8 أبريل، 2024 12:01 م
Search
Close this search box.

صفاء السراي.. ابن ثنوة شهيد ثورة البراءة

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

سقط الشاعر العراقي “صفاء السراي” كما سقط مثله عشرات من الشباب والثوار في العراق يوم الاثنين 28 أكتوبر 2019، وقد قتل “صفاء السراي” بإيدي قوات الأمن قرب جسر الجمهورية، وسط العاصمة بغداد.

أصيب “صفاء السراي” بقذيفة غاز في رأسه بشكل مباشر، وفق شهادات ناشطين وشهود عيان كانوا إلى جانبه لحظة سقوطه،عصر الاثنين 29 أكتوبر، ونقل إلى مستشفى الجملة العصبية إلى الجنوب من ساحة التحرير.

لم تفلح محاولات إنقاذ “صفاء السراي” على مدى عدة ساعات وهو في العناية المركزة، حيث كانت الإصابة بالغة، ليعلن عن وفاته، قبيل منتصف ليل الاثنين.

وشيَعه الآلاف مع ساعات الفجر الأولى، في ساحة التحرير، تلبيةً لرغبته، حيث كان قد أوصى أن يطاف به حول نصب التحرير، بحسب شهادات بعض أصدقائه المقربين.

وتقدمت عربات “التك تك” التي أصبحت تعد “أيقونة احتجاجات تشرين” في العراق، مسيرة تشييع “ابن ثنوة” كما يلقب “صفاء السراي” نفسه نسبة إلى والدته، فيما استمرت صرخات أصدقائه تلاحق سيارة “الكوستر” التي حملت النعش، تتعهد بـ “استمرار الاحتجاجات والمطالبة بدماء السراي ورفاقه الذين قتلوا، منذ مطلع تشرين الأول/أكتوبر”.

وكان “صفاء السراي” واحدا من الشهداء الذين بلغوا نحو 4 آلاف قتيل وجريح منذ انطلاق الجولة الثانية من الاحتجاجات العراقية، يوم الجمعة 25 تشرين الأول/أكتوبر، بحسب المفوضية العليا لحقوق الإنسان، في ليلة دموية شهدت “مجازر” بحق المدنيين في كربلاء، كما أظهرت مقاطع مصورة.

وُلد “صفاء السراي” عام 1993 لعائلة بغدادية، سكنت مناطق “جميلة والشعب”، تخرّج من الجامعة التكنولوجية، وخلال سنوات الدراسة، عمل في سوق “جميلة” حمّالًا، بحسب أصدقائه المقربين.

أكمل دراسته دون أي سنة رسوب، وتخرج مبرمجًا من قسم علوم الحاسبات في الجامعة التكنولوجية، وبعد التخرّج، عمل في كتابة العرائض (عرضحالجي) أمام إحدى مديريات المرور.

تُوفي والد “صفاء السراي” في وقت مبكر من حياته، وفي عام 2017، توفيت والدته بعد إصابتها بالسرطان في عدة أجزاء من جسدها، وفق ما يكشفه زملاؤه الذين يؤكدون على أنه شخص تحلى برباطة جأش شديدة، جعلته يتجاوز المِحن التي تواجهه، ويواصل مهامه ونشاطه.

كتب “صفاء السراي” الشعر الشعبي والفصيح على نطاق ضيق، كما كان رسامًا ماهرًا على حد قول زملائه، وفي الشعر، كان يُبدي إعجابًا منقطع النظير بالشاعر العراقي المعروف بثوريته، “مظفر النواب”.

شارك “صفاء السراي” في جميع الحركات الاحتجاجية التي صادفته تقريبًا، يقول أصدقاؤه إنه لم يترك حركة احتجاجية دون أن يكون ضمن أفرادها.

شارك “صفاء السراي” في تظاهرات العام 2011 في ساحة التحرير، في حقبة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وتعرض للضرب بالهراوات على يد القوات الأمنية، وعام 2015، في حقبة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، شارك في تظاهرات الحادي والثلاثين من تموز/يوليو في بغداد، والتي انطلقت لمؤازرة تظاهرات محافظة البصرة بعد مقتل المتظاهر منتظر الحلفي، وتعرض أيضًا للضرب، كما شارك في تظاهرة أصحاب البسطيّات بعد حملة إزالة نفذتها السلطات.

تعرض “صفاء السراي” للاعتقال خلال تظاهرات العام 2013 التي طالبت بتقليص امتيازات المسئولين الحكوميين والنواب، ثم اعتُقل مرة أخرى عام 2018، على خلفية اشتراكه في تظاهرات المناطق الفقيرة شرق بغداد (المعامل والحسينية)، وبعد إطلاق سراحه، قال مقربون منه، إنه كشف لهم عن تلقيه تهديدات على صفحته في فيسبوك لثنيه عن الاستمرار في المشاركة بالاحتجاجات، حيث تلقى رسائل من “حسابات وهمية” تُظهر صورة التُقطَت له أثناء تواجده في المُعتقل، وتحذره من الاستمرار.

يقول أصدقاؤه، إنه لم يكن يُخفي مخاوفه من الاستهداف، لكنه كان يواصل في اليوم التالي عمله المعتاد، الاحتجاج.

عُرِف “صفاء السراي”، بالجرأة الشديدة، يقول أصدقاؤه إنه كان كثير الاشتباك مع الإعلاميين و”النُخب” التي يتهمها بالمهادنة، وبّخ في وقت سابق، جمعًا من الشعراء كانوا بانتظار مسئولة حكومية لتنظيم “فعالية شعرية” بينما كانت تندلع الاحتجاجات على الخدمات، وكتب باسمه الصريح وصورته، ضد العديد من الإعلاميين “في أوقات الاستراحة” من الاحتجاجات ضد العديد من الإعلاميين والشخصيات العامة التي كان يحثها على إبداء مواقف أكثر تقدماً ووضوحاً ضد أوضاع البلاد وسياسات السلطة، وأن يتوقفوا عن مجاملة دوائر السلطات وتمييع المواقف، لكن غالبية “ضحايا جرأته” أو المُختلفين معه، يعترفون بنقائه و”تطرفه الوطني” كما يصف أحد الإعلاميين.

قبل أسبوع من وفاته، حصل “صفاء السراي” للمرة الأولى على وظيفة في اختصاصه، حين تم توظيفه في جامعة أهلية.

كتب “صفاء السراي” قبل وفاته رسالة عنونها إلى الحشد الشعبي، امتدح تضحياتهم، وحذرهم فيها من مخطط يُراد لهم فيه الاشتراك في قمع التظاهرات، وذلك بعد ساعات على تصريح لنائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، قال فيه إن قواته ستتدخل في الوقت المناسب.

كتب السراي “مثلتم العراق والشعب العراقي خير تمثيل ووقفتم وقفة الأبطال أثناء محاربتكم لداعش، ولولاكم لما انتصر العراق على الإرهاب هذا الانتصار العظيم، كان في كل بيت حشداوياً نفتخر به، ونرفع رؤوسنا ونتباهى عندما يرجع إلينا مصاباً أو شهيداً.

كانت دعواتنا لكم كلما ذكرنا العراق، بأن ينصركم ويحميكم

كنتم خير ممثل عن الشعب، الشعب الحقيقي القابع في فقره.

إلى الآن بيوتات شهدائكم من صفيح، وأراملهم وأيتامهم يأكلهم الجوع والفقر، وما زالت أمهاتهم يتحسفن على أبنائهن، بسبب شعور عدم رد الجميل.

والآن.. الحكومة وقياداتكم تحاول زجكم في مواجهة مع الشعب، نفس الشعب الذي دافعتم عنه بأرواحكم..

نفس الشعب الذي قُتلتم وأصبتم من أجله

يحاولون أن يجعلوكم قتلة، ومنبوذين، ابقوا كما كنتم في صفوفنا، فالشعب باقٍ ويتذكر، والحكومات إلى زوال..”.

تتمركز القوات الأمنية خلف مصدات في جسر الجمهورية، وتواصل قصف المتظاهرين من خلف الجدران الكونكريتية دون هدف واضح، وجاءت إصابة السراي في اليوم الذي قررت فيه السلطات فرض حظر التجوال في العاصمة منذ منتصف الليل حتى السادسة فجراً، وهو القرار الذي كسره آلاف البغداديين وواصلوا التدفق إلى ساحة التحرير، ساورت ناشطين الشكوك في أن قرار حظر التجوال جاء لمحاولة عزل المعتصمين في ساحة التحرير عن الإمداد البشري من المناطق الفقيرة تمهيداً لفعل “شيء خطيرٍ ما” كما تتداول شائعات كثيرة منذ يومين، ولذا فقد قرر الآلاف الاندفاع إلى ساحة التحرير وزيادة الأعداد دعماً للمتظاهرين، ومنعاً لتنفيذ السيناريوهات السوداء التي يتداولونها، والتي ظهر نموذج منها في كربلاء تلك الليلة، حيث اقتحمت قوات مشتركة ساحة اعتصام كربلاء، وفرّقت المتظاهرين وأجبرتهم على إزالة خيام الاعتصام، واعتقلت ناشطين وإعلاميين، ولاحقت العشرات في الأزقة، فيما تداول ناجون أحاديث عن اشتراك “مدنيين مُلتحين” في عمليات القمع، على مرأى ضباط القوات الأمنية.

في الأثناء كان السراي يرقد في مستشفى الجملة العصبية متأثراً بإصابته، وقد أجرى له الأطباء عملية أزالوا فيها شظية القنبلة الغازية من رأسه وأوقفوا النزيف، لكن حالته بقيت حرجة وفق المصادر الطبية وذويه في المستشفى.

توفي “صفاء السراي” عند منتصف الليل، ووصل جثمانه إلى ساحة التحرير بعد أذان الفجر، رغم سريان حظر التجوال، وطاف به أصدقاؤه تحت نصب الحرية الذي يتوسط الساحة، والذي تحوّل إلى رمز للاحتجاجات العراقية.

و”رغم صعوبة الرؤية في ساحة التحرير” خلال ساعات الفجر الأولى، أنارت أضواء عجلات التوك توك، مسير موكب تشييع السراي، وتحولت تلك العجلات أيضاً إلى إحدى رموز الاحتجاجات الأخيرة، والتي عبّرت عن الشريحة الاجتماعية للمحتجين في التظاهرات التي واجهت أعنف حملة تسقيط سياسي وإعلامي منذ ما قبل انطلاقها، شملت مختلف اتهامات التخوين، حيث تحدث زعماء فصائل ونشطت مؤسسات إعلامية في نسج الاتهامات المختلفة ضد الحراك.

لكن أفواج “التكاتك” واصلت تعزيز صورة وهوية شريحة المحتجين الأكثر فقراً، وكتب ناشطون كثر إشادات بشجاعة سائقي “التوك توك” الذين ملئوا ساحات الاحتجاج، ونفذوا عمليات إنقاذ سريعة للمصابين.

حملت جثمان السراي سيارة نقل جماعي (كوستر)، وتقدم التشييع عجلات “التوك توك” فيما هتف المشيّعون باسم “ثنوة” والدة صفاء بعبارات “رافع راسه يا ثنوة ابنج”.

 

https://www.facebook.com/100008504383443/videos/2193680994258692/?t=0

 

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب