خاص : بقلم – د. محمد دوير :
.. مع كل معركة حول الحلال والحرام، التفكير والتكفير، المنح والمنع، تتجدد المقولات الكبرى، حول الحرية والنقد والمساحة المسموح بها للبشر في التعبير عن رؤاهم – ليس بالضرورة تكون صحيحة دائمًا – ومن يمتلك حق التقييم وبأي صورة يتم الحكم على الآراء..
.. ومع كل معركة تدور داخل المجتمع المصري، سواء حول الاستبداد السياسي أو الإقصاء الديني، نعود لطرح فكرتين: الحرية السياسية وفتح المجال العام، والحرية الثقافية وتحرير أغلال العقل من سطوة الجمود والتكلس.. وعلى إثر رحيل نوال، لابد وأن ننشغل بفكرة الإصلاح الديني، أي بضرورة أن يتوقف البشر عن إصدار الأحكام بوصفها أحكامًا إلهية، والإنتقال من تصوراتهم المطلقة عن الله وتشريعاته، إلى تصورات نسبية تترك مساحة للآخرين للتنفس بهدوء…
.. وعلى سبيل المثال، كان الإصلاح الديني الخطوة الأولى في الحداثة الأوروبية نحو سلطة العقل، وبغض النظر عن نتائجه النهائية، أي عن كونه مجرد حركة أدت إلى ظهور مذهب ديني جديد يُقر بالمباديء العامة للمسيحية ولا ينكرها، – وهي نتائج لا تروق لبعض من ينتقدونه بوصفه ليس سوى إعادة تحسين لوجه الدين والمسيحية خصوصًا – إلا أن ثمار الإصلاح الديني لم تكن مجرد السعي نحو تخليص المسيحية من شوائب علقت بها عن طريق رجال الدين ووضع الكنيسة المركزي في حياة الناس، بل تخطى الأمر أبعد من ذلك كثيرًا إذ أنه قدم رؤية استفادت منها الحداثة إلى أقصى مدى حول علاقة الإنسان بربه ومعتقده ودور هذا المعتقد في أمور الحياة العامة والسياسية بشكل خاص والحق في الإعتقاد وقبول الآخر.
.. لقد أسهمت ضرب تلك العلاقة التي كانت مقدسة بين الإنسان وربه بواسطة الكنيسة في تحرر الإنسان بعد عشرة قرون من الهيمنة الكنسية عن طرق التفكير، لقد كان الإنسان الأوروبي في العصور الوسطى أحد ممتلكات الكنيسة كالأراضي والأديرة والأموال، وما أنجزه الإصلاح الديني أن ضرب تلك العلاقة ولم يكن من الممكن أن تسير الحداثة قدمًا دون التخلص من ذلك القيد التاريخي أو السبي الكنسي للإنسان الأوروبي. ونقلت علاقة الإنسان بالدين من علاقة خضوع إلى علاقة شراكه تسمح بالنقد.
.. إن المعارك الجزئية التي تخوضها المجتمعات، هي التي يتشكل منها الوعي العام بضرورة التغيير، ونحن الآن في أمس الحاجة لأن نطرح وبإلحاح مسارات المستقبل، ومعوقات الحاضر، وقيود الماضي حتى يمكننا أن نبقى أحياء في هذا العالم المعاصر.