10 أبريل، 2024 12:49 ص
Search
Close this search box.

ضيف كتابات الأديب العراقي أسعد الجبوري : الشعرُ مراهق استراتيجي ، تقوم حياته على سلسلة من التفاعلات المتضاربة

Facebook
Twitter
LinkedIn

حاوره : قاسم محمد مجيد الساعدي

في صباح انيق حتى في ضوضاه عزمت على أجراء حوار مع الاديب العراقي والمشرف العام على موقع الامبراطور الشاعر والروائي أسعد الجبوري.
وبلا انحياز عاطفي ارى ان اسعد رائدٌ طليعي ومكتشف للآفاق الشعرية الخلاقة ،مثلما هو تجريبي وباحث في ادغال نائية من اللغة لم يصل إليها احد بعد ,بل ويصعب مضاهاته تأليفاً وتجريباً وخيالاً ،فهويكتب بطريقة تكاد تكون ماركة مسجلة باسمه .ولا اغالي عندما اقول انه حامل معول التغييربامتياز. لذا كان حقلي ( بريد السماء الافتراضي , والممحاة ) يمثلان التفرد في الرؤيا واعادة اكتشاف عالم الموتى من المشاهير ، ليبث في الغائبين الروح كما في البريد او السخرية الممزوجة بالالم والمرارة في ممحاة دون كيشوت وتابعه سانشو. فأسعد الذي فتك بالصور النمطية للشعر العربي ،عرفَ كيف يصنع تجاربه في الكتابة الخاصة والاستثنائية ،حيث لا شبيه له في عالم الشعر،وحيث هو المستفرد بالصورة الشعرية العالية الحارة المميزة التي تشبهه فقط.
ومثلما هو في الشعر،كذل هو في الروايات الست التي كتبها،بمواجهة العنصرية والديكتاتورية وإرهاب الفرد والحرب كما كان ذلك في روايته المثيرة للجدل ((ثعابين الأرشيف)) التي تناولت الحرب على سوريا .أسعد الجبوري مؤلف ما لم يؤلف من قبل.وقد واجه عالماً شرساً على مختلف الصعد، فالشاعر بنظره إمبراطور الحياة حتى لو كان صعلوكاً متشرداً
اعترف انه ليس من السهولة الاحاطة بتجربتة الكبيرة في أطار هذا الحوار، لكننا حاولنا ان نقترب من سمائه في طيران مريح , فدخلنا الى امبراطوريته الشاسعة الاراضي والسموات بهدوء, وبدأنا معه حوارنا .

س/لا جديدَ أَن نقول أَن الشعر لا ينبت فجأَة في أَرض بور أَو دون مؤثرات , أو جذور , أَو مقدمات , كيف اِنطلقت في فضاء الشعر منذ سبعينيات القرن الماضي , وجيلكم هو جيل الحساسية المفرطة ؟
– لا أعتقد بأن الشعر ينبت كما تفعل ذلك البذور،عندما تستغرق بالنوم تحت التراب،الشعرُ لوثة بمصادر مجهولة،لوثة لا تنتقل بالعدوى.وأدرك أنني ولدت داخل نواة تلك اللوثة التي انفجرت ذات يوم ليحدث الطيران فوق جيل السبعينات الذي كان يناضل من أجل استصلاح أرض الشعر بالواقعية.
– – وأين كنت أنت ؟
– أنا كنت على خطوط الطيران أمارس الفوضى الخلّاقة في الكتابة .
نزار قباني .. يقول العالم العربي , لا اليونان هو وطن التراجيديا , هل الحزن هو الميراث الوحيد للشاعر العربي ؟
– ليس الحزن ميراثاً يحصل عليه الشاعرُ من شيوخ قبائل اللغة بالتناوب،ولكنه الطبقة الأعظم من كلّ الحواس الأسطورية.فالتراجيديا هي الفلتر الذي تخرج منه أصوات الكلمات قبل الذهاب إلى المطبعة.
أنت مؤسس موقع الإِمبراطور وهو مشروع لعموم مؤلفي الابداع حول العالم .. كيف بدأَت فكرة المشروع ؟
– أردنا من وراء تأسيس ذلك الموقع،التوكيد على قوة الشعر ونفوذه حتى في الأجساد الباردة،لأن الشعر روح مضادّ للموت.

اِبتكرت حقلا إبداعيا ( بريد السماء الافتراضي ) تناولت فيه أكثر من مائة شاعر راحل حول العالم : الجواهري — عمر ابن ابي ربيعة — الشاعرة الإيرانية فروغ فرخزاد — آنّا أخماتوفا – سعيد عقل , ملك ملوك الجان” أندريه بروتون والعشرات , ماهي الطقوس التي تستدعي حضورهم في هذا البريد ؟
– عندما قمت بكتابة هذا النوع الجديد من الأدب،فذلك لأنني أحاول جدولة الشعراء الموتى في الذاكرة من جديد.ليس هذا هو الأهم،بقدر هاجسي بضرورة محاكمة الشعراء الغائبين،والتفتيش في حيواتهم الأدبية والعاطفية والنفسية من خلال التعاطي مع كل تلك الموضوعات نقداً وكشفاً وتريةً وفضحاً.وذلك ما تم لي بالفعل من خلال تكوين ملفات سرية تتعلق بكل واحد منهم. لذلك فاختراع ((بريد السماء الافتراضي)) هو الأعظم في تاريخ الأدب الحديث.
أي بمعنى أنني نجحت بدرجة التفوق من خلال إعادة تشكيل الأجساد والأرواح والفضائح والقصائد من جديد.

س/ بعد حقل بريد السماء الافتراضي هناك حقل إِبداعي آخر هو ( الممحاة ) هناك شخصيتان في الممحاة , (دون كيشوت و سانشو ) إِلى ماذا يرمز هاذان الشخصان ؟
– دون كيشوت وسانشو شخصيتان تمتد خيوطهما من عالم الأديب الإسباني ميغيل دي ثيربانتس سابيدرا،حيث نشرها على جزئين بين أعوام 1605 و1615 إلى يومنا المعاصر هذا.فخيوط التهكم بحوادث العالم نتبدأ بقتال الطواحين ،ولا تنتهي بالانقطاع عن ذلك الوهم السريالي الجميل.
س/لننتقل بسؤال عن أَسعد الجبوري الروائي ,في الرواية السادسة لك طالبت بفتح تحقيق حول الأسباب التى دفعت اتحاد الكتاب العرب فى دمشق استبعاد روايتك “ثعابين الأرشيف” عن جائزة “دمشق للرواية العربية”، التى أُعلنت نتائجها أخيراً متهمين إياها بـ الفحش.؟ أين وصلت نتائج التحقيق ؟
– لا وجود لحقوق المؤلفين في عالمنا العربي.واللعب بالجوائز من الفضائح الكبرى،حيث يتم تبني هذا العمل أو استبعاده وفقاً للأمزجة وقواعد الخطوط الحمر للحكومات.
لذلك تم إخراج رواية ((ثعابين الأرشيف)) من المسابقة، لأنها فاحشة وجريئة وأكبر من حفلة الجائزة التي كانت هناك.
وبدلاً من أن يقدس السوريون الرواية التي تناولت الحرب على سوريا ،ويتبنون ترجمتها للغات الحية وطباعتها طبعة شعبية ،لتوزع على الشعب، قاموا بذبحها ،وتحويل فلوس الجائزة إلى طرف كارثي آخر.
س/ يلاحظ في نصوص لشعراء معروفين , اتجاههم لتقطيع الصور الشعرية او تقسيم القصيدة الى , وحدات معنونة او , مرقمة , هل ترى ذلك ضروريا ؟
-لا توجد أنظمة لكتابة الشعر.كان ذلك يحدث في قديم الزمان،الآن ممنوع وضع بيضة الشاعر في قفص .

س/ الهايكو هل تجد أَن هذا النمط الشعري له مستقبل , في بلادنا , ومن يعجبك من شعراء الهايكو العرب ؟
– أعتقد ان الهايكو من أفظع السجون للشعر.هذا النظام بأصوله الياباني،هو معتقل لكبح جماح اللغة ،حيث على الشاعر الالتزام بقواعد مشابهة لأوزان الفراهيدي.

س/ جائزة نوبل , سجل نفوس المبدعين المودع في الكتب والقواميس , هل رشحت للجائزة من قبل دولة الدنمارك أو من قبل مؤسسات ثقافية أخرى ؟

– أنا رشحت نفسي بشكل شخصي في المرة الأولى،فيما بعد ذلك رُشحت من قبل مؤسستين أوروبيتين .هنا لا وجود لعقدة بأن يرشح الشاعر أو الروائي نفسه لأي منصب أو جائزة،العقدة تكمن بالخوف وعدم جسارة الكتّاب على الترشيح .
س/هل لأسباب عديدة نشرت بأسماء مستعارة ؟
– كان ذلك بدافع سياسي بعد أن حُكمت بالإعدام غيابياً من قبل محكمة الثورة في زمن النظام القديم في العراق.

س/ولدت على أرض الزلازل ذات يوم , هل هناك تواصل أَم قطيعة مع إتحاد الأدباء والكتاب في العراق ؟
– أبداً.يبدو أن الاتحاد له خيارات أخرى.القطيعة مع الشعراء والكتّاب العراقيين ممن يعيشون في الخارج .
س:هل من سبب برأيك؟
_ ربما الخوف من انقلاب الموازين ما بين كتابة الداخل وتأليف الخارج.نحن نكتب بطريقة قد لا تعجب أصحاب الكتابات النمطية ممن يعيشون في الداخل مع أدوات اللغة النمطية.

س/هل في أعمالك نزوع خفي للكيانية وان تكون إمبراطور يحكم الجهات الأربع – فالموقع باسم الإمبراطور – ديوان وقصيدة بالاسم ذاته , حتى أطلقت على جان دمو إمبراطور ( أبار ألكحول ) ما السر في هذا التعلق بهذه المفردة الخارجة من رحم تاريخ مرعب ،علماً بأن الأباطرة لم يكونوا أبدا صناع جمال ؟

_ كل ذلك كان خاضعاً لسبب واحد ورئيسي،هو جعل الشعراء في مرتبة الأباطرة،وتقديمهم كمبدعين يملكون ضرورة أن يكونوا في المراتب العليا من الوجود .فالشاعر بنظري هو إمبراطور الحياة حتى لو كان صعلوكاً متشرداً .

س: وانت تضع رأسك على المخدة هل يدهشك انك مازلت حي وسط دخان المعارك والمؤامرات ودسائس اخوة يوسف , كيف مرت السنين في دمشق , ما حصيلة تلك التجربة على مستوى الشعر والرواية والصحافة ؟
_ أجل.أنا عشت تجارب رهيبة على مختلف الصعد،وذلك لأنني عاصرت جميع رموز أحزاب المعارضة، بصفتي الإعلامية كمدير لبرنامج ((صوت العراق)) الذي كان يُبث من إذاعة دمشق.وكذلك لأنني كنت من أوائل الذين سجلوا احتجاجهم ضد ديكتاتورية صدام ونظامه الدموي،عندما ضاقت بي الحياة في الداخل،وقررت عبور الحدود نحو سوريا التي كانت البلد الوحيد الذي فتح لنا حدوده وأبوابه ،بعكس بقية الأنظمة التي كانت تسير في ركاب النظام الدموي في العراق آنذاك.
س:هل دوّنت ذلك ؟
_نعم.فروايتي الأولى ((التأليف بين طبقات الليل)) التي صدرت آنذاك عن اتحاد الكتاب العرب،تحتوي قسماً من القصة.
س : في فترة ما كنت يساريا مؤدلجأ ، هل تتفق معي أن الايدولوجيا السياسية والتاريخية , حدت من اندفاع أكثر الشعراء نزوعا نحو التجديد ومنعت الشاعر من أن يمارس حريته الكاملة في الكتابة ؟
_لم أكن مؤدلجاً سياسياً بالمعنى الحزبي الضيق،ربما لأن جميع الايدولوجيا لم تقترب بفرسانها أو حيواناتها المفترسة من حديقتي الكونية،كونها كانت وما تزال تخشى على نفسها من التلف أو التقريع الساخر مما تملك من أثاث ، إزاء ما يملكه الشعر أو الفن من عوالم فانتازية وما فوق الواقعية بشكل عام.

س: يلاحظ في نصوص لشعراء معروفين , اتجاههم لتقطيع الصور الشعرية أو تقسيم القصيدة الى وحدات معنونة أو مرقمة , هل ترى ذلك ضروريا ؟
_ لا أعتقد أن ذلك يستوجب الاكتراث،لسبب واحد يجب إدراكه،بأن جسد الشاعر نفسه ،هو مقاطعات جغرافية ومجموعات رقمية وصور لشتات النفس الملوثة بكل ما هو خارج عن السياق الاستهلاكي النمطي المُحبط .
س/بعد هذه المسيرة الإبداعية، هل زحزح أسعد الجبوري صخرة الشعر , ولو لخطوة واحدة , وهل تعيش هاجساً مرعباً،يلاحقنا كسؤال أقرب الى الندم , ما جدوى أن نكتب ؟
_ نعم.أنا لم أزحزح الصخرة،بل جعلتها فتافيت متطايرةً، ثم دفعت بها لتستقر في الوادي العميق.
بالتأكيد .أنا قلبت الطاولة على رأس الشعر وجسده دفعة واحدة،عندما اخترقت الحواجز ،لأستفرد باللغة وأكتب بطريقة تكاد أن تكون فريدة ولا مثيل لها على صعيد الكتابة الشعرية.كتبتُ أعمالاً مختلفة عن الآخرين تماماً،لذا ستنمو بذوري بتربة الشعر ،لتجعل من أجساد الكلمات غابات فائضة بالخصب.

س هل تشاطر الرأي القائل،أنه ومنذ أن بشرت مجلة ( شعر ) بميلاد قصيدة النثر الشرقية , وهي مازالت تراوح مكانها كقصيدة وقائع , وتأملات ونصوص بائدة , و صدى لقصيدة النثر الغربية وللشعر المترجم عموما ؟
_ كلا صديقي.لقد تجاوزت قصيدة النثر وقصيدة نانو الآن، زمن مجلة (شعر) اللبنانية بمراحل مهمة.بل أصبحت مجلة (شعر) الآن من أرشيف الشعر الجاهلي بالقياس إلى التطورات التي أنجزتها حداثة الشعر اليوم.
س: ما الدور الذي يمكن أن يلعبه الشاعر الآن؟
_ ليس غير أن يقف على رصيف العالم ،ويسرق الأعين من العابرين،لإعادة صياغة النظرة العميقة للشعر.ثم ليأخذ مكانه على كرسي الوجود.
س:بوصفه شاعراً أم حكيماً ؟
_ لا يمكن للشاعر أن يكون حكيماً.ذلك ما اعتقده.الشعرُ مراهق استراتيجي ،تقوم حياته على سلسلة من التفاعلات المتضاربة ،لأن الشعرَ شهوة ،متى ما توقفت محركاتها تموت وحيدةً في العراء تحت سقف الظلام.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب