10 أبريل، 2024 6:26 ص
Search
Close this search box.

صلاح الدين بوجاه: بحث عن “لون الروح” في وسط القسوة والظلم

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“صلاح الدين بوجاه” كاتب تونسي، نظم الشعر وكتب القصة القصيرة والرواية والمسرحية، وله بحوث ودراسات أدبية.
ولد في القيروان تونس 1956، كان رئيس جمعية الصداقة مع موريتانيا، حاصل على دكتوراه الدولة في الأدب العربي (وجوه الائتلاف والاختلاف بين الرواية التونسية والرواية المكتوبة بالفرنسية في تونس). وهو يكتب منذ بداية السبعينات ومعروف في المشرق العربي بإسهامات النقدية والقصصية والروائية. صدرت أعماله في كل من تونس وبيروت والقاهرة ودمشق واللاذقية وطرابلس وشارك في عدد من لجان التحكيم مشرقا ومغربا.
وهو رئيس اتحاد الكتاب التونسيين سابقا، وعضو اتحاد الكتاب العرب، ينتمي إلي الجامعة التونسية منذ منتصف الثمانينات (أستاذ محاضر).وعميد سابق بكلية الآداب بالقيروان. وعضو الجمعية المغربية الفرنسية للآداب المكتوبة بالفرنسية. وعضو هيئة تحرير مجلة الحياة الثقافية.
أعماله..


صدرت لصلاح الدين العديد من المؤلفات الأدبية وتنوعت بين الرواية والقصة القصيرة والترجمة. في الرواية (مدونة الاعترافات, التاج والخنجر والجسد, النخاس, السيرك, سبع صبايا, لون الروح). و في القصة القصيرة (سهل الغرباء, لاشيء يحدث الآن) وفي الدراسات (مقالة في الرواية، الرواية العربية بين الرمز والأسطورة، في الألفة والاختلاف بين الرواية العربية والرواية المكتوبة بالفرنسية في تونس).
التغير والاختلاف..
في حوار معه أجراه “ساسي جبيل” يقول “صلاح الدين بوجاه” عن المشهد الإبداعي في تونس والوطن العربي: “يقوم المشهد الإبداعي في تونس والوطن العربي على التغير والاختلاف. فلقد شهدنا منذ سنوات عشر إرهاصات عديدة توحي بالتحول. ومثلت “ثورات الربيع العربي” فرصة استثنائية بالنسبة إلى المنطقة كلها، بحيث غدت فعلا من قبيل انتظار الجديد المبهج، رغم الكثير من مظاهر الفوضى التي لا يمكن إنكارها لكنها “فوضى خالقة” قادرة على الإفضاء إلى المستقبل. فقد أخذت النصوص الجديدة تستشرف المستقبل، حقا، في شتى أنحاء العالم العربي، في بابي الرواية والشعر، وخاصة في باب “السرد الروائي” حيث طلع علينا شعراء معدودون بروايات تتسم بالطرافة والعمق. لهذا فإن تقويمي للمشهد الإبداعي يتسم ”بالدهشة الجميلة” إزاء هذه التحولات الكبرى الحاصلة. ولعل هذا يؤكد أن لكل ثورة تحولها الثقافي الخاص بها، رغم أن التحولات الثقافية لا تحدث قبل الثورات.
لهذا نراهن على أن الثورة الثقافية التي ولدت الثورة الاجتماعية قد أخذت في الحدوث على الأقل منذ عشر سنوات. فهي تولد بالتدريج وتتشابك مع النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وتؤثر فيها جميعا باعتبار أن الثقافي قاطرة الاقتصاد والسياسي. والملاحظ أن هذه الانطباعات سليمة جدا بالنسبة إلى تونس بلدي. لكنني لاحظت أيضا أنها سليمة تماما بالنسبة إلى القطر الليبي الشقيق الذي أقيم فيه منذ حوالي ثلاث سنوات، مديرا للمركز الثقافي التونسي في طرابلس”.
محاورة الإبداع العالمي..
ويضيف: “أغلب الراهن الإبداعي العربي تقليدي. بيد أننا نشهد في السنوات الأخيرة نماذج عديدة جدا للأدب الجيد، أصبحت قادرة على محاورة الإبداع العالمي، إذ تقوم على التوق نحو المستقبل. وغالبها من قبيل التجارب الإبداعية اللافتة للنظر مثل ما يعرف بالموجة الجديدة في مصر، ومثل ما تختزله سلسلة “عيون المعاصرة” في تونس، حيث نرى نماذج قادرة على محاورة الذائقة العربية من ناحية، كما نلحظ أنها مقبلة على مخاطبة الآخر من ناحية أخرى.
وفي تقديرنا فإن الرسائل الجامعية التي تكتب حول تجربتي، أو تجارب غيري من الكتاب، يمكن أن تمثل “محرارا” ينخل به جيد الأدب من رديئه، على اعتبار أن الصخب الإعلامي الذي ينشأ فوق أعمدة الصحف لا يعبر بالضرورة على الأدب الجيد، والملاحظ أن الهدوء هو الأصل في الأعمال كلها”.
وعن الرواية يقول: “فعلا أنا معك في أن الرواية قد صارت اليوم “ديوان العرب” ويعود ذلك إلى أسباب سوسيولوجية وإبداعية شتى، ودون حديث عن مسألة ”سحب البساط” فإننا نلاحظ أن الذائقة العامة قد تغيرت، في العالم العربي وخارجه، وليس هذا مقصورا على المجال العربي. فالشاعر الكبير في أوروبا مثلا لا يطبع أكثر من 500 نسخة من أحد دواوينه. بيد أن مسألة “دور النشر” تختلف اختلاف بينا، إذا قارنا البلاد العربية بغيرها. فدور النشر الأجنبية تمتلك ”لجان قراءة”، وهي التي تغامر من أجل هذا المبدع أو ذاك، أما الإبداع الذي لا قيمة له فيضمحل من تلقاء نفسه.
هكذا فإن الموازين تختلف كثيرا بين البلاد العربية والغرب، وفي اعتقادنا فإن الأمر يعود إلى ظاهرة حضارية يمكن تناولها بعد سنوات من حدوثها. فتقويمنا للمشهد الإبداعي العربي يربط بين الإبداع وتحولات الربيع العربي، لكنه لا يعتبر الأمر ميكانيكيا بحيث أن التحول الفكري يحدث بالضرورة يوم حصول التحول السياسي! وفي تقديرنا أنه يمكن أن يحدث قبله أو بعده بسنوات، وترى أننا نلاحظ في تونس وطرابلس والقاهرة ومنطقة الخليج العربي أن التحولات الثقافية تحدث قبل التحولات السياسية”.
لغة منتقاة..
وعن اهتمامه باللغة في كتابته الأدبية يقول: “لعلك تشير إلى أنني قد بدأت حياتي الأدبية في الثمانينات بلغة منتقاة في كتبي الأولى مثل ”المدونة” أو ”التاج والخنجر والجسد” أو ”حمام الزغبار” ، فهي قبيل الروايات التي تعتني بالكلمة الجميلة واللفظ الرائق، ولقد أقر النقاد أن بداياتي كانت من قبيل الولع بمدونة “كرم ملحم كرم”. ولعلك تشير إلى أنني قد اتجهت بعد ذلك، بداية من ”النخاس ” نحو سلوك طريق جديدة طريق جديدة، هي أقرب إلى الذائقة المعاصرة. وفي هذا تكريس للتواصل مع القارئ ومخاطبة لذائقته. وهذا ما أكدته عديد الدراسات الجامعية التي تناولت تجاربي الروائية”.
لون الروح..
في مقالة بعنوان (” لون الروح “لصلاح الدين بوجاه رواية بانبتيكية!) للكاتب “العادل خضر” يقول فيها: ” أنّ الكتابة في الرّواية، في بعض التّجارب الحديثة، إنّما هي كتابة ضدّ الرّواية لتخليصها من هيمنة الحبكة الأرسطيّة. ولعلّ تجربة الرّوائيّ التّونسيّ صلاح الدّين بوجاه القصصيّة والرّوائيّة تتنزّل في هذا المدار. فمن روايته البكر “مدوّنة الاعترافات والأسرار” (تونس 1985) إلى روايته “لون الرّوح” وما بينهما من روايات كـ”التّاج والخنجر والجسد” (القاهرة1992)، و”النّخّاس” (تونس 1995)، و”سبع صبايا” (تونس 2005)، وأقاصيص مجموعتي “سهل الغرباء” (تونس 1998)، و”لا شيء يحدث الآن” (تونس 2001)، مافتئت ملامح هذه التّجربة تتّضح من عمل إلى آخر. فهي تؤكّد على غرار بعض التّجارب الرّوائيّة اليوم أنّ ما هو آيل إلى زوال ليس فنّ الرّواية وإنّما نوع مخصوص من الحبكات توهّمنا لزمن طويل أنّه من دونه تنعدم مقولة القصّ ولا يكون بانعدامها للسّرد وجود.
وقد ساهمت بعض نظريّات القصّ الحديثة في ترسيخ هذا الوهم لمّا جعلت من الحبكة التّراجيديّة منوالها، ومن نظريّة الميتوس التّراجيديّ الّتي شيّدها أرسطوطاليس في كتاب “فنّ الشّعر” أنموذجها. فأضحت الحكايات الّتي لا تفي بشروط هذا المنوال مجرّد أحداث متفرّقة. فالحبكة التّراجيديّة منوال مخصوص في ترتيب الأحداث، له بداية ووسط ونهاية، ويتميّز في تأويل ريكور له بقدرته على جعل الأحداث المنبثقة على نحو مفاجئ أو طارئ متناسقة غير متنافرة، بحيث أنّ أيّ تغيّر في مجرى الأحداث يفضي إلى تغيّر في مصير البطل”.


ويواصل: “تقرأ رواية صلاح الدّين بوجاه “لون الرّوح”، وتتصفّح فصولها الثّلاثة الموسومة ببعض أمكنتها: «المنتجع قرب البحيرة» و«الشّارع الفضفاض» و«غابة الأوكاليبتوس» الّتي وزّعت عليها الوقائع فتتأكّد أنّك أمام رواية بانوﭙتيكيّة panoptique، نسبة إلى “البانبتيك” أو الرّؤية الشّاملة. و”البانُبتيك” أو “البانُبتيكون” في الأصل تصميم هندسيّ للسّجن الكامل، ابتدعه الحقوقيّ والفيلسوف البريطاني جريمي بنثام. وهو عبارة عن دائرة كبيرة من الزّنزانات رصّفت حول برج مركزيّ تشغله عين الرّقيب الّذي يراقب كلّ المساجين دون أن يراه أحد. وقد استخدم أنموذج “البانُبتيك” في المستشفى لمراقبة المجانين، وفي المعمل لمراقبة العمّال، وفي المدرسة لمراقبة التّلاميذ. ويبدو أنّ استعماله قد انتشر، فقد تبنّته عدّة دول لأنّه يمثّل في جوهره أساس المجتمع الانضباطيّ الحديث. وقد اتّسع استعماله فيما بعد، فشمل الفضاء العموميّ كمراقبة الطّرقات… والفضاء الخصوصيّ في بعض الأحيان، بعد أن اتّخذ اليوم شكلا “كاتوديّا” cathodique تمثّل في انتشار عدسات كاميرا المراقبة في أمكنة كثيرة. وإذا كانت هذه العدسات قد أصبحت جزءا مألوفا من المشهد اليوميّ فإنّ عيون المخبرين وشاشات الكاميرا كانت طاغية الحضور في “لون الرّوح” طغيانا جعلها تفتكّ من الرّواية دور البطل افتكاكا. فقد كان كلّ شيء فيها تحت سطوة المخبرين وقوّة الرّقابة المدجّجة بتقنيات هائلة وإمكانات رهيبة لمتابعة حركات الأجساد والاطّلاع على الأفئدة وسكنات الرّوح، وحتّى لونها، إذ ” يبدو أنّ أصحابنا ينقّبون عن لون الرّوح فيما وراء السّحنة الخارجيّة، ويرغبون في الوصول إلى اكتشاف ضمائر النّاس وخالص أسرارهم”. بهذه العبارات الاستهلاليّة تفصح الرّواية منذ البداية عن برنامجها (السّرديّ؟) وترسم في صورة تكاد تكون ثابتة الأدوار الّتي اضطلعت بها شخوص الرّواية”.
ويضيف : “إنّ هذه الجماليّة الّتي تنقلنا من “جماليّة النّفسيّ” حيث يهيمن التّقابل المتفاوت الحدّة بين الباطن والظّاهر كما في القصص النّفسيّ، أو بين المخبر والمظهر كما في القصص البوليسيّ أو التّجسّس… إلى “جماليّة اللاّشخصيّ” الميتافيزيقيّة الّتي يمكن تحديدها بكونها قبضا أو محاولة للقبض على هويّة الكائنات هي ما تقترحه علينا رواية “لون الرّوح” لمجابهة قوى الرّتابة والفظاعة الّتي أصبحت اليوم طاغية أكثر من ذي قبل، تهدّد “الإنسان الأخير” في “نهاية التّاريخ” بفقدانه لكلّ هويّة سرديّة ممكنة بزوال الميمزيس وقيام التّقصيص بعد أن أصبح تعهّد الذّات شأنا غير موكول إليه وإنّما إلى القوى اللاّشخصيّة الّتي تصنع “الفظيع” و”الرّتيب المبتذل””.
وفاته..
توفي “صلاح الدين بوجاه” في 17 فبراير 2021.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب