة تيمور” كإحدى المجددات الأوائل جنبا إلى جنب مع “البارودي”. وكيف خرجت “عائشة تيمور” بالشعر من بوتقته الضيقة المقصورة على المديح والهجاء لتكتب قصائد تتحدث عن موضوعات وجودية وفلسفية فتقول في إحدى قصائدها.

لعبت “عائشة” دورا مهما في الحياة الثقافية والاجتماعية في مصر في النصف الأخير من القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، في الوقت الذي احتدم فيه الصراع بين الشرق والغرب حول مفهوم المجتمع الحديث والصورة المثلى للرجال والنساء فيه. فقد كانت الصورة النمطية للمرأة الشرقية في ذلك الوقت هي ربة البيت التي تجيد رعاية المنزل والأولاد وفي نفس الوقت تتمتع بقدر من التعليم. لكنها نجحت في كسر تلك الصورة التقليدية وأصبحت الشاعرة التي نظمت الشعر بالعربية والتركية والفارسية، والأديبة التي صنفت كتبا في الأدب وكتبت الرواية. إن أعمال “عائشة تيمور” تصنف في طليعة الكتابات المدونة للمرأة العربية في العصر الحديث. وقد برعت أيضاً في معظم الألوان الشعرية، وكتبت في الشعر الغزلي والديني والتأملي والاجتماعي. لم تكتف “عائشة تيمور” بشعر الفصحى فقط، بل كتبت الأدوار والموشحات، وقد غنى المطرب “عبده الحامولي” بعض أدوارها الغنائية ومنها:

حياتي بعد بعدك نوح …   ووعدي ضيعك مني

دا إنت إنت الغذا للروح … وليه ترضى البعاد عني

سلامة مهجتي من الآه … تعا يا قلب ننعيها

لهو أنت القلب لا والله …  دا قلبي من سكن فيها

تحرير المرأة..

لعبت “عائشة تيمور” دورا بارزا لتحرير المرأة، من خلال عدد من الأبحاث والدراسات التي نشرتها حول تعليم الفتيات، لتدخل في معارك مع من رأوا في تعليم الفتاة مفسدة أخلاقية، كما ردت وبعنف على من أدعوا بأن التعليم يحول الفتاة إلى رجل، مؤكدة أن العلم يزيد من أنوثة المرأة. كما كانت من أوائل الرائدات اللاتي نبشن في قضية القوامة، والتي كان ينظر إليها كحق أصيل للرجل، لتفاجئ الجميع بآرائها القائمة على منهج العقل لتقول إن القوامة في الأسرة لصاحب الدور الاجتماعي وليس للرجل على الإطلاق، فلا قوامة لرجل يقضي يومه في الحانات والمراقص، بينما المرأة تتحمل وحدها مسؤولية إدارة شئون المنزل والأولاد.

وفاتها..

في سنة 1898 أصيبت “عائشة” بمرض في المخ واستمر المرض أربع سنوات حتى توفيت في 1902.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب