13 مارس، 2024 5:31 ص
Search
Close this search box.

صديقة الطلبة !

Facebook
Twitter
LinkedIn

(عن سيرة وكفاح الحاجة نبوية “أم سماعين” وأنجالها) !

قصة

خاص : بقلم – أنس دنقل :

-1-

مطلع سبعينيات القرن الماضي.. عرفتهما: طالبين مغتربين بجامعة “أسيوط”.. ينتميان إلى إحدى قرى محافظات جنوب الصعيد.. سكنا معًا شقة.. بدروم تحت الأرض بعشرة كيلومتر.. عمارة كبيرة.. شارع واسع.. ماعلينا !

أولهما: واقعي.. يؤمن أن ممارسة الجنس يجعل الفكر يتخلص من المنغصات ليتفرغ لطلب العلم والعبادة.. أفكاره: “القحبة.. أمة.. ملك اليمين.. حِلٍ لنا.. ليست حرة ليُطبق عليها أو من يضاجعها شرع الله”.. شديد التدين.. يُحافظ على الفروض والصلوات الخمس في أوقاتها..

الطالب الثاني: رومانسي.. ممتليء بالمثاليات.. يؤمن بالحب والمحبة بين البشر المتساويين في الحقوق والواجبات.. المتكاتفين؛ رغم أي اختلافات بينهم..

منذ البداية اتفقا على أن كلاً منهما حر في حياته داخل حدود غرفته الخاصة (لاحظ: عقد إيجار الشقة باسم الواقعي) !

تطبيقًا لشروط الاتفاق.. “الواقعي” تزوره من فترة لأخرى سيدة كهلة؛ (مومس).. قال عنها: عاملة متقاعدة بإحدى المستشفيات؛ (بالتأكيد عملت بتنظيف دورات المياه العمومية بأحد مستشفيات الدرجة العاشرة.. لا أكثر.. قبل أن تُحال للمعاش !).. تخطت الستين بسنوات طويلة..

“الواقعي” يُمارس معها الجنس.. لأسباب عدة: 1 – رخص المقابل المادي؛ (حاجه كده ببلاش يعني).. لظروفه الاقتصادية المتعسرة..

2 – خبرة: خبراتها الطويلة النادرة الممتدة في هذا المجال مما يصعب توفر نظيرها..

3 – صرف صحي جاهز في جميع الأوقات بدون أي فترات توقف اعتيادية.. “سباكه دليفري”.. لتجاوزها العمر الافتراضي للإنجاب !

المشكلة: في الطابق الأعلى للبدروم.. يسكن ضابط شرطة شاب مع نجل أحد عمد البلاد الميسورين؛ (هذا لا يهمنا حاليًا.. ربما نعود له في مرحلة لاحقة !)..

الست “أم سماعين” تعشق وتموت في دباديب حضرة الضابط “حسين” – ساكن العالي – في عز تأدية واجباتها السريرية مع “الواقعي” تتذكر الحليوة.. تُصيح في صاحبنا: أديك عنيا وعمري كله يا: فلان.. بس تشوف لي حضرة الضابط.. مستعدة أعيش عمري كله خدامة تحت رجليه.. أبوس أيدك تدخلني بس باب شقته؛ وأنا بعد كده عارفه طريقي.. أجيبه لغاية عندي حافي (ميول طبقية متجذرة.. إنجذاب طبيعي للسلطة؛ ككل شعبنا الطيب المتدين النبيل !)..

“الواقعي” ينفعل عليها: أعقلي يا وليه يا خرفانة.. حد قالك عليا مركب قرنين ؟!.. امشيكي من هنا.. أضربك بالمركوب القديم..

(الضابط من إحدى محافظات الدلتا التي تشتهر بالجمال.. أشقر.. عينيه ملونة مما يشي بالعلاقات الثقافية القديمة التي ربطت بلادنا  بفرنسا أثناء الحملة الفرنسية.. قبلها وبعدها.. ربما حفيد الزواج الشرعي الميمون للجنرال “مينو” – بعد أن أسلم وحسن إسلامه وسمى نفسه: “عبدالله” – ببنت مولانا الشيخ “السادات” !).

“الرومانسي” بعيد تمامًا عن كل هذه الحوارات.. إلى أن كان يومًا لم تطلع له شمس.. دق جرس الباب.. “الرومانسي” وحيد في الشقة.. الدنيا صيف.. حر.. “الرومانسي”.. قاعد يذاكر.. جالسًا فوق الكرسي اليتيم ذو الرجل المكسورة.. ساقيه على الترابيزة الخشب العالية (اشتراها بجوز جنيهات من سوق الأثاث الطلابي المستعمل).. عاريًا إلا من بنطلون بيجامة قديم.. عندما دق جرس الباب.. ظن أنه أحد زملائه.. فتح الباب ليفاجأ بالست “أم سماعين”.. حته واحدة.. لأول مره وجهًا لوجه.. بشعة.. بشعة.. 120 سم طول × 4 متر عرض.. !

-2-

“الرومانسي”: – فلان مش موجود..

  • حأدخل استناه..

“الرومانسي” عاد لكتبه وكرسيه المكسور.. متظاهرًا بالإنشغال.. “أم سماعين” تمددت على سريره السفري الحديد المجاور..

بعد فترة..

– قوم تعالى هنا جنبي.. قوم.. الكتمة وحشه على صحتك وركبك وعنيك..

– اتهدي.. ربنا يهديكي.. دلوقتي صاحبك ييجي..

– حأعملك كباية شاي يمكن تعدل مزاجك..

بعد فترة عادت بالشاي.. خلعت كل ثيابها الخارجية إلا قميصها  الداخلي.. تمددت هنيهة ثم خلعته.. بدت أكثر بشاعة.. كتل جلد مدبوغ مترهل.. ثدياها تصلا حتى منتصف كعب قدميها مثل قربتي سقا قديمتين فارغتين.. خاليتين من الماء والدسم والروح إلا عروق زرقاء كبيرة يابسة.. نافرة (للأسف معظمكم تربية مدن لم تدركوا وتعرفوا شكل قربة السقا !).

بدأت تُحاول ممارسة حركات.. للأسف.. تأوهات أكثر مدعاة للقيء والإشمئزاز؛ (فتحاتها الداخلية تصلح مأوي لفيلة وفئران وذباب وثعابين هاربة من حديقة الحيوانات !).. حاول صدها بكل الطرق.. أصبحت أكثر شراسة وعدوانية.. حاولت فتح شباك الحجرة المطلة على الشارع الرئيس.. هددت بالصراخ واستدعاء الجيران بحجة محاولة التعدي عليها..

لابد من استعمال الحيلة..

– أنت قمر.. أي واحد يتمناكي.. بس خايف فلان يزعل مني.. بيعتبرك حبيبته الوحيدة !

– مالكش دعوة بيه.. هو أشتراني ؟!

– خلاص.. ثانية واحدة.. أخد دش لأني وسخ وأرجع لك..

– تعالى أقعد أنت حلو كده ونضيف..

تخلص منها بدبلوماسية.. أمسك بأقرب ملابس له.. لاذ بالفرار للشارع الفسيح !

بعد ما يئست من عودته غادرت الشقة.. عندما شاهدته أعلى الدرج.. نظرت بحإتقار.. بصقت عليه قائلة: آخر زمن.. “أم سماعين” اللي كان باشوات ودبابير يترموا تحت رجليها.. آخر الزمن تبص لعيل وسخ من الأرياف.. أتفو عليكم ولاد كلب عرر !

-3-

سنوات عديدة مرت.. ما يقارب الأربعين عامًا.. سنة 2007.. الرئيس “مبارك” يزور محافظة “أسيوط”.. بحكم عمل “الرومانسي” يتفقد استعدادات أحد الأحياء للزيارة.. أبراج سكنية جديدة.. عمارات إسكان شباب.. متنزهات.. الحي تغير تمامًا.. تذكر ها هنا كانت تعيش “أم سماعين”.. مسكنها وغرزة معسلها والشاي.. مكانهما أصبح مول تجاري ضخم !

رجل أعمال كبير.. محسن فاضل يُتابع تعليق لافتاته للترحيب بالسيد الرئيس – باعتبار الرجل كبير الحي – يدعو “الرومانسي” لفنجان شاي بمكتبه الفاخر.. صور رجال ونساء.. أقطاب صوفية معروفين تُزين الجدران أسفل صورة السيد الرئيس.. تتوسطهم صورة المغفور لها “أم المحسنين”: الحاجة نبوية “أم سماعين” !

عندما لاحظ رجل البر والتقوى إعجاب “الرومانسي” بصورة المغفور لها المكللة بالسواد؛ وتوقفه طويلاً أمامها.. علق بتأثر واضح: جدتي الله يرحمها.. من ربتنا.. علمتنا فعل الخير في أهله وغير أهله.. أجاب “الرومانسي”: عارف من غير ما تقول.. سيماهم على وجوههم يا مولانا.. الله يرحمها.. ست عظيمة.. سيرتها عطرة !

أصدقائي: لقد ماتت سيدة العطاء والوطنية؛ لكن الحمد لله تركت لنا أجيالاً من الوطنيين الشرفاء.. أبناءً وأحفاد “بارك الله فيهم”؛ يواصلون مسيرة الحب والعطاء..

“أم سماعين” فكرة.. والأفكار لا تموت.. إن ماتت “أم سماعين” فكلنا “أم سماعين”.. وعلى دربها سائرون !!

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب