25 أبريل، 2024 12:58 م
Search
Close this search box.

 طمس المعرفة وسيلة لإخضاع الناس في “فهرنهايت 451”

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: قراءة- سماح عادل

“رواية فهرنهايت 451”  للكاتب الأمريكي “راي برادبري”، ترجمة سعيد العظم، إصدار دار الساقي، تعتبر من روايات الأدب السياسي كما يمكن تصنيفها كرواية خيال علمي، وأيضا يمكن أن تدرج تحت إطار الأدب الكابوسي والتشاؤمي، الرواية تكمل الطريق الذي بدأته رواية 1948 لجورج أورويل، حيث تتصور المجتمع الشمولي في إطار تخييلي يمد الخط على استقامته ويتصور المجتمع الشمولي في أبشع أشكاله.

الشخصيات..

مونتاغ: البطل، يعمل إطفائيا حيث يقوم بإحراق الكتب والمنازل التي يثبت أن أصحابها يخبئون الكتب، ظل يعمل في تلك المهنة عشر سنوات دون أن يبدي أي تمرد، إلى أن يتقابل مع إحدى الفتيات فتبدأ نظرته عن العالم تتغير.

ميلدرد: زوجة ” مونتاغ” تعيش معه منذ عشر سنوات، لا تفعل شيء سوى سماع التليفزيون والأوامر الموجهة من السلطة، وتتناول كمية كبيرة من حبوب النوم، تعيش خواء حياتيا وحين تشعر بثقل وطأته تركب سيارتها وتسير بسرعة جنونية، وتدوس بعض الأرانب والكلاب ثم تعود إلى تقبل تلك الحياة المملة.

كلاريس: فتاة في السادسة عشر من عمرها، جارة” مونتاغ” يقابلها بالصدفة لكنها تعيد إليه الإحساس بالحياة، تبدأ تسأله أسئلة غريبة تثير داخل ذهنه تساؤلات أكبر حول نمط حياته ونمط حياة الآخرين وحول الماضي.

فابر: كان أستاذا في الجامعة منذ أربعين عاما ومع تحول المجتمع إلى مجتمع مغلق ومحكوم بسلطة قوية أصبح عاطلا عن العمل، ومستسلما وجبانا، لكنه لم ينس لذة المعرفة الذي كان يعيش فيها، تقابل مع “مونتاغ” بالصدفة وتذكره “مونتاغ” حين كان يبحث عن أحد يساعده في فهم الكتب.

بيتي: مدير مونتاغ، إطفائي، يقوم بدور يد السلطة حيث يراوغ “مونتاغ” ويبدأ في تشويش ذهنه حينما يشعر أنه بدأ يتمرد على نمط الحياة، يستخدم “بيتي” مقاطع من بعض الكتب ليربك “مونتاغ”.

جرانجر: أستاذ جامعة آخر، رحل هو وكثيرون عن المدينة وعاشوا مشردون بجوار النهر وفي مناطق الريف، بعيدا عن سلطة المدينة والحكومة، قرر هو وآخرون أن يحتفظوا بالمعرفة داخل عقولهم حتى يعيدوا تعريف الناس بها عندما تتغير الأمور.

الراوي..

الراوي عليم لكن لا يكاد يشعر القارئ بوجوده، يتتبع “مونتاغ” البطل ويحكي عنه وينقل حواره الداخلي لذاته، كما يحكي حواراته الخارجية مع باقي الأشخاص، يستخدم حوار الشخصيات في نقل ما يريد قوله حيث استخدم “بيتي” و”جرانجر” في نقل وجهة نظره.

السرد..

السرد يبدأ هادئا ثم يتسارع بالتدريج لينقل القارئ إلى حالة من التشويق والإثارة، الرواية تقع في 226 صفحة من القطع المتوسط، وتنقسم إلى ثلاثة فصول: الموقد والسمندر، الغربال والرمل والاحتراق المشرق، تتبع الرواية  تحول “مونتاغ” من رجل منصاع لنظام مجتمعه إلى متمرد، وتتبع مراحل تحوله تلك بوتيرة متسارعة تتخللها آراء بعض الشخصيات عن ذلك المجتمع.

المستقبل من رحم الواقع..

كتبت الرواية في أمريكا في 1953 حين بدأت تظهر التطورات الحديثة من تليفزيون وسينما، وتأخذ مكانها الواضح في حياة الناس، وحين تم اضطهاد بعض الكتاب والمثقفين بدعوى محاربة الشيوعية في أمريكا، تخيل الكاتب بناءا على معطيات واقعه التي تمثلت في القمع الشديد للكتاب والمفكرين ومحاصرة أية أفكار خارج النظام الحاكم، تخيل عالما جديدا يحكمه نظام شمولي صارم، استطاع أن يتسيد على الناس ويؤثر على حياتهم بشكل كبير، حتى أنه ألغى الكتب تماما وسمح فقط ببعض المجلات الكوميدية ومجلات الصور الجنسية، وأصبح يعاقب كل من يقرأ الكتب أو يضعها في بيته، وأصبح التليفزيون متسيدا حتى أنه مع التطور أصبح بحجم جدار في المنزل يتواصل من خلاله النظام الحاكم مع الناس، يبث كل ما يريد أن يبثه لهم لإخضاعهم ولإبقاءهم تحت سيطرته، والناس يضعون سماعات تشبه أصداف البحر يسمعون بها ما يبثه التليفزيون على مدار اليوم.

الرواية تدور في زمن ما بعد 2022 حيث ذكرت هذه السنة مرة واحدة، أصبح فيها التطور التكنولوجي كبيرا حتى أن الناس لا يحتاجون في حياتهم اليومية سوى إلى ضغط بعض الأزرار لتسيير أمورهم الحياتية، يعيش الناس في مدينة متخيلة حياة الرفاهية، يعيشون في بيوت مجهزة جيدا لكنها مكلفة لذا يحتاج الموظفون منهم أن يعملوا كثيرا ليعيشوا ويتفقوا على تلك الحياة.

بالنسبة ل”مونتاغ” ظل إطفائيا لمدة عشر سنوات يعيش مع زوجته حياة باردة آلية، وظل راضيا بها إلا أن قابلته “كلاريس” وكانت مختلفة، حيث كنت تعيش الحياة بطبيعية هي وعائلتها المكونة من أب وأم وعم، وبدأت تثير التساؤلات في ذهن “مونتاغ” وأقلقه هذا فبدأ يعيد التفكير في حياته، في علاقته الفاترة بزوجته وفي أدائها حيث انتحرت في أحد الأيام بتناول عدد كبير من الحبوب المنومة دون أن تشعر أنها تنتحر، فقط كانت قد نسيت أنها أخذت الحبوب فتأخذها مرة أخرى، وبعد أن تمت معالجتها عادت لنفس نمط حياتها الآلي، أصبح “مونتاغ” يخبيء الكتب التي يكلف بإحراقها هو وفريق من الإطفائيين يعمل معهمأ وفي أحد المرات رفضت إحدى السيدات ترك منزلها وقررت أن تحرق مع كتبها الكثيرة التي كانت تخبئها، وهزت تلك الحادثة “مونتاغ” كثيرا وبدأ يفكر في حياته بمجملها وبدأ في قراءة الكتب.

دعا زوجته أن تشاركه في قراءة الكتب والتعرف على العالم الخفي الذي تعمد النظام حرمانهما منه لكنها رفضت وقاومت، وكان بيتي مديره في العمل على علم بأنه احتفظ ببعض الكتب لأن الإطفائي يأتي عليه وقت ويبدأ   يثيره الفضول في أن يتعرف على الكتب التي يحرقها.

بداية التمرد..

يسعى “مونتاغ” إلى فهم تلك الكتب بإصرار رغم أن “بيتي” حذره من الفضول وأخذ يتلاعب بعقله ليعيده إلى الانصياع للنظام، ويبحث عن أحد يساعده في فهم تلك الكتب، ويتذكر “فابر” الذي قابل بالصدفة وأحس أنه مختلف، ويلجأ إلى “فابر” يتصل به هاتفيا ثم يذهب إلى منزله وبعد بعض التوجس يساعده “فابر”، لكنه يتصرف بحماقة ويستفز زوجته وصديقتين لها حيث يقرأ لهم كتابا يحوي شعرا، وتشي به السيدتان كما تشي به زوجته، وحين يذهب إلى عمله محاولا خداع “بيتي” يقوم “بيتي” بإجباره على حرق منزله وحرق الكتب فيه، ويظل يضغط عليه بشدة ويستفزه ويستمر في سياسته في تشويش عقله وإرباكه، ويجد “مونتاغ” نفسه عرضه للاعتقال بعد أن فقد منزله وزوجته التي خانته ووشت به، ويقتل “بيتي” حرقا، ويدمر الكلب الآلي الذي يستعينون به لقتل المتمردين ويهرب لا يعرف إلى أين، يذهب إلى بيت “فابر” فيرشده “فابر” إلى النهر وإلى الطرق الريفية التي يجتمع فيها بعض الخارجين عن النظام ويعيشون حياتهم كمتشردين.

الكشف..

بعد نجاة “مونتاغ” من مطاردة الإطفائيين والحكومة له وبعد تضليل كلب آلي آخر استعانوا به، يذهب إلى النهر ليتعرف على مجموعة من أستاذة الجامعة الذين فقدوا عملهم بعد أن تحول المجتمع تماما، وألغي التعليم والجامعات والمدارس وأصبح يهتم فقط بإلهاء الناس بوسائل الترفيه الصاخبة، وإقصائهم باقصى ما يستطيع عن المعرفة المتمثلة في الكتب، يخبر “جرانجر” “مونتاغ” أن هناك كثير من الناس قرروا أن يحتفظوا بالكتب في عقولهم بعد أن أصبح النظام متوحشا يحرق الكتب ويقتل المتمسكين بالمعرفة، وهم يحتفظون بهذه الكتب في ذاكرتهم حتى لا تصل إليها أيدي النظام وحتى يعودوا يعرفوا الناس بها بعد أن تنتهي تلك المحنة ويختفي النظام الشمولي.

الحرب سبب الدمار..

تتزامن الأحداث التي يعيشها “مونتاغ” مع وجود حرب قريبة لكن الناس لا يعرفون عنها شيئا ولا يكترثون، ونعرف من الحكي أن حربين ذريتين قد حدثتا في الماضي، وأن هناك فقراء كثيرون في العالم يعيشون في حياة قاسية بينما يعيش الأغنياء  في تلك المدينة التي تدور فيها أحداث الرواية، وتنطلق شرارة الحرب التي تنتهي سريعا لكن المدينة تدك على آخرها وويموت كل الناس الذين عاشوا في إلهاءات النظام بما فيهم زوجة “مونتاغ” .

الكاتب..

هو “رايموند دوغلاس برادبري” ولد في مدينة ووكيغان في مقاطعة ليك بولاية إلينوي الأمريكية في 1922، وانتقلت عائلته إلى لوس أنجلوس في سنة 1934 في فترة الكساد الكبير. وبعد أن ترك المدرسة عمل في بيع الصحف بالإضافة إلى التأليف في أوقات الفراغ.

بدأ ينشر مؤلفاته من مطلع أربعينات القرن العشرين، حيث نشر أول قصة له في سنة 1941. ومن مؤلفاته الشهيرة مجموعة التواريخ المريخية الصادرة في سنة 1947، ثم رواية فهرنهايت 451 في سنة 1953 التي منحته الشهرة العالمية.

ألف برادبري 13 رواية وأكثر من 400 قصة قصيرة، وتحول بعضها إلى أفلام أو صور متحركة بالإضافة إلى العديد من المسرحيات والسيناريوهات لأفلام سينمائية وبرامج تلفزيونية.

أصيب بسكتة دماغية قبل عدة سنوات من وفاته فبقي مقعداً يتنقل على كرسي، لكنه حافظ على نشاطه في التأليف والمشاركة في الفعاليات الأدبية وجمع التبرعات، توفي 2012 في لوس أنجلوس، وأوصى أن يدفن في مقبرة الحديقة التذكارية في ويستوود فيليج، وأن يُكتَب على شاهدة قبره “مؤلف فهرنهايت 451”.

الكاتب الأمريكي “راي برادبري” من أبرز كتاب الأدب الأمريكي في  النصف الثاني من القرن العشرين، وتعود شهرته إلى رواية ”فهرنهايت٤٥١” والتي صدرت في عام ١٩٥٣ أيام المطاردات المكارثيه للأدباء والفنانين في أمريكا. ومنذ صدورها أحدثت الرواية جدلا كبيرا، فقد أعيد طبعها عشرات المرات وترجمت إلى معظم لغات العالم  لتصير احدي كلاسيكيات الأدب العالمي في النصف الثاني من القرن العشرين و إحدى أكثر  روايات الخيال العلمي رواجاً.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب