8 مارس، 2024 4:07 ص
Search
Close this search box.

صلاح أبو سيف.. صنع تراثا من الأفلام الواقعية التي اهتمت بالفقراء

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: إعداد- سماح عادل

“صلاح أبو سيف” مخرج مصري كبير يعدّ رائد الواقعية في السينما المصرية.

حياته..

وُلد “صلاح أبو سيف” في يوم 10 مايو عام 1915. في محافظة بنى سويف مركز الواسطى قرية الحومة. توفي والده مبكرا فعاش يتيماً مع والدته التي قامت على تربيته بشكل صارم. بعد الانتهاء من الدراسة الابتدائية التحق “صلاح أبو سيف” بمدرسة التجارة المتوسطة، كذلك عمل في شركة النسيج بمدينة المحلة الكبرى، وفي نفس الوقت اشتغل بالصحافة الفنية، ثم انكب على دراسة فروع السينما المختلفة والعلوم المتعلقة بها مثل الموسيقى وعلم النفس والمنطق.

عمل لمدة ثلاث سنوات في المحلة من 1933 إلى 1936 وكانت فترة تحصيل مهمة في حياته، وقام بهذه الفترة بإخراج بعض المسرحيات لفريق مكون من هواة العاملين بالشركة، وأتيحت له فرصة الالتقاء بالمخرج “نيازي مصطفى” الذي ذهب للمحلة ليحقق فيلماً تسجيلياً عن الشركة، ودهش “نيازي مصطفى” من ثقافة “أبو سيف” ودرايته بأصول الفن السينمائي ووعده بأن يعمل على نقله إلى أستوديو مصر.

فبدأ “صلاح أبو سيف” العمل بالمونتاج في أستوديو مصر، ومن ثمَّ أصبح رئيساً لقسم المونتاج بالأستوديو لمدة عشر سنوات حيث تتلمذ على يده الكثيرون في فن ال مونتاج. كذلك ألتقي بأستوديو مصر بزوجته فيما بعد “رفيقة أبو جبل” وكذلك بـ”كمال سليم” مخرج فيلم العزيمة.

السينما..

وفي بداية 1939 وقبل سفره إلى فرنسا لدراسة السينما عمل “صلاح أبو سيف” كمساعد أول للمخرج “كمال سليم” في فيلم “العزيمة” والذي يُعَدُّ الفيلم الواقعي الأول في السينما المصرية. وفي أواخر عام 1939 عاد “أبو سيف” من فرنسا بسبب الحرب العالمية الثانية، وفي 1946 قام بتجربته الأولى في الإخراج السينمائي الروائي وكان هذا الفيلم هو “دائما في قلبي” المقتبس عن الفيلم الأجنبي “جسر واترلو”، وكان من بطولة “عقيلة راتب” و”عماد حمدي” و”دولت أبيض”.

وفي 1950 عندما عاد “صلاح أبو سيف” من إيطاليا حيث كان يخرج النسخة العربية من فيلم “الصقر” بطولة “عماد حمدي” و”سامية جمال” و”فريد شوقي” كان قد تأثر بتيار الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية وأصر على أن يخوض هذه التجربة من خلال السينما المصرية.

وقد أخرج للسينما العراقية فيلم “القادسية” عام 1982 والذي اشترك فيه العديد من الفنانين العرب من مختلف أقطار الوطن العربي من العراق ومصر والكويت وسوريا والمغرب وغيرها من الفنانين العرب هم “سعاد حسني” و”عزت العلايلي” و”شذى سالم” و”ليلى طاهر” و”محمد حسن الجندي” و”هالة شوكت” و”كنعان وصفي” و”سعدية الزيدي” و”طعمة التميمي” و”قاسم محمد” و”قائد النعماني” و”سعدي يونس” و”بدري حسون فريد” و”جبار كاظم” و”هاني هاني” و”قاسم الملاك” و”غازي الكناني” و”فوزية عارف” و”بهجت الجبوري” و”كامل الكيسي” و”ضياء محمد” و”نزار السامراني” و”كنعان عز الدين” و”يعقوب أبو غزالة”.

اشترك “صلاح أبو سيف” في كتابة السيناريو لجميع أفلامه فهو يُعِدُّ كتابة السيناريو أهم مراحل إعداد الفيلم، فمن الممكن عمل فيلم جيد بسيناريو جيد وإخراج سيء ولكن العكس غير ممكن لذا فهو يشارك في كتابة السيناريو لكي يضمن أن يكون كل ما كتبه السيناريست متفقاً مع لغته السينمائية.

كما أنه عين رئيساً لأول شركة سينمائية قطاع عام في الفترة من 1961 وحتى 1965.

تقول عنه الناقدة الألمانية “اريكا ريشتر”: “صلاح أبو سيف هو أستاذ الأفلام الواقعية في مصر. وتعتبر أفلامه بمثابة العمود الفقري لهذا الاتجاه، تلك الأفلام التي تستطيع من خلالها دراسة أهم المواضيع والأساليب والحلول الفنية التي يلجأ إليها الفيلم الواقعي في مصر للقضايا التي يواجهها ويتصدى لها. ولقد استطاع أبو سيف أن يواجه الأفلام اللاواقعية التي تنتجها “هوليود الشرق” بأفلام ذات مضمون شعبي وإنساني- اشتراكي، وأصبح بذلك سنداً ومحرضاً وممهداً للسينما المصرية التقدمية، مساهماً بذلك مع كل الجهود الجدية في هذا المجال. ويُعَدُّ الممثل الثاني للسينما المصرية بعد “كمال سليم”. كذلك استطاع أن يدخل الفيلم المصري في نطاق تاريخ الفن السينمائي العالمي. ولقد عرضت أفلامه في مهرجانات كان، البندقية، موسكو، كارلوفي – فاري وبرلين”.

قدّم “صلاح أبو سيف”، في حياته الفنية 50 عاماً، أربعين فيلماً نال عليها جوائز وأوسمة كثيرة في مهرجانات عربية ودولية.

الواقعية..

في مقالة بعنوان (صلاح أبو سيف.. أستاذ الواقعية في السينما المصرية) يقول “عمرو عبد المطلب”: “أدرك صلاح أبو سيف نوعية الأفلام التي يريد تقديمها كمخرج، والتي تختلف اختلافا جذريا عما كان سائدا في ذلك الوقت، لم يكن أبو سيف مولعا بالأفلام التي تتخذ من القصور ديكورا ومسرحا لأحداثها ومن الـ «بشوات» و«الهوانم» أبطالا لها. وكان يسعى إلى تقديم سينما تُعنى بالبسطاء كالفلاحين الذين نشأ في وسطهم، والعمال الذين زاملهم لسنوات في المحلة. وهو اتجاه بدأ يظهر جليا في أفلامه بدء من فيلم “الصقر” عام 1949 بعد عودته من إيطاليا والذي بدا فيه واضحا تأثره بتيار ما يعرف بالواقعية الجديدة هناك. في عام 1952 قدم رؤية مماثلة لرؤية أستاذه كمال سليم في “العزيمة” مبرزا التناقض بين سكان الحارة الشعبية وسكان القصور من خلال فيلم “الأسطى حسن” الذي يروي قصة عامل يسعى للترقي الاجتماعي. وفي العام ذاته تمكن أبو سيف من خلال فيلمه “ريا وسكينة” المأخوذ عن قصة ريا وسكينة من نقل ديكور الفيلم برمته إلى الحي الشعبي وتحديدا إلى حي اللبان في مدينة الإسكندرية بعد أن كان ديكور الأفلام قاصرا على قصور الأثرياء.. وبدا انحيازه الاجتماعي واضحاً في فيلمه التالي “الوحش” الذي يبدو  للوهلة الأولى فيلماً بوليسياً عن الصراع بين زعيم عصابة قاتل في أقصى صعيد مصر وبين ضابط شاب، إلا أن أبو سيف من خلال مشاهد كثيرة في الفيلم وفى ثنايا قصته استطاع أن يصور ويقدم أوضاع الفلاح المصري البائسة وأن يسخر من طبقة الإقطاعيين التي تتسبب في شقاء هذا الفلاح”.

ويضيف: “ومع اندلاع ثورة يوليو 1952، انحاز أبو سيف إليها بشكل كامل خاصة في ظل مناداتها وسعيها لتحقيق العدالة الاجتماعية، فجاءت أفلامه التالية مواكبة لهذا التغيير ومعبرة عما حدث من تغييرات هائلة في المجتمع المصري بعد الثورة كفيلمه «الفتوة» عام 1957 الذي يدين آليات السوق التي من شأنها إفساد الفرد خاصة في ظل نظام اجتماعي يعتمد على تلك الآليات. وحتى نهاية الخمسينيات، سيطر على أفلام أبو سيف طابع الرومانسية، والتي كانت في أغلبها مقتبسة عن أعمال أدبية لإحسان عبد القدوس، مثل «الوسادة الخالية» الذي شهد أول تعاون بينه وبين عبد الحليم حافظ و «لا أنام» و «هذا هو الحب». وكما هو الحال مع إحسان عبد القدوس، كان لأعمال نجيب محفوظ نصيب من سينما أبو سيف، خاصة في ظل الصداقة التي جمعت بين هذين المبدعيْن من خلال جلساتهما وسهراتهما مع أصدقائهما وقد أطلق عليهم جميعا شلة «الحرافيش». وقد حول أبو سيف أكثر من عمل لمحفوظ إلى أفلام سينمائية مثل «بداية ونهاية» عام 1960 و«القاهرة 30» عام 1966. وحين وقعت نكسة عام 1967، لم تبتلع أبو سيف دوائر اليأس كما حدث مع كثير من مبدعي مصر، وإنما حوّل النكسة إلى دافع لتقديم أفلام تعالج الأوضاع التي أدت إليها. فقدم في نفس عام العدوان (1967) فيلم «الزوجة الثانية» الذي احتفى فيه بنموذج الفلاحة التي تتمكن- رغم قهر العمدة الطاغية- من التغلب على هذا القهر وانتزاع حقها وحق زوجها المظلوم . وفي العام التالي، وعلى وقع تظاهرات الطلبة والعمال المطالبة بإزالة آثار العدوان ومحاسبة المتسببين عن النكسة، قدم أبو سيف فيلمه «القضية 68» والذي حمل نداء واضحا للقيادة «هدّها يا عم منجد وإبنيها من جديد»”.

ويواصل:”ومع مجيء السبعينات وتغير خريطة الإنتاج السينمائي بدأ عطاء أبو سيف السينمائي يتناقص، ففي الفترة من 1971 إلى 1981 لم يقدم المخرج المخضرم سوى سبعة أفلام فقط، غلب على بعضها الطابع التجاري مثل «حمام الملاطيلي» وعلى البعض الآخر القالب الديني مثل «فجر الإسلام» وحمل بعضها طابعا فلسفيا مثل «السقا مات» المقتبس عن عمل أدبي ليوسف السباعي يطرح تساؤلات عن الموت. إلا أن أبو سيف استأنف نشاطه السينمائي في الثمانينات مدفوعا بإبداعات جيل جديد من السينمائيين الذين تتلمذوا على يديه كعاطف الطيب ومحمد خان وخيري بشاره وداوود عبد السيد وغيرهم ممن أنشئوا ما عرف بتيار «الواقعية الجديدة» في السينما المصرية. وفي عام 1986، قدم صلاح أبو سيف أحد أكثر أعماله تميزا وهو فيلم «البداية» الذي طرح من خلاله التساؤل الأبدي عن قضية الملكية الفردية وتأثيرها على المجتمع ككل. أما فيلم «المواطن مصري» الذي قدمه عام 1991 عن نص أدبي ليوسف القعيد وعاد فيه للتعاون مع النجم العالمي عمر الشريف بعد عودته من الخارج وبعد نحو ثلاثين عاما من تعاونهما في فيلم «بداية ونهاية»، فحمل تساؤلات عن مصير جيل حرب أكتوبر 1973، هذا الجيل الذي صمد طويلا وحارب وجلب لبلاده النصر ثم عاد ليجد غيره يتمتع بثمار هذا النصر.. وكان آخر أعمال أبو سيف على الشاشة الفضية الفيلم الكوميدي «السيد كاف» عام 1994 الذي حمل، رغم طرافته، سخرية واضحة من طبقة الأثرياء الجدد من خلال سيدة تعنى بكلبها بأكثر مما تعنى بالبشر”.

حمام الملاطيلي..

يقول عنه حفيده المخرج الشاب “مصطفى أبوسيف”: “ذكرياتي عن جدي ترتبط بشكل كبير بسفرياته، التي اعتاد في كل واحدة منها أن يحضر لي ولشقيقتي أجود أنواع الشوكولاتة، بينما لم يكن يتحدث معنا مطلقًا عن السينما، وكان يميل للصمت والتفكير ولا يتكلم إلا عند الضرورة.. باختصار هو إنسان مفكر، الكتاب أقرب صديق له، تجده في كل ركن من أركان منزله، وما زلنا نحتفظ بمكتبته في منزلنا”.

ويعود بالتاريخ 46 عامًا، ليتحدث عن أكثر أفلام “صلاح أبو سيف” إثارة للجدل حتى اليوم “حمام الملاطيلي”، ويقول: “هذا العمل كان مناسبًا للفترة التي قدمت به، ومن الصعب جدًا الاقتراب من موضوعات مشابهة حاليًا، وإلا سنجد جدلاً كبيرًا جدًا، وهذا العمل يكشف كيف كان صلاح أبو سيف لا يعبأ بتلك المشاكل، طالما لديه وجهة نظر يريد طرحها من خلال مواضيع بعينها. الفيلم على المستوى الفني أكثر من رائع، وقُدم بحرفية عالية جدًا”.

تراكم سينمائي..

أهمية “صلاح أبو سيف” ترجع إلى كونه أول مخرج في السينما العربية يتمكن من تحقيق تراكم سينمائي مميز له في سنوات قليلة، وفي اتجاه السينما الجادة الواقعية. فقد آثر من سبقوه الاكتفاء بفيلم واحد واقعي مميز قبل الاتجاه إلى السينما التجارية. حدث ذلك مع المخرج “كمال سليم” الذي لم يستطع أبدا تجاوز ما حققه في فيلم «العزيمة» عام 1939. وتكرر الأمر مع المخرج “كامل التلمساني” الذي أخرج تحفته «السوق السوداء» عام 1945، ثم انصرف إلى أفلام أخرى أقل شأنا. أما أبو سيف فقد واصل التطور من فيلم إلى آخر، صانعا وحده «تراثا» هاما من الأفلام التي ترصد الكثير من القضايا الاجتماعية في حياتنا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية مرورا بمرحلة التحول الاجتماعي في العهد الناصري، ثم مرحلة الوعي بالهزيمة وما بعدها.

وفاته..

وقد توفي “صلاح أبو سيف” في 22 يونيو عن عمر ناهز 81 عامًا 1996.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب