24 ديسمبر، 2024 7:58 م

“صيف ذلك العام” .. رواية عن باريس بعيون فتاة إيرانية

“صيف ذلك العام” .. رواية عن باريس بعيون فتاة إيرانية

خاص : قراءة – سماح عادل :

تحكي رواية (صيف ذلك العام) للكاتبة الإيرانية “طاهرة علوي” عن باريس من خلال عيون شابة إيرانية تسافر إلى فرنسا لاستكمال تعليمها، يريد أبوها أن تتعلم الطب ويظل يرسل لها رسائل كثيرة مؤكداً على رغبته، لكنها تتجاهل ذلك وتدرس أدب الأطفال، كما تتجاهل الرد على رسائل أبيها الغني، الذي يتوقف عن ملاحقتها بعد أن تخالف إرادته.

غاسلة أموات..

اختارت البطلة أن تتخلى عن رعاية أبيها وتدرس ما أرادت, ولذلك تبحث عن عمل لتعول نفسها، تجد عملاً مخيفاً لكنه مجزي مادياً، “مساعدة غاسل أموات”.. تتردد في البداية لكنها تعمل بهذه المهنة مع مواصلة دراستها، ويتزامن ذلك مع جلب “مسيو خوان” لشاب أفغاني فقير”نعيم” ليشاركها الغرفتان اللتان تقطن بهما، فتلتحق بعمل مخيف وتعيش مع رجل أفغاني لا تعرفه، وهي في كل تعاملها مع البشر من حولها تحكم عليهم أحكاماً سلبية عامة تمتد إلى بلادهم، فالأميركيون تافهون لا يقرأون وليس لديهم ثقافة، والفرنسيون متعجرفون لا يحبون مشاركة خصوصياتهم مع أحد، والهنود يعبدون الحيوانات وسطحيون، والأفغان عنيفون ويقتلون أهلهم لأجل النقود.. تظل تحكم على الناس من حولها لكنها مع ذلك تتواصل معهم في علاقات إنسانية حميمة، ونحن كقراء نعرف وجهة نظرها فيهم من خلال الحوار الداخلي الذي تجريه مع ذاتها، لكنها أبداً لا تصرح بنفورها لهؤلاء الأشخاص، وإنما تتعامل معهم بوجل.

الشخصيات..

بلغة ساخرة تكتب “طاهرة علوي” عن كل الأشخاص الذين تتعامل معهم البطلة، والتي لا تعطيها اسماً، بدءاً من صاحب الفندق الذي تسكن فيه وهو عجوز إسباني تناديه “مسيو خوان”، تخشى البطلة تقلبات غضبه ومع ذلك تأنس بصحبته وحكاياته، كما أنها تكره كلبته “سالي” لأنها تختزن موقفاً نفسياً موروثاً عن البلاد الشرقية من الكلاب، وجيرانها في الفندق الفتاة الهندية “بوجا” التي تقربت منها في البداية لكنها بعد وقت ملت تطفلها عليها ومحاولتها التلصص على خصوصياتها، والأميركي “توني” جندي فقد رجليه في حرب فيتنام واختار أن يعيش في كل البلاد إلا أميركا كراهية لها، يعيش في باريس لكن حياة بلا هدف، ويتلصص على الفتيات في الفندق، ومع ذلك يكون اقرب أصدقاء البطلة لأنها تستطيع أن تحكي له كل شئ دون خوف، لأن “توني” لا يحكم على أحد، وعائلة إفريقية مكونة من “حنا” الزوجة وزوجها الذي يكمل دراسة الدكتوراة وأطفال كثيرين، تحاول البطلة مساعدة “حنا” أثناء ولادتها لطفلها لكنها تموت وتحاول البطلة رعاية أطفالها على قدر ما يسمح به وقتها، وفتاة إثيوبية تدرس الطب، انطوائية ومنعزلة.

و”عبد الحميد” شاب أردني جاء لباريس ليدرس الطب لكن ظروفه تجبره على العمل كغاسل أموات، وهو شاب بدين طيب يتواصل مع الموتى ويبجلهم وينشد لهم شعراً عربياً صوفياً أثناء غسله لهم، و”سارا” فتاة شيشانية تلتحق كمساعدة لغاسل الأموات، تعمل بجد لكي تثبت نفسها وتقرر الزواج من “عبد الحميد” حتى دون أن تفاتحه في الأمر، وشخصية أم البطلة التي تخشى الموت بشكل مبالغ فيه، حتى أنها لا تدخل المقابر ولا تتحمل أعصابها حضور طقوس الموت، وحين يموت شخص قريب منها تنسى ذلك سريعاً، و”نعيم” ذلك الشاب الأفغاني الذي يخبر “مسيو خوان” أنه سجن في أفغانستان ثم درس في روسيا، وبعد ذلك جاء إلى فرنسا لكنه عاش حياة فقيرة، حتى أنه عاش في محطة المترو لثلاثة أشهر، مما جعل “مسيو خوان” الشيوعي يشفق عليه ويلحقه بالسكن في فندقه، ويحاول التقريب بينه وبين البطلة، لكنها ترفض من البداية وتحاول أن تشرح لـ”مسيو خوان” أن الأفغان ليسوا إيرانيين رغم أن اللغة مشتركة، ومع معايشتها لـ”نعيم” وإفراغ شحنات غضبها فيه، وانزعاجها الشديد من صحبته وانتهاء عيشتها الهادئة تعتاد على وجوده، وتغضب حين تتقرب “بوجا” منه، “نعيم” يجيد الفرنسية، ويعمل في كتابة الابحاث والدراسات للطلبة مقابل اجر مادي، ويتعلم سريعاً اللغة الهندية كما يتعامل بود ولطف مع الجميع، و”دومينيك” عجوز فرنسية بدينة يحبها “مسيو خوان” ويتزوجها، تحاول البطلة معرفة أشياء عنها لكن “دومينيك” تعاملها بجفاء دوماً.

الراوي..

الرواي هو البطلة التي تحكي بضمير المتكلم، ولا نعرف لها اسماً، وهي تحكي ما تراه من الشخصيات أو ما تسمعه منهم أو تسرد مواقف تعيشها معهم.

السرد..

تستخدم البطلة سرد متداخل، فهي تحكي عن مشهد تقطعه بمشهد ثاني ثم تعود لتكمل المشهد الأول وبعد ذلك المشهد الثاني وهكذا، السرد يمر بوتيرة متسارعة ولا يترك فرصة للقارئ أن يمل بل تزيده تشويقاً، ويشعر القارئ أن الرواية ممتلئة بروح الشباب وحماسه، ومحاولة اكتشاف العالم الجديد الذي نزلت فيه الشابة هي محاولة متوجسة في البداية تمتلئ بالنفور والسخط، والتمسك بالهوية الإيرانية كما صرحت بذلك في الرواية، ثم ما تلبث أن تعتاد البطلة الشخصيات وتألفهم وتكون معهم علاقات صداقة، كما تألف الحياة الشاقة التي تتوزع بين الدراسة والعمل والتأقلم على قلة الموارد المادية، والشعور بالتهديد الدائم لإقامتها في فندق وفي بلاد غير بلادها.

اللغة..

الرواية مكتوبة باللغة الفارسية, نقلها إلى العربية القاص الإيراني “أحمد الحيدري”، الذي يجيد اللغتين ويحاول ترجمة الأدب الإيراني  ليتعرف عليه العرب، لكن رغم أن الرواية مترجمة إلا أن القارئ يشعر أن اللغة مميزة ساخرة بسيطة، لا تستخدم الكاتبة أية توصيفات زائدة عن حركة السرد أو تثرثر في أشياء خارجه.

إيران..

رغم أن الفتاة إيرانية إلا أن القارئ لا يعرف شئ عن بلد البطلة سوى شذرات قليلة، لم تتطرق البطلة للحكي عن بلادها, رغم أنها أعلنت تمسكها بهويتها القومية وكرهت عدة بلدان بناء تلك الهوية، كما لا يشعر القارئ أنها تعاني أية عقد أو تصورات دينية أو أخلاقية تجاه الآخرين، بل هي فتاة منفتحة تتعرف على الخارج بكل حرية، والجدير بالذكر أن الرواية ممنوعة في إيران.

نهاية الرواية..

عند نهاية الرواية تتحول الفتاة المندهشة الساخطة، التي تنظر للأشخاص الغرباء الذين تتعرف عليهم نظرة ريبة ونفور حتى أنها تضخم من عيوبهم الجسدية، إلى فتاة لطيفة تساعد الآخرين وتشاركهم أوقاتهم الخاصة، حتى أن الكلبة التي كانت تنفر منها وتعاملها بعداء أصبحت صديقة لها، ويتحول “نعيم” من مصدر إزعاج يقتحم خصوصيتها ويؤرق عزلتها إلى شخص لا تستطيع الاستغناء عنه، ويؤرقها غيابه عند سفره إلى الهند لمدة شهر، حتى أنها تترك عملها المخيف وتشعر بالملل ويعود “نعيم” الذي يبدي اهتماماً هو الآخر بها ليهدأ ضجرها.

الكاتبة..

“طاهرة علوي” من أشهر الروائيات الإيرانيات المعاصرات، ولدت في 1959 في طهران، بعد إنهائها للمرحلة الثانوية غادرت بلادها إلى فرنسا لدراسة الطب.. أصدرت (امرأة في مهب الريح) 1996، مجموعة قصصية، و(أنا وهايدغر) 1997، رواية، و(تحدث حياتي في أيام الثلاثاء) 2000، مجموعة قصصية، و(السيدة الكاتبة) 2003، رواية، وترجمت إلى الفارسية بعض الأعمال.. ومنعت هذه الرواية والمعنونة بالفارسية “تابستان آن سال” في إيران.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة