16 نوفمبر، 2024 9:51 م
Search
Close this search box.

“صلاح جاهين” .. الشاعر الذي تعددت مواهبه وأثقلت كاهله رهافة حسه حتى الموت !

“صلاح جاهين” .. الشاعر الذي تعددت مواهبه وأثقلت كاهله رهافة حسه حتى الموت !

خاص : كتبت – سماح عادل :

“صلاح جاهين” شاعر، ورسام كاريكاتير، وكاتب سيناريو وممثل مصري.. ولد في شارع جميل باشا بحي شبرا، القاهرة، وكان والده “بهجت حلمي” يعمل في السلك القضائي.

الشعر..

كتب “صلاح جاهين” شعره بالعامية المصرية، أشهر أعماله (الرباعيات)، والتي تجاوزت مبيعات إحدى طباعات “الهيئة المصرية العامة للكتاب” لها أكثر من 125 ألف نسخة في غضون بضعة أيام. كما قام بكتابة حوالي 161 قصيدة، منها قصيدة (على اسم مصر)، وأيضا قصيدة (تراب دخان)؛ التي ألفها بمناسبة نكسة حزيران/يونيو 1967.. وهو أيضاً مؤلف أوبريت (الليلة الكبيرة)، أشهر أوبريت للعرائس في مصر.

وقد كتب الكاتب الكبير، “يحيى حقي”، مقدمة لرباعيات “صلاح جاهين”، قال فيها: “هذا الديوان الصغيرة الحجم، القوي الأثر كأنه (قنبلة يدوية)، الذي أخرجه سنة 1963 الفنان الشاعر الأستاذ صلاح جاهين باللغة العامية، والذي يسعدني اليوم أن أقدمه للقراء. هذه الرباعيات هي صلاح جاهين وصلاح جاهين هو هذه الرباعيات, لذلك لم يجد غضاضة من أن يتخذ من نفسه هو مرجعًا لكل رموزه، فقد وصف نفسه بأنه قرين مهرج السيرك لا تدري هل هو يضحك أم يبكي.. هل هو مطمئن أم خائف ؟.. هل هو مستسلم للحياة أم رافض لها ؟.. هل هو يؤمن بالبشر أم يكفر بالفناء أم بالبقاء ؟.. هل يعطف على ضعف الإنسان أم يضيق به ؟.. قد لا تعرف كيف تجيب على هذه الأسئلة. ولكنك ستعرف ولا ريب شيئًا واحدًا لا يمكن لك إنكاره: هو أنك لقيت عنده السعادة التي كنت تتمناها ولا تجدها: أن تقابل فنانًا أصيلاً لأحد لإنسانيته ورقته وصدق نظرته وعمقها، هو وحده الذي يجود عليك بفيض الكريم.. ولكن لماذا يحتضن صلاح جاهين كل هذا الحزن على صدره العريض ومن فوق لغز يبتسم بسخرية حلوة ودعابة محببة ؟.. إنه يمر في رباعياته مر الكرام بالهموم المعاشة والاجتماعية. إنها خارجة عن مجال قلقه وأهتمامه، لا تستوقف إلا فلتة وقليلاً، كدح الإنسان في سبيل رزقه، خوفه من العجز عن تأمين هذا الرزق ولو بأدنى حد يصون له آدميته. حرصه على تملك حريته وإرادته بين إخوانه داخل حدود بلده وخارجها لا جور منه أو عليه، المظالم الاجتماعية، لماذا كان غني وكان فقرًا تخمة ومجاعة، علم وجهل ؟.. ما هذا القانون المثالي للمعاملات الفردية والاجتماعية ؟.. ولا تحسبن أن سبب صدق تعبير صلاح عن مزاج ابن البلد راجع إلى أن الرباعيات مكتوبة بالعامية. فالمضمون فيها طغى على الشكل اللغوي حتى محاه ولا أخجل من الإعتراف بأنني لم أكن أحس وأنا أقرأ الرباعيات أنها مكتوبة بالعامية، ذلك أن صلاح قبل أن يكون ابن بلد مصفى هو الفنان المصفى الأصيل المتعدد المواهب، هو الفنان بشخصه وفي ذاته ولو لم يخط حرفاً واحدًا، فكل ما يصدر عنه هو فيض – فيض الكريم”.

ويضيف “يحيى حقي”: “ومن أمثال صلاح ينشأ في كل بلد، (مجتمع الفنانين)، الذين يعادون البورجوازية ويصادقون الأشراف والشحاذين على حد سواء، فهل هو موجود لدينا ؟.. لقد مر الزمن الذي كان الإتصاف فيه (بالبوهيمية) جواز مرور لقهوة الفن.. إنما بحثنا اليوم هو عن أصحاب الأمزجة الفنية الموهوبين، حتى ولو لم يخطوا حرفاً واحدًا.. فليست المسألة في الرباعيات هي بأي لغة كتبت، بل ماذا قال صاحبها. وأنا واثق أن صلاح لو كتب باللاوندي لفهم القارئ أن المؤلف ابن بلد في مصر”.

السينما..

عندما كان “صلاح جاهين” طالباً في الثانوية العامة التحق بفرق التمثيل والمسرح بالمدرسة، وكان مدرس التمثيل له وقتها هو الفنان “صلاح منصور”، الذي دعمه كثيرًا، وأشاد بموهبته.

كتب “جاهين” سيناريو فيلم (خلي بالك من زوزو)، والذي يعتبر أحد أكثر الأفلام رواجاً في السبعينيات، إذ تجاوز عرضه حاجز 54 أسبوع متتالي. كما كتب أيضاً أفلام: (أميرة حبي أنا)، (شفيقة ومتولي)، و(المتوحشة).

كما قام بالتمثيل في: (شهيدة الحب الإلهي) عام 1962، و(لا وقت للحب) عام 1963، و(المماليك) 1965، و(اللص والكلاب) 1962.

ثورة يوليو..

أعلن “صلاح جاهين” إنتمائه لثورة 23 حزيران/يوليو 1952، وكان من المناصرين العلنيين للرئيس “جمال عبدالناصر”، وقد كان أحد الأصوات الإعلامية للثورة، حيث كتب عشرات الأغاني لتأييدها ونشر روح الحماس في الشعب،.لكن هزيمة 1967 أصابته باليأس وكانت الخلفية للرباعيات، وقد أثرت وفاة الرئيس “عبدالناصر” في “صلاح جاهين” كثيراً، وكان يصرح بذلك في حواراته الإذاعية والتليفزيونية وأختلفت كتاباته بعد ذلك وأصبحت تفيض بالحزن.

الكاريكاتير..

ظهرت موهبة الرسم عند “صلاح جاهين” في الرابعة عشر من عمره، وشارك في عدة مسابقات دولية لرسم الأطفال، ومع تفجر تلك الموهبة الفنية لديه، قرر “جاهين” عدم الإلتحاق بكلية الحقوق كما أراد والده، وتحت ضغوط والده عليه التحق بالحقوق، ولكنه فشل في الاستمرار بالدراسة بها، وقرر الإلتحاق بكلية الفنون الجميلة، ورغم أنها كانت إختياره لم يكمل الدراسة بها.

وجد “صلاح جاهين” نفسه في الصحافة، ففي منتصف الخمسينيات عرف كرسام كاريكاتوري بمجلة (روزاليوسف)، وأستكمل عمله في الرسم بمجلة (صباح الخير)، التي شارك في تأسيسها عام 1957، وتبنى موهبته رئيس تحريرها “أحمد بهاء الدين” آنذاك.

أبتكر “صلاح جاهين” شخصيات كاريكاتورية أشتهرت بها رسوماته، أبرزها (قيس وليلى) و(قهوة النشاط)، بالإضافة إلى (درش) و(الفهامة) وغيرها، وعبرت رسوماته عن الكثير من القضايا في الفترة التي وجدت بها، وكانت مؤثرة للغاية، فتسببت له في عدة أزمات سياسية، أبرزها خلافه مع الشيخ “محمد الغزالي” عام 1962، عند مناقشته لمشروع الميثاق، مما دفع طلاب الأزهر لإطلاق مظاهرات ضده من أمام جريدة (الأهرام) وإستباحة دمه، وبسبب رسوماته أيضًا تم التحقيق معه من قبل المدعى الإشتراكي بسبب كاريكاتيرًا إنتقد فيه التقرير الصادر بخصوص التحقيق في أزمة تلوث مياه القاهرة، ووُضع اسمه على رأس قائمة المعتقلين أكثر من مرة بسبب رسوماته، بسبب نقده للنظام، لولا تدخل الرئيس “جمال عبدالناصر”، لحذف اسمه خمس مرات من قائمة المعتقلين.

الصورة التي أستباحت دمه، رسم فيها الإمام الغزالي، الذي طالب بتحرير القانون المصري من التبعية الأجنبية والتشديد على أحتشام المرأة المصرية آنذاك، فرسم “الغزالي” شيخًا منفعلًاً وسقطت عمامته من على رأسه، مطالبًا بإسقاط كافة القوانين الأجنبية بما فيهم قانون الجاذبية الذي أسقط العمامة، وظل الهجوم دائر بين “صلاح جاهين” و”الغزالي” كلًا يرد على الآخر من منبره، وكان منبر “جاهين” الريشة الساخرة.

قالوا عنه..

قال الشاعر “أحمد عبدالمعطي حجازي” عن “صلاح جاهين”: “لم يكن صلاح جاهين صوتًا بسيطًاً مفردًا، وإنما كان مجمع أصوات، كان صوت مصر والبشرية، صوت الجماعة في الواقع والحلم معًا، صوت جماعة حرة مناهضة متقدمة سعيدة منتمية لحضارة العصر، فصلاح جاهين ليس ثمرة تراث قومي مغلق وإنما هو ثمرة التراث القومي والتراث الإنساني”.

وعن شعره قال الناقد “الدكتور حامد أبوحامد”: “إن أشعار صلاح جاهين مهما طال الزمن سوف تفرض نفسها كموضوع أدبي تدرسه الجامعات”.

ووصفه الشاعر”عبدالرحمن الأبنودي”: “إنه ظاهرة لن تتكرّر، كتب شعرًا عبقريًا، عرف الطريق إلى لغة بسيطة، وكانت لديه القدرة على ترجمة المشاعر المركبة في سلاسة جعلته الأقرب للناس”.

أما الكاتب “إحسان عبدالقدوس”، فقال عنه: “إحساسي بصلاح جاهين يوازي إحساسي بعبدالحليم حافظ، فالإثنان إشتركاً في إندفاعهما نحو متطلبات فنهما على حساب الإستجابة للمتطلبات الصحيّة، لقد ذهب حافظ وذهب جاهين، وكأنهما ألقيا بنفسهما في براثن الفن، فقررا الإنتحار وكل منهما لم يكن مجرد شخص لكنه كان أملاً في مستقبل مصر الفني”.

وكان رأي الكاتب “خيري شلبي” فيه أنه: “شاعرنا الكبير لا يكف عن محاكمة نفسه لشدة حساسيته ويقظة مشاعره وضعف همومه”.

توفي “صلاح جاهين” في 21 نسيان/إبريل من عام 1986.

قصيدة لصلاح جاهين بصوت “سعاد حسني”:

رباعيات صلاح جاهين

حوار مع صلاح جاهين

حوار نادر له..

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة