4 مارس، 2024 7:55 م
Search
Close this search box.

مع كتابات.. صلاح محمد الحسن القويضي: مغامرات ترجمة الأدب العربي إلى لغات أخرى تنجح بنسب توزيع عالية

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: حاورته- سماح عادل

“صلاح محمد الحسن القويضي” مترجم وناقد سوداني، عمل بالمركز والسفارة الفرنسية، وفي صحيفة The Citizen  حيث كان يقوم بترجمة تحريرية صحفية، وترجمة الأعمدة الصحفية لأشهر كتاب الأعمدة السودانيين من العربية للإنجليزية، بالإضافة إلى عمل احترافي في المؤتمرات وورش العمل والمنتديات والاجتماعات (ترجمة فورية وتتبعية). كما أن له العديد من الإسهامات في النقد الأدبي.

إلى الحوار:

** لِمَ اخْتِرْتَ أَنْ تَكُوْنَ مُتَرْجِمًا؟ وَكَيْفَ أَتْقَنْتَ لُغَتَيْنْ؟

– لم يكن الأمر اختيارًا، الظروف هي التي فرضت عليَّ أنْ أصبح مُعلِّمًا للغة الفرنسية، ومن ثمَّ مُترجِّمًا. في بداية التسعينات، عقب انقلاب 30 يونيو 1989م، وجدت نفسي بلا عمل بسبب إيقافي عن العمل؛ لنشاطي النقابي والسياسي. أمَّا الفرنسية فقد أتقنتها؛لأنني كرَّسْتُ كل وقتي وجهدي لدراسة اللغة الفرنسية بالرابطة الفرنسية بمدينتي (ود مدني). في العام 1993م اختارتني إدارة الرابطة الفرنسية للعمل بها مدرساً للغة الفرنسية. في العام 1994م تمَّ اختياري معلمًا للغة الفرنسية بالمركز الثقافي الفرنسي بالخرطوم. وهكذا أصبحت اللغة الفرنسية مصدر رزقي الأول. في عام 1998م عُيِّنْتُ مترجمًا بالقسم الدبلوماسي بسفارة فرنسا بالخرطوم، ليتم تعميدي مترجمًا محترفًا في مؤسسة دبلوماسية مرموقة.

في العام 2012م بدأت العمل (مترجمًا فوريًا)؛ مِمَّا أتاح لي فرصة نادرة لتحسين معرفتي باللغتين الفرنسية والإنجليزية. يمكن القول إنني أتقنتُ اللغتين من خلال (الممارسة العملية).

** هل تُفضِّل عدم ظهور المترجم في ثنايا النصِّ الذي يترجمه؟ وهل يتحمل المترجم مسؤولية النصوص؟

– أعتقد أنَّ المترجم (المبدع) (مؤلف ثانٍ) للنص. ومهما كان (ظهور) أو (اختفاء) شخص المترجم فيما يترجمه فإنَّ عليه أن يكون (وفيًا) للنص الأصلي وهو يحلق به في فضاءات لغة أخرى. والترجمة عندي في معناها الاصطلاحي  الأدق (عملية معقدة يقوم فيها المترجم بالتحليق بنص من لغة معينة في فضاء لغوي آخر) .

بمعنى أن المترجم يعيد إنتاج النص في اللغة الهدف مراعيًا معادلة ذات طرفين، أولهما: مراد الكاتب في اللغة الأصل وثانيهما: خصائص اللغة الهدف. فلا يجوز للمترجم أن يعدل في مقاصد الكاتب كما أنه لا يجوز له أن يتجاوز خصائص اللغة الهدف خاصة فيما يتعلق بالمجاز والكنايات والألفاظ التي اكتسبت معنًى اصطلاحيًا. وكما يقول أستاذي “أنطوان دراقوييه” (على المترجم ألَّا يخون النص الأصلي في لغته الأولى وألَّا يظلم اللغة الثانية).

المترجم يتحمل مسؤولية كبرى تجاه النص الذي يترجمه. في الكثير من النصوص الأدبية التي قرأتها بالفرنسية بعد أن تعلمتها اكتشفت أنَّ المترجم لم يستطع أن ينفذ إلى (روح) النص. قليل من المترجمين كالراحل “صالح علماني” والراحل “جورج طرابيشي” استطاعوا أن ينفذوا إلى روح النصوص التي ترجموها.

الآن تغيرت الأمور كثيرًا. أصبحت الترجمة (عمل فريق) يمر بعدة مراحل من مراجعة وتدقيق لغوي وتحرير بعد أن يقوم المترجم بالترجمة (الأولية)، بحيث يمكن القول أنَّ دمَّ النص الإبداعي يتفرق بين أعضاء فريق الترجمة والتحرير.

** لك ترجمات في مجال الشعر والأدب والمقالات الصحفية واللقاءات الصحفية والندوات… هل تنطوي الترجمة على صعوبات؟ وما هي هذه الصعوبات؟

– عملي مترجمًا و(مترجمًا فوريًا) محترفًا يفرض عليَّ قَبُول عروض الترجمة المتاحة أيًا كان مجالها. والمؤكد أن الترجمة – والترجمة الفورية على وجه الخصوص – تنطوي على صعوبات وتعقيدات عديدة.

بجانب صعوبات التعامل مع أجهزة الترجمة الفورية فإن الترجمة التحريرية تتميز بصعوبات أخرى لعل أهمها (تجدد) اللغات ودخول مصطلحات وكلمات جديدة قيد الاستخدام، بصورة يومية تقريبًا. كما أن بعض النصوص تعاني من مشكلات حادة في لغتها الأصلية مما يحتم على المترجم أن يبذل جهدًا مضاعفًا لفهمها. النصوص الإبداعية عمومًا والشعرية على وجه الخصوص لها صعوباتها الخاصة فيما يتعلق بالمجاز والكنايات والوزن والتقفية. وذلك أمر يتطلب إدراكه مجهودًا إضافيًا.

** هل ترى أن حركة الترجمة في المنطقة على المستوى المطلوب؟ وهل ثمة ما يمكن عمله لدعم حركة الترجمة في منطقة الشرق الأوسط؟

– ليس هناك شيء في المنطقة على المستوى المطلوب. والترجمة ليست استثناءً. بالطبع هناك الكثير ممَّا يمكن عمله لدعم حركة الترجمة في منطقة الشرق الأوسط إذا توفرت الإرادة والرغبة. لكن الواضح أنَّ الرغبة ضعيفة، والإرادة شبه معدومة. المؤسسات المناط بها الأمر (لا ترى ولا تسمع ولا تشم). لذلك لا يملك المرء إلا أنْ ينحني لجهود أولئك الذين (يحاولون) أن يقدموا شيئًا في هذا المجال.

** كيف تختار الأعمال التي تقوم بترجمتها وهل يتدخل اهتمامك بموضوعات ما في ذلك؟

– لعلك تقصدين (الأعمال الإبداعية)، فالترجمات الأخرى يفرضها سوق العمل. الترجمات الإبداعية (القليلة) التي قمت بها كانت في الغالب الأعم نتاج (صداقات) أو إعجاب بالنص المترجم. الشاعر “يوسف الحبوب” مثلًا صديق قديم. بدأت ترجمة ديوانه (محاولة لتسلق ظل الوردة) قبل أن يطلب مني ذلك. ونشرت عددًا من ترجماتي لقصائده على صفحتي في “الفيسبوك”، وهي مجال نشري الأساسي. ولمَّا اطَّلع عليها بعض أصدقائه من (الفرانكوفونيين) نصحوه بأن يطلب مني ترجمة الديوان كاملًا. وهكذا وُلِد أول ديوان شعر سوداني مترجم للغة الفرنسية.

كتاب (أنغام لا ألغام) للموسيقار المغني المشهور الكاتب السوداني “عبد الكريم الكابلي” كانت قصته مشابهة. كتب الأستاذ الكابلي كتابه ونشره باللغة الإنجليزية في الولايات المتحدة. وقد قرر نفر من أصدقائه – من بينهم الصديق الشاعر “موسى مروح”– ترجمة الكتاب ونشره باللغة العربية. ولمَّا كان “موسى مروح” صديقي، وأستاذي في اللغة الألمانية، وتلميذي في اللغة الفرنسية، فقد طلب مني القيام بترجمة (أنغام لا ألغام) للغة العربية. وطبعًا ما كان لي أن أرفض. وسعدت جدًا بقبول الأستاذ “عبد الكريم الكابلي” للترجمة وهو الأديب الضليع في اللغتين العربية والإنجليزية.

نصوص “عزاز حسان” (أكثر من مائة نص) والتي ترجمتها للفرنسية، وتنوي دار جامعة الخرطوم للنشر إصدارها باللغة الفرنسية، ترجمتها بدون أن يطلب مني أحد ولوجه الإعجاب بهذه النصوص باذخة الجمال. وينطبق الأمر على عشرات النصوص للشاعر الكبير “عادل سعد يوسف”، والتي ترجمتها ونشرتها على صفحتي ب”الفيسبوك”.

عندما ترجمت أول نص من ديوان (قهوة الحرب) لم أكن أعرف الشاعر “أسامة سليمان” إلا لمامًا. بعد نشر ترجمة النص على صفحتي أصبحنا صديقين لا يكاد يمر يوم دون حوار بيننا. من بعدها أكملت ترجمة (قهوة الحرب) وشرعت في ترجمة ديوانه الذي سيصدر خلال أيام (في مديح الدينكاويات).

وينطبق ذات القول على الشاعرة “سارة الأمين عبد الله” التي تعرفت عليها عندما أرسل لي الصديق الشاعر “يوسف الحبوب” بعض نصوصها فوجدت نفسي (منغمسًا) في ترجمتها.

يمكن ألقول إن الترجمة عندي صيغة (منتهى الإعجاب) بالنص الإبداعي. وينطبق هذا على النصوص العديدة التي ترجمتها للشاعرة الأمازيغية “عائشة سعيد حداد” والشاعر السوداني الكبير “محمد نجيب محمد علي” والشاعر الشاب “عمر السناري” و”مصعب شمعون” والشاعر الراحل “عبد الوهاب لاتينوس” (شهيد قوارب الموت) أو (التوابيت العائمة) على قول الروائية السودانية “سوزان كاشف”.

كما ترجمت بعض النصوص القصصية ل”محمد حسن النحات وعثمان شنقر ودانية تاج السر”. كل هذه الترجمات منشورة على صفحتي على “الفيسبوك” ومتاحة للجميع.

** في رأيك ما هي الصعوبات التي تواجه ترجمة أدبنا وكتبنا الثقافية للغات الأخرى؟ هل بسبب عدم وجود جمهور متحمس لقراءة الأدب العربي أم هو تكاسل دور النشر وعدم اهتمامها بالترجمة؟ أم ماذا؟

– بالتأكيد ليس السبب عدم وجود جمهور متحمس لقراءة الأدب العربي المترجم. ف”موسم الهجرة إلى الشمال” لل”الطيب صالح” تعاد طباعة ترجماتها كل عام تقريبًا. ورواية “بركة ساكن” الأخيرة سجلت نجاحًا في التوزيع دفع الناشر لطباعتها في (كتاب جيب) وهو أقصى نجاح يمكن أنْ تحققه رواية.

أعتقد أن الأمر يتعلق بانعدام روح (المغامرة) لدى الناشرين الغربيين والعرب. مع أن التجربة أثبتت أنَّ معظم (مغامرات) نشر الكتب المترجمة، إنْ لم تكن كلها، كانت ناجحة. الكُتَّاب أيضًا دورهم سلبي وقليل منهم من (يغامر) بترجمة كتابه للغة أو لغات أجنبية. وهنا أيضًا توجد أمثلة للنجاح المشجع. فالترجمة الأسبانية لديوان (محاولة لتسلق ظل الوردة) ل”يوسف الحبوب” لقيت رواجًا في أمريكا اللاتينية. وروايات “بركة ساكن” التي ترجمت للفرنسية سجلت أرقام توزيع عالية.

** بم تنصح المترجمين الشباب أو من يرغبون في العمل بالترجمة؟

– الترجمة كالسباحة… لا يمكنك تعلمها وإجادتها إلا إذا نزلت في الماء. ليصبح المرء مترجمًا ناجحًا عليه بشيئين (الاطلاع والممارسة).

** لِمَ أنت مهتم بكتابات الشباب السردية والشعرية وخصوصًا ما أسميته (النص الشعري العربي الحداثي بالغ القصر)؟

– ببساطة لأنهم يعبرون – خصوصًا من خلال النص الشعري العربي الحداثي بالغ القصر – عن (روح العصر). بالطبع، ليس كل ما يكتبه الشباب جيدًا ولا كل ما يكتبه الجيل القديم سيئًا. الإبداع الجيد لا علاقة له بالعمر. الإبداع الجيد له علاقة بفهم روح العصر. والشباب هم الأقدر على فهم روح العصر، فهو عصرهم. ولا يمنع ذلك من القول بأن كُتَّابًا من أجيال سابقة استطاعوا أيضًا فهم روح العصر فحققوا القيمة الأعلى لمفهوم (المجايلة) والتواصل الإبداعي بين الأجيال.

** هل إنتاج الشباب الأدبي يبشر بالخير في رأيك؟ وما مميزات كتابات هؤلاء الشباب؟

– كما أسلفت فليس كل إنتاج الشباب الأدبي جيد. لكن الجيد منه يبشر بالخير. وما يميز هذا الإبداع الشبابي – في غالبه – هو المقدرة العالية على التقاط اللحظة التاريخية والتعبير عنها إبداعيًا.

كما أن هؤلاء الشباب يتبنون أنماطًا كتابية تتماشى مع روح وإيقاع العصر كنت قد تحدثت عنها باستفاضة في مقالي عن (خصائص النص الشعري العربي الحداثي بالغ القصر) الذي نشرته صحيفتكم الغراء.

** في رأيك هل يعاني النقد الأدبي من مشكلات وما هي؟

– بالطبع نعم. وأول هذه المشكلات عدم سعي أغلب النقاد (الرسميين والأكاديميين) (لاكتشاف) قوانين الإبداع الجديد. فأغلب نقادنا يكتفون بإعمال (معايير) أكل عليها الدهر وشرب. والبعض الآخر يكتفي بتطبيق (معايير) (وافدة) استنبطت من إبداع أنتج في واقع (مغاير) وفي سياق فكري وثقافي وحضاري مختلف.

دور الناقد الحقيقي ليس (إعمال) المعايير القديمة بصورة (مدرسية) وآلية، وإنما الاجتهاد في استنباط معايير تلائم أنماط الإبداع المستحدثة. هناك بالطبع إشارات مبشرة في هذا الاتجاه لكنها للأسف ليست الغالبة.

** ما تقييمك لحال الثقافة في السودان وتحت إطارها النشر الأدبي؟ وهل اختلف حال الثقافة بعد ثورة شعبية كبيرة؟

– يؤسفني القول بأن الحال اختلف ولكن في الاتجاه المضاد. ثورة السودان العظيمة التي قام بها (الشباب) الحالم ببناء سودان جديد تمخضت عنها للأسف سلطة تعمل على الحفاظ على السودان القديم.

السلطة الجديدة تخلت عن القيام بأي دور ثقافي. مؤسسات وأجهزة وزارة الثقافة عاطلة عن العمل؛ لأنَّ الحكومة لا تخصص لها ما يكفي – أو ما لا يكفي- من التمويل. بعد عامين من حكم الانتقال ما زال اتحاد الكتاب السودانيين يجاهد من أجل استعادة داره التي صادرتها السلطة المبادة. بينما مركز الخرطوم للاطلاع والفنون الذي ظل يقاوم الإغلاق لثلاثين عاما يضطر للخروج من داره وإيقاف أنشطته في عهد (الثورة). وما زالت البلاد بدون (سياسات ثقافية) رسمية رغم الجهود الحثيثة التي بذلتها منظمات وجماعات المثقفين والمبدعين في تقديم التصورات والرؤى.

أمَّا النشر فحدث ولا حرج. يكفي القول أن دار جامعة الخرطوم للنشر (تجاهد) منذ أكثر من عام لإصدار (25) عنوانًا جديدًا فتتعثر جهود إدارتها الشبابية بفعل العصي التي تضعها بعض الجهات النافذة بين دواليبها. في إطار السياسات الاقتصادية النيوليبرالية تتخلى السلطة الانتقالية بالكامل عن أمر (النشر) وتتركه للجهد الشخصي للمبدعين فتدعهم بين سندان (ضعف التوزيع) ومطرقة الناشرين، الذين لا يرى (أغلبهم) في النشر سوى عملية تجارية تستهدف الربح والربح (فقط).

** في رأيك هل هناك مناطقية في التعامل مع الأدب في منطقة الشرق الأوسط بمعنى أن الأدب لا يخرج غالبًا عن حدود المجتمع الذي صدر فيه إلا نادرًا وفي حدود قواعد معينة؟

نعم …

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب