7 أبريل، 2024 3:31 م
Search
Close this search box.

طيب تيزيني.. صاحب مشروع يعتمد على رؤية جديدة للفكر العربي

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: إعداد- سماح عادل

الدكتور “طيب تيزيني” مفكر سوري، من أنصار الفكر القومي الماركسي، يعتمد على الجدلية التاريخية في مشروعه الفلسفي لإعادة قراءة الفكر العربي منذ ما قبل الإسلام حتى الوقت الحاضر.

حياته..

ولد “طيب تيزيني” في حمص عام 1934، تلقى علومه في حمص ثم غادر إلى تركيا بعد أن أنهى دراسته الأولية ومنها إلى بريطانيا ثم إلى ألمانيا لينهي دراسته للفلسـفة فيها ويحصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة عام 1967، والدكتوراه في العلوم الفلسفية عام 1973، عمل في التدريس في جامعة دمشق وشغل وظيفة أستاذ في الفلسفة حتى وفاته.

شارك “طيب تيزيني” في العمل السياسي قبل سفره خارج سوريا للتعليم، يقول عن ذلك  في حوار له بجريدة الراية: “في الحقيقة هنالك بعض الجذور التي تشدني إلي السياسة فكراً وممارسة، فلقد أسهمت في بعض الأحزاب اليسارية التي نشأت في سوريا لفترة زمنية كنت بعدها أعود إلي العمل الفكري خصوصاً بصيغة الفكر السياسي، لذلك فالتجارب التي عشتها في أحزاب سياسية معينة كانت تقدم لي تجربة عميقة، سعيت وأسعى إلي التنظير لها في إطار الفكر السياسي العربي، وقد تعمق هذا الاتجاه لدي حين لاحظت ضرورة العودة إلي الفكر السياسي العربي في التاريخ العربي علي نحو العموم، فكتبت مثلاً بعض كتاباتي التي امتزجت باهتمام عميق بالسياسة وبالفكر السياسي”.

الفلسفة الوسيطة..

حصل “طيب تيزيني” على درجة الدكتوراه من ألمانيا عام 1967 في أطروحة معنونة “تمهيد في الفلسفة العربية الوسيطة” والتي نشرت بالألمانية عام 1972. ثم حصل على الدكتوراه في العلوم الفلسفية عام 1973. وقد تبلورت أطروحته باعتبارها نواة لمشروع فلسفي عند نشر كتابه الأول باللغة العربية وهو “مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط” عام 1971 الذي طبع بعد ذلك خمس طبعات. حول الدكتور “تيزيني” بعد ذلك أطروحته إلى مشروع متعدد المراحل مكون من 12 جزءا، في هذه المرحلة أنجز أعمالا منها “الفكر العربي في بواكيره وآفاقه الأولى” 1982، و”من يهوه إلى الله” 1985، و”مقدمات أولية في الإسلام المحمدي الباكر” 1994. وقد أنجز ستة أجزاء من هذا المشروع قبل أن يتحول إلى التركيز على قضية النهضة. وتركزت المرحلة الثانية في فكر “طيب تيزيني” ، والتي بدأت تقريبا عام 1997، على معالجة عوائق النهضة العربية سواء في فكر الذات أو تلك الناتجة عن الحضارة الغربية. وفي هذه المرحلة أنجز أعمالا منها “من الاستشراق الغربي إلى الاستغراب المغربي” 1996، و”النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة” 1997، و”من ثلاثية الفساد إلى قضايا المجتمع المدني” 2001. ويمكن القول بوجود سمتين هامتين أساسيتين للتحول الفكري في مسار “طيب تيزيني”  على الرغم من احتفاظه بالفكر الماركسي كمرجعية فلسفية. الأولى هي التخلي عن الطرح الماركسي التقليدي القائل بأن عملية التحول المجتمعي تقوم على صراع الطبقات، واستبدالها بالاعتماد على الطيف الواسع للمجتمع ككل. والثانية هي استبدال استبعاد الفكر الديني الإسلامي من عملية التحول المجتمعي، الذي هو جزء طبيعي من الفكر الماركسي، بأهمية فهم التجربة الدينية الإيمانية من الداخل وتأثيرها في إنجاز التحول المجتمعي.

يرتكز الفكر الفلسفي ل”طيب تيزيني” على فكرة أساسية يمكن القول بأنها تمثل الفكرة المركزية التي يدور حولها مشروعه الفكري جميعه. يحاول بصور متعددة أن يثبت أن الفكر العربي، ويشمل ذلك ما قبل ظهور الإسلام، هو جزء من تطور تاريخ الفكر الإنساني بالمعنى العام. وهذا يستتبع نتيجتين، الأولى هي أن هذا الفكر ينطبق عليه المنهج الجدلي المادي على الرغم من أنه، أي الفكر العربي، قد تطور وازدهر في ظل الحضارة الإسلامية. والثانية هي أنه لا يمكن قبول فكرة المركزية الأوروبية التي تنزع عن الفكر العربي (الإسلامي) أصالته الخاصة به وتجعله مجرد حامل للفكر اليوناني القديم. تظهر مركزية هذه الفكرة بشكل واضح من تحقيبه التاريخي للفكر العربي على أنه فكر ينتمي إلى “العصر الوسيط”، حيث يقسم الفكر الإنساني إلى فكر قديم ووسيط وحديث. كما يظهر ذلك أيضا في تحليله للفكر العربي ابتداء من “بواكيره الأولى” قبل الإسلام اعتمادا على المعطيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية قبل الإسلام وبعده. وبالتأسيس على ذلك يرى “طيب تيزيني” أن هذا الموقف يحرر الفكر العربي المعاصر من سيطرة الفكر الغربي، حيث يمكن في هذه الحالة استئناف الفكر العربي كجزء من تطور الفكر الإنساني. كما يمثل ذلك الموقف، من جانب آخر، وسيلة للخروج من سيطرة الفكر التقليدي حيث يمكن إعادة قراءة الفكر العربي باعتباره جزء من التاريخ الإنساني. وبالتالي ستمثل إعادة القراءة التاريخية هذه دافعا آخر نحو استئناف الفكر العربي كجزء من تطور الفكر الإنساني.

اختارته مؤسسة «كونكورديا» الفلسفية الفرنسية – الألمانية في العام 1998 واحداً من «مئة فيلسوف في العالم للقرن العشرين»

رؤية جديدة للفكر العربي..

في حوار معه أجراه “إبراهيم العريس” يقول “طيب تيزيني” عن الوضع العربي في ضوء مشروعه الطموح “رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط “: “هذا السؤال يبادر بأن يوجه الحوار والقضية التي نتحدث عنها صوب المسألة الأكثر حضوراً في عالمنا العربي كما في حياتنا الشخصية. سؤال يريد أن يعرف أين صرنا وكيف ولماذا. وأنا أعيش وسط هذا النوع من الأسئلة، لكنني أحاول دائماً أن أعيد النظر في مساري نفسه، شخصياً وفكرياً وسياسياً ووجوداً عاماً… وألهث وراء هذا الهدف. ربما لا أصل دائماً إلى نتائج مهمة مناسبة تعجبني وترضيني، ومع هذا استطيع القول أنني وضعت يدي على البدايات الأولى التي تلاءم ملاحقة ما يحدث، بالتالي تمكنني من إعادة بناء شخصي فكرياً وسياسياً في صورة محددة. وكل هذا في استجابة واضحة لاحتياجات التغيير الهائل الذي يعيشه عالمنا. وجواباً عن السؤال، سأقول بعض الصيغ التي أراها أولية واحتمالية. وأبدأ من ملاحظة تتعلق بعنوان أول كتاب لي، في المشروع الذي تتحدث عنه. كان العنوان «من التراث إلى الثورة»، وهو صدر في 1976. والذي أراه اليوم أن أحداث العالم العربي وتطوراته تضطرني وبإلحاح إلى أن أبدأ النظر إلى الكتاب وعنوانه تخصيصاً. تساءلت: هل ما زال هذا العنوان صالحاً بعدما تفككت أفكار كثيرة وتفكك الاتحاد السوفيتي، والأفكار التي كانت مهيمنة في ذلك الحين على فكر تقدمي مهيمن في الساحة العربية؟ بعد رصد ما حدث والتطورات المتلاحقة وضعت يدي على مسألة أظن الآن أنها كانت، بالنسبة إلي، مدخلاً لاكتشاف ما عليّ أن أنجزه مجدداً: فكلمة «الثورة» الواردة في العنوان لم تعد ذات وجود، بصرف النظر عن التسويفات التي يمكن أن تقدم. لغة العصر لم تعد تتسع لهذه الكلمة. ومن هنا رحت أفكر في كتابي، من ثم انطلقت من الواقع إلى الكتاب ثم من الكتاب إلى الواقع… وفهمت أن مشروع الثورة ذاته بات يعيش اختناقاً قاتلاً. من هنا، ومن خلال قراءاتي الدؤوبة في الفكرين العربي والأوروبي، أدركت ما يخيّل إليّ أنه البديل المناسب لمفهوم الثورة ومشروعها، وهو مفهوم النهضة ومشروعها”.

ويواصل: “ما أن توصلتُ إلى هذه الفكرة حتى تعاظمت في حياتي الفكرية والسياسية لأدرك أن أهم عنصر من عناصر مشروع الثورة والنهضة (وأعني هنا الثورة الحقيقية) إنما يتمثل في فهم كينونة الحامل الاجتماعي لأية ثورة أو نهضة. وهكذا فكرت ملياً في الأمر حتى توصلت إلى أن الحامل الاجتماعي لأي تحرك في المجتمع العربي هو المجتمع ذاته… المجتمع كله. بدلاً منه، كنا في الماضي نعتبر الحامل الاجتماعي حاملاً طبقياً ونتحدث عن الصراع الطبقي والإشكالية الطبقية، هذا ليس وارداً الآن. حامل المشروع الجديد، النهضوي، لا يمكن الآن إلا أن يكون تحالفاً طبقياً أو سياسياً يضم كل فئات المجتمع. العالم اختلف كثيراً، منذ تفكك الاتحاد السوفيتي وبروز عالم جديد تقوده الولايات المتحدة وحدها. وتبين لي من موقع علم الاجتماع السياسي أن الحامل الحقيقي الاجتماعي لمشروع نهضوي ما يتمثل في الأمة كلها من أقصاها إلى أقصاها. وبتحديد إيديولوجي أكثر، وجدت أن الحامل الاجتماعي لأي مشروع مستقبلي يتمثل في مروحة تنطلق من أقصى اليمين القومي الديمقراطي إلى أقصى اليسار الوطني. أخذت ألاحق هذه المسألة السوسيولوجية الثقافية والسياسية ليتبين لي أن حديثنا عن «المشروع الثوري»، ليس مضللاً فقط، بل هو خطير أيضا، وهكذا انتقلت إلى الموقف الجديد، وفكرت في أن أعيد النظر في مشروعي النظري القديم… وأصيغه حتى في عنوان جديد، معيداً بناء ما يتعين عليَّ بناءه… ثم تركته جانباً، لأصيغ بدلاً منه مشروعاً آخر تماماً، عنوانه «من التراث إلى النهضة»”.

وعن أفكار ماركس وأنغلز وأدبيات الثورة الروسية يضيف: “لا… أبدا. أنا لم أتخلَّ عن أفكار ماركس وأنغلز، بل على عكس كثيرين لم أنكر حتى إيديولوجية ماركس. كل ما في الأمر أنني حاولت أن أوضح لنفسي المفاهيم التي كانت ملتبسة طوال عقود من السنين. لم أتخلَّ عن ماركس الإيديولوجي، بل أعدت تعريف إيديولوجيته، فقلت أن همّها هو تفسير المعارف وتأويلها بمفترض المصالح. من هنا أقول أن تفسيري لماركس لم ولن يتغير. الذي حدث هو أن هذه الايدولوجيا اخترِقت على مدى الزمن بمواقف خشبية ومتشنجة، تمكنت من أن تطيح كل فهم علمي لها، مطيحة في الوقت ذاته الوجه المعرفي لماركس. اليوم إذ تجب استعادة ماركس، لا تجب من خارجه بل من داخله، من داخل احتياجات الزمن الراهن. أنا تركت الأيديولوجيات التي برزت بمسميات وأقنعة ماركسية، فكنا نحن ضحاياها، وكان ماركس نفسه ضحية لها أيضا”.

ويقول عن النهضة التي يتحدث عنها وهل تتمظهر مثلاً في فكر قومي عربي يخص الأمة كلها، ومن شأنه أن يوصل إلى نوع من الفاشية التي تقدّس الجموع: “ظاهرياً يبدو الأمر كذلك. كان هناك مشروع قومي عربي حدثت فيه اختراقات كثيرة وخطيرة من هذا النوع، لعل أولها غياب الديمقراطية، وغياب السياسة وغياب الحراك الاجتماعي السياسي. ابتلع المشروع القومي كل هذا، ما جعله أشبه بأن يكون مشروعاً شبه فاشي. أعني أنه يقترب كثيراً من الفاشية، ولكن لا يمكنه أن يكون فاشياً خالصاً لأن عندنا كوابح كثيرة عادة ما تنطلق من صفوف الناس الذين لا يمكنهم أن يكونوا فاشيين. بدأ يتضح لي شيئاً فشيئاً أن المشاريع الدينية المتعددة ممكنة، انطلاقاً من أن النص الديني قابل لقراءات متعددة تنطلق من قناتين، أولاهما المستوى المعرفي للقارئ، والثانية المستوى الإيديولوجي المرتبط بالمصلحة. كل هذه القراءات مشروعة، لكنها لا تمتلك كلها الصدقية المعرفية. هذه الصدقية تمتلكها القراءة التي يمكن أن تنطلق من منظومة المفاهيم الحداثوية العقلانية والديمقراطية. وهي يمكن أن تكون دينية، وهذا أمر وصل إليه بعض أصحاب الفكر الديني، لكنهم لم يدخلوا في إيجاد البديل”.

وفاته..

توفي “طيب تيزيني” في ١٨ مايو ٢٠١٩ عن عمر يناهز الـ85 عاماً بعد صراع مع المرض في مدينته حمص.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب